بازگشت

امام و نرگس و مژده ي او


[85] -85- قال الصدوق:

حدثنا محمد بن علي بن حاتم النوفلي، قال: حدثنا أبوالعباس أحمد بن عيسي الوشاء البغدادي، قال: حدثنا أحمد بن طاهر القمي، قال: حدثنا أبوالحسين محمد بن بحر الشيباني، قال:

وردت كربلاء سنة ست و ثمانين و مائتين، قال: وزرت قبر غريب رسول الله صلي الله عليه و آله، ثم انكفأت الي مدينة السلام متوجها الي مقابر قريش في وقت قد تضرمت الهواجر، و توقدت السمائم، فلما وصلت منها الي مشهد الكاظم عليه السلام، و استنشقت نسيم تربته المغمورة من الرحمة المحفوفة بحدائق الغفران، أكببت عليها بعبرات متقاطرة، و زفرات متتابعة، و قد حجت الدمع طرفي عن النظر، فلما رقأت العبرة، و انقطع النحيب، فتحت بصري فاذا أنا بشيخ قد انحني صلبه و تقوس منكباه، وثفنت جبهته و راحتاه، و هو يقول لآخر معه عند القبر:

يا ابن أخي! لقد نال عمك شرفا بما حمله السيدان من غوامض الغيوب و شرائف العلوم التي لم يحمل مثلها الا سلمان، و قد أشرف عمك علي استكمال المدة و انقضاء العمر، و ليس يجد في أهل الولاية رجلا يفضي اليه بسره، قلت: يا نفس! لا يزال العناء و المشقة ينالان منك باتعابي الخف و الحافر في طلب العلم، و قد قرع سمعي من هذا الشيخ لفظ يدل علي علم جسيم، و أثر عظيم، فقلت: أيها الشيخ! و من السيدان؟

قال: النجمان المغيبان في الثري بسر من رأي، فقلت: اني أقسم بالموالاة و شرف محل هذين السيدين من الامامة و الوراثة اني خاطب علمهما، و طالب آثارهما، و باذل من نفسي ألايمان المؤكدة علي حفظ أسرارهما.

قال: ان كنت صادقا فيما تقول، فاحضر ما صحبك من الآثار عن نقلة أخبارهم، فلما فتش الكتب و تصفح الروايات منها، قال: صدقت، أنا بشر بن سليمان النخاس، من ولد أبي أيوب الأنصاري، أحد موالي أبي الحسن و أبي محمد عليهماالسلام، و جارهما بسر من رأي، قلت: فأكرم أخاك ببعض ما شاهدت من آثارهما.

قال: كان مولانا أبوالحسن علي بن محمد العسكري عليهماالسلام فقهني في أمر الرقيق فكنت لا أبتاع و لا أبيع لا باذنه، فاجتنبت بذلك موارد الشبهات حتي كملت معرفتي فيه، فأحسنت الفرق فيما بين الحلال و الحرام فبينما أنا ذات ليلة في منزلي بسر من رأي و قد مضي هوي من الليل اذ قرع الباب قارع، فعدوت مسرعا فاذا أنا بكافور الخادم رسول مولانا أبي الحسن علي بن محمد عليهماالسلام يدعوني اليه، فلبست ثيابي و دخلت عليه، فرأيته يحدث ابنه أبامحمد و أخته حكيمة من وراء الستر، فلما جلست قال: يا بشر! انك من ولد الأنصار، و هذه الولاية لم تزل فيكم يرثها خلف عن سلف، فأنتم ثقاتنا أهل البيت، و اني مزكيك و مشرفك بفضيلة تسبق بها شأو [1] الشيعة في الموالاة بها، بسر أطلعك عليه، و أنفذك في ابتياع أمة.

