بازگشت

باب ما جري بينه و المتوكل


1- محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيي، عن بعض أصحابنا قال: أخذت نسخة كتاب المتوكل الي أبي الحسن الثالث عليه السلام من يحيي بن هرثمة في سنة ثلاث و أربعين و مائتين و هذه نسخته:

بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فان أميرالمؤمنين عارف بقدرك، راع لقرابتك، موجب لحقك، يقدر من الامور فيك و في أهل بيتك ما أصلح الله به حالك و حالهم و ثبت به عزك و عزهم و أدخل اليمن و الأمن عليك و عليهم، يبتغي بذلك رضاء ربه و أداء ما افترض عليه فيك و فيهم و قد رأي أميرالمؤمنين صرف عبدالله بن محمد عما كان يتولاه من الحرب و الصلاة بمدينة رسول الله صلي الله عليه و آله.

اذ كان علي ما ذكرت من جهالته بحقك و استخفافه بقدرك و عندما قرفك به و نسبك اليه من الأمر الذي قد علم أميرالمؤمنين براءتك منه و صدق نيتك في ترك محاولته و أنك لم تؤهل نفسك له و قد ولي أميرالمؤمنين ما كان يلي من ذلك محمد بن الفضل و أمره باكرامك و تبجيلك و الانتهاء الي أمرك و رأيك و التقرب الي الله و الي أميرالمؤمنين بذلك و أميرالمؤمنين مشتاق اليك يحب احداث العهد بك و النظر اليك.

فان نشطت لزيارته و المقام قبله ما رأيت شخصت و من أحببت من أهل بيتك و مواليك و حشمك علي مهلة و طمأنينة، ترحل اذا شئت و تنزل اذا شئت و تسير كيف شئت، و ان أحببت أن يكون يحيي بن هرثمة مولي أميرالمؤمنين و من معه من الجند مشيعين لك، يرحلون برحيلك و يسيرون بسيرك و الأمر في ذلك اليك حتي توافي



[ صفحه 33]



أميرالمؤمنين.

فما أحد من اخوته و ولده و أهل بيته و خاصته ألطف منه منزلة و لا أحمد له اثرة و لا هولهم أنظر و عليهم أشفق و بهم أبر و اليهم أسكن منه اليك ان شاء الله تعالي و السلام عليك و رحمة الله و بركاته؛ و كتب ابراهيم بن العباس و صلي الله عليه و آله و سلم [1] .

2- عنه، عن الحسين بن الحسن الحسني قال: حدثني أبوالطيب المثني يعقوب ابن ياسر قال: كان المتوكل يقول: و يحكم قد أعياني أمر ابن الرضا، أبي أن يشرب معي أو ينادمني أو أجد منه فرصة في هذا، فقالوا له: فان لم تجد منه فهذا أخوه موسي قصاف عزاف يأكل و يشرب و يتعشق.

قال: ابعثوا اليه فجيئوا به حتي نموه به علي الناس و نقول ابن الرضا، فكتب اليه و اشخص مكرما و تلقاه جميع بني هاشم و القواد و الناس علي أنه اذا وافي أقطعه قطيعة و بني له فيها و حول الخمارين و القيان اليه و وصله و بره و جعل له منزلا سريا حتي يزوره هو فيه، فلما وافي موسي تلقاه أبوالحسن في قنطرة و صيف و هو موضع تتلقا فيه القادمون، فسلم عليه و وفاه حقه.

ثم قال له: ان هذا الرجل قد أحضرك ليهتكك و يضع منك فلا تقر له أنك شربت نبيذا قط، فقال له موسي: فاذا كان دعاني لهذا فما حيلتي؟ قال: فلا تضع من قدرك و لا تفعل فانما أراد هتكك، فأبي عليه فكرر عليه. فلما رأي أنه لا يجيب قال: أما ان هذا مجلس لا تجمع أنت و هو عليه أبدا.

فأقام ثلاث سنين، يبكر كل يوم، فيقال له: قد تشاغل اليوم فرح فيروح، فيقال: قد سكر فبكر، فيبكر، فيقال: شرب دواء، فما زال علي هذا ثلاث سنين حتي قتل المتوكل و لم يجتمع معه عليه [2] .

3- عنه، عن علي بن محمد، عن ابراهيم بن محمد الطاهري قال: مرض المتوكل من خراج خرج به و أشرف منه علي الهلاك، فلم يجسر أحد أن يمسه بحديدة،



[ صفحه 34]



فنذرت امه ان عوفي أن تحمل الي أبي الحسن علي بن محمد مالا جليلا من مالها و قال له الفتح بن خاقان: لو بعثت الي هذا الرجل فسألته فانه لا يخلو أن يكون عنده صفة يفرج بها عنك.

فبعث اليه و وصف له علته، فرد اليه الرسول بأن يؤخذ كسب الشاة فيداف بماء ورد فيوضع عليه. فلما رجع الرسول فأخبرهم أقبلوا يهزؤون من قوله، فقال له الفتح: هو و الله أعلم بما قال و أحضر الكسب و عمل كما قال و وضع عليه فغلبه النوم و سكن، ثم انفتح و خرج منه ما كان فيه و بشرت امه بعافيته، فحملت اليه عشرة آلاف دينار تحت خاتمها.

ثم استقل من علته فسعي اليه البطحائي العلوي بأن أموالا تحمل اليه و سلاحا، فقال لسعيد الحاجب: اهجم عليه بالليل و خذ ما تجد عنده من الأموال و السلاح و احمله الي، قال ابراهيم بن محمد: فقال لي سعيد الحاجب: صرت الي داره بالليل و معي سلم فصعدت السطح، فلما نزلت علي بعض الدرج في الظلمة لم أدر كيف أصل الي الدار.

فناداني: يا سعيد مكانك حتي يأتوك بشمعة، فلم ألبث أن أتوني بشمعة فنزلت فوجدته عليه جبة صوف و قلنسوة منها و سجادة علي حصير بين يديه، فلم أشك أنه كان يصلي، فقال لي: دونك البيوت فدخلتها و فتشتها فلم أجد فيها شيئا و وجدت البدرة في بيته مختومة بخاتم ام المتوكل و كيسا مختوما و قال لي: دونك المصلي، فرفعته فوجدت سيفا في جفن غير ملبس، فأخذت ذلك و صرت اليه.

فلما نظر الي خاتم امه علي البدرة بعث اليها فخرجت اليه، فأخبرني بعض خدم الخاصة أنها قالت له: كنت قد نذرت في علتك لما آيست منك ان عوفيت حملت اليه من مالي عشرة آلاف دينار فحملتها اليه و هذا خاتمي علي الكيس و فتح الكيس الآخر فاذا فيه أربعمائة دينار.

فضم الي البدرة بدرة اخري و أمرني بحمل ذلك ]اليه[ فحملته و رددت السيف



[ صفحه 35]



و الكيسين و قلت له: يا سيدي عز علي، فقال لي: «سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون» [3] .

