بازگشت

احتجاج پيامبر با مشركان، به وسيله ي قرآن


[39] -39- عن الامام العسكري عليه السلام:

...: فقلت لأبي علي بن محمد عليهماالسلام: فهل كان رسول الله صلي الله عليه و آله يناظرهم اذ عانتوه و يحاجهم؟

قال: بلي، مرارا كثيرة، منها ما حكي الله من قولهم: (و قالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام و يمشي في الأسواق لولا أنزل اليه ملك - الي قوله - رجلا مسحورا) [1] ، (و قالوا لو لا نزل هذا القرآن علي رجل من القريتين عظيم) [2] ، (و قالوا لن نؤمن لك حتي تفجر لنا من الأرض ينبوعا - الي قوله - كتابا نقرؤه) [3] .

ثم قيل له في آخر ذلك: لو كنت نبيا كموسي لنزلت علينا الصاعقة في مسألتنا اليك، لأن مسألتنا أشد من مسألة قوم موسي لموسي.

قال: و ذلك أن رسول الله صلي الله عليه و آله كان قاعدا ذات يوم بمكة، بفناء الكعبة، اذ اجتمع جماعة من رؤساء قريش منهم الوليد بن المغيرة المخزومي، و أبوالبختري بن هشام، و أبوجهل بن هشام، و العاص بن وائل السهمي، و عبدالله بن أبي أمية المخزومي، و كان معهم جمع ممن يليهم كثير، و رسول الله صلي الله عليه و آله في نفر من أصحابه يقرأ عليهم كتاب الله و يؤدي اليهم عن الله أمره و نهيه.

فقال المشركون بعضهم لبعض: لقد استفحل [4] أمر محمد، و عظم خطبه، فتعالوا نبدأ بتقريعه و تبكيته [5] و توبيخه، و الاحتجاج عليه، و ابطال ما جاء به ليهون خطبه علي أصحابه، و يصغر قدره عندهم، فلعله ينزع عما هو فيه من غيه و باطله و تمرده و طغيانه، فان انتهي و الا عاملناه بالسيف الباتر.

قال أبوجهل: فمن [ذا] الذي يلي كلامه و مجادلته؟

قال عبدالله بن أبي أمية المخزومي: أنا الي ذلك، أفما ترضاني له قرنا حسيبا، و مجادلا كفيا.

قال أبوجهل: بلي.

فأتوه بأجمعهم، فابتدأ عبدالله بن أبي أمية المخزومي، فقال: يا محمد! لقد ادعيت دعوي عظيمة، و قلت مقالا هائلا، زعمت أنك رسول الله رب العالمين، و ما ينبغي لرب العالمين و خالق الخلق أجمعين أن يكون مثلك رسولا له بشر مثلنا، تأكل كما نأكل، و تمشي في الأسواق كما نمشي، فهذا ملك الروم، و هذا ملك الفرس لا يبعثان رسولا الا كثير المال، عظيم الحال، له قصور و دور [و بساتين] و فساطيط و خيام و عبيد و خدام، و رب العالمين فوق هؤلاء كلهم أجمعين، فهم عبيده، و لو كنت نبيا لكان معك ملك يصدقك و نشاهده، بل لو أراد الله أن يبعث الينا نبيا لكان انما يبعث الينا ملكا، لا بشرا مثلنا، ما أنت يا محمد! الا مسحورا، ولست بنبي.

فقال رسول الله صلي الله عليه و آله: هل بقي من كلامك شي ء؟

قال: بلي، لو أراد الله أن يبعث رسولا لبعث أجل من فيما بيننا مالا، و أحسنه حالا، فهلا نزل هذا القران الذي تزعم أن الله أنزله عليك، و ابتعثك به رسولا (علي رجل من القريتين عظيم) [6] اما الوليد بن المغيرة بمكة، و اما عروة بن مسعود الثقفي بالطائف.

فقال رسول الله صلي الله عليه و آله: هل بقي من كلامك شي ء يا عبدالله؟!

قال: بلي، (لن نؤمن لك حتي تفجر لنا من الأرض ينبوعا) [7] بمكة هذه، فانها ذات حجارة و وعرة و جبال، تكسح أرضها و تحفرها، و تجري فيها العيون، فاننا الي ذلك محتاجون، أو تكون لك جنة من نخيل و عنب، فتأكل منها و تطعمنا، فتفجر الأنهار خلالها خلال تلك النخيل و الأعناب تفجيرا، أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا، فانك قلت لنا: (و ان يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم) [8] و لعلنا نقول ذلك.

