بازگشت

احتجاجه مع يحيي بن أكثم


2- روي الحسن بن علي بن شعبة الحراني مرسلا قال: قال موسي بن محمد بن الرضا: لقيت يحيي بن أكثم في دار العامة، فسألني عن مسائل، فجئت الي أخي علي ابن محمد عليهماالسلام فدار بيني و بينه من المواعظ ما حملني و بصرني طاعته، فقلت له: جعلت فداك ابن أكثم كتب يسألني عن مسائل لافتيه فيها، فضحك عليه السلام ثم قال: فهل أفتيته؟ قلت: لا، لم أعرفها.

قال عليه السلام: و ما هي؟ قلت: كتب يسألني عن قوله الله:«قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد اليك طرفك» نبي الله كان محتاجا الي علم آصف؟. و عن قوله: «و رفع أبويه علي العرش و خروا له سجدا» سجد يعقوب و ولده ليوسف و هم أنبياء.

و عن قوله: «فان كنت في شك مما أنزلنا اليك فأسأل الذين يقرؤون الكتاب، من المخاطب بالآية؟ فان كان المخاطب النبي صلي الله عليه و آله فقد شك، و ان كان



[ صفحه 214]



المخاطب غيره فعلي من اذا أنزل الكتاب؟. و عن قوله: «و لو أن ما في الأرض من شجرة أقلام و البحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله» ما هذه الأبحر و أين هي؟

و عن قوله: «و فيما ما تشتهيه الأنفس و تلذ الأعين» فاشتهت نفس آدم عليه السلام أكل البر فأكل و أطعم ]و فيها ما تشتهي الأنفس[ فكيف عوقب؟. و عن قوله: «أو يزوجهم ذكرانا و اناثا» يزوج الله عباده الذكران و قد عاقب قوما فعلوا ذلك؟ و عن شهادة المرأة جازت وحدها و قد قال الله: «و أشهدوا ذوي عدل منكم»؟

و عن الخنثي و قول علي عليه السلام: يورث من المبال، فمن ينظر اذا بال اليه؟ مع أنه عسي أن يكون امرأة و قد نظر اليها الرجال، أو عسي أن يكون رجلا و قد نظرت اليه النساء و هذا ما لا يحل. و شهادة الجار الي نفسه لا تقبل؟ و عن رجل أتي الي قطيع غنم فرأي الراعي ينزو علي شاة منها فلما بصر بصاحبها خلي سبيلها، فدخلت بين الغنم كيف تذبح و هل يجوز أكلها أم لا؟. و عن صلاة الفجر لم يجهر فيها بالقراءة و هي من صلاة النهار و انما يجهر في صلاة الليل؟. و عن قول علي عليه السلام لابن جرموز: بشر قاتل ابن صفية بالنار فلم يقتله و هو امام؟.

و أخبرني عن علي عليه السلام لم قتل أهل صفين و أمر بذلك مقبلين و مدبرين و أجاز علي الجرحي، و كان حكمه يوم الجمل أنه لم يقتل موليا و لم يجز علي جريح و لم يأمر بذلك، و قال: من دخل داره فهو آمن، و من ألقي سلاحه فهو آمن، لم فعل ذلك؟ فان كان الحكم الأول صوابا فالثاني خطأ. و أخبرني عن رجل أقر باللواط علي نفسه أيحد، أم يدرأ عنه الحد؟

قال عليه السلام: اكتب اليه، قلت: و ما أكتب؟ قال عليه السلام: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم و أنت فألهمك الله الرشد أتاني كتابك فامتحنتنا به من تعنتك لتجد الي الطعن سبيلا ان قصرنا فيها، و الله يكافيك علي نيتك و قد شرحنا مسائلك فاصغ



[ صفحه 215]



اليها سمعك و ذلل لها فهمك و اشغل بها قلبك، فقد لزمتك الحجة و السلام.

سألت: عن قول الله جل و عز: «قال الذي عنده علم من الكتاب» فهو آصف ابن برخيا و لم يعجز سليمان عليه السلام عن معرفة ما عرف آصف لكنه صلوات الله عليه أحب أن يعرف أمته من الجن و الانس أنه الحجة من بعده، و ذلك من علم سليمان عليه السلام أودعه عند آصف بأمر الله، ففهمه ذلك لئلا يختلف عليه في امامته و دلالته كما فهم سليمان عليه في حياة داوود عليه السلام لتعرف نبوته و امامته من بعده لتأكد الحجة علي الخلق.