4- قال الشيخ ابوعبدالله المفيد: كان سبب شخوص ابي الحسن عليه السلام من المدينة الي سر من رأي ان عبدالله بن محمد كان يتولي الحرب و الصلاة بمدينة الرسول صلي الله عليه و آله، فسعي بابي الحسن عليه السلام الي المتوكل و كان يقصده بالأذي و بلغ اباالحسن عليه السلام سعايته به، فكتب الي المتوكل يذكر تحامل عبدالله ابن محمد عليه و كذبه فيما سعي به فتقدم المتوكل باجابته عن كتابه و دعائه فيه الي حضور العسكر علي جميل من الفعل و القول فخرجت نسخة الكتاب و هي:

بسم الله الرحمن الرحيم اما بعد فان اميرالمؤمنين عارف بقدرك، راع لقرابتك، موجب لحقك، مقدر من الأمور فيك و في اهل بيتك ما يصلح الله به حالك و حالهم و يثبت به عزك و عزهم و يدخل الأمن عليك و عليهم، يبتغي بذلك رضي ربه و اداء ما افترض عليه فيك و فيهم.

قد راي اميرالمؤمنين صرف عبدالله بن محمد عما كان يتولاه من الحرب و الصلاة بمدينة الرسول صلي الله عليه و آله اذ كان علي ما ذكرت من جهالته بحقك و استخفافه بقدرك و عند ما قرفك به و نسبك اليه من الأمر الذي قد علم اميرالمؤمنين برائتك منه و صدق نيتك في برك و قولك و انك لم تؤهل نفسك لما قرفت بطلبه.

و قد ولي اميرالمؤمنين ما كان يلي من ذلك محمد بن الفضل و أمره باكرامك و تبجيلك و الانتهاء الي امرك و رأيك و التقرب الي الله و الي اميرالمؤمنين بذلك، و اميرالمؤمنين مشتاق اليك يحب احداث العهد بك و النظر اليك، فان نشطت لزيارته و المقام قبله ما احببت شخصت و من اخترت من اهل بيتك و مواليك و حشمك علي مهلة و طمأنينة ترحل اذا شئت و تنزل اذا شئت و تسير كيف شئت.

و ان احببت أن يكون يحيي بن هرثمة مولي أميرالمؤمنين و من معه من الجند،



[ صفحه 36]



يرحلون برحلك و يسيرون بسيرك، فالأمر في ذلك اليك و قد تقدمنا اليه بطاعتك فاستخر الله حتي توافي اميرالمؤمنين، فما احد من اخوانه و ولده و أهل بيته و خاصته ألطف منه منزلة و لا احمد له اثرة و لا هولهم انظر و لا عليهم أشفق و بهم أبر و اليهم أسكن منه اليك و السلام عليك و رحمة الله و بركاته، و كتب ابراهيم بن العباس في شهر جمادي الآخر من سنة ثلاث و اربعين و مائتين.

فلما وصل الكتاب الي ابي الحسن عليه السلام تجهز للرحيل و خرج معه يحيي بن هرثمة حتي وصل الي سر من رأي، فلما وصل اليها تقدم المتوكل بأن يحجب عنه في يومه فنزل في خان يعرف بخان الصعاليك و اقام فيه يومه ثم تقدم المتوكل بافراد دار له فانتقل اليها [4] .

5- روي الطبرسي عن ابن جمهور قال: حدثني سعيد بن عيسي قال: رفع زيد ابن موسي الي عمر بن الفرج مرارا يسأله أن يقدمه علي ابن أخيه و يقول: انه حدث و أنا عم أبيه فقال عمر ذلك لأبي الحسن عليه السلام فقال: افعل واحدة اقعدني غدا قبله، ثم انظر فلما كان من الغد أحضر عمر أباالحسن عليه السلام فجلس في صدر المجلس.

ثم أذن لزيد بن موسي فدخل فجلس بين يدي أبي الحسن عليه السلام فلما كان يوم الخميس أذن لزيد بن موسي قبله فجلس في صدر المجلس ثم أذن لأبي الحسن عليه السلام فدخل فلما رآه زيد قام من مجلسه و أقعده في مجلسه و جلس بين يديه.

قال ايضا: أشخص أباالحسن المتوكل من المدينة الي سر من رأي و كان السبب في ذلك أن عبدالله بن محمد كان والي المدينة سعي به اليه فكتب المتوكل اليه كتابا يدعو به فيه الي حضور العسكر علي جميل من القول.

فلما وصل الكتاب اليه تجهز للرحيل و خرج مع يحيي بن هرثمة حتي وصل الي سر من رأي، فلما وصل اليها تقدم المتوكل أن يحتجب عنه في منزله فنزل في خان يعرف



[ صفحه 37]



بخان الصعاليك فقام فيه يومه، ثم تقدم المتوكل بافراد دار له فانتقل اليها. [5] .

قال ايضا: كان المتوكل يجتهد في ايقاع حيلة به و يعمل علي الوضع من قدره في عيون الناس، فلا يتمكن من ذلك و له معه أحاديث يطول بذكرها الكتاب فيها آيات له و دلالات ذكرنا بعضها و في ايراد جميعها خروج عن الغرض في الايجاز [6] .

6- الطوسي باسناده عن ابن الفحام قال: حدثني المنصوري قال: حدثني عمي قال: دخلت يوما علي المتوكل و هو يشرب فدعاني، فقلت: يا سيدي ما شربته قط. فقال: انت تشرب مع علي بن محمد، فقلت له: ليس تعرف من في يديك انما يضرك و لا يضره و لم اعد ذلك عليه.

فقال: فلما كان يوما من الأيام قال لي الفتح بن خاقان: قد ذكر الرجل يعني المتوكل خبر مال يجي ء من قم و قد أمرني ان أرصده لأخبره له، فقل لي: من أي طريق يجي ء حتي اجيئه، فجئت الي الامام علي بن محمد عليهماالسلام فصادفت عنده من احتشمه فتبسم و قال لي: لا يكون الا خير يا اباموسي، لم لم تعد الرسالة الاولة؟ فقلت: اجللتك يا سيدي. فقال لي: المال يجي ء الليلة و ليس يصلون اليه فبت عندي، فلما كان من الليل و قام الي ورده قطع الركوع بالسلام و قال لي: قد جاء الرجل و معه المال و قد منعه الخادم الوصول الي فاخرج خذ ما معه.

فخرجت فاذا معه زنفيلجة فيها المال، فأخذته و دخلت به اليه، فقال: قل له هات المحنقة التي قالت له القمية انها ذخيرة جدتها، فخرجت له فأعطانيها، فدخلت بها اليه، فقال لي: قل له الجبة التي ابدلتها منها ردها اليها، فخرجت اليه فقلت له ذلك، فقال: نعم كانت ابنتي استحسنتها فأبدلتها بهذه الجبة و انا امضي فأجي ء بها.

