بازگشت

درباره ي جبر و تفويض


[15] -15- قال الحراني:

رسالته عليه السلام في الرد علي أهل الجبر و التفويض [1] و اثبات العدل و المنزلة بين المنزلتين:

بسم الله الرحمن الرحيم

من علي بن محمد، سلام عليكم و علي من اتبع الهدي و رحمة الله و بركاته، فانه ورد علي كتابكم، و فهمت ما ذكرتم من اختلافكم في دينكم و خوضكم في القدر و مقالة من يقول منكم بالجبر، و من يقول بالتفويض، و تفرقكم في ذلك و تقاطعكم، و ما ظهر من العداوة بينكم، ثم سألتموني عنه و بيانه لكم، و فهمت ذلك كله.

اعلموا رحمكم الله! أنا نظرنا في الآثار و كثرة ما جاءت به الأخبار، فوجدناها عند جميع من ينتحل الاسلام ممن يعقل عن الله جل و عز لا تخلو من معنيين: اما حق فيتبع، و اما باطل فيجتنب.

و قد اجتمعت الأمة قاطبة لا اختلاف بينهم، أن القرآن حق لا ريب فيه عند جميع أهل الفرق، و في حال اجتماعهم مقرون بتصديق الكتاب و تحقيقه مصيبون مهتدون، و ذلك بقول رسول الله صلي الله عليه و آله: لا تجتمع أمتي علي ضلالة.

فأخبر أن جميع ما اجتمعت عليه الأمة كلها حق، هذا اذا لم يخالف بعضها بعضا، و القرآن حق لا اختلاف بينهم في تنزيله و تصديقه، فاذا شهد القرآن بتصديق خبر و تحقيقه و أنكر الخبر طائفة من الأمة لزمهم الاقرار به ضرورة حين اجتمعت في الأصل علي تصديق الكتاب، فان هي جحدت و أنكرت لزمها الخروج من الملة.

فأول خبر يعرف تحقيقه من الكتاب و تصديقه و التماس شهادته عليه خبر ورد عن رسول الله صلي الله عليه و آله، و وجد بموافقة الكتاب و تصديقه بحيث لا تخالفه أقاويلهم حيث قال: اني مخلف فيكم الثقلين: كتاب الله و عترتي أهل بيتي، لن تضلوا ما تمسكتم بهما، و انهما لن يفترقا حتي يردا علي الحوض.

فلما وجدنا شواهد هذا الحديث في كتاب الله نصا مثل قوله جل و عز: (انما وليكم الله و رسوله و الذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة و يؤتون الزكاة و هم راكعون و من يتول الله و رسوله و الذين آمنوا فان حزب الله هم الغالبون) [2] .

وروت العامة في ذلك أخبارا لأميرالمؤمنين عليه السلام أنه تصدق بخاتمه و هو راكع، فشكر الله ذلك له و أنزل الآية فيه، فوجدنا رسول الله صلي الله عليه و آله قد أتي بقوله: من كنت مولاه فعلي مولاه، و بقوله: أنت مني بمنزلة هارون من موسي الا أنه لا نبي بعدي، و وجدناه يقول: علي يقضي ديني و ينجز موعدي، و هو خليفتي عليكم من بعدي.

فالخبر الأول الذي استنبطت منه هذه الأخبار خبر صحيح مجمع عليه، لا اختلاف فيه عندهم، و هو أيضا موافق للكتاب، فلما شهد الكتاب بتصديق الخبر، و هذه الشواهد الأخر لزم علي الأمة الاقرار بها ضرورة، اذ كانت هذه الأخبار شواهدها من القرآن ناطقة و وافقت القرآن، و القرآن وافقها.

ثم وردت حقائق الأخبار من رسول الله صلي الله عليه و آله عن الصادقين عليهماالسلام، و نقلها قوم ثقات معروفون، فصار الاقتداء بهذه الأخبار فرضا واجبا علي كل مؤمن و مؤمنة لا يتعداه الا أهل العناد، و ذلك أن أقاويل آل رسول الله صلي الله عليه و آله متصلة بقول الله، و ذلك مثل قوله في محكم كتابه: (ان الذين يؤذون الله و رسوله لعنهم الله في الدنيا و الآخرة و أعد لهم عذابا مهينا) [3] .

و وجدنا نظير هذه الآية، قول رسول الله صلي الله عليه و آله: من آذي عليا فقد آذاني، و من آذاني فقد آذي الله، و من آذي الله يوشك أن ينتقم منه.

و كذلك قوله صلي الله عليه و آله: من أحب عليا فقد أحبني، و من أحبني فقد أحب الله.

و مثل قوله صلي الله عليه و آله في بني وليعة: لأبعثن اليهم رجلا كنفسي، يحب الله و رسوله و يحبه الله و رسوله، قم يا علي! فسر اليهم.

و قوله صلي الله عليه و آله يوم خيبر: لأبعثن اليهم غدا رجلا يحب الله و رسوله و يحبه الله و رسوله كرارا غير فرار لا يرجع حتي يفتح الله عليه.