و أما سجود يعقوب عليه السلام و ولده فكان طاعة لله و محبة ليوسف عليه السلام كما أن السجود من الملائكة لآدم لم يكن لآدم عليه السلام و انما كان ذلك طاعة لله و محبة منهم لآدم عليه السلام، فسجود يعقوب عليه السلام و ولده و يوسف عليه السلام معهم كان شكرا لله باجتماع شملهم، ألم تره يقول في شكره ذلك الوقت: «رب قد آتيتني من الملك و علمتني من تأويل الأحاديث - الي آخر الآية -.

و أما قوله: «فان كنت في شك مما أنزلنا اليك فأسأل الذين يقرؤون الكتاب» فان المخاطب به رسول الله صلي الله عليه و آله و لم يكن في شك مما انزل اليه و لكن قالت الجهلة: كيف لم يبعث الله نبيا من الملائكة؟ اذ لم يفرق بين نبيه و بيننا في الاستغناء عن المآكل و المشارب و المشي في الأسواق، فأوحي الله الي نبيه «فأسأل الذين يقرؤون الكتاب» بمحضر الجهلة.

هل بعث الله رسولا قبلك الا و هو يأكل الطعام و يمشي في الأسواق و لك بهم اسوة. و انما قال: «فان كنت في شك» و لم يكن شك و لكن للنصفة كما قال: «تعالوا ندع أبناءنا و أبناءكم و نساءنا و نساءكم و أنفسنا و أنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله علي الكاذبين».

و لو قال: عليكم لم يجيبوا الي المباهلة، و قد علم الله أن نبيه يؤدي عنه رسالاته و ما هو من الكاذبين، فكذلك عرف النبي أنه صادق فيما يقول و لكن أحب أن



[ صفحه 216]



ينصف من نفسه.

و أما قوله: «و لو أن ما في الأرض من شجرة أقلام و البحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله» فهو كذلك لو أشجار الدنيا أقلام و البحر يمدة سبعة أبحر و انفجرت الأرض عيونا لنفدت قبل أن تنفد كلمات الله و هي عين الكبريت و عين التمر و عين ]ال[ برهوت و عين طبرية و حمة ما سبذان و حمة افريقية يدعي لسنان و عين بحرون، و نحن كلمات الله التي لا تنفد و لا تدرك فضائلنا.

و أما الجنة فان فيها من المآكل و المشارب و الملاهي ما تشتهي الأنفس و تلذ الأعين و أباح الله ذلك كله لآدم عليه السلام و الشجرة التي نهي الله عنها آدم عليه السلام و زوجته أن يأكلا منها شجرة الحسد عهد اليهما أن لا ينظرا الي من فضل الله علي خلائقه بعين الحسد فنسي و نظر بعين الحسد و لم يجد له عزما. و أما قوله:«أو يزوجهم ذكرانا و اناثا» أي يولد له ذكور و يولد له اناث يقال لكل اثنين مقرنين زوجان كل واحد منهما زوج، و معاذ الله أن يكون عني الجليل ما لبست به علي نفسك تطلب الرخص لارتكاب المآثم «و من يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة و يخلد فيه مهانا» ان لم يتب.

و أما شهادة المرأة وحدها التي جازت فهي القابلة جازت شهادتها مع الرضا، فان لم يكن رضي فلا أقل من امرأتين تقوم المرأتان بدل الرجل للضرورة، لأن الرجل لا يمكنه أن يقوم مقامها، فان كانت وحدها قبل قولها مع يمينها.

و أما قول علي عليه السلام في الخنثي فهي كما قال: ينظر قوم عدول يأخذ كل واحد منهم مرآة و تقوم الخنثي خلفهم عريانة و ينظرون في المرايا فيرون الشبح فيحكمون عليه.

و أما الرجل الناظر الي الراعي و قد نزا علي شاة فان عرفها ذبحها و أحرقها، و ان لم يعرفها قسم الغنم نصفين و ساهم بينهما، فاذا وقع علي أحد النصفين فقد نجا النصف الآخر، ثم يفرق النصف الآخر فلا يزال كذلك حتي تبقي شاتان فيقرع بينهما فأبتها



[ صفحه 217]



وقع السهم بما ذبحت و احرقت و نجا سائر الغنم.

