بازگشت

نفرين مظلوم بر ظالم


[404] -13- قال السيد ابن طاوس:

حدثنا الشريف أبوالحسن محمد بن محمد بن المحسن بن يحيي بن الرضا أدام الله تأييده، يوم الجمعة لخمس بقين من ذي الحجة، سنة أربع و أربعمائة، بمشهد مقابر قريش، علي ساكنه السلام، قال: حدثني أبي رضي الله عنه قال: حدثنا أبوعبدالله محمد بن ابراهيم بن صدقة، يوم السبت، لثلاث بقين من سنة اثنتين و سنين [اثنين و ستين] و ثلاثمائة بمشهد مقابر قريش، علي ساكنه السلام من حفظه، قال: أخبرنا سلامة محمد الأزدي، قال: حدثني أبوجعفر بن عبدالله العقيلي، و حدثني أبوالحسن محمد بن تريك الرهاوي، قال: أخبرنا أبوالقاسم عبدالواحد الموصلي اجازة، قال: حدثني أبومحمد جعفر بن عقيل بن عبدالله بن عقيل بن محمد بن عبدالله بن عقيل بن أبي طالب، قال: حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن الحسين بن اسحاق بن جعفر بن محمد، [قال:] حدثني أبوروح النسابي، عن أبي الحسن علي بن محمد عليهماالسلام أنه دعا علي المتوكل، فقال بعد أن حمدالله و أثني عليه:

اللهم! اني و فلانا عبدان من عبيدك الي آخر الدعاء الذي يأتي ذكره.

و وجدت هذا الدعاء مذكورا بطريق أخري [آخر] هذا لفظه: ذكر باسنادنا عن زرافة حاجب المتوكل، و كان شيعيا أنه قال: كان المتوكل يحظي [لحظوة] الفتح بن خاقان عنده و قربه منه دون الناس جميعا، و دون ولده و أهله أراد أن يبين موضعه عندهم، فأمر جميع مملكته من الأشراف من أهله و غيرهم و الوزراء و الأمراء و القواد، و سائر العساكر، و وجوه الناس أن يزينوا بأحسن التزيين، و يظهروا في أفخر عددهم و ذخائرهم، و يخرجوا مشاة بين يديه، و أن لا يركب أحد الا هو و الفتح بن خاقان خاصة بسر من رأي، و مشي الناس بين أيديهما علي مراتبهم رجالة، و كان يوما قائظا شديد الحر، و أخرجوا في جملتها الأشراف أباالحسن علي بن محمد عليهماالسلام، و شق عليه ما لقيه من الحر و الزحمة.

قال زرافة: فأقبلت اليه و قلت له: يا سيدي! يعز والله! علي ما تلقي من هذه الطغاة، و ما قد تكلفته من المشقة، و أخذت بيده، فتوكأ علي و قال:

يا زرافة ما ناقة صالح عندالله بأكرم مني، أو قال: بأعظم قدرا مني، و لم أزل أسائله و أستفيد منه و أحادثه الي أن نزل المتوكل من الركوب، و أمر الناس بالانصراف، فقدمت اليهم دوابهم فركبوا الي منازلهم و قدمت بغلة له، فركبها فركبت معه الي داره، فنزل و ودعته و انصرفت الي داري، و لولدي مؤدب يتشيع من أهل العلم و الفضل، و كانت لي عادة باحضاره عند الطعام، فحضر عند ذلك و تجارينا الحديث و ما جري من ركوب المتوكل و الفتح و مشي الأشراف و ذوي الاقتدار بين أيديهما، و ذكرت له ما شاهدته من أبي الحسن علي بن محمد عليهماالسلام، و ما سمعته عن قوله: ما ناقة صالح عندالله! بأعظم قدرا مني، و كان المؤدب يأكل معي، فرفع يده و قال: بالله! انك سمعت هذا اللفظ منه؟

فقلت له: والله! سمعته يقول، فقال لي: اعلم أن المتوكل لا يبقي في مملكته أكثر من ثلاثة أيام و يهلك، فانظر في أمرك، و أحرز ما تريد احرازه، و تأهب لأمرك كي لا يفجؤكم هلاك هذا الرجل، فتهلك أموالكم بحادثة تحدث أو سبب يجري، فقلت له: من أين لك؟

فقال: أما قرأت القرآن في قصة صالح عليه السلام و الناقة، و قوله تعالي (تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب) [1] و لا يجوز أن يبطل قول الامام.

قال زرافة: فوالله! ما جاء اليوم الثالث حتي هجم المنتصر و معه بغا و وصيف و الأتراك علي المتوكل فقتلوه و قطعوه و الفتح بن الخاقان جميعا قطعا، حتي لم يعرف أحدهما من الآخر، و أزال الله نعمته و مملكته، فلقيت الامام أباالحسن عليه السلام بعد ذلك و عرفته ما جري مع المؤدب و ما قاله، فقال:

صدق انه لما بلغ مني الجهد رجعت الي كنوز نتوارثها من آبائنا، هي أعز من الحصون و السلاح و الجنن، و هو دعاء المظلوم علي الظالم، فدعوت به عليه، فأهلكه الله.

