بازگشت

دعاؤه في دفع كيد الظالم


ذكر السيد بن طاووس رحمه الله باسناده عن زرافة حاجب المتوكل و كان شيعيا انه قال: كان المتوكل يحظي [1] الفتح بن خاقان عنده و قربه منه دون الناس جميعا و دون ولده و أهله، و أراد أن يبين موضعه عندهم، فأمر جميع مملكته من الاشراف من أهله و غيرهم و الوزراء و الامراء و القواد و سائر العساكر و وجوه الناس أن يزينوا بأحسن التزيين و يظهروا في أفخر عددهم و ذخائرهم، و يخرجوا مشاة بين يديه و أن لا يركب أحد الا هو و الفتح بن خاقان خاصة بسر من رأي، و مشي الناس بين أيديهما علي مراتبهم رجالة، و كان يوما قائظا شديد الحر، و أخرجوا في جملة الاشراف أباالحسن علي بن محمد عليهماالسلام و شق عليه ما لقيه من الحر و الرحمة.

قال زرافة: فأقبلت اليه و قلت له: يا سيدي يعز و الله علي ما تلقي من هذه الطغاة و ما قد تكلفته من المشقة، و أخذت بيده فتوكأ علي و قال: يا زرافة! ما ناقة صالح عندالله بأكرم مني - أو قال: بأعظم قدرا مني - و لم أزل اسائله و استفيد منه و احادثه، الي أن نزل المتوكل من الركوب و أمر الناس بالانصراف، فقدمت اليهم دوابهم، فركبوا الي منازلهم و قدمت بغلة له فركبها، و ركبت معه الي داره، فنزل و ودعته و انصرفت الي داري.



[ صفحه 417]



و لولدي مؤدب يتشيع من أهل العلم و الفضل، و كانت لي عادة باحضاره عند الطعام، فحضر عند ذلك و تجارينا الحديث و ما جري من ركوب المتوكل و الفتح و مشي الاشراف و ذوي الاقدار بين أيديهما، و ذكرت له ما شاهدته من أبي الحسن علي بن محمد عليهماالسلام و ما سمعته من قوله: ما ناقة صالح عندالله بأعظم قدرا مني، و كان المؤدب يأكل معي.

فرفع يده و قال: بالله انك سمعت هذا اللفظ منه؟ فقلت له: والله اني سمعته يقوله، فقال لي: اعلم أن المتوكل لا يبقي في مملكته أكثر من ثلاثة أيام و يهلك، فانظر في أمرك و أحرز ما تريد احرازه و تأهب لأمرك كي لا يفجؤكم هلاك هذا الرجل فتهلك أموالكم بحادثة تحدث أو سبب يجري، فقلت له: من أين لك ذلك؟ فقال: أما قرأت القرآن في قصة صالح عليهماالسلام و الناقة، و قوله تعالي: «تمتعوا في داركم ثلاثة ايام ذلك وعد غير مكذوب» [2] ، و لا يجوز أن يبطل قول الامام.

قال زرافة: فوالله ما جاء اليوم الثالث حتي هجم المنتصر و معه بغا و وصيف و الأتراك علي المتوكل، فقتلوه و قطعوه و الفتح بن خاقان جميعا قطعا حتي لم يعرف أحدهما من الآخر، و أزال الله نعمته و مملكته.

فلقيت الامام اباالحسن عليه السلام بعد ذلك و عرفته ما جري مع المؤدب و ما قاله، فقال: صدق، انه لما بلغ مني الجهد رجعت الي كنوز نتوارثها من آبائنا هي اعز من الحصون و السلاح و الجنن، و هو دعاء المظلوم علي الظالم، فدعوت به عليه فأهلكه الله، فقلت له: يا سيدي! ان رأيت أن تعلمنيه، فعلمنيه، و هو:



[ صفحه 418]



اللهم اني و فلان بن فلان [3] عبدان من عبيدك، نواصينا بيدك، تعلم مستقرنا و مستودعنا، و تعلم منقلبنا و مثوانا، و سرنا و علانيتنا، و تطلع علي نياتنا، و تحيط بضمائرنا، علمك بما نبديه كعلمك بما نخفيه، و معرفتك بما نبطنه كمعرفتك بما نظهره، و لا ينطوي عليك [4] شي ء من امورنا، و لا يستتر دونك حال من احوالنا، و لا منك معقل يحصننا، و لا حرز يحرزنا، و لا مهرب يفوتك منا، و لا يمتنع الظالم منك بسلطانه، و لا يجاهدك عنه جنوده، و لا يغالبك مغالب بمنعة، و لا يعازك [5] متعزز بكثرة، انت مدركه اين ما سلك، و قادر عليه اين ما لجأ.