و أما صلاة الفجر فالجهر فيها بالقراءة، لأن النبي صلي الله عليه و آله كان يغلس بها فقراءتها من الليل.

و أما قول علي عليه السلام: بشر قاتل ابن صفية بالنار فهو لقول رسول الله صلي الله عليه و آله و كان ممن خرج يوم النهروان فلم يقتله أميرالمؤمنين عليه السلام بالبصرة، لأنه علم أنه يقتل في فتنة النهروان.

و أما قولك: ان عليا عليه السلام قتل أهل صفين مقبلين و مدبرين و أجاز علي جريحهم؛ و انه يوم الجمل لم يتبع موليا و لم يجز علي جريح و من ألقي سلاحه آمنه و من دخل داره آمنه، فان أهل الجمل قتل امامهم و لم تكن لهم فئة يرجعون اليها و انما رجع القوم الي منازلهم غير محاربين و لا مخالفين و لا منابذين، رضوا بالكف عنهم.

فكان الحكم فيهم رفع السيف عنهم و الكف عن أذاهم، اذ لم يطلبوا عليه أعوانا، و أهل صفين كانوا يرجعون الي فئة مستعدة و امام يجمع لهم السلاح الدروع و الرماح و السيوف و يسني لهم العطاء يهيي ء لهم الأنزال و يعود مريضهم و يجبر كسيرهم و يداوي جريحهم و يحمل راجلهم و يكسوا حاسرهم و يردهم فيرجعون الي محاربتهم و قتالهم، فلم يساو بين الفريقين في الحكم لما عرف من الحكم في قتال أهل التوحيد لكنه شرح ذلك لهم، فمن رغب عرض علي السيف أو يتوب من ذلك.

و أما الرجل الذي اعترف باللواط فانه لم تقم عليه بينة و انما تطوع بالاقرار من نفسه و اذا كان للامام الذي من الله أن يعاقب عن الله كان له أن يمن عن الله؛ أما سمعت قول الله: «هذا عطاؤنا - الآية -» قد أنبأناك بجميع ما سألتنا عنه فاعلم ذلك [1] .

3- قال الطبرسي: و مما أجاب به ابوالحسن علي بن محمد العسكري عليه السلام في رسالته الي أهل الأهواء حين سألوه عن الجبر و التفويض ان قال: اجتمعت الامة



[ صفحه 218]



قاطبة لا اختلاف بينهم في ذلك: ان القرآن حق لا ريب فيه عند جميع فرقها. فهم في حالة الاجماع عليه مصيبون، و علي تصديق ما انزل الله مهتدون، و لقول النبي صلي الله عليه و آله: «لا تجتمع امتي علي ضلالة».

فأخبر عليه السلام ان ما اجتمعت عليه الأمة و لم يخالف بعضها بعضا هو الحق، فهذا معني الحديث لا ما تأوله الجاهلون. و لا ما قاله المعاندون و من ابطال حكم الكتاب و اتباع حكم الأحاديث المزورة و الروايات المزخرقة، اتباع الأهواء المردية المهلكة التي تخالف نص الكتاب، و تحقيق الآيات الواضحات النيرات. و نحن نسأل الله ان يوفقنا للصواب، و يهدينا الي الرشاد.

ثم قال عليه السلام: فاذا شهد الكتاب بتصديق خبر و تحقيقه فانكرته طائفة من الامة و عارضته بحديث من هذه الأحاديث المزورة، فصارت بانكارها و دفعها الكتاب كفارا ضلالا، و اصح خبر ما عرف تحقيقه من الكتاب مثل الخبر المجمع عليه من رسول الله صلي الله عليه و آله حيث قال: «اني مستخلف فيكم خليفتين: كتاب الله و عترتي، ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي، و انهما لن يفترقا حتي يردا علي الحوض».

و اللفظة الاخري عنه في هذا المعني بعينه قوله عليه السلام: «اني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله و عترتي أهل بيتي، و انهما لم يفترقا حتي يردا علي الحوض ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا» فلما وجدنا شواهد هذا الحديث نصا في كتاب الله مثل قوله: «انما وليكم الله و رسوله و الذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة و يؤتون الزكاة و هم راكعون».

