بازگشت

تفسير صحة الخلقة


اما قول الصادق عليه السلام: فان معناه كمال الخلق للانسان و كمال الحواس و ثبات العقل و التمييز و اطلاق اللسان بالنطق، و ذلك قول



[ صفحه 167]



الله: «و لقد كرمنا بني آدم و حملناهم في البر و البحر و رزقناهم من الطيبات و فضلناهم علي كثير ممن خلقنا تفضيلا» (سورة الاسراء آية 72). فقد أخبر عزوجل عن تفضيله بني آدم علي سائر خلقه من البهائم و السباع و دواب البحر و الطير و كل ذي حركة تدركه حواس بني آدم بتمييز العقل و النطق، و ذلك قوله: «لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم» (سورة التين آية 4). و قوله: «يا أيها الانسان ما غرك بربك الكريم - الذي خلقك فسواك فعدلك - في اي صورة ماشاء ركبك» (سورة الانفطار آيات 8 ، 7 ، 6). و في آيات كثيرة، فأول نعمة الله علي الانسان صحة عقله و تفضيله علي كثير من خلقه بكمال العقل و تمييز البيان، و ذلك ان كل ذي حركة علي بسيط الارض هو قائم بنفسه بحواسه مستكمل في ذاته، ففضل بني آدم بالنطق الذي ليس في غيره من الخلق المدرك بالحواس، فمن اجل النطق ملك الله ابن آدم غيره من الخلق حتي صار آمرا ناهيا و غيره مسخر له كما قال الله: «كذلك سخرها لكم لتكبروا الله علي ماهداكم» (

سورة الحج آية 38). و قال: «و هو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا و تستخرجوا منه حلية تلبسونها» (سورة النحل آية 14). و قال: «و الانعام خلقها لكم فيها دف ء و منافع و منها تأكلون. و لكم فيها جمال حين تريحون و حين تسرحون. و تحمل اثقالكم الي بلد لم تكونوا بالغيه الا بشق الانفس» (سورة النحل آية 8. و الدف ء: السخانة و هي ما يستدفأ به من اللباس المعمول من الصوف و الوبر.). فمن اجل ذلك دعا الله الانسان الي اتباع امره والي طاعته بتفضيله اياه باستواء الخلق و كمال النطق و المعرفة بعد ان ملكهم استطاعة ما كان تعبدهم به بقوله: «فاتقوا الله ما استطعتم و اسمعوا و اطيعوا» (سورة التغابن آية 16). و قوله: «لا يكلف الله نفسا الا وسعها» (سورة البقرة). و قوله: «لا يكلف الله نفسا الا ما آتيها» (سورة الطلاق آية 7). و في آيات كثيرة. فاذا سلب من العمل حاسة من حواسه رفع العمل عنه بحاسته كقوله: «ليس علي الاعمي حرج و لا علي الاعرج حرج» (سورة النور آية 60). فقد رفع عن كل من كان بهذه الصفة الجهاد و جميع الاعمال التي لايقوم بها، و كذلك اوجب علي ذي اليسار الحج و الزكاة لما ملكه من استطاعة ذلك و لم يوجب علي الفقير الزكاة



[ صفحه 168]



و الحج، قوله: «ولله علي الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا» (سورة آل عمران آية 91). و قوله في الظهار: «و الذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة - الي قوله: فمن لم يستطع فاطعام ستين مسكينا» (سورة المجادلة آية 5 ، 4).

كل ذلك دليل علي ان الله تبارك و تعالي لم يكلف عباده الا ما ملكهم استطاعته بقوة العمل به و نهاهم عن مثل ذلك فهذه صحة الخلقة.

و اما قوله: تخلية السرب. فهو الذي ليس عليه رقيب يحظر عليه و يمنعه العمل بما أمره الله به و ذلك قوله فيمن استضعف و حظر عليه العمل فلم يجد حيلة و لا يهتدي سبيلا كما قال الله تعالي: الا المستضعفين من الرجال و النساء و الولدان لا يستطيعون حيلة و لا يهتدون سبيلا» (سورة النساء آية 100).