ثم قال: و لن نؤمن لك أو تأتي بالله و الملائكة قبيلا، تأتي به و بهم، و هم لنا مقابلون، أو يكون لك بيت من زخرف تعطينا منه، و تغنينا به، فلعلنا نطغي، فانك قلت لنا: (كلا ان الانسان ليطغي - أن رآه استغني) [9] .

ثم قال: أو ترقي في السماء - أي تصعد في السماء - ولن نؤمن لرقيك - لصعودك - حتي تنزل علينا كتابا نقرؤه من الله العزيز الحكيم، الي عبدالله بن أبي أمية المخزومي و من معه بأن آمنوا بمحمد بن عبدالله بن عبدالمطلب، فانه رسولي، و صدقوه في مقاله، فانه من عندي.

ثم لا أدري يا محمد! اذا فعلت هذا كله أو من بك، أو لا أو من بك، بل لو رفعتنا الي السماء، و فتحت أبوابها، و أدخلتناها لقلنا انما سكرت أبصارنا و سحرتنا.

فقال رسول الله صلي الله عليه و آله: يا عبدالله! أبقي شي ء من كلامك؟

قال: يا محمد! و ليس فيما أوردته عليك كفاية و بلاغ، ما بقي شي ء، فقل ما بدا لك، و أفصح عن نفسك ان كانت لك حجة، و آتنا بما سألناك.

فقال رسول الله صلي الله عليه و آله: اللهم! أنت السامع لكل صوت، و العالم بكل شي ء، تعلم ما قاله عبادك، فأنزل الله عليه: يا محمد! (و قالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام و يمشي في الأسواق - الي قوله - رجلا مسحورا) [10] .

ثم قال الله تعالي: (انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا) [11] ثم قال الله: يا محمد! (تبارك الذي ان شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار و يجعل لك قصورا) [12] ، و أنزل عليه: يا محمد! (فلعلك تارك بعض ما يوحي اليك و ضائق به صدرك) الآية [13] ، و أنزل عليه: يا محمد! (و قالوا لولا أنزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر - الي قوله - و للبسنا عليهم ما يلبسون) [14] .

فقال له رسول الله صلي الله عليه و آله: يا عبدالله! أما ما ذكرت من أني آكل الطعام كما تأكلون، و زعمت أنه لا يجوز لأجل هذه أن أكون لله رسولا، فانما الأمر لله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، و هو محمود، و ليس لك و لا لأحد الاعتراض عليه بلم و كيف. ألا تري أن الله تعالي كيف أفقر بعضا و أغني بعضا، و أعز بعضا، و أذل بعضا، و أصح بعضا، و أسقم بعضا، و شرف بعضا، و وضع بعضا، و كلهم ممن يأكل الطعام. ثم ليس للفقراء أن يقولوا: لم أفقرتنا و أغنيتهم، و لا للوضعاء أن يقولوا: لم وضعتنا و شرفتهم، و لا للزمني و الضعفاء أن يقولوا: لم أزمنتنا و أضعفتنا و صححتهم، و لا للأذلاء أن يقولوا: لم أذللتنا و أعززتهم، و لا لقبائح الصور أن يقولوا: لم قبحتنا و جملتهم، بل ان قالوا ذلك كانوا علي ربهم رادين، و له في أحكامه منازعين، و به كافرين، و لكان جوابه لهم: [اني] انا الملك، الخافض، الرافع، المغني، المفقر، المعز، المذل، المصحح، المسقم و أنتم العبيد ليس لكم الا التسليم لي، و الانقياد لحكمي، فان سلمتم كنتم عبادا مؤمنين، و ان أبيتم كنتم بي كافرين، و بعقوباتي من الهالكين.

ثم أنزل الله تعالي عليه: يا محمد! (قل انما أنا بشر مثلكم)، يعني آكل الطعام (يوحي الي أنما الهلكم اله واحد) [15] ، يعني قل لهم: أنا في البشرية مثلكم، و لكن ربي خصني بالنبوة دونكم، كما يخص بعض البشر بالغناء، و الصحة، و الجمال دون بعض من البشر، فلا تنكروا أن يخصني أيضا بالنبوة.