فقال: اخرج فقل له ان الله تعالي يحفظ ما لنا و علينا هاتها من كتفك، فخرجت الي الرجل فأخرجها من كتفه فغشي عليه، فخرج اليه عليه السلام فقال له: قد كنت شاكا فتيقنت [7] .



[ صفحه 38]



7- عنه، باسناده عن محمد الفحام قال: حدثني ابوالحسن محمد بن احمد قال: حدثني عم ابي قال: قصدت الامام عليه السلام يوما فقلت: يا سيدي ان هذا الرجل قد أطرحني و قطع رزقي و ملني و ما اتهم في ذلك الا علمه بملازمتي لك، فاذا سألته شيئا منه يلزمه القبول منك فينبغي ان تتفضل علي لمسألة. فقال: تكفي انشاء الله.

فلما كان في الليل طرقني رسل المتوكل رسول يتلو رسولا فجئت و الفتح علي الباب قائم، فقال: يا رجل ما تأوي في منزلك بالليل كدني هذا الرجل مما يطلبك، فدخلت و اذا المتوكل جالس في فراشه فقال: يا اباموسي نشتغل عنك و تنسينا نفسك، أي شي ء لك عندي؟

فقلت: الصلة الفلانية و الرزق الفلاني و ذكرت أشياء، فأمرني بها و بضعفها، فقلت للفتح: وافي علي بن محمد الي ههنا؟ فقال: لا. فقلت: كتبت رقعة؟ فقال: لا. فوليت منصرفا فتبعني فقال لي: لست أشك انك سألته دعاء لك فالتمس لي منه دعاءا.

فلما دخلت اليه عليه السلام فقال لي: يا اباموسي هذا وجه الرضا. فقلت: ببركتك يا سيدي و لكن قالوا لي: انك ما مضيت اليه و لا سألته. فقال: ان الله تعالي علم منا انا لا نلجأ في المهمات الا اليه و لا نتوكل في الملمات الا عليه، و عودنا اذا سألنا الاجابة و نخاف ان نعدل فيعدل بنا.

قلت: ان الفتح قال لي كيت و كيت. قال: انه يوالينا بظاهره و يجانبنا بباطنه، الدعاء لمن يدعو به اذا أخلصت في طاعة الله و اعترفت برسول الله (ص) و بحقنا أهل البيت و سألت الله تبارك و تعالي شيئا لم يحرمك. قلت: يا سيدي فتعلمني دعاء اختص به من الأدعية.

قال: هذا الدعاء كثيرا ما ادعو الله به، و قد سألت الله ان لا يخيب من دعا به في مشهدي بعدي و هو «يا عدتي عند العدد و يا رجائي و المعتمد و يا كهفي و السند و يا واحد يا احد و يا قل هو الله أحد أسئلك اللهم بحق من خلقته و لم تجعل في خلقك



[ صفحه 39]



مثلهم احدا ان تصلي عليهم و تفعل بي كيت و كيت» [8] .

8- عنه، باسناده عن محمد الفحام قال: حدثني ابوالطيب احمد بن محمد بن ربطة قال: حدثني خير الكاتب قال: حدثني شميلة الكاتب و كان قد عمل اخبار سر من رأي قال: كان المتوكل ركب الي الجامع و معه عدد ممن يصلح للخطابة، و كان فيهم رجل من ولد العباس بن محمد فقلت: بهريسته و كان المتوكل يحقره.

فتقدم اليه ان يخطب يوما فخطب و احسن، فتقدم المتوكل يصلي فسابقه من قبل ان ينزل من المنبر، فجاء فجذب منطقته من ورائه و قال: يا اميرالمؤمنين من خطب يصلي. فقال المتوكل: اردنا أن نخجله فأخجلنا، و كان احد الاسرار.

فقال يوما للمتوكل: ما يعمل احد بك اكثر مما تعمله بنفسك في علي بن محمد، فلا يبقي في الدار الا من يخدمه و لا يتبعونه بشيل ستر و لا فتح باب و لا شي ء، و هذا اذا علمه الناس قالوا: لو لم يعلم استحاقه للأمر ما فعل به هذا، دعه اذا دخل عليه يشيل الستر لنفسه و يمشي غيره فيمسه بعض الجفوة.

فتقدم الا يخدم و لا يشال بين يديه ستر، و كان المتوكل ما رأي احدا ممن يهتم بالخبر مثله. قال: فكتب صاحب الخبر اليه: ان علي بن محمد دخل الدار فلم يخدم و لم يشل أحد بين يديه ستر فهب هواء رفع الستر له فدخل، فقال: اعرفوا حين خروجه، فذكر صاحب الخبر ان هواء خالف ذلك الهواء شال الستر له حتي خرج، فقال: ليس نريد هواء يشيل الستر شيلوا الستر بين يديه.

و قال: و دخل يوما علي المتوكل فقال: يا اباالحسن من أشعر الناس و كان قد سأل قبله ابن الجهم، فذكر شعراء الجاهلية و شعراء الاسلام، فلما سأل الامام عليه السلام قال: فلان ابن فلان العلوي. قال ابن الفحام: و احسبه الجماني. قال حيث يقول:



لقد فاخرتنا من قريش عصابة

بمط خدود و امتداد اصابع



فلما تنازعنا القضاء قضي لنا

عليهم بما نهوي نداء الصوامع





[ صفحه 40]



قال: و ما نداء الصوامع يا اباالحسن؟ قال: أشهد ان لا اله الا الله و ان محمدا رسول الله جدي أم جدك؟ فضحك المتوكل ثم قال: هو جدك لا ندفعك عنه [9] .

9- عنه، باسناده قال: قال ابومحمد الفحام: حدثني أبوالطيب و كان لا يدخل المشهد و يزور من وراء الشباك فقال لي: جئت يوم عاشوراء نصف نهار ظهر و الشمس تغلي و الطريق خال من أحد و أنا فزع من الزعار و من أهل البلد أتخفي الي أن بلغت الحائط الذي امضي منه الي الشباك، فمددت عيني فاذا برجل جالس علي الباب ظهره الي كأنه ينظر في دفتر.

فقال لي: يا اباالطيب، بصوت يشبه صوت حسين بن علي بن جعفر بن الرضا. فقلت: هذا حسين قد جاء يزور اخاه؟ قلت: يا سيدي أمهلني أزور من الشباك و اجيئك فأقضي حقك. قال: و لم لا تدخل يا اباالطيب؟ فقلت له: الدار لها مالك لا ادخلها من غير اذنه.

فقال: يا اباالطيب تكون مولانا رقا و توالينا حقا و نمنعك تدخل الدار، ادخل يا اباالطيب. فقلت: امضي أسلم عليه و لا أقبل منه، فجئت الي الباب و ليس عليه احد فيشعرني فبادرت الي عند البصري خادم الموضع، ففتح لي الباب و دخلت فكان يقول: أليس كنت لا تدخل الدار؟ فقال: أما انا فقد أذنوا لي بقيتم انتم [10] .