فقضي رسول الله صلي الله عليه و آله بالفتح قبل التوجيه، فاستشرف لكلامه أصحاب رسول الله صلي الله عليه و آله، فلما كان من الغد، دعا عليا عليه السلام فبعثه اليهم، فاصطفاه بهذه المنقبة، و سماه كرارا غير فرار، فسماه الله محبا لله و لرسوله، فأخبر أن الله و رسوله يحبانه، و انما قدمنا هذا الشرح و البيان دليلا علي ما أردنا، وقوة لما نحن مبينوه من أمر الجبر و التفويض و المنزلة بين المنزلتين، و بالله العون و القوة، و عليه نتوكل في جميع أمورنا.

فانا نبدأ من ذلك بقول الصادق عليه السلام: لا جبر و لا تفويض ولكن منزلة بين المنزلتين، و هي صحة الخلقة، و تخلية السرب، و المهلة في الوقت، و الزاد مثل الراحلة، و السبب المهيج للفاعل علي فعله، فهذه خمسة أشياء جمع به الصادق عليه السلام جوامع الفضل، فاذا نقص العبد منها خلة كان العمل عنه مطروحا بحسبه.

فأخبر الصادق عليه السلام بأصل ما يجب علي الناس من طلب معرفته، و نطق الكتاب بتصديقه، فشهد بذلك محكمات آيات رسوله، لأن الرسول و آله عليهم السلام لا يعدوا شيئا من قوله، و أقاويلهم حدود القرآن، فاذا وردت حقائق الأخبار، و التمست شواهدها من التنزيل فوجد لها موافقا و عليها دليلا كان الاقتداء بها فرضا، لا يتعداه الا أهل العناد، كما ذكرنا في أول الكتاب.

و لما التمسنا تحقيق ما قاله الصادق عليه السلام من المنزلة بين المنزلتين، و انكاره الجبر و التفويض، وجدنا الكتاب قد شهد له، و صدق مقالته في هذا.

و خبر عنه أيضا موافق لهذا، أن الصادق عليه السلام سئل: هل أجبر الله العباد علي المعاصي؟ فقال الصادق عليه السلام: هو أعدل من ذلك. فقيل له: فهل فوض اليهم؟

فقال عليه السلام: هو أعز و أقهر لهم من ذلك.

و روي عنه، أنه قال: الناس في القدر علي ثلاثة أوجه: رجل يزعم أن الأمر مفوض اليه، فقد وهن الله في سلطانه فهو هالك، و رجل يزعم أن الله جل و عز أجبر العباد علي المعاصي و كلفهم مالا يطيقون فقد ظلم الله في حكمه، فهو هالك، و رجل يزعم أن الله كلف العباد ما يطيقون و لم يكلفهم ما لا يطيقون، فاذا أحسن حمدالله، و اذا أساء استغفر الله، فهذا مسلم بالغ.

فأخبر عليه السلام: أن من تقلد الجبر و التفويض، و دان بهما فهو علي خلاف الحق، فقد شرحت الجبر الذي من دان به يلزمه الخطأ، و أن الذي يتقلد التفويض يلزمه الباطل، فصارت المنزلة بين المنزلتين بينهما.

ثم قال عليه السلام: و أضرب لكل باب من هذه الأبواب مثلا يقرب المعني للطالب، و يسهل له البحث عن شرحه تشهد به محكمات آيات الكتاب، و تحقق تصديقه عند ذوي الألباب، و بالله التوفيق والعصمة.

فأما الجبر الذي يلزم من دان به الخطأ فهو قول من زعم أن الله جل و عز أجبر العباد علي المعاصي و عاقبهم عليها، و من قال بهذا القول، فقد ظلم الله في حكمه و كذبه و رد عليه قوله: (و لا يظلم ربك أحدا) [4] ، و قوله: (ذلك بما قدمت يداك و أن الله ليس بظلام للعبيد) [5] ، و قوله: (ان الله لا يظلم الناس شيئا و لكن الناس أنفسهم يظلمون) [6] ، مع آي كثيرة في ذكر هذا.

فمن زعم أنه مجبر علي المعاصي، فقد أحال بذنبه علي الله و قد ظلمه في عقوبته، و من ظلم الله، فقد كذب كتابه، و من كذب كتابه، فقد لزمه الكفر باجتماع الأمة، و مثل ذلك مثل رجل ملك عبدا مملوكا لا يملك نفسه، و لا يملك عرضا من عرض الدنيا و يعلم مولاه ذلك منه، فأمره علي علم منه بالمصير الي السوق لحاجة يأتيه بها، ولم يملكه ثمن ما يأتيه به من حاجته و علم المالك أن علي الحاجة رقيبا لا يطمع أحد في أخذها منه الا بما يرضي به من الثمن، و قد وصف مالك هذا العبد نفسه بالعدل و النصفة، و اظهار الحكمة و نفي الجور، و أوعد عبده ان لم يأته بحاجته أن يعاقبه علي علم منه بالرقيب الذي علي حاجته أنه سيمنعه، و علم أن المملوك لا يملك ثمنها و لم يملكه ذلك.

