بازگشت

توحيد و بي همتايي


[3] -3- قال الصدوق:

حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله قال: حدثنا محمد بن أبي عبدالله الكوفي قال: حدثنا محمد بن اسماعيل البرمكي قال: حدثنا الحسين بن الحسن بن بردة قال: حدثني العباس بن عمرو الفقيمي، عن أبي القاسم ابراهيم بن محمد العلوي، عن الفتح بن يزيد الجرجاني قال:

لقيته عليه السلام [1] علي الطريق عند منصرفي من مكة الي خراسان، و هو سائر الي العراق، فسمعته يقول: من اتقي الله يتقي، و من أطاع الله يطاع، فتلطفت في الوصول اليه فوصلت فسلمت، فرد علي السلام، ثم قال:

يا فتح! من أرضي الخالق لم يبال بسخط المخلوق، و من أسخط الخالق فقمن أن يسلط عليه سخط المخلوق، و ان الخالق لا يوصف الا بما وصف به نفسه، و أني يوصف الذي تعجز الحواس أن تدركه، و الأوهام أن تناله، و الخطرات أن تحده، و الأبصار عن الاحاطة به، جل عما وصفه الواصفون، و تعالي عما ينعته الناعتون، نأي في قربه و قرب في نأيه، فهو في بعده قريب، و في قربه بعيد.

كيف الكيف، فلا يقال له: كيف؟ و أين الأين، فلا يقال له: أين؟ اذ هو مبدع الكيفوفية و الأينونية.

يا فتح! كل جسم مغذي بغذاء الا الخالق الرزاق، [2] فانه جسم الأجسام و هو ليس بجسم و لا صورة، لم يتجزأ، و لم يتناه و لم يتزايد و لم يتناقص، مبرأ من ذات ما ركب في ذات من جسمه، و هو اللطيف الخبير، السميع البصير، الواحد الأحد الصمد، لم يلد و لم

يولد و لم يكن له كفوا أحد.

منشي الأشياء، و مجسم الأجسام، و مصور الصور، لو كان كما يقول المشبهة لم يعرف الخالق من المخلوق، و لا الرازق من المرزوق، و لا المنشي من المنشأ، لكنه المنشي، فرق بين من جسمه و صوره و شيئه، و بينه اذ كان لا يشبهه شي ء.

قلت: فالله واحد، و الانسان واحد، فليس قد تشابهت الوحدانية؟ فقال:

أحلت، ثبتك الله! انما التشبيه في المعاني، فأما في الأسماء فهي واحدة، و هي دلالة علي المسمي، و ذلك أن الانسان و ان قيل: واحد، فانه يخبر أنه جثة واحدة و ليس باثنين، و الانسان نفسه ليس بواحد لأن أعضاءه مختلفة و ألوانه مختلفة غير واحدة، و هو أجزاء مجزأة ليس سواء، دمه غير لحمه، و لحمه غير دمه، و عصبه غير عروقه، و شعره غير بشره، و سواده غير بياضه، و كذلك سائر جميع الخلق.

فالانسان واحد في الاسم لا واحد في المعني، والله جل جلاله واحد لا واحد غيره و لا اختلاف فيه و لا تفاوت و لا زيادة و لا نقصان، فأما الانسان المخلوق المصنوع المؤلف فمن أجزاء مختلفة، و جواهر شتي، غير أنه بالاجتماع شي ء واحد.

قلت: فقولك: اللطيف، فسره لي، فاني أعلم أن لطفه خلاف لطف غيره للفصل، غير أني أحب أن تشرح لي.

فقال:

يا فتح! انما قلت: اللطيف، للخلق اللطيف، و لعلمه بالشي ء اللطيف، ألا تري الي أثر صنعه في النبات اللطيف و غير اللطيف، و في الخلق اللطيف من أجسام الحيوان من الجرجس و البعوض، و ما هو أصغر منهما مما لا يكاد تستبينه العيون، بل لا يكاد يستبان لصغره، الذكر من الأنثي، و المولود من القديم.

فلما رأينا صغر ذلك في لطفه، و اهتدائه للفساد و الهرب من الموت و الجمع لما يصلحه بما في لجج البحار، و ما في لحاء الأشجار و المفاوز، و القفار و افهام بعضها عن بعض منطقها، و ما تفهم به أولادها عنها، و نقلها الغذاء اليها، ثم تأليف ألوانها حمرة مع صفرة، و بياض مع حمرة، علمنا أن خالق هذا الخلق لطيف، و أن كل صانع شي ء فمن

شي ء صنع، والله الخالق اللطيف الجليل خلق و صنع لا من شي ء.

قلت: جعلت فداك، و غير الخالق الجليل خالق؟ قال:

ان الله تبارك و تعالي يقول: (فتبارك الله أحسن الخالقين) [3] فقد أخبر أن في عباده خالقين، منهم عيسي بن مريم، خلق من الطين كهيئة الطير باذن الله، فنفخ فيه فصار طائرا باذن الله، و السامري خلق لهم عجلا جسدا له خوار.