ثم اتفقت روايات العلماء في ذلك لأميرالمؤمنين عليه السلام: انه تصدق بخاتمه و هو راكع فشكر الله ذلك له و أنزل الآية فيه، ثم وجدنا رسول الله صلي الله عليه و آله قد أبانه من اصحابه بهذه اللفظة: «من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه و عاد من عاداه» و قوله صلي الله عليه و آله: «علي يقضي ديني و ينجز موعدي و هو خليفتي



[ صفحه 219]



عليكم بعدي» و قوله صلي الله عليه و آله حيث استخلفه علي المدينة فقال: يا رسول الله أتخلفني علي النساء و الصبيان؟

فقال: «أما ترضي ان تكون مني بمنزلة هارون من موسي الا أنه لا نبي بعدي» فعلمنا ان الكتاب شهد بتصديق هذه الأخبار، و تحقيق هذه الشواهد، فلزم الامة الاقرار بها اذا كانت هذه الأخبار وافقت القرآن، و وافق القرآن هذه الأخبار فلما وجدنا ذلك موافقا لكتاب الله، و وجدنا كتاب الله لهذه الأخبار موافقا، و عليها دليلا، كان الاقتداء بهذه الأخبار فرضا لا يعتداه الا اهل العناد و الفساد.

ثم قال عليه السلام: و مرادنا و قصدنا الكلام في الجبر و التفويض و شرحهما و بيانهما و انما قدمنا ما قدمنا ليكون اتفاق الكتاب و الخبر اذا اتفقا دليلا لما أردناه، و قوة لما نحن مبينوه من ذلك ان شاء الله.

فقال: الجبر و التفويض يقول الصادق جعفر بن محمد عليهماالسلام، عندما سئل عن ذلك فقال: لا جبر و لا تفويض، بل أمر بين الأمرين. قيل: فماذا يابن رسول الله؟

فقال: صحة العقل، و تخلية السرب، و المهلة في الوقت، و الزاد قبل الراحلة و السبب المهيج للفاعل علي فعله، فهذه خمسة أشياء فاذا نقص العبد منها خلة كان العمل عنه مطرحا بحسبه، و أنا اضرب لكل باب من هذه الأبواب الثلاثة و هي:

الجبر، و التفويض، و المنزلة بين المنزلتين، مثلا يقرب المعني للطالب، و يسهل له البحث من شرحه، و يشهد به القرآن بمحكم آياته، و يحقق تصديقه عند ذوي الألباب، و بالله العصمة، و التوفيق.

ثم قال عليه السلام: فاما الجبر: فهو: قول من زعم ان الله عزوجل جبر العباد علي المعاصي و عاقبهم عليها. و من قال بهذا القول فقد ظلم الله و كذبه، و ورد عليه قوله:«و لا يظلم ربك أحدا» و قوله جل ذكره: «ذلك بما قدمت يداك و ان الله ليس بظلام للعبيد» مع آي كثيرة في مثل هذا، فمن زعم انه مجبور علي المعاصي فقد احال



[ صفحه 220]



بذنبه علي الله و ظلمه في عظمته له.

و من ظلم ربه فقد كذب كتابه، و من كذب كتابه لزمه الكفر باجماع الأمة، فالمثل المضروب في ذلك. مثل رجل ملك عبدا مملوكا لا يملك الا نفسه، و لا يملك عرضا من عروض الدنيا و يعلم مولاه ذلك منه، فأمره - علي علم منه بالمصير - الي السوق الحاجة يأتيه بها و لم يملكه ثمن ما يأتيه به. و علم المالك ان علي الحاجة رقيبا لا يطمع أحد في اخذها منه الا بما يرضي به من الثمن.

و قد وصف به مالك هذا العبد نفسه بالعدل و النصفة و اظهار الحكمة و نفي الجور، فاوعد عبده ان لم يأته بالحاجة يعاقبه، فلما صار العبد الي السوق، و حاول أخذ الحاجة التي بعثه بها، وجد عليها مانعا يمنعه منها الا بالثمن و لا يملك العبد ثمنها.

فانصرف الي مولاه خائبا بغير قضاء حاجة، فاغتاظ مولاه لذلك و عاقبه علي ذلك، فانه كان ظالما متعديا مبطلا لما وصف من عدله و حكمته و نصفته، و ان لم يعاقبه كذب نفسه، أليس يجب ان لا يعاقبه و الكذب و الظلم ينفيان العدل و الحكمة، تعالي الله عما يقول المجبرة علوا كبيرا.