فلما صار العبد الي السوق و جاء ليأخذ حاجته التي بعثه المولي لها، وجد عليها مانعا يمنع منها الا بشراء، و ليس يملك العبد ثمنها، فانصرف الي مولاه خائبا بغير قضاء حاجته، فاغتاظ مولاه من ذلك و عاقبه عليه، أليس يجب في عدله و حكمه أن لا يعاقبه، و هو يعلم أن عبده لا يملك عرضا من عروض الدنيا و لم يملكه ثمن حاجته، فان عاقبه عاقبه ظالما معتديا عليه، مبطلا لما وصف من عدله و حكمته و نصفته، و ان لم يعاقبه كذب نفسه في وعيده اياه حين أوعده بالكذب و الظلم اللذين ينفيان العدل و الحكمة، تعالي عما يقولون علوا كبيرا.

فمن دان بالجبر أو بما يدعو الي الجبر، فقد ظلم الله و نسبه الي الجور و العدوان، اذ أوجب علي من أجبره العقوبة، و من زعم أن الله أجبر العباد، فقد أوجب علي قياس قوله: ان الله يدفع عنهم العقوبة، و من زعم أن الله يدفع عن أهل المعاصي العذاب، فقد كذب الله في وعيده حيث يقول: (بلي من كسب سيئة و أحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) [7] ، و قوله: (ان الذين يأكلون أموال اليتامي ظلما انما يأكلون في بطونهم نارا و سيصلون سعيرا) [8] و قوله: (ان الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب ان الله كان عزيزا حكيما) [9] مع آي كثيرة في هذا الفن ممن كذب وعيد الله.

و يلزمه في تكذيبه آية من كتاب الله الكفر، و هو ممن قال الله: (أفتؤمنون ببعض الكتاب و تكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم الا خزي في الحياة الدنيا و يوم القيامة يردون الي أشد العذاب و ما الله بغافل عما تعملون) [10] بل نقول: ان الله جل و عز جازي العباد علي أعمالهم، و يعاقبهم علي أفعالهم بالاستطاعة التي ملكهم اياها، فأمرهم و نهاهم بذلك، و نطق كتابه: (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها و من جاء بالسيئة فلا يجزي الا مثلها و هم لا يظلمون) [11] ، و قال جل ذكره: (يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا و ما عملت من سوء تودلو أن بينها و بينه أمدا بعيدا و يحذركم الله نفسه) [12] و قال: (اليوم تجزي كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم) [13] .

فهذه آيات محكمات تنفي الجبر و من دان به، و مثلها في القرآن كثير، اختصرنا ذلك لئلا يطول الكتاب، و بالله التوفيق.

و أما التفويض الذي أبطله الصادق عليه السلام و أخطأ من دان به و تقلده فهو قول القائل: ان الله جل ذكره فوض الي العباد اختياره أمره و نهيه و أهملهم.

و في هذا كلام دقيق لمن يذهب الي تحريره و دقته، و الي هذا ذهبت الأئمة المهتدية من عترة الرسول صلي الله عليه و آله، فانهم قالوا: لو فوض اليهم علي جهة الاهمال لكان لازما له رضا ما اختاروه و استوجبوا منه الثواب، و لم يكن عليهم فيما جنوه العقاب اذا كان الاهمال واقعا.

و تنصرف هذه المقالة علي معنيين: اما أن يكون العباد تظاهروا عليه، فألزموه قبول اختيارهم بآرائهم ضرورة كره ذلك، أم أحب فقد لزمه الوهن، أو يكون جل و عز عجز عن تعبدهم بالأمر و النهي علي ارادته كرهوا، أو أحبوا ففوض أمره و نهيه اليهم، و أجراهما علي محبتهم اذ عجز عن تعبدهم بارادته، فجعل الاختيار اليهم في الكفر و الايمان.

و مثل ذلك مثل رجل ملك عبدا ابتاعه ليخدمه، و يعرف له فضل ولايته و يقف عند أمره و نهيه، و ادعي مالك العبد أنه قاهر عزيز حكيم، فأمر عبده و نهاه، و وعده علي اتباع أمره عظيم الثواب، و أوعده علي معصيته أليم العقاب، فخالف العبد ارادة مالكه، و لم يقف عند أمره و نهيه، فأي أمر أمره، أو أي نهي نهاه عنه لم يأته علي ارادة المولي، بل كان العبد يتبع ارادة نفسه و اتباع هواه، و لا يطيق المولي أن يرده الي اتباع أمره و نهيه و الوقوف علي ارادته، ففوض اختيار أمره و نهيه اليه، و رضي منه بكل ما فعله علي ارادة العبد، لا علي ارادة المالك، و بعثه في بعض حوائجه و سمي له الحاجة، فخالف علي مولاه و قصد لارادة نفسه و اتبع هواه، فلما رجع الي مولاه نظر الي ما أتاه به، فاذا هو خلاف ما أمره به، فقال له: لم أتيتني بخلاف ما أمرتك؟ فقال العبد: اتكلت علي تفويضك الأمر الي، فاتبعت هواي و ارادتي لأن المفوض اليه غير محظور عليه.