فكتب كتابا ملصقا بخط رومي و لغة رومية، و طبع عليه بخاتمه، و أخرج شستقة [2] صفراء فيها مائتان و عشرون دينارا، فقال: خذها و توجه بها الي بغداد، واحضر معبر الفرات ضحوة [3] كذا، فاذا وصلت الي جانبك زوارق السبايا، و برزن الجواري منها، فستحدق بهم طوائف المبتاعين من وكلاء قواد بني العباس، و شراذم من فتيان العراق، فاذا رأيت ذلك فأشرف من البعد علي المسمي عمر بن يزيد النخاس عامة نهارك، الي أن يبرز للمبتاعين جارية صفتها كذا و كذا، لابسة حريرتين صفيقتين، تمتنع من السفور و لمس المعترض و الانقياد لمن يحاول لمسها، و يشغل نظره بتأمل مكاشفها من وراء الستر الرقيق، فيضربها النخاس فتصرخ صرخة رومية، فاعلم أنها تقول: وا هتك ستراه، فيقول بعض المبتاعين: علي بثلاثمائة دينار، فقد زادني العفاف فيها رغبة، فتقول بالعربية: لو برزت في زي سليمان و علي مثل سرير ملكه ما بدت لي فيك رغبة، فأشفق علي مالك.

فيقول النخاس: فما الحيلة و لابد من بيعك؟ فتقول الجارية: و ما العجلة، و لابد من اختيار مبتاع يسكن قلبي اليه، و الي أمانته و ديانته، فعند ذلك قم الي عمر بن يزيد النخاس و قل له: ان معي كتابا ملصقا لبعض الأشراف، كلبه بلغة رومية و خط رومي، و وصف فيه كرمه و وفاؤه و نبله و سخاؤه، فناولها لتتأمل منه أخلاق صاحبه، فان مالت اليه و رضيته فأنا وكيله في ابتياعها منك.

قال بشر بن سليمان النخاس: فامتثلت جميع ما حده لي مولاي أبوالحسن عليه السلام في أمر الجارية، فلما نظرت في الكتاب بكت بكاء شديدا، و قالت لعمر بن يزيد النخاس: بعني من صاحب هذا الكتاب و حلفت بالمحرجة المغلظة: انه متي امتنع من بيعها منه قتلت نفسها، فما زلت أشاحه في ثمنها حتي استقر الأمر فيه علي مقدار ما كان أصحبنيه مولاي عليه السلام من الدنانير في الشستقة الصفراء، فاستوفاه مني و تسلمت منه الجارية ضاحكة مستبشرة، و انصرفت بها الي حجرتي التي كنت آوي اليها ببغداد، فما أخذها القرار حتي أخرجت كتاب مولاها عليه السلام من جيبها و هي تلثمه و تضعه علي خدها، و تطبقه علي جفنها، و تمسحه علي بدنها، فقلت تعجبا منها: أتلثمين كتابا، و لا تعرفين صاحبه؟

قالت: أيها العاجز الضعيف المعرفة! بمحل أولاد الأنبياء، أعرني سمعك، و فرغ لي قلبك أنا مليكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم، و أمي من ولد الحواريين تنسب الي وصي المسيح شمعون، أنبئك العجب العجيب: ان جدي قيصر أراد أن يزوجني من ابن أخيه، و أنا من بنات ثلاثة عشرة سنة، فجمع في قصره من نسل الحواريين و من القسيسين و الرهبان ثلاثمائة رجل، و من ذوي الأخطار سبعمائة رجل، و جمع من أمراء الأجناد، و قواد العساكر، و نقباء الجيوش، و ملوك العشائر أربعة آلاف، و أبرز من بهو ملكه عرشا مسوغا من أصناف الجواهر الي صحن القصر، فرفعه فوق أربعين مرقاة.