10- ابن شهر آشوب باسناده عن أبي محمد الفحام بالاسناد عن سلمة الكاتب قال: قال خطيب يلقب بالهريسة للمتوكل: ما يعمل احد بك ما تعمله بنفسك في علي بن محمد فلا في الدار الا من يخدمه و لا يتعبونه يشيل الستر لنفسه، فأمر المتوكل بذلك فرفع صاحب الخبر ان علي بن محمد دخل الدار فلم يخدم و لم يشل احد بين يديه الستر فهب هواء فرفع الستر حتي دخل و خرج فقال: شيلوا له الستر بعد ذلك فلا نريد ان يشيل له الهواء [11] .



[ صفحه 41]



11- عنه قال: و في تخريج ابي سعيد العامري رواية عن صالح بن الحكم بياع السابري قال: كنت واقفيا فلما أخبرني حاجب المتوكل بذلك اقبلت استهزي ء به اذ خرج ابوالحسن فتبسم في وجهي من غير معرفة بيني و بينه، قال: يا صالح ان الله تعالي قال في سليمان و سخرنا له الريح، تجري بأمره رخاء حيث اصاب و نبيك و اوصياء نبيك اكرم علي الله تعالي من سليمان، قال: و كانما انسل من قلبي الضلالة فتركت الوقف [12] .

12- عنه، باسناده عن الحسين بن محمد قال: لما حبس المتوكل أباالحسن و دفعه الي علي بن كركر قال ابوالحسن عليه السلام: انا اكرم علي الله من ناقة صالح تمتعوا في داركم ثلاثة ايام وعد غير مكذوب، قال: فلما كان من الغد أطلقه و أعتذر اليه، فلما كان في اليوم الثالث وثب عليه باغر و تامش و معلون فقتلوه و اقعدوا المنتصر ولده خليفته [13] .

13- عنه (رحمه الله) قال: في رواية أبي سالم ان المتوكل امر الفتح بسبه فذكر الفتح له ذلك فقال له تمتعوا في داركم ثلاثة ايام الآية فانهي ذلك الي المتوكل و الفتح فقال اقتله بعد ثلاثة ايام فلما كان اليوم الثالث قتل المتوكل و الفتح [14] .

14- عنه، باسناده عن الحسين بن الحسن الحسني قال: حدثني ابوالطيب المديني، قال: كان المتوكل يقول: اعياني أمر ابن الرضا فلا يشاربني، فقيل له: فهذا أخوه موسي قصاف عزاف فأحضره و أشهره فان الخبر يسمع عن ابن الرضا و لا يفرق في فعلهما. و أمر باحضاره و استقباله و أمر له بصلات و اقطاع و بني له فيها من الخمارين و القينات.

فلما وافي موسي تلقاه ابوالحسن في قنطرة و صيف فسلم عليه ثم قال: ان هذا الرجل قد أحضرك ليهتك و يضع منك فلا تقر له انك شربت نبيذا قط و اتق الله يا اخي



[ صفحه 42]



ان ترتكب محظورا. فقال موسي: و انما دعاني لهذا فما حيلتي، قال: فلا تضع من قدرك و لا تعص ربك و لا تفعل ما يشينك، فما غرضه الا هتكك. فابي عليه موسي و كرر ابوالحسن عليه القول و الوعظ و هو مقيم علي خلافه.

فلما رأي انه لا يجيب قال: اما ان الذي تريد الاجتماع معه عليه لا تجتمع عليه انت و هو ابدا. قال: فاقام ثلاث سنين يبكر كل يوم الي باب المتوكل و يروح فيقال له: قد سكر او قد شرب دواء حتي قتل المتوكل [15] .

15- قال ايضا: وجه المتوكل عتاب بن ابي عتاب الي المدينة يحمل علي بن محمد عليه السلام الي سر من راي و كانت الشيعة يتحدثون انه يعلم الغيب، فكان في نفس عتاب من هذا شي ء فلما فصل من المدينة راه و قد لبس لبادة و السماء صاحية فما كان اسرع من ان تغيمت و امطرت و قال عتاب هذا واحد.

ثم لما وافي شط القاطول رآه مقلق القلب، فقال له: ما لك يا ابااحمد؟ فقال: قلبي مقلق بحوايج التمستها من أميرالمؤمنين. قال له: فان حوائجك قد قضيت، فما كان باسرع من ان جائه البشارات بقضاء حوائجه. قال: الناس يقولون انك تعلم الغيب و قد تبينت من ذلك خلتين [16] .

16- عنه، قال: و في كتاب البرهان عن الدهني: انه لما ورد به سر من راي كان المتوكل برا به و وجه اليه يوما بسلة فيها تين، فأصاب الرسول المطر فدخل الي المسجد ثم شرهت نفسه الي التين ففتح السلة و أكل منها، فدخل و هو قائم يصلي. فقال له: ما قصتك فعرفه القصة. قال له: او ما علمت انه قد عرف خبرك و ما اكلت من هذا التين، فقامت علي الرسول القيامة و مضي مبادرا حتي اذا سمع صوت البريد ارتاع هو و من في منزله بذلك الخبر [17] .

17- عنه، باسناده عن ابي الهلقام، و عبدالله بن جعفر الحميري، و الصقر



[ صفحه 43]



الجبلي، و ابوشعيب الحناط، و علي بن مهزيار قالوا: كانت زينب الكذابة تزعم انها بنت علي بن ابي طالب فاحضرها المتوكل و قال: اذكري نسبك. فقالت: انا زينب بنت علي و انها كانت حملت الي الشام فوقعت الي بادية من بني كلب فاقامت بين ظهرانيهم. فقال لها المتوكل: ان زينب بنت علي قديمة و انت شابة. فقالت: لحقتني دعوة رسول الله صلي الله عليه و آله بان يرد شباني في كل خمسين سنة.

فدعا المتوكل وجوه آل ابي طالب فقال: كيف يعلم كذبها؟ فقال الفتح: لا يخبرك بهذا الا ابن الرضا. فأمر باحضاره و سأله فقال عليه السلام: ان في ولد علي علامة. قال: و ما هي قال: لا تعرض لهم السباع، فالقها الي السباع فان لم تعرض لها فهي صادقة. فقالت: يا اميرالمؤمنين الله الله في، فانما اراد قتلي و ركبت الحمار و جعلت تنادي الا انني زينب الكذابة.

و في رواية انه عرض عليها ذلك فامتنعت فطرحت للسباع فاكلتها قال: علي بن مهزيار: فقال علي بن الجهم: جرب هذا علي قائله فاجيعت السباع ثلاثة ايام، ثم دعي بالامام و اخرجت السباع فلما راته لاذت به و بصبصت باذنابها، فلم يلتفت الامام اليها و صعد السقف و جلس عند المتوكل، ثم نزل من عنده و السباع تلوذ به و تبصبص حتي خرج عليه السلام [18] .

