كرمه
و ظاهرة أخري من صفات الامام الهادي عليه السلام و هي الكرم و السخاء فقد كان من أبسط الناس كفا، و أنداهم يدا، و كان علي غرار آبائه الذين يطعمون الطعام علي حبه مسكينا و يتيما و أسيرا، و كانوا يطعمون الطعام
[ صفحه 43]
حتي لا يبقي لأهلهم طعام، و يكسوهم حتي لا يبقي لهم كسوة، و قد كان الامام الصادق عليه السلام يطعم الناس و يكسوهم حتي لا يبقي لعياله شي ء [1] .
و قد روي المؤرخون بوادر كثيرة من بر الامام الهادي عليه السلام و احسانه الي الفقراء و البائسين، نقتصر منها علي ما يلي:
1- وفد جماعة من أعلام الشيعة علي الامام الهادي عليه السلام و هم أبو عمر و عثمان بن سعيد، و أحمد بن اسحاق الأشعري، و علي بن جعفر الحمداني، فشكا اليه أحمد بن اسحاق دينا عليه، فالتفت عليه السلام الي وكيله عمرو، و قال له: ادفع له ثلاثين ألف دينار، و الي علي بن جعفر ثلاثين ألف دينار، كما أعطي وكيله مثل هذا المبلغ، و علق ابن شهر اشوب علي هذه المكرمة العلوية بقوله:«فهذه معجزة لا يقدر عليها الا الملوك، و ما سمعنا بمثل هذا العطاء» [2] لقد وفر عليه السلام لهؤلاء الاعلام عيشا رغيدا ينعمون به، و دفع عنهم ضائقة الفقر، و من الطبيعي ان خير العطاء ما أبقي نعمة.
2- و من بوادر كرمه ما رواه اسحاق الجلاب قال: اشتريت لأبي الحسن الهادي عليه السلام غنما كثيرة يوم التروية، فقسمها عليه السلام في أقاربه [3] .
3- و من كرمه ما رواه المؤرخون انه كان قد خرج من سامراء الي قرية له، فقصده رجل من الأعراب، فلم يجده في منزله فأخبره أهله بأنه ذهب
[ صفحه 44]
الي ضيعة له، فقصده و لما مثل عنده سأله الامام عن حاجته، فقال بنبرات خافتة:
«يا ابن رسول الله، أنا رجل من أعراب الكوفة المتمسكين بولاية جدك علي بن أبي طالب، و قد ركبني فادح - أي دين - أثقلني حمله، و لم أر من أقصده سواك...».
فرق الامام لحاله، و أكبر ما توسل به، و كان عليه السلام في ضائقة، لا يجد ما يسعفه به، فكتب عليه السلام ورقة بخطه جاء فيها أن للأعرابي دينا عليه، و عين مقداره، و قال له: خذ هذه الورقة، فاذا وصلت الي سر من رأي، و حضر عندي جماعة فطالبني بالدين الذين في الورقة، و أغلظ علي في ترك ايفائك، و لا تخالفني فيما أقول لك: فأخذ الأعرابي الورقة، و لما قفل الامام الي سر من رأي حضر عند جماعة كان فيها من عيون السلطة و مباحث الأمن، فجاء الأعرابي فأبرز الورقة، و طالب الامام بتسديد دينه الذي في الورقة فجعل الامام عليه السلام يعتذر اليه، و الاعرابي قد أغلظ له في القول، و لما تفرق المجلس بادر رجال الأمن الي المتوكل فأخبروه بالأمر فأمر بحمل ثلاثين ألف درهم الي الامام فحملت له، و لما جاء الأعرابي قال له الامام:
«خذ هذا المال فاقض به دينك، و انفق الباقي علي عيالك...».
و أكبر الاعرابي ذلك، و قال للامام: ان ديني يقصر علي ثلث هذا المبلغ... و لكن الله أعلم حيث يجعل رسالته فيمن يشاء [4] و أخذ المال و سافر الي أهله و هو مسرور القلب ناعم البال، و هو يدعو للامام الذي أنقذه من حياة البؤس و الحرمان.
[ صفحه 45]
4- و مما ذكره الرواة من بره و كرمه ان أباهاشم الجعفري أصابته ضائقة شديدة، فصار الي الامام عليه السلام و لما نظر الامام الي ما فيه من الفاقة و البؤس أراد أن يخفف عما هو فيه من المحنة فقال له:
«يا أباهاشم أي نعم الله عليك تريد أن تؤدي شكرها؟ رزقك الله الايمان فحرم جسدك علي النار، و رزقك العافية فأعانتك علي الطاعة و رزقك القنوع فصانك عن التبذل...».
ان هذه النعم التي أدلي بها الامام من أعظم نعم الله لمن يتمتع بها ثم ان الامام عليه السلام أمر له بمائة دينار [5] .
پاورقي
[1] صفة الصفوة 2 / 98.
[2] المناقب.
[3] بحار الأنوار.
[4] الاتحاف بحب الاشراف (ص 68-67) شرح شافية أبي فراس 2 / ورقة 167 جوهرة الكلام (ص 151).
[5] أمال الصدوق، البحار.