بازگشت

تفسير آيه ي شريفه ي (ام تريدون ان تسئلوا رسولكم)


البقرة: 108.

[38] -38- قال الامام [الحسن بن علي العسكري] عليه السلام:

قال علي بن محمد بن علي بن موسي الرضا عليهم السلام:

(أم تريدون) بل تريدون يا كفار قريش و اليهود! (أن تسئلوا رسولكم) ما تقترحونه من الآيات التي لا تعلمون هل فيها صلاحكم، أو فسادكم (كما سئل موسي من قبل)، و اقترح عليه لما قيل له: (لن نؤمن لك حتي نري الله جهرة فأخذتكم الصاعقة) [1] .

(و من يتبدل الكفر بالايمان) بعد جواب الرسول له ان ما سأله لا يصلح اقتراحه علي الله، و بعد ما يظهر الله تعالي له ما اقترح ان كان صوابا.

(و من يتبدل الكفر بالايمان) بأن لا يؤمن عند مشاهدة ما يقترح من الآيات، أو لا يؤمن اذا عرف أنه ليس له أن يقترح، و أنه يجب أن يكتفي بما قد أقامه الله تعالي من الدلالات، و أوضحه من الآيات البينات، فيتبدل الكفر بالايمان بأن يعاند، و لا يلتزم الحجة القائمة عليه، (فقد ضل سواء السبيل) أخطأ قصد الطرق المؤدية الي الجنان، و أخذ في الطرق المؤدية الي النيران.

قال عليه السلام: قال الله تعالي [لليهود]: يا أيها اليهود! (أم تريدون) بل تريدون من بعد ما آتيناكم (أن تسئلوا رسولكم).

و ذلك أن النبي صلي الله عليه و آله قصده عشرة من اليهود يريدون أن يتعنتوه [2] و يسألوه عن أشياء، يريدون أن يتعانتوه بها، فبينا هم كذلك اذ جاء أعرابي كأنما يدفع في قفاه، قد علق علي عصا علي عاتقه جرابا مشدود الرأس، فيه شي ء قد ملأه لا يدرون ما هو، فقال: يا محمد! أجبني عما أسألك.

فقال رسول الله صلي الله عليه و آله: يا أخا العرب! قد سبقك اليهود [ليسألوا]، أفتأذن لهم حتي أبدأ بههم؟

فقال الأعرابي: لا، فاني غريب مجتاز.

فقال رسول الله صلي الله عليه و آله: فأنت اذا أحق منهم لغربتك و اجتيازك.

فقال الأعرابي: و لفظة أخري.

قال رسول الله صلي الله عليه و آله: ما هي؟ قال: ان هؤلاء أهل كتاب، يدعونه و يزعمونه حقا، ولست آمن ان تقول شيئا يواطئونك عليه و يصدقونك، ليفتنوا الناس عن دينهم، و أنا لا أقنع بمثل هذا، لا أقنع الا بأمر بين.

فقال رسول الله صلي الله عليه و آله: أين علي بن أبي طالب عليه السلام؟

فدعي بعلي، فجاء حتي قرب من رسول الله صلي الله عليه و آله.

فقال الأعرابي: يا محمد! و ما تصنع بهذا في محاورتي اياك؟

قال: يا أعرابي! سألت البيان، و هذا البيان الشافي، و صاحب العلم الكافي، أنا مدينة الحكمة و هذا بابها، فمن أراد الحكمة و العلم فليأت الباب.

فلما مثل بين يدي رسول الله صلي الله عليه و آله، قال رسول الله صلي الله عليه و آله بأعلي صوته: يا عباد الله! من أراد أن ينظر الي آدم في جلالته، و الي شيث في حكمته، و الي ادريس في نباهته و مهابته، و الي نوح في شكره لربه و عبادته، و الي ابراهيم في خلته و وفائه، و الي موسي في بغض كل عدو الله و منابذته، و الي عيسي في حب كل مؤمن و حسن معاشرته، فلينظر الي علي بن أبي طالب هذا، فأما المؤمنون فازدادوا بذلك ايمانا، و أما المنافقون فازداد نفاقهم.

فقال الأعرابي: يا محمد! هكذا مدحك لابن عمك، ان شرفه شرفك، و عزه عزك، ولست أقبل من هذا شيئا الا بشهادة من لا تحتمل شهادته بطلانا و لا فسادا بشهادة هذا الضب.

فقال رسول الله صلي الله عليه و آله: يا أخا العرب! فأخرجه من جرابك لتستشهده، فيشهد لي بالنبوة، و لأخي هذا بالفضيلة.