قال: كان شخوصه عليه السلام من المدينة الي سر من رأي سعاية عبدالله بن محمد الي المتوكل فكتب الامام الي المتوكل يحامل عبدالله و يكذبه لؤمه فيما سعي به فدعاه المتوكل باحسن كتاب و اجل خطاب و اوفر موعود و خرج معه يحيي بن هرثمة، ثم كان منه ما كان و اقام بسر من راي حتي مضي [19] .

18- عنه، باسناده عن ابي محمد الفحام، عن المنصوري، عن عمه، عن ابيه قال: قال يوما الامام علي بن محمد: يا اباموسي اخرجت الي سر من راي كرها و لو اخرجت عنها اخرجت كرها. قال: قلت: و لم يا سيدي؟ فقال: لطيب هوائها



[ صفحه 44]



و عذوبة مائها و قلة دائها، ثم قال: تخرب سر من رأي حتي يكون فيها خان وقفا للمارة و علامة خرابها تدارك العمارة في مشهدي من بعدي دخلنا كارهين لها فلما الفناها خرجنا مكرهينا [20] .

19- روي الاربلي باسناده عن ابي الطيب يعقوب بن ياسر: كان يقول المتوكل و يحكم قد أعياني أمر ابن الرضا و جهدت ان يشرب معي او ينادمني فامتنع و جهدت ان اجد فرصة في هذا المعني فلم اجدها، فقال له بعض من حضر: ان لم تجد من ابن الرضا ما تريد من هذا الحال، فهذا أخوه موسي قصاف عزاف يأكل و يشرب يعشق و يتخالع، فأحضره و أشهره فان الخبر يشيع عن ابن الرضا بذلك؛ فلا يفرق الناس بينه و بين أخيه، و من عرفه اتهم أخاه بمثل فعاله.

فقال: أكتبوا بأشخاصه مكرما، فأشخص مكرما و تقدم المتوكل أن يلقاه جميع بني هاشم و القواد و ساير الناس، و عمل علي أنه اذا رآه أقطعه قطيعة و بني له فيها، و حول اليها الخمارين و القيان و تقدم بصلته و بره و أفرد له منزلا سريا يصلح أن يزوره هو فيه، فلما وافي موسي تلقاه أبوالحسن في قنطرة وصيف و هو موضع يتلقي فيه القادمون، فسلم عليه و وفاه حقه.

ثم قال له: ان هذا الرجل قد أحضرك ليهتكك و يضع منك فلا تقر له انك شربت نبيذا قط، و اتق الله يا أخي أن ترتكب محظورا، فقال له موسي: انما دعاني لهذا فما حيلتي؟ قال: فلا تضع من قدرك و لا تعص ربك و لا تفعل ما يشينك، فما غرضه الا هتكك، فأبي عليه موسي فكرر عليه أبوالحسن عليه السلام ألقول و الوعظ و هو مقيم علي خلافه.

فلما رأي أنه لا يجيب قال له: أما ان المجلس الذي تريد الاجتماع معه عليه لا تجتمع عليه أنت و هو أبدا؛ فأقام موسي ثلاث سنين يبكر كل يوم الي باب المتوكل فيقال له: قد تشاغل اليوم فيروح، ثم يعود فيقال له: قد سكر؛ و يبكر فيقال له: انه



[ صفحه 45]



قد شرب دواء فما زال علي هذا ثلاث سنين حتي قتل المتوكل و لم يجتمع معه علي شراب [21] .

20- روي الشيخ رجب البرسي باسناده عن محمد بن الحسن الحضيني قال: حضر مجلس المتوكل مشعبذ هندي فلعب عنده بالحقق فأعجبه، فقال له المتوكل: يا هندي الساعة يحضر مجلسنا رجل شريف فاذا حضر فالعب عنده ما يخجله، قال: فلما حضر ابوالحسن المجلس لعب الهندي فلم يلتفت اليه، فقال له: يا شريف أما يعجبك لعبي، كانك جائع؟

ثم أشار الي صورة مدورة في البساط علي شكل الرغيف و قال: يا رغيف مر الي هذا الشريف، فارتفعت الصورة فوضع ابوالحسن يده علي صورة سبع في البساط و قال: قم فخذ هذا، فصارت السورة سبعا، فابتلع الهندي و عاد الي مكانه في البساط، فسقط المتوكل لوجهه، و هرب من كان قائما [22] .

21- و روي أيضا عن محمد بن داوود القمي؛ و محمد الطلحي قال: حملنا مالا من خمس و نذور، و هدايا و جواهر، اجتمعت في قم و بلادها، و خرجنا نريد بها سيدنا أباالحسن الهادي عليه السلام فجاءنا رسوله في الطريق أن ارجعوا فليس هذا وقت الوصول الينا، فرجعنا الي قم و احرزنا ما كان عندنا فجاءنا أمره بعد أيام ان قد انفذنا اليكم ابلا غبراء فاحملوا عليها ما عندكم، و خلوا سبيلها فحملناها و اودعناها لله، فلما كان من قابل قدمنا عليه، قال: انظروا الي ما حملتم الينا، فنظرنا فاذا المنايح كما هي [23] .

22- المجلسي، عن عيون المعجزات: روي أن بريحة العباسي كتب الي المتوكل: ان كان لك في الحرمين حاجة فأخرج علي بن محمد منها فانه قد دعا الناس الي نفسه و اتبعه خلق كثير، ثم كتب اليه بهذا المعني زوجة المتوكل فنفذ يحيي بن هرثمة و كتب



[ صفحه 46]



معه الي أبي الحسن عليه السلام كتابا جيدا يعرفه أنه قد اشتاق اليه و سأله القدوم عليه و أمر يحيي بالمسير اليه و كتب الي بريحة يعرفه ذلك.

فقدم يحيي المدينة، و بدأ ببريحة، و أوصل الكتاب اليه ثم ركبا جميعا الي أبي الحسن عليه السلام و أوصلا اليه كتاب المتوكل فاستأجلها ثلاثة أيام، فلما كان بعد ثلاثة عادا الي داره فوجدا الدواب مسرجة و الأثقال مشدودة، قد فرغ منها فخرج صلوات الله عليه متوجها الي العراق و معه يحيي بن هرثمة.

و روي أنه لما كان في يوم الفطر في السنة التي قتل فيها المتوكل أمر المتوكل بني هاشم بالترجل و المشي بين يديه، و انما أراد بذلك أن يترجل أبوالحسن عليه السلام.

فترجل بنوهاشم و ترجل أبوالحسن عليه السلام و اتكأ علي رجل من مواليه فأقبل عليه الهاشميون و قالوا: يا سيدنا ما في هذا العالم أحد يستجاب دعاؤه و يكفينا الله به تعزز هذا، قال لهم أبوالحسن عليه السلام: في هذا العالم من قلامة ظفره أكرم علي الله من ناقة ثمود لما عقرت الناقة صاح الفصيل الي الله تعالي فقال الله سبحانه: تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب» فقتل المتوكل يوم الثالث [24] .