ثم قال العالم عليه السلام - بعد كلام طويل -: فاما التفويض الذي ابطله الصادق عليه السلام و خطأ من دان به، فهو: قول القائل:«ان الله عزوجل فوض الي العباد اختيار أمره و نهيه و أهملهم».

و هذا الكلام دقيق لم يذهب الي غوره و دقته الا الأئمة المهدية عليهم السلام من عترة آل الرسول صلوات الله عليهم فانهم قالوا: «لو فوض الله أمره اليهم علي جهة الاهمال لكان لازما له رضا ما اختاروه و استوجبوا به الثواب، و لم يكن عليهم فيما اجترموا العقاب اذ كان الاهمال واقعا، و تنصرف هذه المقالة علي معنيين: اما ان تكون العباد تظاهروا عليه فالزموه اختيارهم بآرائهم - ضرورة - كره ذلك أم احب فقد لزمه الوهن.

أو يكون جل و تقدس عجز عن تعبدهم بالامر و النهي عن ارادته ففوض أمره و نهيه



[ صفحه 221]



اليهم، و أجراهما علي محبتهم اذ عجز عن تعبدهم بالامر و النهي علي ارادته فجعل الاختبار اليهم في الكفر و الايمان، و مثل ذلك: مثل رجل ملك عبدا ابتاعه ليخدمه و يعرف له فضل ولايته، و يقف عند أمره و نهيه و ادعي مالك العبد انه قاهر قادر عزيز حكيم، فأمر عبده و نهاه، و وعده علي اتباع أمره عظيم الثواب و اوعده علي معصيته اليم العقاب.

فخالف العبد ارادة مالكه، و لم ينف عند امره و نهيه، فاي أمر أمره به او نهاه عنه لم يأتمر علي ارادة المولي، بل كان العبد يتبع ارادة نفسه، و بعثه في بعض حوائجه و فيما الحاجة له فصار العبد بغير تلك الحاجة خلافا علي مولاه و قصد ارادة نفسه و اتبع هواه، فلما رجع الي مولاه نظر الي ما أتاه فاذا هو خلاف امره فقال العبد: اتكلت علي تفويضك الامر الي فاتبعت هواي و ارادتي لان المفوض اليه غير محظور عليه لاستحالة اجتماع التفويض و التحظير.

ثم قال عليه السلام: فمن زعم ان الله فوض قبول أمره و نهيه الي عباده فقد أثبت عليه العجز، و أوجب عليه قبول كلما عملوا من خير أو شر، و ابطل أمر الله و نهيه.

ثم قال: ان الله خلق الخلق بقدرته و ملكهم استطاعة ما تعبدهم به من الأمر و النهي، و قبل منهم اتباع أمره و نهيه و رضي بذلك لهم، و نهاهم عن معصيته و ذم من عصاه و عاقبه عليها، و لله الخيرة في الأمر و النهي يختار ما يريده و يأمر به، و ينهي عما يكره و يثيب و يعاقب بالاستطاعة التي ملكها عبارة لاتباع أمره و اجتناب معاصيه لانه العدل و منه النصفة و الحكومة.

بالغ الحجة بالاعذار و الانذار، و اليه الصفوة يصطفي من يشاء من عباده، اصطفي محمدا صلوات الله عليه و آله و بعثه بالرسالة الي خلقه و لو فوض اختيار اموره الي عباده لا جاز لقريش اختيار امية بن أبي الصلت و أبي مسعود الثقفي اذ كانا عندهم أفضل من محمد صلي الله عليه و آله لما قالوا: «لولا انزل هذا القرآن علي رجل من القريتين عظيم» يعنونهما بذلك فهذا هو: القول بين القولين، ليس بجبر و لا تفويض، بذلك



[ صفحه 222]



اخبر أميرالمؤمنين عليه السلام حين سأله عتابة بن ربعي الاسدي عن الاستطاعة. فقال أميرالمؤمنين: تملكها من دون الله أو مع الله؟ فسكت عتابة بن ربعي فقال له: قل يا عتابة قال: و ما أقول؟

قال: ان قلت تملكها مع الله قتلتك، و ان قلت تملكها من دون الله قتلتك. قال: و ما أقول يا أميرالمؤمنين قال: تقول تملكها بالله الذي يملكها من دونك، فان ملككها كان ذلك من عطائه، و ان سلبكها كان ذلك من بلائه، و هو المالك لما ملكك، و المالك لما عليه اقدرك، أما سمعت الناس يسألون الحول و القوة حيث يقولون: «لا حول و لا قوة الا بالله».