فمعاذ المظلوم منا بك، و توكل المقهور منا عليك، و رجوعه اليك، و يستغيث بك اذا خذله المغيث، و يستصرخك اذا قعد عنه النصير، و يلوذ بك اذا نفته الافنية، و يطرق بابك اذا اغلقت دونه الابواب المرتجة [6] ، و يصل اليك اذا احتجبت عنه الملوك الغافلة، تعلم ما حل به قبل ان يشكوه اليك، و تعرف ما يصلحه قبل ان يدعوك له، فلك الحمد سميعا بصيرا لطيفا قديرا.

اللهم انه قد كان في سابق علمك، و محكم قضاءك، و جاري قدرك، و ماضي حكمك، و نافذ مشيتك في خلقك اجمعين، سعيدهم و شقيهم، و برهم



[ صفحه 419]



و فاجرهم ان جعلت لفلان بن فلان علي قدرة فظلمني بها، و بغي علي لمكانها، و تعزز علي بسلطانه الذي خولته [7] اياه، و تجبر علي بعلو حاله التي جعلتها له، و غره املاؤك [8] له، و اطغاه حلمك عنه.

فقصدني بمكروه عجزت عن الصبر عليه، و تغمدني بشر ضعفت عن احتماله، و لم اقدر علي الانتصار منه لضعفي و الانتصاف [9] منه لذلي، فوكلته اليك و توكلت في امره عليك، و توعدته بعقوبتك، و حذرته سطوتك، و خوفته نقمتك، فظن ان حلمك عنه من ضعف، و حسب ان املاءك له من عجز، و لم تنهه واحدة عن اخري، و لا انزجر عن ثانية باولي، ولكنه تمادي في غيه، و تتابع في ظلمه، و لج في عدوانه، و استشري [10] في طغيانه، جرأة عليك يا سيدي و تعرضا لسخطك الذي لا ترده عن الظالمين، و قلة اكتراث ببأسك الذي لا تحبسه عن الباغين.

فها انا ذا سيدي مستضعف في يديه، مستضام [11] تحت سلطانه، مستذل بعنائه، مغلوب مبغي علي مغصوب، وجل خائف مروع مقهور، قد قل صبري، و ضاقت حيلتي، و انغلقت علي المذاهب الا اليك، و انسدت علي الجهات الا



[ صفحه 420]



جهتك، و التبست علي اموري في دفع مكروهه عني، و اشتبهت علي الاراء في ازالة ظلمه، و خذلني من استنصرته من عبادك، و اسلمني من تعلقت به من خلقك طرا.

و استشرت نصيحي فاشار الي بالرغبة اليك، و استرشدت دليلي فلم يدلني الا عليك، فرجعت اليك يا مولاي صاغرا راغما، مستكينا عالما انه لا فرج لي الا عندك، و لا خلاص لي الا بك، انتجز وعدك في نصرتي و اجابة دعائي.

فانك قلت و قولك الحق الذي لا يرد و لا يبدل: «و من عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغي عليه لينصرنه الله» [12] ، و قلت جل جلالك و تقدست اسماؤك: «ادعوني استجب لكم» [13] ، و انا فاعل ما امرتني به لا منا عليك و كيف امن به و انت عليه دللتني، فصل علي محمد و ال محمد، فاستجب لي كما وعدتني يا من لا يخلف الميعاد.

و اني لاعلم يا سيدي ان لك يوما تنتقم فيه من الظالم للمظلوم، و اتيقن ان لك وقتا تأخذ فيه من الغاصب للمغصوب، لانك لا يسبقك معاند، و لا يخرج عن قبضتك منابذ [14] ، و لا تخاف فوت فائت، ولكن جزعي و هلعي [15] لا يبلغان بي الصبر علي اناتك و انتظار حلمك، فقدرتك يا مولاي فوق كل قدرة، و سلطانك غالب



[ صفحه 421]



علي كل سلطان، و معاد كل احد اليك و ان امهلته، و رجوع كل ظالم اليك و ان انظرته.

و قد اضرني يا رب حلمك عن فلان بن فلان و طول اناتك له و امهالك اياه، و كاد القنوط يستولي علي لولا الثقة بك و اليقين بوعدك، فان كان في قضاءك النافذ و قدرتك الماضية ان ينيب او يتوب، او يرجع عن ظلمي، او يكف مكروهه عني، و ينتقل عن عظيم ما ركب مني، فصل اللهم علي محمد و ال محمد و اوقع ذلك في قلبه الساعة الساعة، قبل ازالة نعمتك التي انعمت بها علي، و تكديره معروفك الذي صنعته عندي.

و ان كان في علمك به غير ذلك من مقام علي ظلمي، فاسألك يا ناصر المظلوم المبغي عليه اجابة دعوتي، فصل علي محمد و ال محمد و خذه من مأمنه اخذ عزيز مقتدر، و افجأه في غفلته مفاجاة مليك منتصر، و اسلبه نعمته و سلطانه، و افضض [16] عنه جموعه [17] و اعوانه، و مزق ملكه كل ممزق، و فرق انصاره كل مفرق.