فلما صعد ابن أخيه و أحدقت به الصلبان، و قامت الأساقفة عكفا و نشرت أسفار الانجيل، تسافلت الصلبان من الأعالي فلصقت بالأرض، و تقوضت الأعمدة فانهارت الي القرار، وخر الصاعد من العرش مغشيا عليه، فتغيرت ألوان الأساقفة، و ارتعدت فرائصهم، فقال كبيرهم لجدي:

أيها الملك! أعفنا من ملاقاة هذه النحوس الدالة علي زوال هذا الدين المسيحي و المذهب الملكاني، فتطير جدي من ذلك تطيرا شديدا، و قال للأساقفة: أقيموا هذه الأعمدة، و ارفعوا الصلبان: و أحضروا أخا هذا المدبر العاثر المنكوس جده لأزوج منه هذه الصبية، فيدفع نحوسه عنكم بسعوده.

فلما فعلوا ذلك حدث علي الثاني ما حدث علي الأول، و تفرق الناس، و قام جدي قيصر مغتما و دخل قصره و أرخيت الستور، فأريت في تلك الليلة كان المسيح و الشمعون و عدة من الحواريين قد اجتمعوا في قصر جدي، و نصبوا فيه منبرا يباري السماء علوا و ارتفاعا في الموضع الذي كان جدي نصب فيه عرشه، فدخل عليهم محمد صلي الله عليه و آله مع فتية وعدة من بنيه، فيقوم اليه المسيح فيعتنقه فيقول:

يا روح الله! اني جئتك خاطبا من وصيك شمعون فتاته مليكة لابني هذا، و أومأ بيده الي أبي محمد [ابن] [4] صاحب هذا الكتاب، فنظر المسيح الي شمعون فقال له: قد أتاك الشرف فصل رحمك برحم رسول الله صلي الله عليه و آله.

قال: قد فعلت، فصعد ذلك المنبر و خطب محمد صلي الله عليه و آله و زوجني و شهد المسيح عليه السلام و شهد بنو محمد صلي الله عليه و آله و الحواريون.

فلما استيقظت من نومي أشفقت أن أقص هذه الرؤيا علي أبي وجدي مخافة القتل، فكنت أسرها في نفسي و لا أبديها لهم، و ضرب صدري بمحبة أبي محمد حتي امتنعت من الطعام و الشراب وضعفت نفسي و دق شخصي و مرضت مرضا شديدا، فما بقي من مدائن الروم طبيب، الا أحضره جدي و سأله عن دوائي، فلما برح به اليأس قال: يا قرة عيني! فهل تخطر ببالك شهوة، فأزودكها في هذه الدنيا؟

فقلت: يا جدي! أري أبواب الفرج علي مغلقة، فلو كشفت العذاب عمن في سجنك من أساري المسلمين، و فككت عنهم الأغلال، و تصدقت عليهم و مننتهم بالخلاص، لرجوت أن يهب المسيح و أمه لي عافية و شفاء.

فلما فعل ذلك جدي تجلدت في اظهار الصحة في بدني، و تناولت يسيرا من الطعام، فسر بذلك جدي و أقبل علي اكرام الأساري [و] اعزازهم، فرأيت أيضا بعد أربع ليال كأن سيدة النساء قد زارتني، و معها مريم بنت عمران و ألف وصيفة من وصائف الجنان، فتقول لي مريم:

هذه سيدة النساء أم زوجك أبي محمد، فأتعلق بها و أبكي و أشكو اليها امتناع أبي محمد من زيارتي.

فقالت لي سيدة النساء عليه السلام: ان ابني أبامحمد لا يزورك و أنت مشركة بالله و علي مذهب النصاري، و هذه أختي مريم تبرأ الي الله تعالي من دينك، فان ملت الي رضا الله عزوجل، و رضا المسيح و مريم عنك، و زيارة أبي محمد اياك، فتقولي: أشهد أن لا اله الا الله، و أشهد أن أبي محمدا رسول الله.

فلما تكلمت بهذه الكلمة ضمتني سيدة النساء الي صدرها، فطيبت لي نفسي و قالت: الآن توقعي زيارة أبي محمد اياك، فاني منفذه اليك.