فاستحال التفويض، أو ليس يجب علي هذا السبب اما أن يكون المالك للعبد قادرا يأمر عبده باتباع أمره و نهيه علي ارادته لا علي ارادة العبد، و يملكه من الطاقة بقدر ما يأمره به و ينهاه عنه، فاذا أمره بأمر و نهاه عن نهي عرفه الثواب و العقاب عليهما، و حذره و رغبه بصفة ثوابه و عقابه، ليعرف العبد قدرة مولاه بما ملكه من الطاقة لأمره و نهيه و ترغيبه و ترهيبه، فيكون عدله و انصافه شاملا له و حجته واضحة عليه للاعذار و الانذار.

فاذا اتبع العبد أمر مولاه جازاه، و اذا لم يزدجر عن نهيه عاقبه، أو يكون عاجزا غير قادر، ففوض أمره اليه أحسن أم أساء، أطاع أم عصي، عاجز عن عقوبته، و رده الي اتباع أمره، و في اثبات العجز نفي القدرة و التأله و ابطال الأمر و النهي و الثواب و العقاب و مخالفة الكتاب، اذ يقول: (و لا يرضي لعباده الكفر و ان تشكروا يرضه لكم) [14] ، و قوله عزوجل: (اتقوا الله حق تقاته و لا تموتن الا و أنتم مسلمون) [15] ، و قوله: (و ما خلقت الجن و الانس الا ليعبدون - ما أريد منهم من رزق و ما أريد أن يطعمون) [16] ، و قوله: (اعبدوا الله و لا تشركوا به شيئا) [17] ، و قوله: (أطيعوا الله و رسوله و لا تولوا عنه و أنتم تسمعون) [18] .

فمن زعم أن الله تعالي فوض أمره و نهيه الي عباده فقد أثبت عليه العجز و أوجب عليه قبول كل ما عملوا من خير و شر، و أبطل أمر الله و نهيه و وعده و وعيده لعلة ما زعم أن الله فوضها اليه، لأن المفوض اليه يعمل بمشيئته، فان شاء الكفر أو الايمان كان غير مردود عليه و لا محظور، فمن دان بالتفويض علي هذا المعني، فقد أبطل جميع ما ذكرنا من وعده و وعيده و أمره و نهيه، و هو من أهل هذه الآية: (أفتؤمنون ببعض الكتاب و تكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم الا خزي الحياة الدنيا و يوم القيامة يردون الي أشد العذاب و ما الله بغافل عما تعملون) [19] تعالي الله عما يدين به أهل التفويض علوا كبيرا.

لكن نقول: ان الله جل و عز خلق الخلق بقدرته، و ملكهم استطاعة تعبدهم بها، فأمرهم و نهاهم بما أراد، فقبل منهم اتباع أمره، و رضي بذلك لهم و نهاهم عن معصيته، و ذم من عصاه، و عاقبه عليها، و لله الخيرة في الأمر و النهي، يختار ما يريد و يأمر به، و ينهي عما يكره، و يعاقب عليه بالاستطاعة التي ملكها عباده لاتباع أمره، و اجتناب معاصيه لأنه ظاهر العدل و النصفة و الحكمة البالغة، بالغ الحجة بالاعذار و الانذار، و اليه الصفوة يصطفي من عباده من يشاء لتبليغ رسالته، و احتجاجه علي عباده، اصطفي محمدا صلي الله عليه و آله، و بعثه برسالاته الي خلقه.

فقال: من قال من كفار قومه حسدا و استكبارا: (لولا نزل هذا القرآن علي رجل من القريتين عظيم) [20] يعني بذلك أمية بن أبي الصلت و أبا مسعود الثقفي، فأبطل الله اختيارهم و لم يجز لهم آراءهم حيث يقول: (أهم يقسمون رحمت ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا و رفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا و رحمت ربك خير مما يجمعون) [21] .

و لذلك اختار من الأمور ما أحب و نهي عما كره، فمن أطاعه أثابه، و من عصاه عاقبه، و لو فوض اختيار أمره الي عباده لأجاز لقريش اختيار أمية بن أبي الصلت و أبي مسعود الثقفي، اذ كانا عندهم أفضل من محمد صلي الله عليه و آله، فلما أدب الله المؤمنين بقوله: (و ما كان لمؤمن و لا مؤمنة اذا قضي الله و رسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) [22] فلم يجز لهم الاختيار بأهوائهم، و لم يقبل منهم الا اتباع أمره و اجتناب نهيه علي يدي من اصطفاه، فمن أطاعه رشد و من عصاه ضل وغوي، و لزمته الحجة بما ملكه من الاستطاعة لاتباع أمره و اجتناب نهيه، فمن أجل ذلك حرمه ثوابه، و أنزل به عقابه. و هذا القول بين القولين ليس بجبر و لا تفويض.

و بذلك أخبر أميرالمؤمنين صلي الله عليه و آله عباية بن ربعي الأسدي حين سأله عن الاستطاعة التي بها يقوم و يقعد و يفعل، فقال له أميرالمؤمنين عليه السلام: سألت عن الاستطاعة تملكها من دون الله، أو مع الله، فسكت عباية، فقال له أميرالمؤمنين عليه السلام: قل يا عباية!