23- عنه، عن كتاب الاستدراك: عن ابن قولويه باسناده الي محمد بن العلا السراج قال: أخبرني البحتري قال: كنت بمنبج بحضرة المتوكل، اذ دخل عليه رجل من أولاد محمد بن الحنفية، حلو العينين، حسن الثياب، قد قرف عنده بشي ء فوقف بين يديه و المتوكل مقبل علي الفتح يحدثه.

فلما طال وقوف الفتي بين يديه و هو لا ينظر اليه قال له: يا أميرالمؤمنين ان كنت أحضرتني لتأديبي فقد أسأت الأدب، و ان كنت قد أحضرتني ليعرف من بحضرتك من بحضرتك من أوباش الناس استهانتك بأهلي فقد عرفوا.

فقال له المتوكل: و الله يا حنفي لولا ما يثنيني عليك من أوصال الرحم و يعطفني



[ صفحه 47]



عليك من مواقع الحلم لانتزعت لسانك بيدي، و لفرقت بين رأسك و جسدك و لو كان بمكانك محمد أبوك، قال: ثم التفت الي الفتح فقال: أما تري ما نلقاه من آل أبي طالب؟ اما حسني يجذب الي نفسه تاج عز نقله الله الينا قبله، أو حسيني يسعي في نقض ما أنزل الله الينا قبله، أو حنفي يدل بجهله أسيافنا علي سفك دمه.

فقال له الفتي: و أي حلم تركته لك الخمور و ادمانها؟ أم العيدان و فتيانها و متي عطفك الرحم علي أهلي و قد ابتززتهم فدكا ارثهم من رسول الله صلي الله عليه و آله فورثها أبوحرملة، و أما ذكرك محمدا أبي فقد طفقت تضع عن عز رفعه الله و رسوله، و تطاول شرفا تقصر عنه و لا تطوله، فأنت كما قال الشاعر:



فغض الطرف انك من نمير

فلا كعبا بلغت و لا كلابا



ثم ها أنت تشكولي عجلك هذا ما تلقاه من الحسني و الحسيني، و الحنفي فلبئس المولي و لبئس العشير.

ثم مد رجليه ثم قال: هاتان رجلاي لقيدك، و هذه عنقي لسيفك، فبوء باثمي و تحمل ظلمي فليس هذا أول مكروه أوقعته أنت و سلفك بهم، يقول الله تعالي «قل لا أسألكم عليه أجرا الا المودة في القربي» فوالله ما أجبت رسول الله صلي الله و آله عن مسألته و لقد عطفت بالمودة علي غير قرابته، فعما قليل ترد الحوض، فيذودك أبي و يمنعك جدي صلوات الله عليهما.

قال: فبكي المتوكل ثم قام فدخل الي قصر جواريه، فلما كان من الغد أحضره و أحسن جائزته و خلي سبيله [25] .

24- عنه، عن الكتاب المذكور باسناده أن المتوكل قيل له: ان أباالحسن يعني علي بن محمد بن علي الرضا عليهم السلام يفسر قول الله عزوجل «يوم يعض الظالم علي يديه» الآيتين في الأول و الثاني، قال: فكيف الوجه في أمره؟ قالوا: تجمع له الناس و تسأله بحضرتهم فان فسرها بهذا كفاك الحاضرون أمره و ان فسرها بخلاف ذلك



[ صفحه 48]



افتضح عند أصحابه، قال: فوجه الي القضاة و بني هاشم و الأولياء و سئل عليه السلام فقال: هذان رجلان كني عنهما، و من بالستر عليهما أفيحب أميرالمؤمنين أن يكشف ما ستره الله؟ فقال: لا احب [26] .

25- قال المسعودي: حدثنا ابن الأزهر، قال: حدثني القاسم بن عباد، قال: حدثني يحيي بن هرثمة، قال: وجهني المتوكل الي المدينة لاشخاص علي بن محمد بن علي بن موسي بن جعفر لشي ء بلغه عنه، فلما صرت اليها ضج أهلها و عجوا ضجيجا و عجيجا ما سمعت مثله، فجعلت أسكنهم و أحلف لهم أني لم أومر فيه بمكروه، و فتشت بيته، فلم أجد فيه الا مصحفا و دعاء، و ما أشبه ذلك، فأشخصته و توليت خدمته و حسنت عشرته.

فبينا أنا ]نائم[ يوما من الأيام، و السماء صاحية، و الشمس طالعة؛ اذ ركب و عليه ممطر، و قد عقد ذنب دابته فعجبت من فعله، فلم يكن بعد ذلك الا هنيهة حتي جاءت سحابة فأرخت عز اليها، و نالنا من المطر أمر عظيم جدا، فالتفت الي، و قال: أنا أعلم أنك أنكرت ما رأيت، و توهمت أني علمت من الأمر ما لا تعلمه، و ليس ذلك كما ظننت، و لكن نشأت بالبادية.

فأنا أعرف الرياح التي يكون في عقبها المطر، فلما أصبحت هبت ريح لا تخل و شممت منها رائحة المطر، فتأهبت لذلك، فلما قدمت مدينة السلام بدأت باسحاق ابن ابراهيم الطاهري - و كان علي بغداد - فقال لي: يا يحيي، ان هذا الرجل قد ولده رسول الله صلي الله عليه و سلم، و المتوكل من تعلم، و ان حرضته علي قتله كان رسول الله صلي الله عليه و سلم خصمك.

فقلت: و الله ما وقفت له الا علي كل أمر جميل؛ فصرت الي سامرا، فبدأت بوصيف التركي، و كنت من أصحابه، فقال: و الله لئن سقطت من رأس هذا الرجل شعرة لا يكون المطالب بها غيري، فعجبت من قولهما، و عرفت المتوكل ما وقفت



[ صفحه 49]



عليه، و ما سمعته من الثناء عليه، فأحسن جائزته، و أظهر بره و تكرمته [27] .

26- عنه، قال: كتب بريحة العباسي صاحب الصلاة بالحرمين الي المتوكل: ان كان لك في الحرمين حاجة فأخرج علي بن محمد منهما فانه قد دعا الي نفسه و اتبعه خلق كثير و تابع بريحة الكتب في هذا المعني، فوجه المتوكل بيحيي بن هرثمة و كتب معه الي ابي الحسن كتابا جميلا يعرفه أنه قد اشتاقه و يسأله القدوم عليه و أمر يحيي بالمسير معه كما يحب و كتب الي بريحة يعرفه ذلك.

فقدم يحيي بن هرثمة المدينة فأوصل الكتاب الي بريحة و ركبا جميعا الي أبي الحسن فأوصلا اليه كتاب المتوكل فاستأجلهما ثلاثا، فلما كان بعد ثلاث عاد الي داره فوجد الدواب مسرجة و الأثقال مشدودة قد فرغ منها و خرج متوجها نحو العراق و اتبعه بريحة مشيعا.