فقال الرجل: و ما تأويلها يا أميرالمؤمنين؟ قال: لا حول لنا عن معاصي الله الا بعصمة الله، و لا قوة لنا علي طاعة الله الا بعون الله. قال: فوثب الرجل و قبل يديه و رجليه.

ثم قال عليه السلام في قوله تعالي: «و لنبلونكم حتي نعلم المجاهدين منكم و الصابرين و نبلوا أخباركم» و في قوله «سنستدرجهم من حيث لا يعلمون» و في قوله: «ان يقولوا آمنا و هم لا يفتنون» و قوله: «و لقد فتنا سليمان» و قوله: «فانا قد فتنا قومك من بعدك و أضلهم السامري» و قول موسي عليه السلام: «ان هي الا فتنتك».

و قوله: «ليبلوكم فيما آتاكم» و قوله: «ثم صرفكم عنهم ليبتليكم» و قوله: «انا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة» و قوله: «ليبلوكم أيكم أحسن عملا» و قوله: «و اذا ابتلي ابراهيم ربه بكلمات» و قوله: «و لو شاء الله لانتصر منهم و لكن ليبلو بعضكم ببعض» ان جميعها جاءت في القرآن بمعني الاختيار.

ثم قال عليه السلام: فان قالوا ما الحجة في قول الله تعالي: «يهدي من يشاء و يضل من يشاء» و ما أشبه ذلك؟

قلنا: فعلي مجاز هذه الآية يقتضي معنيين: أحدهما عن كونه تعالي قادرا علي هداية من يشاء و ضلالة من يشاء، و لو أجبرهم علي أحدهما لم يجب لهم ثواب و لا عليهم



[ صفحه 223]



عقاب، علي ما شرحناه. و المعني الآخر: ان الهداية منه التعريف كقوله تعالي: «و اما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمي علي الهدي».

و ليس كل آية مشتبهة في القرآن كانت الآية حجة علي حكم الآيات اللاتي امر بالاخذ بها و تقليدها، و هي قوله: «هو الذي أنزل عليكم الكتاب منه آيات محكمات هن ام الكتاب و اخر متشابهات فاما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة و ابتغاء تأويله...» الآية و قال: «فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه اولئك الذين هداهم الله و اولئك هم اولوا الالباب» وفقنا الله و اياكم لما يحب و يرضي، و يقرب لنا و لكم الكرامة و الزلفي، و هدانا لما هو لنا و لكم خير و ابقي، انه الفعال لما يريد، الحكيم المجيد [2] .

4- عنه، باسناده، عن أبي عبدالله الزيادي قال: لما سم المتوكل، نذر الله ان رزقه الله العافية أن يتصدق بمال كثير، فلما سلم و عوفي سأل الفقهاء عن حد المال الكثير كم يكون؟ فاختلفوا. فقال بعضهم: الف درهم و قال بعضهم: عشرة آلاف و قال بعضهم: مائة الف فاشتبه عليه هذا.

فقال له الحسن حاجبه: ان اتيتك يا أميرالمؤمنين من هذا خبرك بالحق و الصواب فما لي عندك؟ فقال المتوكل: ان اتيت بالحق فلك عشرة آلاف درهم، و الا اضربك مائة مقرعة.

فقال: قد رضيت فاتي أباالحسن العسكري عليه السلام فسأله عن ذلك. فقال أبوالحسن عليه السلام: قل له: يتصدق بثمانين درهما. فرجع الي المتوكل فاخبره فقال: سله ما العلة في ذلك؟

فسأله فقال: ان الله عزوجل قال لنبيه صلي الله عليه و آله:«و لقد نصركم الله في مواطن كثيرة» فعددنا مواطن رسول الله صلي الله عليه و آله فبلغت ثمانين موطنا فرجع اليه فاخبره ففرح، و أعطاه عشرة آلاف درهم [3] .