قال: و ما أقول؟ قال عليه السلام: ان قلت: انك تملكها مع الله قتلتك، و ان قلت: تملكها دون الله قتلتك، قال عباية: فما أقول يا أميرالمؤمنين؟!

قال عليه السلام: تقول: انك تملكها بالله الذي يملكها من دونك فان يملكها اياك كان ذلك من عطائه و ان يسلبكها كان ذلك من بلائه، هو المالك لما ملكك، و القادر علي ما عليه أقدرك، أما سمعت الناس يسألون الحول و القوة حين يقولون: لا حول و لا قوة الا بالله.

قال عباية: و ما تأويلها يا أميرالمؤمنين؟!

قال عليه السلام: لا حول عن معاصي الله الا بعصمة الله، و لا قوة لنا علي طاعة الله الا بعون الله. قال: فوثب عباية، فقبل يديه و رجليه.

و روي عن أميرالمؤمنين عليه السلام حين أتاه نجدة يسأله عن معرفة الله، قال: يا أميرالمؤمنين! بماذا عرفت ربك؟

قال عليه السلام: بالتمييز الذي خولني و العقل الذي دلني.

قال: أفمجبول أنت عليه؟ قال: لو كنت مجبولا ما كنت محمودا علي احسان، و لا مذموما علي اساءة، و كان المحسن أولي باللائمة من المسي ء، فعلمت أن الله قائم باق و ما دونه حدث حائل زائل، و ليس القديم الباقي كالحدث الزائل.

قال نجدة: أجدك أصبحت حكيما يا أميرالمؤمنين! قال: أصبحت مخيرا، فان أتيت السيئة بمكان الحسنة فأنا المعاقب عليها.

و روي عن أميرالمؤمنين عليه السلام انه قال لرجل سأله بعد انصرافه من الشام، فقال: يا أميرالمؤمنين! أخبرنا عن خروجنا الي الشام بقضاء و قدر؟

قال عليه السلام: نعم، يا شيخ! ما علوتم تلعة، و لا هبطتم واديا الا بقضاء و قدر من الله.

فقال الشيخ: عندالله أحتسب عنائي يا أميرالمؤمنين!

فقال عليه السلام: مه يا شيخ! فان الله قد عظم أجركم في مسيركم و أنتم سائرون، و في مقامكم و أنتم مقيمون، و في انصرافكم و أنتم منصرفون، و لم تكونوا في شي ء من أموركم مكرهين و لا اليه مضطرين، لعلك ظننت أنه قضاء حتم و قدر لازم، لو كان ذلك كذلك لبطل الثواب و العقاب، و لسقط الوعد و الوعيد، و لما ألزمت الأشياء أهلها علي الحقائق، ذلك مقالة عبدة الأوثان و أولياء الشيطان. ان الله جل و عز أمر تخييرا و نهي تحذيرا، و لم يطع مكرها، و لم يعص مغلوبا، و لم يخلق السماوات و الأرض و ما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار، فقام الشيخ فقبل رأس أميرالمؤمنين عليه السلام و أنشأ يقول:



أنت الامام الذي نرجو بطاعته

يوم النجاة من الرحمن غفرانا



أوضحت من ديننا ما كان ملتبسا

جزاك ربك عنا فيه رضوانا



فليس معذرة في فعل فاحشة

قد كنت راكبها ظلما و عصيانا



فقد دل أميرالمؤمنين عليه السلام علي موافقة الكتاب، و نفي الجبر و التفويض اللذين يلزمان من دان بهما و تقلدهما الباطل و الكفر، و تكذيب الكتاب، و نعوذ بالله من الضلالة و الكفر، ولسنا ندين بجبر و لا تفويض، لكنا نقول: بمنزلة بين المنزلتين، و هو الامتحان و الاختبار بالاستطاعة التي ملكنا الله، و تعبدنا بها علي ما شهد به الكتاب، و دان به الأئمة الأبرار من آل الرسول صلوات الله عليهم.

و مثل الاختبار بالاستطاعة مثل رجل ملك عبدا و ملك مالا كثيرا أحب أن يختبر عبده علي علم منه بما يؤول اليه، فملكه من ماله بعض ما أحب، و وقفه علي أمور عرفها العبد، فأمره أن يصرف ذلك المال فيها ونهاه عن أسباب لم يحبها، و تقدم اليه أن يجتنبها و لا ينفق من ماله فيها، و المال يتصرف في أي الوجهين.

فصرف المال: أحدهما في اتباع أمر المولي و رضاه، و الآخر صرفه في اتباع نهيه و سخطه، و أسكنه دار اختبار أعلمه أنه غير دائم له السكني في الدار، و أن له دارا غيرها، و هو مخرجه اليها فيها ثواب و عقاب دائمان.