و اعره من نعمتك التي لم يقابلها بالشكر، و انزع عنه سربال عزك الذي لم يجازه بالاحسان، و اقصمه يا قاصم الجبابرة، و اهلكه يا مهلك القرون الخالية، و ابره يا مبير الأمم الطاغية، و اخذله يا خاذل الفئات الباغية، و ابتر عمره، و ابتز [18] ملكه، و عف اثره، و اقطع خبره، و اطف ناره، و اظلم نهاره، و كور شمسه،



[ صفحه 422]



و ازهق نفسه [19] ، و اهشم شدته [20] ، و جب سنامه [21] ، و ارغم انفه، و عجل حتفه.

و لا تدع له جنة الا هتكتها، و لا دعامة الا قصمتها، و لا كلمة مجتمعة الا فرقتها، و لا قائمة علو الا وضعتها، و لا ركنا لا وهنته، و لا سببا الا قطعته، و اره [22] انصاره و جنده [23] عباديد [24] بعد الالفة، و شتي بعد اجتماع الكلمة، و مقنعي الرؤوس بعد الظهور علي الأمة.

و اشف بزوال امره القلوب المنقلبة الوجلة، و الأفئدة اللهفة، و الأمة المتحيرة، و البرية الضائعة، و ادل [25] ببواره الحدود المعطلة، و الأحكام المهملة، و السنن الداثرة [26] ، و المعالم المغيرة، و الايات المحرفة، و المدارس المهجورة، و المحاريب المجفوة، و المساجد المهدومة، و اشبع به الخماص الساغبة، و ارو به اللهوات اللاغبة [27] ، و الأكباد الظامية [28] ، و ارح به الأقدام المتعبة.



[ صفحه 423]



و اطرقه بليلة لا اخت لها، و ساعة لا شفاء منها، و بنكبة لا انتعاش معها، و بعثرة لا اقالة منها، و ابح حريمه، و نغص نعيمه [29] ، و اره بطشتك الكبري، و نقمتك المثلي، و قدرتك التي هي فوق كل قدرة، و سلطانك الذي هو اعز من سلطانه.

و اغلبه لي بقوتك القوية، و محالك الشديد [30] ، و امنعني منه بمنعتك التي كل خلق فيها ذليل، و ابتله بفقر لا تجبره، و بسوء لا تستره، و كله الي نفسه فيما يريد انك فعال لما تريد، و ابرئه من حولك و قوتك، و احوجه الي حوله و قوته، و اذل مكره بمكرك، و ادفع مشيته بمشيتك، و اسقم جسده، و ايتم ولده، و انقص اجله، و خيب امله، و ازل دولته، و اطل عولته.

و اجعل شغله في بدنه، و لا تفكه من حزنه، و صير كيده في ضلال، و امره الي زوال، و نعمته الي انتقال، و جده في سفال، و سلطانه في اضمحلال، و عاقبته الي شر مال [31] ، و امته بغيظه اذا امته، و ابقه لحزنه ان ابقيته، و قني شره، و همزه و لمزه، و سطوته و عداوته، و المحه لمحة تدمر بها عليه، فانك اشد بأسا و اشد تنكيلا. [32] .



[ صفحه 424]




پاورقي

[1] حظي: كان ذا منزلة و حظ و مكانة.

[2] هود: 65.

[3] في البحار: اللهم اني و فلانا.

[4] طوي عليه الامر: اخفاه.

[5] يقال: عازه يعازه اي عارضه في العزة.

[6] ارتج الباب: اغلقه.

[7] خولته: انعمته و اعطيته.

[8] املأ عليه الزمن: طال عليه.

[9] انتصفت منه: انتقمت منه.

[10] استشري: لج.

[11] الضيم: الظلم.

[12] الحج: 60.

[13] الغافر: 60.

[14] نابذه: خالفه و فارقه عن عداوة.

[15] الهلع: الجزع.

[16] الفض: التفرقة.

[17] فل عنه جنوده (خ ل)، اقول: فل القوم: كسرهم و هزههم.

[18] ابتز: سلب قهرا.

[19] ازهق: اهلك.

[20] هشم: كسر.

[21] جذ (خ ل)، اقول: جب: قطع، يقال: بعير اجب: مقطوع السنام، الجبب: قطع السنام او ان يأكله الرجل فلا يكبر، جذ الشي ء الصلب: كسره او قطعه مستأصلا.

[22] ارنا (خ ل).

[23] زيادة: و احبائه و ارحامه (خ ل).

[24] العبابيد و العباديد بلا واحد من لفظهما: الفرق من الناس و الخيل الذاهبون في كل وجه - القاموس.

[25] الادالة: الغلبة بقتال، اللهم ادلني علي فلان اي انصرني عليه.

[26] دثر الرسم: بلي و انمحي.

[27] اللهوة: اقصي سقف الفم، اللغوب: التعب و الاعياء.

[28] الظامية: العاطشة.

[29] نعمته (خ ل)، نغص الله عليه عيشه: كدر عيشه.

[30] المحال: الكيد.

[31] عاقبة امره الي شر حال (خ ل).

[32] النكال: العقوبة.