فقلت له: يا سيدي! ان رأيت أن تعلمنيه، فعلمنيه و هو:

اللهم! اني و فلان بن فلان عبدان من عبيدك نواصينا بيدك، تعلم مستقرنا و مستودعنا، و تعلم منقلبنا و مثوانا و سرنا و علانيتنا، و تطلع علي نياتنا، و تحيط بضمائرنا علمك بما نبديه كعلمك بما نخفيه، و معرفتك بما نبطنه كمعرفتك بما نظهره، و لا ينطوي عنك شي ء من أمورنا، و لا يستتر دونك حال من أحوالنا، و لا لنا منك معقل يحصننا، و لا حرز يحرزنا، و لا هارب يفوتك منا، و لا يمتنع الظالم منك بسلطانه، و لا يجاهدك عنه جنوده، و لا يغالبك مغالب بمنعه، و لا يعازك متعزز بكثرة [2] ، أنت مدركه أين ما سلك، و قادر عليه أين لجأ، فمعاذ المظلوم منا بك، و توكل المقهور منا عليك، و رجوعه اليك، و يستغيث بك اذا خذله المغيث، و يستصرخك اذا قعد عنه النصير، و يلوذ بك اذا نفته الأفنية، و يطرق بابك اذا أغلقت دونه الأبواب المرتجة، و يصل اليك اذا احتجبت عنه الملوك الغافلة، تعلم ما حل به قبل أن يشكوه اليك، و تعرف ما يصلحه قبل أن يدعوك له، فلك الحمد سميعا بصيرا لطيفا قديرا.

اللهم! انه قد كان في سابق علمك، و محكم قضائك، و جاري قدرك، و ماضي حكمك، و نافذ مشيئتك في خلقك أجمعين، سعيدهم و شقيهم و برهم و فاجرهم أن جعلت لفلان بن فلان علي قدرة فظلمني بها، و بغي علي لمكانه، و تعزز علي بسلطانه الذي خولته اياه، و تجبر علي بعلو حاله التي جعلتها له، و غرة املائك له، و أطغاه حلمك عنه.

فقصدني بمكروه عجرت عن الصبر عليه، و تغمدني بشر ضعفت عن احتماله، و لم أقدر علي الانتصار منه لضعفي، و الانتصاف منه لذلي، فوكلته اليك، و توكلت في أمره عليك، و توعدته بعقوبتك، و حذرته سطوتك، و خوفته نقمتك، فظن أن حلمك عنه من ضعف، و حسب أن املاءك له من عجز، و لم تنهه واحدة عن أخري، و لا انزجر عن ثانية بأولي، ولكنه تمادي في غيه، و تتابع في ظلمه، و لج في عدوانه، و استشري في طغيانه جرأة عليك، يا سيدي! و تعرضا لسخطك الذي لا ترده عن الظالمين، و قلة اكتراث ببأسك الذي لا تحبسه عن الباغين.

فها أنا ذا يا سيدي! مستضعف في يديه، مستضام تحت سلطانه، مستذل بعنائه، مغلوب مبغي علي مغضوب، وجل خائف مروع مقهور، قد قل صبري، وضاقت حيلتي، و انغلقت علي المذاهب الا اليك، و انسدت علي الجهات الا جهتك، و التبست علي أموري في دفع مكروهه عني، و اشتبهت علي الآراء في ازالة ظلمه، و خذلني من استنصرته من عبادك، و أسلمني من تعلقت به من خلقك طرا، و استشرت نصيحي، فأشار الي بالرغبة اليك، و استرشدت دليلي فلم يدلني الا عليك.

فرجعت اليك يا مولاي! صاغرا راغما مستكينا عالما أنه لا فرج الا عندك، و لا خلاص لي الا بك، انتجز وعدك في نصرتي، و اجابة دعائي، فانك قلت و قولك الحق الذي لا يرد و لا يبدل: (و من عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغي عليه لينصرنه الله) [3] ، و قلت جل جلالك و تقدست أسماؤك: (أدعوني أستجب لكم) [4] ، و أنا فاعل ما أمرتني به، لا منا عليك، و كيف أمن به و أنت عليه دللتني، فصل علي محمد، و آل محمد فاستجب لي كما وعدتني، يا من لا يخلف الميعاد!

و اني لأعلم يا سيدي! ان لك يوما تنتقم فيه من الظالم للمظلوم، و أتيقن لك وقتا تأخذ فيه من الغاصب للمغصوب لأنك لا يسبقك معاند، و لا يخرج عن قبضتك منابذ، و لا تخاف فوت فائت، ولكن جزعي و هلعي لا يبلغان بي الصبر علي أناتك، و انتظار حلمك، فقدرتك علي يا سيدي و مولاي! فوق كل قدرة، و سلطانك غالب علي كل سلطان، و معاد كل أحد اليك و ان أمهلته، و رجوع كل ظالم اليك و ان أنظرته، و قد أضرني يا رب! حلمك عن فلان بن فلان، و طول أناتك له و امهالك اياه، و كاد القنوط يستولي علي لولا الثقة بك، و اليقين بوعدك.