فلما صار في بعض الطريق قال له بريحة: قد علمت وقوفك علي أني كنت السبب في حملك و علي حلف بايمان مغلظة، لئن شكوتني الي أميرالمؤمنين أو الي احد من خاصته و ابنائه لأجمرن نخلك و لأقتلن مواليك و لأعورن عيون ضيعتك و لأفعلن و لأصنعن.

فالتفت اليه ابوالحسن فقال له: ان اقرب عرضي اياك علي الله البارحة و ما كنت لأعرضنك عليه، ثم لأشكونك الي غيره من خلقه قال فانكب عليه بريحة و ضرع اليه و استعفاه فقال له: قد عفوت عنك [28] .

27- عنه، قال: و روي عن يحيي بن هرثمة قال: رأيت من دلائل ابي الحسن الأعاجيب في طريقنا منها، انا نزلنا منزلا لا ماء فيه، فأشفينا دوابنا و جمالنا من العطش علي التلف و كان معنا جماعة و قوم قد تبعونا من أهل المدينة، فقال ابوالحسن: كأني اعرف علي أميال موضع ماء. فقلنا له: ان نشطت و تفضلت عدلت بنا اليه و كنا معك فعدل بنا عن الطريق.

فسرنا نحو ستة اميال فأشرفنا علي واد كأنه زهو الرياض فيه عيون و أشجار و زروع



[ صفحه 50]



و ليس فيها زراع و لا فلاح و لا احد من الناس، فنزلنا و شربنا و سقينا دوابنا و اقمنا الي بعد العصر، ثم تزودنا و ارتوينا و ما معنا من القرب و رحنا راحلين فلم نبعد أن عطشت.

و كان لي مع بعض غلماني كوز فضة يشده في منطقته و قد استسقيته فلجلج لسانه بالكلام و نظرت فاذا هو قد أنسي الكوز في المنزل الذي كنا فيه فرجعت اضرب بالسوط علي فرسي لي جواد سريع واغد السير حتي اشرفت علي الوادي، فرأيته جدبا يابسا قاعا محلا لا ماء و لا زرع و لا خضرة و رأيت موضع رحالنا و رؤث دوابنا و بعر الجمال و مناخاتهم و الكوز موضوع في موضعه الذي تركه الغلام فأخذته و انصرفت و لم اعرفه شيئا من الخبر.

فلما قربت من القطر و العسكر و جدته عليه السلام ينتظرني فتبسم و لم يقل لي شيئا و لا قلت له سوي ما سأل من وجود الكوز، فأعلمته اني وجدته.

قال يحيي: و خرج في يوم صائف آخر و نحن في ضحو و شمس حامية تحرق فركب من مضربه و عليه ممطر و ذنب دابته معقود و تحته لبد طويل.

فجعل كل من في العسكر و اهل القافلة يضحكون و يقولون هذا الحجازي ليس يعرف الري فسرنا أميالا حتي ارتفعت سحابة من ناحية القبلة و اظلمت و اضلتنا بسرعة و اتي من المطر الهاطل كأفواه القرب فكدنا نتلف و غرقنا حتي جري الماء من ثيابنا الي ابداننا و امتلأت خفافنا و كان أسرع و أعجل من ان يمكن ان نحط و نخرج اللبابيد، فصرنا شهرة و ما زال عليه السلام يتبسم تبسما ظاهرا تعجبا من أمرنا.

قال يحيي: و صارت اليه في بعض المنازل امرأة معها ابن لها أرمد العين و لم تزل تستذل و تقول معكم رجل علوي دلوني عليه حتي يرقي عين ابني هذا. فدللناها عليه، ففتح عين الصبي حتي رأيتها و لم اشكلت انها ذاهبة فوضع يده عليها لحظة يحرك شفتيه ثم نحاها فاذا عين الغلام مفتوحة صحيحة ما بها علة [29] .



[ صفحه 51]



28- عنه، قال: قدم به عليه السلام بغداد و خرج اسحاق بن ابراهيم و جملة القواد فتلقوه، فحدث ابوعبدالله محمد بن احمد الحلبي القاضي قال: حدثني الخضر بن البزاز و كان شيخا مستورا ثقة يقبله القضاة و الناس قال: رأيت في المنام كأني علي شاطي ء الدجلة بمدينة السلام في رحبة الجسر و الناس مجتمعون خلق كثير يزحم بعضهم بعضا و هم يقولون قد أقبل بيت الله الحرام.

فبينا نحن كذلك اذ رأيت البيت بما عليه من الستار و الديباج و القباطي، قد أقبل مارا علي الارض يسير حتي عبر الجسر من الجانب الغربي الي الجانب الشرقي و الناس يطوفون به و بين يديه حتي دار خزيمة و هي التي آخر من ملكها بعد عبيدالله بن عبدالله ابن طاهر القمي و ابوبكر المفتي ابن اخت اسماعيل بن بلبل بدر الكبير الطولوي المعروف بالحمامي فانه أقطعها.

فلما كان بعد أيام خرجت في حاجة انتهيت الي الجسر فرأيت الناس مجتمعين و هم يقولون: قدم ابن الرضا من المدينة فرأيته قد عبر من الجسر علي شهري تحته كبير يسير عليه المسير رفيقا و الناس بين يديه و خلفه و جاء حتي دخل دار خزيمة بن حازم فعلمت أنه تأويل الرؤيا التي رأيتها.

ثم خرج الي سر من رأي فتلقاه جملة اصحاب المتوكل حيت دخل اليهم فأعظمه و اكرمه و شهد له، ثم انصرف عنه الي دار اعدت له و أقام بسر من رأي [30] .

29- عنه، قال: قد كان سعي بأبي الحسن علي بن محمد الي المتوكل، و قيل له: ان في منزله سلاحا و كتبا و غيرها من شيعته، فوجه اليه ليلا من الأتراك و غيرهم من هجم عليه في منزله علي غفلة ممن في داره، فوجده في بيت وحده مغلق عليه مدرعة من شعر، و لا بساط في البيت الا الرمل و الحصي، و علي رأسه ملحفة من الصوف متوجها الي ربه يترنم بآيات من القرآن في الوعد و الوعيد.