ثم قال رسول الله صلي الله عليه و آله: و أما قولك: [ان] هذا ملك الروم، و ملك الفرس لا يبعثان رسولا الا كثير المال، عظيم الحال، له قصور و دور و فساطيط و خيام و عبيد و خدام، و رب العالمين فوق هؤلاء كلهم، فهم عبيده فان الله له التدبير و الحكم، لا يفعل علي ظنك و حسبانك، و لا باقتراحك، بل يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، و هو محمود، يا عبدالله! انما بعث الله نبيه ليعلم الناس دينهم، و يدعوهم الي ربهم، و يكد نفسه في ذلك آناء الليل و أطراف النهار، فلو كان صاحب قصور يحتجب فيها، و عبيد و خدم يسترونه عن الناس أليس كانت الرسالة تضيع، و الأمور تتباطأ، أو ما تري الملوك اذا احتجبوا كيف يجري الفساد و القبائح من حيث لا يعلمون به و لا يشعرون؟

يا عبدالله! و انما بعثني الله و لا مال لي ليعرفكم قدرته و قوته، و أنه هو الناصر لرسوله، لا تقدرون علي قتله، و لا منعه من رسالته، فهذا أبين في قدرته و في عجزكم، و سوف يظفرني الله بكم، فأوسعكم قتلا و أسرا، ثم يظفرني الله ببلادكم، و يستولي عليها المؤمنون من دونكم، و دون من يوافقكم علي دينكم.

ثم قال رسول الله صلي الله عليه و آله: و أما قولك لي: ولو كنت نبيا لكان معك ملك يصدقك و نشاهده، بل لو أراد الله أن يبعث الينا نبيا لكان انما يبعث ملكا لا بشرا مثلنا، فالملك لا تشاهده حواسكم، لأنه من جنس هذا الهواء، لا لاعيان منه، و لو شاهدتموه - بأن يزاد في قوي أبصاركم - لقلتم ليس هذا ملكا، بل هذا بشر، لأنه انما كان يظهر لكم بصورة البشر الذي قد ألفتموه، لتفهموا عنه مقاله، و تعرفوا به خطابه و مراده، فكيف كنتم تعلمون صدق الملك و أن ما يقوله حق؟

بل انما بعث الله بشرا، و أظهر علي يده المعجزات التي ليست في طبائع البشر الذين قد علمتم ضمائر قلوبهم، فتعلمون بعجزكم عما جاء به أنه معجزة، و أن ذلك شهادة من الله تعالي بالصدق له، ولو ظهر لكم ملك علي يده ما يعجز عنه البشر، لم يكن في ذلك ما يدلكم أن ذلك ليس في طبائع سائر أجناسه من الملائكة حتي يصير ذلك معجزا.

ألا ترون أن الطيور التي تطير ليس ذلك منها بمعجز، لأن لها أجناسا يقع منها مثل طيرانها، و لو أن آدميا طار كطيرانها كان ذلك معجزا، فالله عزوجل سهل عليكم الأمر، و جعله بحيث تقوم عليكم حجته، و أنتم تقترحون عمل الصعب الذي لا حجة فيه؟!

ثم قال رسول الله صلي الله عليه و آله: و أما قولك: ما أنت الا رجلا مسحورا، فكيف أكون كذلك، وقد تعلمون أني في صحة التمييز و العقل فوقكم؟ فهل جربتم علي منذ نشأت الي أن استكملت أربعين سنة جريرة، أو زلة، أو كذبة، أو خيانة، أو خطأ من القول، أو سفها من الرأي، أتظنون أن رجلا يعتصم طول هذه المدة بحول نفسه وقوتها، أو بحول الله وقوته، و ذلك ما قال الله تعالي: (انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا) [16] ، الي أن يثبتوا عليك عمي بحجة أكثر من دعاويهم الباطلة التي تبين عليك تحصيل بطلانها.