فانتبهت و أنا أقول: و اشوقاه الي لقاء أبي محمد، فلما كانت الليلة القابلة جاءني أبومحمد عليه السلام في منامي فرأيته كأني أقول له: جفوتني يا حبيبي! بعد أن شغلت قلبي بجوامع حبك.

قال: ما كان تأخيري عنك الا لشركك، و اذ قد أسلمت فاني زائرك في كل ليلة الي أن يجمع الله شملنا في العيان، فما قطع عني زيارته بعد ذلك الي هذه الغاية.

قال بشر: فقلت لها: و كيف وقعت في الأسر؟

فقالت: أخبرني أبومحمد ليلة من اليالي أن جدك سيسرب جيوشا الي قتال المسلمين يوم كذا، ثم يتبعهم، فعليك باللحاق بهم، متنكرة في زي الخدم مع عدة من الوصائف من طريق كذا.

ففعلت فوقعت علينا طلائع المسلمين، حتي كان من أمري ما رأيت و ما شاهدت، و ما شعر أحد بي بأني ابنة ملك الروم الي هذه الغاية سواك، و ذلك باطلاعي اياك عليه، و قد سألني الشيخ الذي وقعت اليه في سهم الغنيمة عن اسمي فأنكرته و قلت: نرجس، فقال: اسم الجواري؟

فقلت: العجب انك رومية و لسانك عربي؟

قالت: بلغ من ولوع جدي و حمله اياي علي تعلم الآداب أن أوعز الي امرأة ترجمان له في الاختلاف الي، فكانت تقصدني صباحا و مساء و تفيدني العربية حتي استمر عليها لساني و استقام.

قال بشر: فلما انكفأت بها الي سر من رأي دخلت علي مولانا أبي الحسن العسكري عليه السلام، فقال لها: كيف أراك الله عز الاسلام، و ذل النصرانية، و شرف أهل بيت محمد صلي الله عليه و آله؟

قالت: كيف أصف لك يا ابن رسول الله! ما أنت أعلم به مني؟

قال: فاني أريد أن أكرمك، فأيما أحب اليك عشرة آلاف درهم، أم بشري لك فيها شرف الأبد؟

قالت: بل البشري.

قال عليه السلام: فأبشري بولد يملك الدنيا شرقا و غربا، و يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا، قالت: ممن؟

قال عليه السلام: ممن خطبك رسول الله صلي الله عليه و آله له من ليلة كذا، من شهر كذا، من سنة كذا بالرومية، قالت: من المسيح و وصيه؟

قال: فممن زوجك المسيح و وصيه، قالت: من ابنك أبي محمد؟ قال: فهل تعرفينه؟

قالت: و هل خلوت ليلة من زيارته اياي منذ الليلة التي أسلمت فيها علي يد سيدة النساء أمه؟

فقال أبوالحسن عليه السلام: يا كافور! ادع لي أختي حكيمة، فلما دخلت عليه، قال عليه السلام لها: ها هيه، فاعتنقتها طويلا و سرت بها كثيرا، فقال لها مولانا: يا بنت رسول الله! أخرجيها الي منزلك، و علميها الفرائض و السنن، فانها زوجة أبي محمد، و أم القائم عليه السلام [5] .


پاورقي

[1] يقال: فلان بعيد الشأو، أي عالي الهمة. المنجد: 370، (شأي).

[2] في الغيبة و البحار: الشقة، و هي ما شق من ثوب او نحوه. المصدر: 396، (شق). و علي أي تقدير أي تقدير فالمراد: الصرة التي يجعل فيها الدنانير و الدراهم.

[3] الضحو و الضحوة: ارتفاع النهار.المصدر: 447 (ضحا).

[4] الزيادة من كتاب الغيبة، و هو الصحيح.

[5] اكمال الدين: 417 ح 1، الغيبة للطوسي: 208 ح 178، بحارالأنوار 51: 6 ح 12 و 13.