فأخذ علي ما وجد عليه، و حمل الي المتوكل في جوف الليل، فمثل بين يديه



[ صفحه 52]



و المتوكل يشرب و في يده كأس، فلما رآه أعظمه و أجلسه الي جنبه، و لم يكن في منزله شي ء ما قيل فيه، و لا حالة يتعلل عليه بها، فناوله المتوكل الكأس الذي في يده، فقال: يا أميرالمؤمنين، ما خامر لحمي و دمي قط، فأعفني منه، فعافاه، و قال: أنشدني ]شعرا أستحسنه، فقال: اني لقليل الرواية للأشعار، فقال: لابد أن تنشدني[ فأنشده:



باتوا علي قلل الأجبال تحرسهم

غلب الرجال فما أغنتهم القلل



و استنزلوا بعد عز عن معاقلهم

فأودعوا حفرا، يا بئس ما نزلوا



ناداهم صارخ من بعد ما قبروا

أين الأسرة و التيجان و الحلل؟



أين الوجوه التي كانت منعمة

من دونها تضرب الأستار و الكلل؟



فأفصح القبر عنهم حين سائلهم

تلك الوجوه عليها الدود يقتتل



قد طالما أكلوا دهرا و ما شربوا

فأصبحوا بعد طول الأكل قد اكلوا



و طالما عمروا دورا لتحصنهم

ففارقوا الدور و الأهلين و انتقلوا



و طالما كنزوا الأموال و ادخروا

فخلفوها علي الأعداء و ارتحلوا



أضحت منازلهم قفرا معطلة

و ساكنوها الي الأجداث قد رحلوا



قال: فأشفق كل من حضر علي علي، و ظن أن بادرة تبدر منه اليه، قال: و الله لقد بكي المتوكل بكاء طويلا حتي بلت دموعه لحيته، و بكي من حضره، ثم أمر برفع الشراب، ثم قال له: يا أباالحسن، أعليك دين؟ قال: نعم أربعة آلاف دينار، فأمر بدفعها اليه، ورده الي منزله من ساعته مكرما [31] .

30- قال ابن الجوزي: قال علماء السير: و انما اشخصه المتوكل من مدينة رسول الله الي بغداد لأن المتوكل كان يبغض عليا و ذريته فبلغه مقام علي بالمدينة و ميل الناس اليه فخاف منه فدعي يحيي بن هرثمة و قال: اذهب الي المدينة و انظر في حاله و أشخصه الينا.



[ صفحه 53]



قال يحيي: فذهبت الي المدينة فلما دخلتها ضج أهلها ضجيجا عظيما ما سمع الناس بمثله خوفا علي علي و قامت الدنيا علي ساق لأنه كان محسنا اليهم ملازما للمسجد لم يكن عنده ميل الي الدنيا. قال يحيي: فجعلت اسكنهم و أحلف لهم اني لم اؤمر فيه بمكروه و انه لا بأس عليه، ثم فتشت منزله فلم أجد فيه الا مصاحف و ادعية و كتب العلم فعظم في عيني و توليت خدمته بنفسي و احسنت عشرته.

فلما قدمت به بغداد بدأت باسحاق بن ابراهيم الطاهري و كان واليا علي بغداد، فقال لي: يا يحيي ان هذا الرجل قد ولده رسول الله و المتوكل من تعلم فان حرضته عليه قتله و كان رسول الله خصمك يوم القيامة، فقلت له: و الله ما وقعت منه الا علي كل أمر جميل.

ثم صرت به الي سر من رأي فبدأت بوصيف التركي فاخبرته بوصوله، فقال: و الله لئن سقط منه شعرة لا يطالب بها سواك. قال: فعجبت كيف وافق قوله قول اسحاق، فلما دخلت علي المتوكل سألني عنه فأخبرته بحسن سيرته و سلامة طريقه و ورعه و زهادته و اني فتشت داره فلم اجد فيها غير المصاحف و كتب العلم و ان أهل المدينة خافوا عليه فأكرمه المتوكل و أحسن جايزته و أجزل بره و أنزله معه سر من رأي [32] .

31- عنه، قال: قال يحيي بن هرثمة: فاتفق مرض المتوكل بعد ذلك بمدة فنذر ان عوفي ليتصدقن بدراهم كثيرة فعوفي فسأل الفقهاء عن ذلك فلم يجد عندهم فرجا فبعث الي علي فسأله. فقال: يتصدق بثلاثة و ثمانين دينارا. فقال المتوكل: من أين لك هذا؟ فقال من قوله تعالي: «لقد نصركم الله في مواطن كثيرة و يوم حنين».

و المواطن الكثيرة هي هذه، و ذلك لأن النبي صلي الله عليه و آله غزي سبعا و عشرين غزاة و بعث خمسا و ستين سرية و آخر غزواته يوم حنين. فعجب المتوكل و الفقهاء من هذا الجواب و بعث اليه بمال كثير. فقال علي هذا الواجب فتصدق أنت



[ صفحه 54]



بما أحببت. [33] .

32- عنه، قال: و حكي ان سبب شخوص أبي الحسن علي بن محمد من المدينة الي سر من رأي ان عبدالله بن محمد كان ينوب عن الخليفة المتوكل الحرب و الصلاة بالمدينة الشريفة، فسعي بأبي الحسن الي المتوكل و كان يقصده بالأذي، فبلغ أبوالحسن سعايته فكتب الي المتوكل يذكر تحامل عبدالله بن محمد عليه و قصده له بالأذي.

فتقدم المتوكل بالكتابة اليه و أجابه عن كتابه و جعل يعتذر اليه فيه و يلين له القول و دعاه فيه الي الحضور اليه علي جميل من القول و الفعل و كانت صورة الكتاب الذي كتبه اليه المتوكل بسم الله الرحمن الرحيم اما بعد ان اميرالمؤمنين عارف بقدرك راع لقرابتك [34] .

(الي آخر الحديث الذي رويناه عن الارشاد و مر تحت الرقم 4).



[ صفحه 55]




پاورقي

[1] الكافي: 1 / 501.

[2] الكافي: 1 / 502.

[3] الكافي: 1 / 499.

[4] الارشاد: 313 و روضة الواعظين: 210.

[5] اعلام الوري: 437.

[6] اعلام الوري: 438.

[7] امالي الشيخ: 1 / 282 و المناقب: 2 / 451.

[8] امالي الشيخ: 1 / 291.

[9] امالي الشيخ: 1 / 292.

[10] امالي الشيخ: 1 / 293.

[11] المناقب: 2 / 446.

[12] المناقب: 2 / 446.

[13] المناقب: 2 / 447.

[14] المناقب: 2 / 447.

[15] المناقب:2 / 448.

[16] المناقب: 2 / 451.

[17] المناقب: 2 / 452.

[18] المناقب: 2 / 453.

[19] المناقب: 2 / 454.

[20] المناقب: 2 / 454.

[21] كشف الغمة: 2 / 381.

[22] مشارق الانوار: 99.

[23] مشارق الانوار: 100.

[24] بحارالانوار: 209.

[25] بحارالانوار: 50 / 213.

[26] بحارالانوار: 50 / 214.

[27] مروج الذهب: 4 / 170.

[28] اثبات الوصية: 225.

[29] اثبات الوصية: 225.

[30] اثبات الوصية: 228.

[31] مروج الذهب: 4 / 93.

[32] تذكرة الخواص: 359.

[33] تذكرة الخواص: 360.

[34] تذكرة الخواص: 360 و الفصول المهمة: 279.