ثم قال رسول الله صلي الله عليه و آله و أما قولك: (لو لا نزل هذا القرآن علي رجل من القريتين عظيم)، الوليد بن المغيرة بمكة، أو عروة بالطائف، فان الله تعالي ليس يستعظم مال الدنيا كما تستعظمه أنت، و لا خطر له عنده كما [له] عندك، بل لو كانت الدنيا عنده تعدل جناح بعوضة لما سقي كافرا به، مخالفا شربة ماء، و ليس قسمة رحمة الله اليك، بل الله [هو] القاسم للرحمات، و الفاعل لما يشاء في عبيده و امائه، و ليس هو عزوجل ممن يخاف أحدا، كما تخافه [أنت] لماله و حاله، فتعرفه بالنبوة لذلك، و لا ممن يطمع في أحد في ماله [أو في حاله]، كما تطمع، فتخصه بالنبوة لذلك، و لا ممن يحب أحدا محبة الهوي كما تحب، فتقدم من لا يستحق التقديم. و انما معاملته بالعدل، فلا يؤثر بأفضل مراتب الدين و جلاله الا الأفضل في طاعته، و الأجد في خدمته، و كذلك لا يؤخر في مراتب الدين و جلاله الا أشدهم تباطئوا عن طاعته، و اذا كان هذا صفته لم ينظر الي مال و لا الي حال، بل هذا المال و الحال من تفضله، و ليس لأحد من عباده عليه ضربة لازب.

فلا يقال اذا تفضل بالمال علي عبده: فلابد [من] أن يتفضل عليه بالنبوة أيضا، لأنه ليس لأحد اكراهه، علي خلاف مراده و لا الزامه تفضلا، لأنه تفضل قبله بنعمه. ألا تري يا عبدالله! كيف أغني واحدا و قبح صورته؟ و يكف حسن صورة واحد و أفقره؟ و كيف شرف واحدا و أفقره؟ و كيف أغني واحد و وضعه، ثم ليس لهذا الغني أن يقول: وهلا أضيف الي يساري جمال فلان، و لا للجميل أن يقول: هلا أضيف الي جمالي مال فلان، و لا للشريف أن يقول: هلا أضيف الي شرفي مال فلان، و لا للوضيع أن يقول: هلا أضيف الي ضعتي شرف فلان، ولكن الحكم لله، يقسم كيف يشاء و يفعل كما يشاء، و هو حكيم في أفعاله، محمود في أعماله.

و ذلك قوله تعالي: (و قالوا لو لا نزل هذا القرآن علي رجل من القريتين عظيم) [17] قال الله تعالي: (أهم يقسمون رحمت ربك - يا محمد - نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا) [18] فأحوجنا بعضا الي بعض، أحوجنا هذا الي مال ذلك، و أحوج ذاك الي سلعة هذا [و هذا] الي خدمته، فتري أجل الملوك و أغني الأغنياء محتاجا الي أفقر الفقراء في ضرب من الضروب، اما سلعة معه ليست معه، و اما خدمة يصلح لها لا يتهيأ لذلك الملك أن يستغني [الا] به، و اما باب من العلوم و الحكم، فهو فقير الي أن يستفيدها من هذا الفقير، فهذا الفقير يحتاج الي مال ذلك الملك الغني، و ذلك الملك يحتاج الي علم هذا الفقير، أو رأيه، أو معرفته، ثم ليس للفقير أن يقول: هلا اجتمع الي رأيي و علمي و ما أتصرف فيه من فنون الحكم مال هذا الملك الغني، و لا للملك أن يقول: هلا اجتمع الي ملكي علم هذا الفقير.

ثم قال: (و رفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا). ثم قال: يا محمد! (و رحمت ربك خير مما يجمعون) [19] ، يجمع هؤلاء من أموال الدنيا.

ثم قال رسول الله صلي الله عليه و آله: و أما قولك: (لن نؤمن لك حتي تفجر لنا من الأرض ينبوعا) الي آخر ما قتلته، فانك اقترحت علي محمد رسول الله أشياء: منها ما لو جاءك به لم يكن برهانا لنبوته، و رسول الله يرتفع عن أن يغتنم جهل الجاهلين، و يحتج عليهم بما لا حجة فيه.

و منها ما لو جاءك به لكان معه هلاكك، و انما يؤتي بالحجج و البراهين ليلزم عباد الله الايمان بها، لا ليهلكوا بها، فانما اقترحت هلاكك، و رب العالمين أرحم بعباده، و أعلم بمصالحهم من أن يهلكهم كما يقترحون.

و منها المحال الذي لا يصح و لا يجوز كونه، و رسول [الله] رب العالمين يعرفك ذلك، و يقطع معاذيرك، و يضيق عليك سبيل مخالفته، و يلجئك بحجج الله الي تصديقه حتي لا يكون لك عنه محيد و لا محيص.

و منها ما قد اعترفت علي نفسك أنك فيه معاند متمرد، لا تقبل حجة، و لا تصغي الي برهان، و من كان كذلك فدواؤه عقاب النار، النازل من سمائه، أو في جحيمه، أو بسيوف أوليائه.