. فأخبر ان المستضعف لم يخل سربه و ليس عليه من القول شي ء اذا كان مطمئن القلب بالايمان.

و اما المهلة في الوقت فهو العمر الذي يمتع الانسان من حد ما تجب عليه المعرفة الي اجل الوقت، و ذلك من وقت تمييزه و بلوغ الحلم الي ان يأتيه اجله. فمن مات علي طلب الحق و لم يدرك كماله فهو علي خير، و ذلك قوله: «

و من يخرج من بيته مهاجرا الي الله و رسوله - الآية -» (سورة النساء آية 100). و ان كان لم يعمل بكمال شرايعه لعلة ما لم يمهله في الوقت الي استتمام امره. و قد حظر علي البالغ ما لم يحظر علي الطفل اذا لم يبلغ الحلم في قوله: «و قل للمؤمنات يغضضن من ابصارهن - الآية -»(سورة النور آية 31). فلم يجعل عليهن حرجا في ابداء الزينة للطفل و كذلك لا تجري عليه الاحكام.



و اما قوله: الزاد. فمعناه الجدة و البلغة التي يستعين بها العبد علي ما امره الله به. و ذلك قوله: «ما علي المحسنين من سبيل - الاية -» (سورة التوبة آية 91). ألا تري انه قبل عذر من لم يجد ما ينفق و الزم الحجة كل من امكنته البلغة و الراحلة للحج و الجهاد و أشباه ذلك. و كذلك قبل عذر الفقراء و اوجب لهم حقا في مال الاغنياء بقوله: «للفقراء الذين احصروا في سبيل الله - الاية -» (سورة البقرة آية 273). فأمر باعفائهم و لم يكلفهم الاعداء لما لا يستطيعون و لا يملكون.

و اما قوله: في السبب المهيج. فهو النية التي هي داعية الانسان



[ صفحه 169]



الي جميع الافعال و حاستها القلب فمن فعل و كان بدين لم يعقد قلبه علي ذلك لم يقبل الله منه عملا الا بصدق النية و لذلك اخبر عن المنافقين بقوله: «

يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم و الله اعلم بما يكتمون» (سورة آل عمران آية 166). ثم انزل علي نبيه صلي الله عليه و آله و سلم توبيخا للمؤمنين. «

يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون - الآية -» (سورة الصف آية 2).

فاذا قال الرجل قولا و اعتقد في قوله دعته النية الي تصديق القول باظهار الفعل. و اذا لم يعتقد القول لم تتبين حقيقته. و قد اجاز الله صدق النية و ان كان الفعل غير موافق لها لعلة مانع يمنع اظهار الفعل في قوله: «الا من أكره و قلبه مطمئن بالأيمان» (سورة النحل آية 106). و قوله: «لايؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم» (سورة البقرة آية 225). فدل القرآن و اخبار الرسول صلي الله عليه و آله و سلم ان القلب مالك لجميع الحواس يصحح افعالها و لا يبطل ما يصحح القلب شي ء.



فهذا شرح جميع الخمسة الامثال التي ذكرها الصادق عليه السلام انها تجمع المنزلة بين المنزلتين و هما الجبر و التفويض. فاذا اجتمع في الانسان كمال هذه الخمسة الامثال وجب عليه العمل كما لما امر الله عزوجل به و رسوله، و اذا نقص العبد منها خلة كان العمل عنها مطروحا بحسب ذلك.