فان كان في قضائك النافذ، و قدرتك الماضية أن ينيب أو يتوب أو يرجع عن ظلمي، أو يكف مكروهه عني، و ينتقل عن عظيم ما ركب مني، فصل اللهم علي محمد و آل محمد، و أوقع ذلك في قلبه الساعة الساعة، قبل ازالة نعمتك التي أنعمت بها علي، و تكديره معروفك الذي صنعته عندي.

و ان كان في علمك به غير ذلك من مقام علي ظلمي، فأسألك يا ناصر المظلوم المبغي عليه! اجابة دعوتي، فصل علي محمد و آل محمد، وخذه من مأمنه أخذ عزيز مقتدر، وافجأه في غفلته مفاجاة مليك منتصر، واسلبه نعمته و سلطانه، و افضض عنه جموعه و أعوانه، و مزق ملكه كل ممزق و فرق أنصاره كل مفرق، و أعره من نعمتك التي لم يقابلها بالشكر، و انزع عنه سربال عزك الذي لم يجازه بالاحسان، و اقصمه يا قاصم الجبابرة! و أهلكه يا مهلك القرون الخالية! و أبره يا مبير الأمم الظالمة! و اخذله يا خاذل الفئات الباغية! و ابتر عمره، و ابتز ملكه، وعف أثره، و اقطع خبره، و أطفي ناره، و أظلم نهاره، و كور شمسه، و أزهق نفسه، و اهشم شدته، وجب سنامه، و أرغم أنفه، و عجل حتفه، و لا تدع له جنة الا هتكتها، و لا دعامة الا قصمتها، و لا كلمة مجتمعة الا فرقتها، و لا قائمة علو الا وضعتها، و لا ركنا الا وهنته، و لا سببا الا قطعته.

و أرنا أنصاره و جنده، و أحباءه و أرحامه عباديد بعد الألفة، و شتي بعد اجتماع الكلمة، و مقنعي الرؤوس بعد الظهور علي الأمة، و اشف بزوال أمره القلوب المنقلبة الوجلة، و الأفئدة اللهفة، و الأمة المتحيرة، و البرية الضائعة، و أدل ببواره الحدود المعطلة، و الأحكام المهملة، و السنن الداثرة، و المعالم المغيرة، و التلاوات المتغيرة، و الآيات المحرفة، و المدارس المهجورة، و المحاريب المجفوة، و المساجد المهدومة، و أشبع به الخماص الساغبة [5] ، و أرو به اللهوات اللاغبة [6] و الأكباد الظامئة، و أرح به الأقدام المتعبة، و أطرقه بليلة لا أخت لها، و ساعة لا شفاء منها، و بنكبة لا انتعاش معها، و بعثرة الا اقالة منها، و أبح حريمه، و نغص [7] ، نعيمه، و أره بطشتك الكبري، و نقمتك المثلي، و قدرتك التي هي فوق كل قدرة، و سلطانك الذي هو أعز من سلطانه، و اغلبه لي بقوتك القوية، و محالك الشديد، و امنعني منه بمنعتك التي كل خلق فيها ذليل، و ابتله بفقر لا تجبره، و بسوء لا تستره، و كله الي نفسه فيما يريد، انك فعال لما تريد، و أبرئه من حولك و قوتك، و أحوجه الي حوله و قوته، و أذل مكره بمكرك، و ادفع مشيئته بمشيئتك، و اسقم جسده، و أيتم ولده، و انقص أجله، و خيب أمله، و أزل دولته، و أطل عولته، و اجعل شغله في بدنه، و لا تفكه من حزنه، و صير كيده في ضلال، و أمره الي زوال، و نعمته الي انتقال، وجده في سفال، و سلطانه في اضمحلال، و عاقبته الي شر مآل، و أمته بغيظه اذا أمته، و أبقه لحزنه ان أبقيته، و قني شره و همزه و لمزه و سطوته و عداوته، و المحه لمحة تدمر بها عليه، فانك أشد بأسا و أشد تنكيلا، و الحمد لله رب العالمين [8] .


پاورقي

[1] هود: 65.

[2] عازه معازة: عارضه في العز. المنجد: 5603، (عز).

[3] الحج: 60.

[4] غافر: 60.

[5] ساغب أي جائع، و قيل: لايكون السغب الا للجوع مع التعب. مجمع البحرين 1: 377، (سغب).

[6] اللغوب: التعب و الاعياء. المصدر 2: 126 (لغب).

[7] نغص عليه العيش: كدره. المصدر 339، (نغص).

[8] مهج الدعوات: 265، بحارالأنوار 95: 234 ح 30، و 50: 192 ح 5.