و أما قولك يا عبدالله!: (لن نؤمن لك حتي تفجر لنا من الأرض ينبوعا) بمكة، فانها ذات حجارة و صخور و جبال، تكسح أرضها و تحفرها، و تجري فيها العيون، فاننا الي ذلك محتاجون، فانك سألت هذا و أنت جاهل بدلائل الله تعالي.

يا عبدالله! أرأيت لو فعلت هذا، كنت من أجل هذا نبيا، أرأيت الطائف التي لك فيها بساتين، أما كان هناك مواضع فاسدة صعبة أصلحتها، و ذللتها، و كسحتها، و أجريت فيها عيونا استنبطتها؟

قال: بلي. قال: و هل لك في هذا نظراء؟

قال: بلي. [قال:] أفصرت بذلك أنت و هم أنبياء؟

قال: لا. قال: فكذلك لا يصير هذا حجة لمحمد لو فعله علي نبوته، فما هو الا كقولك: لن نؤمن لك حتي تقوم و تمشي علي الأرض، أو حتي تأكل الطعام كما يأكل الناس.

و أما قولك يا عبدالله!: أو تكون لك جنة من نخيل و عنب فتأكل منها و تطعمنا و تفجر الأنهار خلالها تفجيرا، أو ليس لأصحابك ولك جنات من نخيل و عنب بالطائف تأكلون و تطعمون منها، و تفجرون الأنهار خلالها تفجيرا، أفصرتم أنبياء بهذا؟

قال: لا. قال: فما بال اقتراحكم علي رسول الله أشياء، لو كانت كما تقترحون لما دلت علي صدقه، بل لو تعاطاها لدل تعاطيه اياها علي كذبه، لأنه حينئذ يحتج بما لا حجة فيه، و يختدع الضعفاء عن عقولهم و أديانهم، و رسول رب العالمين يجل و يرتفع عن هذا.

ثم قال رسول الله صلي الله عليه و آله: يا عبدالله! و أما قولك: أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا، فانك قلت: و ان يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا: سحاب مركوم، فان في سقوط السماء عليكم هلاككم و موتكم.

فانما تريد بهذا من رسول الله أن يهلكك، و رسول رب العالمين أرحم بك من ذلك و لا يهلكك، ولكنه يقيم عليك حجج الله، و ليس حجج الله لنبيه وحده علي حسب اقتراح عباده، لأن العباد جهال بما يجوز من الصلاح، و بما لا يجوز منه و بالفساد، و قد يختلف اقتراحهم و يتضاد حتي يستحيل وقوعه، [اذ لو كانت اقتراحاتهم واقعة لجاز أن تقترح أنت أن تسقط السماء عليكم، و يقترح غيرك أن لا تسقط عليكم السماء، بل أن ترفع الأرض الي السماء، و تقع السماء عليها، و كان ذلك يتضاد و يتنافي، أو يستحيل وقوعه]، والله لا يجري تدبيره علي ما يلزم به المحال.

ثم قال رسول الله صلي الله عليه و آله: و هل رأيت يا عبدالله! طبيبا كان دواؤه للمرضي علي حسب اقتراحاتهم، و انما يفعل بهم ما يعلم صلاحهم فيه، أحبه العليل أو كرهه، فأنتم المرضي، والله طبيبكم، فان أنفذتم لدوائه شفاكم، و ان تمردتم عليه أسقمكم، و بعد، فمتي رأيت يا عبدالله مدعي حق قبل رجل أوجب عليه حاكم من حكامهم فيما مضي بينة علي دعواه علي حسب اقتراح المدعي عليه، اذن ما كان يثبت لأحد علي أحد دعوي و لا حق، و لا كان بين ظالم من مظلوم، و لا صادق من كاذب فرق.