[ صفحه 224]



5- عنه، باسناده، عن جعفر بن رزق الله قال: قدم الي المتوكل رجل نصراني فجر بامرأة مسلمة، فأراد أن يقيم عليه الحد فأسلم فقال يحيي بن أكثم: قد هدم ايمانه شركه و فعله، و قال بعضهم: يضرب ثلاثة حدود، و قال بعضهم: يفعل به كذا و كذا فأمر المتوكل بالكتاب الي أبي الحسن العسكري و سؤاله عن ذلك.

فلما قرأ الكتاب كتب عليه السلام: يضرب حتي يموت، فأنكر يحيي و أنكر فقهاء العسكر ذلك، فقالوا: يا اميرالمؤمنين سله عن ذلك فانه شي ء لم ينطق به كتاب، و لم يجي ء به سنة.

فكتب اليه: ان الفقهاء قد أنكروا هذا، و قالوا: لم يجي ء به سنة و لم ينطق به كتاب، فبين لنا لم اوجبت علينا الضرب حتي يموت؟

فكتب: بسم الله الرحمن الرحيم:«فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده و كفرنا بما كنا به مشركين فلم يك ينفعهم ايمانهم لما رأوا بأسنا» الآية فامر به المتوكل فضرب حتي مات [4] .

6- عنه، قال: و روي عن الحسن العسكري عليه السلام: انه اتصل بأبي الحسن علي بن محمد العسكري عليه السلام؛ ان رجلا من فقهاء شيعته كلم بعض النصاب فافهمه بحجته حتي ابان عن فضيحته، فدخل الي علي بن محمد عليه السلام و في صدر مجلسه دست عظيم منصوب و هو قاعد خارج الدست، و بحضرته خلق من العلويين و بني هاشم، فما زال يرفعه حتي أجلسه في ذلك الدست، و أقبل عليه فاشتد ذلك علي اولئك الأشراف، فاما العلوية فاجلوه عن العتاب، و اما الهاشميون فقال له شيخهم: يابن رسول الله هكذا تؤثر عاميا علي سادات بني هاشم من الطالبيين و العباسيين؟!.

فقال عليه السلام: اياكم و ان تكونوا من الذين قال الله تعالي فيهم: «ألم تر الي الذين اوتوا نصيبا من الكتاب يدعون الي كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولي فريق منهم



[ صفحه 225]



و هم معرضون» أترضون بكتاب الله حكما قالوا: بلي.

قال: أليس الله يقول:«يا أيها الذين آمنوا اذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم» الي قوله «يرفع الله الذين آمنوا منكم و الذين اوتوا العلم درجات» فلم يرض للعالم المؤمن الا ان يرفع علي المؤمن غير العالم، كما لم يرض للمؤمن الا أن يرفع علي من ليس بمؤمن.

اخبروني عنه قال: «يرفع الله الذين آمنوا منكم و الذين اوتوا العلم درجات»؟ او قال: «يرفع الذين اوتوا شرف النسب درجات»؟ أو ليس قال الله:«هل يستوي الذين يعلمون و الذين لا يعلمون» فكيف تنكرون رفعي لهذا لما رفعه الله؟! ان كسر هذا لفلان الناصب بحجج الله التي علمه اياها، لأفضل له من كل شرف في النسب.

فقال العباسي: يابن رسول الله قد أشرفت علينا هو ذا تقصير بنا عمن ليس له نسب كنسبنا، و ما زال منذ أول الاسلام يقدم الأفضل في الشرف علي من دونه فيه.

فقال عليه السلام: سبحان الله أليس عباس بايع أبابكر و هو تيمي و العباس هاشمي؟ أو ليس عبدالله بن عباس كان يخدم عمر بن الخطاب و هو هاشمي أبوالخلفاء و عمر عدوي؟! و ما بال عمر أدخل البعداء من قريش في الشوري و لم يدخل العباس؟ فان كان رفعنا لمن ليس بهاشمي علي هاشمي منكرا فانكروا علي عباس بيعته لأبي بكر، و علي عبدالله بن عباس خدمته لعمر بعد بيعته، فان كان ذلك جائزا فهذا جائز، فكأنما القم الهاشمي حجرا [5] .