فاما شواهد القرآن علي الاختبار و البلوي بالاستطاعة التي تجمع القول بين القولين فكثيرة. و من ذلك قوله: «و لنبلونكم حتي نعلم المجاهدين منكم و الصابرين و نبلو اخباركم» (سورة محمد - اي لنعاملكم معاملة المختبر). و قال: «سنستدرجهم من حيث لا يعلمون» (سورة الاعراف آية 181). و قال: «الم -

أحسب الناس ان يتركوا أن يقولوا آمنا و هم لا يفتنون» (سورة العنكبوت آية 1)

و قال في الفتن التي معناها الاختبار «و لقد فتنا سليمان - الآية -» (سورة ص آية 33). و قال في قصة موسي عليه السلام: «فانا قد فتنا قومك من بعدك و اضلهم السامري» (سورة طه آية 87). و قول موسي: «ان هي الا فتنتك» (سورة الاعراف آية 154). اي اختبارك فهذه الايات يقاس بعضها ببعض و يشهد بعضها لبعض.

و اما آيات البلوي بمعني الأختبار قوله: «ليبلوكم فيما آتاكم»



[ صفحه 170]



(سورة المائدة آية 48). و قوله: «ثم صرفكم عنهم ليبتليكم» (سورة آل عمران آية 152). و قوله: «انا بلوناهم كما بلونا اصحاب الجنة» (سورة القلم آية 17). و قوله: «خلق الموت و الحيوة ليبلوكم أيكم احسن عملا» (سورة الملك آية 2). و قوله: «و اذ ابتلي ابراهيم ربه بكلمات» (سورة البقرة آية 123). و قوله: «ولو يشاء الله لا نتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض» (سورة محمد آية 5). و كلما في القرآن من بلوي هذه الايات التي شرح اولها فهي اختبار و امثالها في القرآن كثيرة. فهي اثبات الاختبار و البلوي: ان الله جل و عز لم يخلق الخلق عبثا و لا اهملهم سدي و لا اظهر حكمته لعبا و بذلك اخبر في قوله: «أفحسبتم انما خلقناكم عبثا» (سورة المؤمنون آية 110). فان قال قائل: فلم يعلم الله ما يكون من العباد حتي اختبرهم؟ قلنا: بلي، قد علم ما يكون منهم قبل كونه و ذلك قوله: «ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه» (سورة الانعام آية 28). و انما اختبرهم ليعلمهم عدله و لا يعذبهم الا بحجة بعد الفعل. و قد اخبر بقوله: «ولو انا اهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا ارسلت الينا رسولا» (سورة طه آية 134). و قوله: «و ما كنا معذبين حتي نبعث رسولا»

(سورة الاسراء آية 16). و قوله: «رسلا مبشرين و منذرين» (سورة النساء آية 163). فالاختبار من الله بالاستطاعة التي ملكها عبده و هو القول بين الجبر و التفويض. و بهذا نطق القرآن و جرت الاخبار عن الائمة من آل الرسول صلي الله عليه و آله و سلم.

فان قالوا: ما الحجة في قول الله: «يهدي من يشاء و يضل من يشاء ما أشبهها؟ قيل: مجاز هذه الآيات كلها علي معنيين: اما احدهما فاخبار عن قدرته اي انه قادر علي هداية من يشاء و ضلال من يشاء و اذا اخبرهم بقدرته علي احدهما لم يجب لهم ثواب و لا عليهم عقاب علي نحو ما شرحنا في الكتاب. و المعني الاخر ان الهداية منه تعريفه كقوله: «و اما ثمود فهديناهم» اي عرفناهم «

فاستحبوا العمي علي الهدي» فلو أجبرهم علي الهدي لم يقدروا ان يضلوا و ليس كلما وردت آية مشتبهة كانت الآية حجة علي محكم الآيات اللواتي امرنا بالاخذ بها، من ذلك قوله: «منه آيات محكمات هن أم الكتاب



[ صفحه 171]



و أخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة و ابتغاء تأويله و ما يعلم - الآية -» و قال: «فبشر عبادي الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه» اي أحكمه و اشرحه «اولئك الذين هداهم الله و اولئك هم اولوا الالباب».

وفقنا الله و اياكم الي القول و العمل لما يحب و يرضي و جنبنا و اياكم معاصيه بمنه و فضله و الحمدلله كثيرا كما هو اهله و صلي الله علي محمد و آله الطيبين و حسبنا الله و نعم الوكيل.