فان أنفذ العبد المال الذي ملكه مولاه في الوجه الذي أمره به جعل له ذلك الثواب الدائم في تلك الدار التي أعلمه أنه مخرجه اليها، و ان أنفق المال في الوجه الذي نهاه عن انفاقه فيه جعل له ذلك العقاب الدائم في دار الخلود، و قد حد المولي في ذلك حدا معروفا، و هو المسكن الذي أسكنه في الدار الأولي، فاذا بلغ الحد استبدل المولي بالمال و بالعبد، علي أنه لم يزل مالكا للمال و العبد في الأوقات كلها، الا أنه وعد أن لا يسلبه ذلك المال ما كان في تلك الدار الأولي، الي أن يستتم سكناه فيها فوفي له، لأن من صفات المولي العدل و الوفاء و النصفة و الحكمة، أو ليس يجب ان كان ذلك العبد صرف ذلك المال في الوجه المأمور به، أن يفي له بما وعده من الثواب و تفضل عليه، بأن استعمله في دار فانية، و أثابه علي طاعته فيها نعيما دائما في دار باقية دائمة، و ان صرف العبد المال الذي ملكه مولاه أيام سكناه تلك الدار الأولي في الوجه المنهي عنه، و خالف أمر مولاه كذلك تجب عليه العقوبة الدائمة التي حذره اياها، غير ظالم له لما تقدم اليه، و أعلمه و عرفه و أوجب له الوفاء بوعده و وعيده، بذلك يوصف القادر القاهر.

و أما المولي فهو الله جل و عز، و أما العبد فهو ابن آدم المخلوق، و المال قدرة الله الواسعة، و محنته اظهاره الحكمة و القدرة، و الدار الفانية هي الدنيا، و بعض المال الذي ملكه مولاه هو الاستطاعة التي ملك ابن آدم، و الأمور التي أمر الله بصرف المال اليها، هو الاستطاعة لاتباع الأنبياء، و الاقرار بما أوردوه عن الله جل و عز، و اجتناب الأسباب التي نهي عنها هي طرق ابليس.

و أما وعده فالنعيم الدائم و هي الجنة، و أما الدار الفانية فهي الدنيا، و أما الدار الأخري فهي الدار الباقية و هي الآخرة.

و القول بين الجبر و التفويض، هو الاختبار و الامتحان و البلوي بالاستطاعة التي ملك العبد و شرحها في الخمسة الأمثال التي ذكرها الصادق عليه السلام أنها جمعت جوامع الفضل، و أنا مفسرها بشواهد من القرآن و البيان، ان شاء الله.

أما قول الصادق عليه السلام فان معناه كمال الخلق للانسان، و كمال الحواس، و ثبات العقل و التمييز، و اطلاق اللسان بالنطق، و ذلك قول الله: (و لقد كرمنا بني آدم و حملناهم في البر و البحر و رزقناهم من الطيبات و فضلناهم علي كثير ممن خلقنا تفضيلا) [23] ، فقد أخبر عزوجل عن تفضيله بني آدم علي سائر خلقه من البهائم و السباع و دواب البحر و الطير و كل ذي حركة تدركه حواس بني آدم بتمييز العقل و النطق، و ذلك قوله: (لقد خلقنا الأنسان في أحسن تقويم) [24] ، و قوله: (يا أيها الانسان ما غرك بربك الكريم - الذي خلقك فسواك فعدلك - في أي صورة ما شاء ركبك) [25] ، و في آيات كثيرة.

فأول نعمة الله علي الانسان، صحة عقله، و تفضيله علي كثير من خلقه، بكمال العقل و تمييز البيان، و ذلك أن كل ذي حركة علي بسيط الأرض هو قائم بنفسه بحواسه، مستكمل في ذاته، ففضل بني آدم بالنطق الذي ليس في غيره من الخلق المدرك بالحواس، فمن أجل النطق ملك الله ابن آدم غيره من الخلق حتي صار آمرا ناهيا، و غيره مسخر له كما قال الله: (كذلك سخرها لكم لتكبروا الله علي ما هداكم) [26] ، و قال: (و هو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا و تستخرجوا منه حلية تلبسونها) [27] ، و قال: (و الأنعام خلقها لكم فيها دف ء و منافع و منها تأكلون - و لكم فيها جمال حين تريحون و حين تسرحون - و تحمل أثقالكم الي بلد لم تكونوا بالغيه الا بشق الأنفس) [28] .

فمن أجل ذلك دعا الله الانسان الي اتباع أمره، و الي طاعته بتفضيله اياه باستواء الخلق و كمال النطق و المعرفة بعد أن ملكهم استطاعة ما كان تعبدهم به بقوله: (فاتقوا الله ما استطعتم و اسمعوا و أطيعوا) [29] ، و قوله: (لا يكلف الله نفسا الا وسعها) [30] ، و قوله: (لا يكلف الله نفسا الا ما آتاها) [31] ، و في آيات كثيرة.

فاذا سلب من العبد حاسة من حواسه رفع العمل عنه بحاسته كقوله: (ليس علي الأعمي حرج و لا علي الأعرج حرج) [32] ، فقد رفع عن كل من كان بهذه الصفة الجهاد و جميع الأعمال التي لا يقوم بها، و كذلك أوجب علي ذي اليسار الحج و الزكاة لما ملكه من استطاعة ذلك، و لم يوجب علي الفقير الزكاة و الحج، قوله: (ولله علي الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا) [33] ، و قوله في الظهار: (و الذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة - الي قوله - فمن لم يستطع فاطعام ستين مسكينا) [34] .