7- عنه، قال: روي عن علي بن محمد الهادي عليه السلام انه قال: لولا من يبقي بعد غيبة قائمكم عليه السلام من العلماء الداعين اليه، و الدالين عليه، و الذابين عن دينه بحجج الله و المنقذين لضعفاء عباد الله من شباك ابليس و مردته، و من فخاخ النواصب، لما بقي أحد الا ارتد عن دين الله، و لكنهم الذين يمسكون ازمة قلوب ضعفاء الشيعة كما يمسك صاحب السفينة سكانها، اولئك هم الأفضلون عندالله



[ صفحه 226]



عزوجل [6] .

8- روي المجلسي، عن السيد المرتضي رضي الله عنه: أخبرني الشيخ (أدام الله عزه) مرسلا عن محمد بن عيسي بن عبيد اليقطيني، عن سعيد بن جناح، عن سليمان ابن جعفر قال: قال لي أبوالحسن العسكري عليه السلام: نمت و أنا افكر في بيت ابن أبي حفصة:



أني يكون و ليس ذاك بكائن

لبني البنات وراثة الأعمام



فاذا انسان يقول لي:



قد كان اذ نزل القرآن بفضله

و مضي القضاء به من الحكام



ان ابن فاطمة المنوه باسمه

حاز الوراثة عن بني الأعمام



و بقي ابن نثلة واقفا متحيرا

يبكي و يسعده ذو و الأرحام [7] .



9- المجلسي، عن كتاب الاستدراك: قال: نادي المتوكل يوما كاتبا نصرانيا: أبانوح، فأنكروا كني الكتابيين، فاستفتي فاختلف عليه، فبعث الي أبي الحسن فوقع عليه السلام: بسم الله الرحمن الرحيم: «تبت يدا أبي لهب»

فعلم المتوكل أنه يحل ذلك لأن الله قد كني الكافر [8] .

10- عنه: عن كتاب الاستدراك و باسناده أن المتوكل قيل له: ان أباالحسن يعني علي بن محمد بن علي الرضا عليه السلام يفسر قول الله عزوجل «يوم يعض الظالم علي يديه» الآيتين في الأول و الثاني، قال: فكيف الوجه في أمره؟ قالوا: تجمع له الناس و تسأله بحضرتهم.

فان فسرها بهذا كفاك الحاضرون أمره و ان فسرها بخلاف ذلك افتضح عند أصحابه، قال: فوجه الي القضاة و بني هاشم و الأولياء و سئل عليه السلام فقال: هذان رجلان كني عنهما، و من بالستر عليهما أفيحب أميرالمؤمنين أن يكشف ما ستره



[ صفحه 227]



الله؟ فقال: لا احب. [9] .

11- قال الحافظ ابوبكر الخطيب البغدادي: اخبرني الازهري، حدثنا أبواحمد عبيدالله بن محمد المقري ء، حدثنا محمد بن يحيي النديم، حدثنا الحسين بن يحيي. قال: اعتل المتوكل في أول خلافته، فقال: لئن برئت لا تصدقن بدنانير كثيرة، فلما بري ء جمع الفقهاء فسألهم عن ذلك فاختلفوا، فبعث الي علي بن محمد بن علي بن موسي ابن جعفر فسأله فقال: يتصدق بثلاث و ثمانين دينارا فعجب قوم من ذلك، و تعصب قوم عليه.

قالوا تسأله يا أميرالمؤمنين من أين له هذا؟ فرد الرسول اليه فقال له قل لأميرالمؤمنين في هذا الوفاء بالنذر، لأن الله تعالي قال: «لقد نصركم الله في مواطن كثيرة» فروي أهلنا جميعا أن المواطن في الوقائع و السرايا و الغزوات كانت ثلاثة و ثمانين موطنا، و أن يوم حنين كان الرابع و الثمانين، و كلما زاد أميرالمؤمنين في فعل الخير كان أنفع له، و أجر عليه في الدنيا و الآخرة. [10] .



[ صفحه 228]




پاورقي

[1] تحف العقول: 357.

[2] الاحتجاج: 2 / 251.

[3] الاحتجاج: 2 / 257.

[4] الاحتجاج: 2 / 258.

[5] الاحتجاج: 2 / 260.

[6] الاحتجاج: 2 / 260.

[7] بحارالانوار: 10 / 391.

[8] بحارالانوار: 10 / 391.

[9] بحارالانوار: 50 / 214.

[10] تاريخ بغداد: 12 / 56.