ثم قال: يا عبدالله! و أما قولك: أو تأتي بالله و الملائكة قبيلا يقابلوننا و نعاينهم، فان هذا من المحال الذي لا خفاء به، ان ربنا عزوجل ليس كالمخلوقين يجي ء و يذهب، و يتحرك و يقابل شيئا حتي يؤتي به، فقد سألتم بهذا المحال، و انما هذا الذي دعوت اليه صفة أصنامكم الضعيفة المنقوصة التي لا تسمع، و لا تبصر، و لا تعلم، و لا تغني عنكم شيئا، و لا عن أحد. يا عبدالله! أو ليس لك ضياع و جنان بالطائف و عقار بمكة، و قوام عليها؟

قال: بلي. قال: أفتشاهد جميع أحوالها بنفسك، أو بسفراء بينك و بين معامليك؟

قال: بسفرائي. قال: أرأيت لو قال معاملوك و أكرتك و خدمك لسفرائك: لانصدقكم في هذه السفارة الا أن تأتونا بعبدالله بن أبي أمية، لنشاهده فنسمع ما تقولون عنه شفاها، كنت تسوغهم هذا، او كان يجوز لهم عندك ذلك؟

قال: لا. قال: فما الذي يجب علي سفرائك؟ أليس أن يأتوهم عنك بعلامة صحيحة تدلهم علي صدقهم، فيجب عليهم أن يصدقوهم؟

قال: بلي. قال: يا عبدالله! أرأيت سفيرك لو أنه لما سمع منهم هذا، عاد اليك و قال: قم معي، فانهم قد اقترحوا علي مجيئك، أليس يكون [هذا] لك مخالفا، و تقول له: انما أنت رسول، لا مشير، و لا آمر؟

قال: بلي. قال: فكيف صرت تقترح علي رسول رب العالمين ما لا تسوغ لأكرتك و معامليك أن يقترحوه علي رسولك اليهم؟ و كيف أردت من رسول رب العالمين أن يستذم الي ربه، بأن يأمر عليه و ينهي، و أنت لا تسوغ مثل هذا لرسولك الي أكرتك و قوامك.

هذه حجة قاطعة لابطال جميع ما ذكرته في كل ما اقترحته، يا عبدالله!

و أما قولك يا عبدالله!: أو يكون لك بيت من زخرف و هو الذهب، أم بلغك أن لعزيز مصر بيوتا من زخرف؟

قال: بلي. قال: أفصار بذلك نبيا؟ قال: لا. قال: فكذلك لا يوجب ذلك لمحمد لو كان له نبوة، و محمد لا يغتنم جهلك بحجج الله.

و أما قولك يا عبدالله!: (أو ترقي في السماء). ثم قلت: (و لن نؤمن لرقيك حتي تنزل علينا كتابا نقرؤه)، يا عبدالله! الصعود الي السماء أصعب من النزول عنها، و اذا اعترفت علي نفسك بأنك لا تؤمن اذا صعدت، فكذلك حكم النزول.

ثم قلت: حتي تنزل علينا كتابا نقرؤه، و من بعد ذلك لا أدري اؤمن بك أو لا اؤمن بك.

فأنت يا عبدالله! مقر بأنك تعاند حجة الله عليك، فلا دواء لك الا تأديبه [لك] علي يد أوليائه من البشر، أو ملائكته الزبانية، و قد أنزل الله تعالي علي حكمة جامعة لبطلان كل ما اقترحته، فقال تعالي، (قل - يا محمد! - سبحان ربي هل كنت الا بشرا رسولا) [20] ما أبعد ربي عن أن يفعل الأشياء علي [قدر] ما يقترحه الجهال بما يجوز و بما لا يجوز، و هل كنت الا بشرا رسولا، لا يلزمني الا اقامة حجة الله التي أعطاني، و ليس لي أن آمر علي ربي، و لا أنهي، و لا أشير، فأكون كالرسول الذي بعثه ملك الي قوم من مخالفيه فرجع اليه يأمره أن يفعل بهم ما اقترحوه عليه.

فقال أبوجهل: يا محمد! هاهنا واحدة، ألست زعمت أن قوم موسي احترقوا بالصاعقة لما سألوه أن يريهم الله جهرة؟

[قال: بلي. قال:] فلو كنت نبيا لاحترقنا نحن أيضا، فقد سألنا أشد مما سأل قوم موسي عليه السلام، لأنهم بزعمك قالوا: (أرنا الله جهرة)، و نحن قلنا: لن نؤمن لك حتي تأتي بالله و الملائكة قبيلا نعاينهم.