كل ذلك دليل علي أن الله تبارك و تعالي لم يكلف عباده الا ما ملكهم استطاعته بقوة العمل به، و نهاهم عن مثل ذلك فهذه صحة الخلقة.

و أما قوله تخلية السرب [35] فهو الذي ليس عليه رقيب يحظر عليه و يمنعه العمل بما أمره الله به، و ذلك قوله فيمن استضعف و حظر عليه العمل فلم يجد حيلة و لا يهتدي سبيلا، كما قال الله تعالي: (الا المستضعفين من الرجال و النساء و الولدان لا يستطيعون حيلة و لا يهتدون سبيلا) [36] ، فأخبر أن المستضعف لم يخل سربه، و ليس عليه من القول شي ء اذا كان مطمئن القلب بالايمان.

و أما المهلة في الوقت فهو العمر الذي يمتع الانسان من حد ما تجب عليه المعرفة الي أجل الوقت، و ذلك من وقت تمييزه و بلوغ الحلم الي أن يأتيه أجله، فمن مات علي طلب الحق و لم يدرك كماله فهو علي خير، و ذلك قوله: (و من يخرج من بيته مهاجرا الي الله و رسوله) [37] ، و ان كان لم يعمل بكمال شرائعه لعلة ما لم يمهله في الوقت الي استتمام أمره، و قد حظر علي البالغ ما لم يحظر علي الطفل اذا لم يبلغ الحلم في قوله: (و قل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن) [38] الآية، فلم يجعل عليهن حرجا في ابداء الزينة للطفل، و كذلك لا تجري عليه الأحكام.

و أما قوله: الزاد، فمعناه الجدة و البلغة التي يستعين بها العبد علي ما أمره الله به، و ذلك قوله: (ما علي المحسنين من سبيل) [39] ، ألا تري أنه قبل عذر من لم يجد ما ينفق، و ألزم الحجة كل من أمكنته البلغة و الراحلة للحج و الجهاد و أشباه ذلك، و كذلك قبل عذر الفقراء، و أوجب لهم حقا في مال الأغنياء بقوله: (للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله) [40] ، فأمر باعفائهم و لم يكلفهم الاعداد لما لا يستطيعون و لا يملكون.

و أما قوله في السبب المهيج؛ فهو النية التي هي داعية الانسان الي جميع الأفعال و حاستها القلب، فمن فعل فعلا و كان بدين لم يعقد قلبه علي ذلك لم يقبل الله منه عملا الا بصدق النية، و لذلك أخبر عن المنافقين بقوله: (يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم و الله أعلم بما يكتمون) [41] .

ثم أنزل علي نبيه صلي الله عليه و آله توبيخا للمؤمنين: (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون) [42] ، فاذا قال الرجل قولا، و اعتقد في قوله دعته النية الي تصديق القول باظهار الفعل، و اذا لم يعتقد القول لم تتبين حقيقته، و قد أجاز الله صدق النية، و ان كان الفعل غير موافق لها لعلة مانع يمنع اظهار الفعل في قوله: (الا من أكره و قلبه مطمئن بالايمان) [43] و قوله: (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم) [44] .

فدل القرآن و أخبار الرسول صلي الله عليه و آله أن القلب مالك لجميع الحواس يصحح أفعالها و لا يبطل ما يصحح القلب شيئا.

فهذا شرح جميع الخمسة الأمثال التي ذكرها الصادق عليه السلام أنها تجمع المنزلة بين المنزلتين، و هما الجبر و التفويض، فاذا اجتمع في الانسان كمال هذه الخمسة الأمثال وجب عليه العمل كملا لما أمر الله عزوجل به و رسوله، و اذا نقص العبد منها خلة كان العمل عنها مطروحا بحسب ذلك.

فأما شواهد القرآن علي الاختبار و البلوي بالاستطاعة التي تجمع القول بين القولين فكثيرة، و من ذلك قوله: (لنبلونكم حتي نعلم المجاهدين منكم و الصابرين و نبلوا أخباركم) [45] ، و قال: (سنستدرجهم من حيث لا يعلمون) [46] ، و قال: (الم - أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا و هم لا يفتنون) [47] ، و قال في الفتن التي معناها الاختبار: (و لقد فتنا سليمان) [48] ، و قال في قصة موسي عليه السلام: (فانا قد فتنا قومك من بعدك و أضلهم السامري) [49] ، و قول موسي: (ان هي الا فتنتك) [50] أي اختبارك، فهذه الآيات يقاس بعضها ببعض، و يشهد بعضها لبعض.

و أما آيات البلوي بمعني الاختبار قوله: (ليبلوكم في ما آتاكم) [51] ، و قوله: (ثم صرفكم عنهم ليبتليكم) [52] ، و قوله: (انا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة) [53] ، و قوله: (خلق الموت و الحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا) [54] ، و قوله: (و اذا ابتلي ابراهيم ربه بكلمات) [55] ، و قوله: (و لو يشاء الله لانتصر منهم و لكن ليبلوا بعضكم ببعض) [56] .