فقال الأعرابي: لقد تعبت في اصطياده، و أنا خائف أن يطفر و يهرب.

فقال رسول الله: لا تخف، فانه لا يطفر [و لا يهرب]، بل يقف، و يشهد لنا بتصديقنا و تفضيلنا.

فقال الأعرابي: [اني] أخاف أن يطفر، فقال رسول الله صلي الله عليه و آله: فان طفر فقد كفاك به تكذيبا لنا، و احتجاجا علينا، و لن يطفر، و لكنه سيشهد لنا بشهادة الحق، فاذا فعل ذلك فخل سبيله، فان محمدا يعوضك عنه ما هو خير لك منه.

فأخرجه الأعرابي من الجراب، و وضعه علي الأرض، فوقف و استقبل رسول الله صلي الله عليه و آله، و مرغ خديه في التراب، ثم رفع رأسه، و أنطقه الله تعالي، فقال: أشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له، و أشهد أن محمدا عبده و رسوله وصفيه، و سيد المرسلين، و أفضل الخلق أجمعين، و خاتم النبيين، و قائد الغر المحجلين، و أشهد أن أخاك هذا علي بن أبي طالب علي الوصف الذي وصفته، و بالفضل الذي ذكرته، و أن أولياءه في الجنان يكرمون، و أن أعداءه في النار يهانون.

فقال الأعرابي و هو يبكي: يا رسول الله! و أنا أشهد بما شهد به هذا الضب، فقد رأيت و شاهدت و سمعت ما ليس لي عنه معدل و لا محيص. ثم أقبل الأعرابي الي اليهود، فقال: ويلكم! أي آية بعد هذه تريدون، و معجزة بعد هذه تقترحون، ليس الا أن تؤمنوا، أو تهلكوا أجمعين.

فآمن أولئك اليهود كلهم، و قالوا: عظمت بركة ضبك علينا، يا أخا العرب!

ثم قال رسول الله صلي الله عليه و آله: خل الضب علي أن يعوضك الله عزوجل [عنه ما هو خير] منه، فانه ضب مؤمن بالله و برسوله، و بأخي رسوله شاهد بالحق، ما ينبغي أن يكون مصيدا، و لا أسيرا، ولكنه يكون مخلي سربه، [تكون له مزية] علي سائر الضباب بما فضله الله أميرا. فناداه الضب: يا رسول الله! فخلني و ولني تعويضه لأعوضه.

فقال الأعرابي: و ما عساك تعوضني؟!

قال: تذهب الي الجحر الذي أخذتني منه، ففيه عشرة آلاف دينار خسروانية، و ثلاثمائة ألف درهم، فخذها.

قال الأعرابي: كيف أصنع قد سمع هذا من هذا الضب جماعات الحاضرين هاهنا، و أنا متعب، فلن آمن ممن هو مستريح يذهب الي هناك فيأخذه.

فقال الضب: يا أخا العرب! ان الله تعالي قد جعله لك عوضا مني، فما كان ليترك أحدا يسبقك اليه، و لا يروم أحد أخذه الا أهلكه الله.

و كان الأعرابي تعبا، فمشي قليلا، و سبقه الي الجحر جماعة من المنافقين كانوا بحضرة رسول الله صلي الله عليه و آله، فأدخلوا أيديهم الي الجحر ليتناولوا منه ما سمعوا، فخرجت عليهم أفعي عظيمة، فلسعتهم و قتلتهم، و وقفت حتي حضر الأعرابي. فقالت له: يا أخا العرب! انظر الي هؤلاء كيف أمرني الله بقتلهم دون مالك الذي هو عوض ضبك، و جعلني حافظته، فتناوله.

فاستخرج الأعرابي الدراهم و الدنانير، فلم يطق احتمالها، فنادته الأفعي: خذ الحبل الذي في وسطك، وشده بالكيسين، ثم شد الحبل في ذنبي فاني سأجره لك الي منزلك، و أنا فيه حارسك و حارس مالك هذا.

فجاءت الأفعي، فما زالت تحرسه و المال الي أن فرقه الأعرابي في ضياع و عقار و بساتين اشتراها، ثم انصرفت الأفعي [3] .


پاورقي

[1] البقرة: 55.

[2] العنت بالتحريك: الهلاك واصله المشقة و الصعوبة، و التعنت: طلب العنت، و هو الأمر المشاق. مجمع البحرين 2: 257، (عنت).

[3] التفسير المنسوب الي الامام العسكري عليه السلام: 496 ح 313، بحارالأنوار 17: 421 ح 47، و 9: 183 ح 12.