قلت: ان عيسي عليه السلام خلق من الطين طيرا دليلا علي نبوته، و السامري خلق عجلا جسدا لنقض نبوة موسي عليه السلام و شاء الله أن يكون ذلك كذلك، ان هذا لهو العجب! فقال:

ويحك يا فتح! ان الله ارادتين و مشيتين: ارادة حتم و ارادة عزم، ينهي و هو يشاء، و يأمر و هو لا يشاء، أو ما رأيت أنه نهي آدم و زوجته عن أن يأكلا من الشجرة و هو شاء ذلك، و لو لم يشأ لم يأكلا و لو أكلا لغلبت مشيتهما مشية الله، و أمر ابراهيم بذبح ابنه اسماعيل عليهماالسلام و شاء أن لا يذبحه، و لو لم يشأ أن لا يذبحه لغلبت مشية ابراهيم مشية الله عزوجل.

قلت: فرجت عني فرج الله عنك غير أنك قلت: السميع البصير، سميع بالاذن، و بصير بالعين؟

فقال: انه يسمع بما يبصر، و يري بما يسمع، بصير لا بعين مثل عين المخلوقين، و سميع لا بمثل سمع السامعين، لكن لما لم يخف عليه خافية من أثر الذرة السوداء علي الصخرة الصماء في الليلة الظلماء تحت الثري و البحار، قلنا: بصير لا بمثل عين المخلوقين، و لما لم يشتبه عليه ضروب اللغات، و لم يشغله سمع عن سمع قلنا: سميع لا مثل سمع السامعين.

قلت: جعلت فداك، قد بقيت مسألة، قال: هات لله أبوك.

قلت: يعلم القديم الشي ء الذي لم يكن أن لو كان كيف كان يكون؟

قال: ويحك! ان مسائلك لصعبة، أما سمعت الله يقول: (لو كان فيهما آلهة الا الله لفسدتا) [4] .

و قوله: (و لعلا بعضهم علي بعض) [5] .

و قال - يحكي قول أهل النار - (أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل) [6] .

و قال: (و لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه) [7] فقد علم الشي ء الذي لم يكن أن لو كان كيف كان يكون.

فقمت لأقبل يده و رجله، فأدني رأسه فقبلت وجهه و رأسه و خرجت و بي من السرور و الفرح ما أعجز عن وصفه لما تبينت من الخير و الحظ [8] .

[4] -4- روي الاربلي:

باسناده عن فتح بن يزيد الجرجاني قال: ضمني و أباالحسن الطريق حين منصرفي من مكة الي خراسان، و هو صائر الي العراق فسمعته و هو يقول: من اتقي الله يتقي و من أطاع الله يطاع.

قال: فتلطفت في الوصول اليه، فسلمت عليه، فرد علي السلام و أمرني بالجلوس و أول ما ابتدأني به أن قال:

يا فتح! من أطاع الخالق لم يبال بسخط المخلوق، و من أسخط الخالق فأيقن أن يحل به الخالق سخط المخلوق، و ان الخالق لا يوصف الا بما وصف به نفسه، و أني يوصف الخالق الذي تعجز الحواس أن تدركه، و الأوهام أن تناله، و الخطرات أن تحده، و الأبصار عن الاحاطة به، جل عما يصفه الواصفون، و تعالي عما ينعته الناعتون، نأي في قربه، و قرب في نأيه، فهو في نأيه قريب، و في قربه بعيد، كيف الكيف، فلا يقال: كيف؟ و أين الأين، فلا يقال: أين؟ اذ هو منقطع الكيفية و الأينية.

هو الواحد الأحد الصمد، لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفوا أحد، فجل جلاله، أم كيف يوصف بكنهه محمد صلي الله عليه و آله و قد قرنه الجليل باسمه، و شركه في عطائه، و أوجب لمن أطاعه، جزاء طاعته اذ يقول: (و ما نقموا الا أن أغناهم الله و رسوله من فضله) [9] .

و قال: يحيكي قول من ترك طاعته، و هو يعذبه بين أطباق نيرانها و سرابيل قطرانها: (يا ليتنا أطعنا الله و أطعنا الرسولا) [10] ، أم كيف يوصف بكنهه من قرن الجليل طاعتهم بطاعة رسوله حيث قال: (أطيعوا الله و أطيعوا الرسول و أولي الأمر منكم) [11] .

و قال: (و لو ردوه الي الرسول و الي أولي الأمر منهم) [12] .

و قال: (ان الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات الي أهلها) [13] .

و قال: (فسئلوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون) [14] .