وكل ما في القرآن من بلوي هذه الآيات التي شرح أولها فهي اختبار، و أمثالها في القرآن كثيرة، فهي اثبات الاختبار و البلوي، أن الله جل و عز لم يخلق الخلق عبثا، و لا أهملهم سدي، و لا أظهر حكمته لعبا، و بذلك أخبر في قوله: (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا) [57] .

فان قال قائل: فلم يعلم الله ما يكون من العباد حتي اختبرهم؟

قلنا: بلي، قد علم ما يكون منهم قبل كونه، و ذلك قوله: (و لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه) [58] ، و انما اختبرهم ليعلمهم عدله، و لا يعذبهم الا بحجة بعد الفعل، و قد أخبر بقوله: (و لو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لو لا أرسلت الينا رسولا) [59] ، و قوله: (و ما كنا معذبين حتي نبعث رسولا) [60] ، و قوله: (رسلا مبشرين و منذرين) [61] .

فالاختبار من الله بالاستطاعة التي ملكها عبده، و هو القول بين الجبر و التفويض، و بهذا نطق القرآن، و جرت الأخبار عن الأئمة من آل الرسول عليهم السلام.

فان قالوا: ما الحجة في قول الله: (يضل من يشاء و يهدي من يشاء) [62] و ما أشبهها؟

قيل: مجاز هذه الآيات كلها علي معنيين: أما أحدهما فاخبار عن قدرته، أي أنه قادر علي هداية من يشاء و ضلال من يشاء، و اذا أجبرهم بقدرته علي أحدهما لم يجب لهم ثواب، و لا عليهم عقاب علي نحو ما شرحنا في الكتاب.

و المعني الآخر أن الهداية منه تعريفه كقوله: (و أما ثمود فهديناهم) [63] ، أي عرفناهم: (فاستحبوا العمي علي الهدي) [64] ، فلو أجبرهم علي الهدي لم يقدروا أن يضلوا، و ليس كلما وردت آية مشتبهة كانت الآية حجة علي محكم الآيات اللواتي أمرنا بالأخذ بها، من ذلك قوله: (منه آيات محكمات هن أم الكتاب و أخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة و ابتغاء تأويله و ما يعلم) [65] و قال: (فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه) [66] ، أي أحكمه و أشرحه: (أولئك الذين هداهم الله و أولئك هم أولوا الألباب) [67] .

وفقنا الله و اياكم الي القول و العمل لما يحب و يرضي، و جنبنا و اياكم معاصيه، بمنه و فضله، و الحمد لله كثيرا كما هو أهله، و صلي الله علي محمد و آله الطيبين، و حسبنا الله و نعم الوكيل [68] .


پاورقي

[1] و في الاحتجاج و البحار: في رسالته الي أهل الأهواز حين سألوه عن الجبر و التفويض.

[2] المائدة: 55.

[3] الأحزاب: 57.

[4] الكهف: 49.

[5] آل عمران: 182 والمائده: 151.

[6] يونس: 44.

[7] البقرة: 81.

[8] النساء: 10.

[9] النساء: 56.

[10] البقرة: 85.

[11] الأنعام: 160.

[12] آل عمران: 30.

[13] الغافر: 17.

[14] الزمر: 7.

[15] آل عمران: 102.

[16] الذاريات: 56 و 57.

[17] النساء: 36.

[18] الأنفال: 20.

[19] البقرة: 85.

[20] الزخرف: 31.

[21] الزخرف: 32.

[22] الاحزاب: 36.

[23] الاسراء: 70.

[24] التين: 4.

[25] الانفطار: 6- 8 .

[26] الحج: 37.

[27] النحل: 14.

[28] النحل: 5- 7.

[29] التغابن: 16.

[30] البقرة: 286.

[31] الطلاق: 7.

[32] النور: 61.

[33] آل عمران: 97.

[34] المجادلة: 3 و 4.

[35] السرب - بالفتح و السكون - الطريق (لسان العرب 6: 225، سرب).

[36] النساء: 98.

[37] النساء: 100.

[38] النور: 31.

[39] التوبة: 91.

[40] البقرة: 273.

[41] آل عمران: 167.

[42] الصف: 2.

[43] النحل: 106.

[44] البقرة: 225.

[45] محمد: 31.

[46] الأعراف: 182.

[47] العنكبوت: 2.

[48] العنكبوت: 34.

[49] طه: 85.

[50] الأعراف: 155.

[51] المائدة: 48.

[52] آل عمران: 152.

[53] القلم: 17.

[54] الملك: 2.

[55] البقرة: 124.

[56] محمد: 4.

[57] المؤمنون: 115.

[58] الأنعام: 28.

[59] طه: 134.

[60] الاسراء: 15.

[61] النساء: 165.

[62] فاطر: 8.

[63] فصلت: 17.

[64] فصلت: 17.

[65] آل عمران: 7.

[66] الزمر: 16.

[67] الزمر: 18.

[68] تحف العقول: 341، الاحتجاج 2: 487 ح 328 و بحارالأنوار 5: 20 مع اختصار.