فقال رسول الله صلي الله عليه و آله: يا أباجهل! أو ما علمت قصة ابراهيم الخليل عليه السلام لما رفع في الملكوت، و ذلك قول ربي: (و كذلك نري ابراهيم ملكوت السماوات و الأرض و ليكون من المؤقنين) [21] ، قوي الله بصره لما رفعه دون السماء حتي أبصر الأرض و من عليها ظاهرين و مستترين، فرأي رجلا و امرأة علي فاحشة فدعا عليهما بالهلاك فهلكا، ثم رأي آخرين فدعا عليهما بالهلاك فهلكا، ثم رأي آخرين فهم بالدعاء عليهما، فأوحي الله تعالي اليه: يا ابراهيم! اكفف دعوتك عن عبادي و امائي، فاني أنا الغفور الرحيم الحنان الحليم، لا تضرني ذنوب عبادي، كما لا تنفعني طاعتهم، و لست أسوسهم لشفاء الغيظ كسياستك، فاكفف دعوتك عن عبادي، فانما أنت عبد نذير، لا شريك في المملكة، و لا مهيمن علي، و لا علي عبادي، و عبادي معي بين خلال ثلاث : اما تابوا الي فتبت عليهم، و غفرت ذنوبهم، و سترت عيوبهم. و اما كففت عنهم عذابي لعلمي بأنه سيخرج من أصلابهم ذريات مؤمنون، فأرفق بالآباء الكافرين، و أتأني بالأمهات الكافرات، و أرفع عنهم عذابي ليخرج ذلك المؤمن من أصلابهم، فاذا تزايلوا حل بهم عذابي، و حاق بهم بلائي.

و ان لم يكن هذا و لا هذا فان الذي أعددته لهم من عذابي أعظم مما تريده بهم، فان عذابي لعبادي علي حسب جلالي و كبريائي.

يا ابراهيم! فخل بيني و بين عبادي، فاني أرحم بهم منك، وخل بيني و بين عبادي فاني أنا الجبار الحليم العلام الحكيم، أدبرهم بعلمي، و أنفذ فيهم قضائي و قدري.

ثم قال رسول الله صلي الله عليه و آله: ان الله تعالي يا أباجهل! انما دفع عنك العذاب، لعلمه بأنه سيخرج من صلبك ذرية طيبة: عكرمة ابنك، و سيلي من أمور المسلمين ما ان أطاع الله و رسوله فيه كان عندالله جليلا، و الا فالعذاب نازل عليك.

و كذلك سائر قريش السائلين لما سألوه هذا، انما أمهلوا لأن الله علم أن بعضهم سيؤمن بمحمد، و ينال به السعادة، فهو تعالي لا يقطعه عن تلك السعادة، [و لا يبخل بها عليه، أو من يولد منه مؤمن فهو ينظر أباه لايصال ابنه الي السعادة]، ولو لا ذلك لنزل العذاب بكافتكم، فانظر نحو السماء.

فنظر فاذا أبوابها مفتحة، و اذا النيران نازلة منها مسامتة لرءوس القوم، تدنو منهم حتي وجدوا حرها بين أكتافهم، فارتعدت فرائص أبي جهل و الجماعة.

فقال رسول الله صلي الله عليه و آله: لا تروعنكم، فان الله لا يهلككم بها، و انما أظهرها عبرة. ثم نظروا، و اذا قد خرج من ظهور الجماعة أنوار قابلتها و رفعتها و دفعتها حتي أعادتها في السماء كما جاءت منها، فقال رسول الله صلي الله عليه و آله: بعض هذه الأنوار أنوار من قد علم الله أنه سيسعده بالايمان بي منكم من بعد، و بعضها أنوار ذرية طيبة ستخرج من بعضكم ممن لا يؤمن و هم مؤمنون [22] .


پاورقي

[1] الفرقان: 7 و 8.

[2] الزخرف: 31.

[3] الاسراء: 90 - 93.

[4] أي قوي و اشتد (لسان العرب 10: 195 - فحل).

[5] التبكيت: التقريع و التوبيخ. مجمع البحرين 1: 231، (بكت).

[6] الزخرف: 31.

[7] الاسراء: 90.

[8] الطور: 44.

[9] العلق: 6 و 7.

[10] الفرقان: 7 و 8.

[11] الفرقان: 9.

[12] الفرقان: 10.

[13] هود: 12.

[14] الأنعام: 8 و 9.

[15] الكهف: 110.

[16] الفرقان: 9.

[17] الزخرف: 31.

[18] الزخرف: 32.

[19] الزخرف: 32.

[20] الاسراء: 93.

[21] الأنعام: 75.

[22] التفسير المنسوب الي الامام العسكري عليه السلام: 500 ح 314، الاحتجاج 1: 47 ح 22، بحارالأنوار 9: 269 ح 2.