بازگشت

كلامه في التوحيد و نفي التشبيه


عن الفتح بن يزيد الجرجاني قال: لقيته عليه السلام علي الطريق عند منصرفي من مكة الي خراسان، و هو سائر الي العراق، فسمعته يقول: من اتقي الله يتقي، و من اطاع الله يطاع.

فتلطفت في الوصول اليه، فوصلت فسلمت، فرد علي السلام، ثم قال:

يا فتح! من ارضي الخالق لم يبال بسخط المخلوق، و من اسخط الخالق فقمن ان يسلط عليه سخط المخلوق، و ان الخالق لا يوصف الا بما وصف به نفسه، و اني يوصف الذي تعجز الحواس ان تدركه، و الاوهام ان تناله، و الخطرات ان تحده، و الابصار عن الاحاطة به، جل عما وصفه الواصفون، و تعالي عما ينعته الناعتون، نأي في قربه، و قرب في نأيه، فهو في بعده قريب، و في قربه بعيد، كيف الكيف فلا يقال له: كيف، و اين الاين فلا يقال له: اين، اذ هو مبدع الكيفوفية و الا ينونية.

يا فتح! كل جسم مغذي بغذاء الا الخالق الرزاق، فانه جسم الاجسام، و هو ليس بجسم و لا صورة، لم يتجزأ، و لم يتناه، و لم يتزايد، و لم يتناقص، مبرء من ذات ما ركب من جسمه، و هو اللطيف الخبير، السميع البصير، الواحد الاحد، الصمد لم يلد و لم يولد، و لم يكن له كفوا احد.

منشي ء الاشياء، و مجسم الاجسام، و مصور الصور، لو كان كما يقول المشبهة لم يعرف الخالق من المخلوق، و لا الرازق من المرزوق، و لا المنشي ء من المنشأ، لكنه المنشي ء، فرق بين من جسمه و صوره و شيئه و بينه، اذ كان لا يشبهه شي ء.

قلت: فالله واحد و الانسان واحد، فليس قد تشابهت الوحدانية؟

فقال: احلت ثبتك الله، انما التشبيه في المعاني، فاما في الاسماء فهي واحدة، و هي دلالة علي المسمي، و ذلك ان الانسان و ان قيل واحد، فانه يخبر انه جثة واحدة و ليس باثنين، و الانسان نفسه ليس بواحد، لان اعضاءه مختلفة، و الوانه مختلفة غير واحدة، و هو اجزاء مجزأة ليس سواء، دمه غير لحمه، و لحمه غير دمه، و عصبه غير عروقه، و شعره غير بشره، و سواده غير بياضه، و كذلك سائر جميع الخلق.

فالانسان واحد في الاسم، لا واحد في المعني، و الله جل جلاله واحد لا واحد غيره، و لا اختلاف فيه، و لا تفاوت، و لا زيادة، و لا نقصان، فاما الانسان المخلوق المصنوع المؤلف فمن اجزاء مختلفة و جواهر شتي، غير انه بالاجتماع شي ء واحد.

قلت: فقولك اللطيف، فسره لي، فاني اعلم ان لطفه خلاف لطف غيره للفصل، غير اني احب ان تشرح لي.

فقال: يا فتح! انما قلت: اللطيف للخلق و لعلمه بالشي ء اللطيف، الا تري الي اثر صنعه في النبات اللطيف و غير اللطيف، و في الخلق اللطيف من اجسام الحيوان من الجرجس و البعوض، و ما هو اصغر منهما مما لا يكاد تستبينه العيون، بل لا يكاد يستبان لصغره الذكر من الانثي، و المولود من القديم، فلما رأينا صغر ذلك في لطفه و اهتدائه للسفاد، و الهرب من الموت، و الجمع لما يصلحه بما في لجج البحار، و ما في لحاء الاشجار و المفاوز و القفار، و افهام بعضها عن بعض منطقها، و ما تفهم به اولادها عنها، و نقلها الغذاء اليها، ثم تأليف الوانها حمرة مع صفرة، و بياض مع حمرة، علمنا ان خالق هذا لطيف، و ان كل صانع شي ء فمن شي ء صنع، و الله الخالق اللطيف الجليل خلق و صنع لا من شي ء.

قلت: جعلت فداك، و غير الخالق الجليل خالق؟

قال: ان الله تبارك و تعالي يقول: «تبارك الله احسن الخالقين» [1] ، فقد اخبر ان في عباده خالقين، منهم عيسي بن مريم خلق من الطين كهيئة الطير باذن الله، فنفخ فيه فصار طائرا باذن الله، و السامري خلق لهم عجلا جسدا له خوار.

قلت: ان عيسي خلق من الطين طيرا دليلا علي نبوته، و السامري خلق عجلا جسدا لنقض نبوة موسي عليه السلام و شاء الله ان يكون ذلك كذلك، ان هذا لهو العجب.

فقال: و يحك يا فتح ان لله ارادتين و مشيتين: ارادة حتم و ارادة عزم، ينهي و هو يشاء و يأمر و هو لا يشاء، او ما رأيت انه نهي آدم و زوجته عن ان يأكلا من الشجرة و هو شاء ذلك، و لو لم يشأ لم يأكلا و لو اكلا لغلبت مشيتهما مشية الله، و امر ابراهيم بذبح ابنه اسماعيل عليهماالسلام و شاء ان لا يذبحه، و لو لم يشأ ان لا يذبحه لغلبت مشية ابراهيم مشية الله عزوجل.

قلت: فرجت عني فرج الله عنك، غير انك قلت: السميع البصير، سميع بالاذن و بصير بالعين؟

فقال: انه يسمع بما يبصر، و يري بما يسمع، بصير لا بعين مثل عين المخلوقين، و سميع لا بمثل سمع السامعين، لكن لما لم يخف عليه خافية من اثر الذرة السوداء علي الصخرة الصماء في الليلة الظلماء تحت الثري و البحار، قلنا بصير لا بمثل عين المخلوقين، و لما لم يشتبه عليه ضروب اللغات و لم يشغله سمع عن سمع قلنا سميع لا بمثل سمع السامعين.

قلت: جعلت فداك قد بقيت مسألة؟

قال: هات، لله ابوك.

قلت: يعلم القديم الشي ء الذي لم يكن ان لو كان كيف كان يكون؟

قال: ويحك، ان مسائلك لصعبة، اما سمعت الله يقول: «لو كان فيهما آلهة الا الله لفسدتا» [2] ، و قوله:

«و لعلا بعضهم علي بعض» [3] ، و قال يحكي قول اهل النار: «اخرجنا نعمل صالحا غير الذي نعمل» [4] ، و قال: «و لو ردوه لعادوا لما نهوا عنه» [5] ، فقد علم الشي ء الذي لم يكن ان لو كان كيف كان يكون.

فقمت لاقبل يده و رجله، فادني رأسه فقبلت وجهه و رأسه، و خرجت و بي من السرور و الفرح ما اعجز عن وصفه، لما تبينت من الخير و الحظ.


پاورقي

[1] المؤمنون: 14.

[2] الانبياء: 22.

[3] المؤمنون: 91.

[4] فاطر: 37.

[5] الانعام: 28.