يا فتح كما لا يوصف الجليل جل جلاله، و الرسول و الخليل، و ولد البتول، فكذلك لا يوصف المؤمن المسلم لأمرنا، فنبينا أفضل الأنبياء، و خليلنا أفضل الأخلاء، و وصيه أكرم الأوصياء، اسمهما أفضل الأسماء، و كنيتهما أفضل الكني، و أجلاها، لو لم يجالسنا الا كفو لم يجالسنا أحد، ولو لم يزوجنا الا كفو لم يزوجنا أحد، أشد الناس تواضعا، أعظمهم حلما، و أنداهم كفا، و أمنعهم كنفا، ورث عنهما أوصياؤهما علمهما، فاردد اليهم الأمر، و سلم اليهم، أماتك الله مماتهم و أحياك حياتهم، فاذهب اذا شئت رحمك الله.

قال فتح: فخرجت فلما كان من الغد تلطفت في الوصول اليه، فسلمت عليه، فرد علي السلام، فقلت: يا ابن رسول الله! أتأذن لي في مسألة اختلج في صدري أمرها ليلتي؟

قال: سل! و ان شرحتها فلي، و ان أمسكتها فلي، فصحح نظرك و تثبت في مسألتك، و اصغ الي جوابها سمعك، و لا تسأل مسألة تعنيت و اعتن بما تعتني به، فان العالم و المتعلم شريكان في الرشد، مأموران بالنصيحة، منهيان عن الغش.

و أما الذي اختلج في صدرك ليلتك فان شاء العالم أنبأك، ان الله لم يظهر علي غيبه أحدا الا من ارتضي من رسول فكلما كان عند الرسول، كان عند العالم، و كلما اطلع عليه الرسول فقد اطلع أوصياؤه عليه، لئلا تخلو أرضه من حجة يكون معه علم يدل علي صدق مقالته و جواز عدالته.

يا فتح! عسي الشيطان أراد اللبس عليك، فأوهمك في بعض ما أودعتك، و شككك في بعض ما أنبأتك حتي أراد ازالتك عن طريق الله و صراطه المستقيم، فقلت: متي أيقنت أنهم كذا فهم أرباب؛ معاذ الله، أنهم مخلوقون مربوبون مطيعون لله داخرون راغبون، فاذا جاءك الشيطان من قبل ما جاءك فاقمعه بما أنبأتك به.

فقلت له: جعلت فداك، فرجت عني، و كشفت ما لبس الملعون علي بشرحك، فقد كا أوقع في خلدي أنكم أرباب.

قال: فسجد أبوالحسن عليه السلام و هو يقول في سجوده: راغما لك يا خالقي! داخرا خاضعا.

قال: فلم يزل كذلك حتي ذهب ليلي، ثم قال: يا فتح! كدت أن تهلك و تهلك، و ما ضر عيسي عليه السلام اذا هلك من هلك، فاذهب اذا شئت رحمك الله.

قال: فخرجت و أنا فرح بما كشف الله عني من اللبس بأنهم هم، و حمدت الله علي ما قدرت عليه، فلما كان في المنزل الآخر دخلت عليه، و هو متك و بين يديه حنطة مقلوة يعبث بها، و قد كان أوقع الشيطان في خلدي أنه لا ينبغي أن يأكلوا و يشربوا اذ كان ذلك آفة، و الامام غير مئوف.

فقال: اجلس يا فتح! فان لنا بالرسل أسوة، كانوا يأكلون و يشربون و يمشون في الأسواق، و كل جسم مغذو بهذا الا الخالق الرازق، لأنه جسم الأجسام و هو لم يجسم و لم يجز ابتناه، و لم يتزايد و لم يتناقص، مبرأ من ذاته ما ركب في ذات من جسمه، الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفوا أحد، منشي الأشياء، مجسم الأجسام، و هو السميع العليم، اللطيف الخبير، الرؤوف الرحيم، تبارك و تعالي عما يقول الظالمون علوا كبيرا.

لو كان كما وصف لم يعرف الرب من المربوب، و لا الخالق من المخلوق، و لا المنشي من المنشأ، ولكنه فرق بينه و بين من جسمه، و شيأ الأشياء اذ كان لا يشبهه شي ء يري، و لا يشبه شيئا [15] .


پاورقي

[1] المراد منه الامام الهادي عليه السلام، معجم رجال الحديث ج 13، ص 241.

[2] كذا في المصدر و في البحار: «الرزاق» و لعله الصواب.

[3] المؤمنون: 14.

[4] الأنبياء: 22.

[5] المؤمنون: 91.

[6] فاطر: 37.

[7] الأنعام: 28.

[8] التوحيد: 60 ح 18، الكافي 1: 137 ح 3 الي قوله «مبدع الكيفوفية و الاينونية»، بحارالأنوار 4: 290 ح 21.

[9] التوبة: 74.

[10] الأحزاب: 66.

[11] النساء: 59.

[12] النساء: 83.

[13] النساء: 58.

[14] النحل: 43.

[15] كشف الغمة 2: 386، اثبات الوصية: 227 و فيه: و أباالحسن الطريق لما قدم به المدينة فسمعته في بعض الطريق يقول:...، بحارالأنوار 50: 177 ح 56 مع اختلاف و 78: 366 ح 2.