بازگشت

استجابة دعائه


و ظاهرة أخري مما اتصف به الامام الهادي عليه السلام هو سرعة استجابة دعائه فان له و لآبائه منزلة كريمة عندالله، فقد ذكر المؤرخون ان الامام جعفر الصادق كان لا يسأل الله شيئا الا أجابه من قريب [1] و قد ذكر الرواة بوادر كثيرة من استجابة دعاء الامام عليه السلام عندالله كان منها:

1- ما رواه المنصور عن عم أبيه قال: قصدت الامام عليا الهادي فقلت له: يا سيدي ان هذا الرجل - يعني المتوكل - قد اطرحني، و قطع رزقي، و ملني و ما أتهم به في ذلك هو علمه بملازمتي بك، و طلب من الامام التوسط في شأنه عند المتوكل، فقال عليه السلام: تكفي ان شاء الله، و لما صار الليل طرقته رسل المتوكل فخف معهم مسرعا اليه، فلما انتهي الي باب القصر رأي الفتح واقفا علي الباب فاستقبله و جعل يوبخه علي تأخيره ثم أدخله علي المتوكل فقابله ببسمات فياضة بالبشر قائلا:

«يا أباموسي تنشغل عنا، و تنسانا، أي شي ء لك عندي؟...».

و عرض الرجل حوائجه و صلاته التي قطعها عنه، فأمر المتوكل بها و بضعفها له، و خرج الرجل مسرورا، فرأي الفتح فبادر اليه قائلا:



[ صفحه 59]



- هل وافي علي بن محمد؟

-لا.

- هل كتب رقعة؟

-لا...

و انصرف الرجل فتبعه الفتح فأسرع اليه قائلا؟

«لست أشك أنك التمست منه - أي من الامام - الدعاء، فالتمس لي منه الدعاء...».

و مضي ميمما وجهه نحو الامام عليه السلام فلما تشرف بالمثول بين يديه قال عليه السلام له:

«يا أباموسي هذا وجه الرضا...».

فقال الرجل بخضوع:

«بركتك يا سيدي، و لكن قالوا لي: انك ما مضيت اليه و لا سألته...».

فأجابه الامام ببسمات قائلا:

«ان الله تعالي علم منا أنا لا نلجأ في المهمات الا اليه، و لا نتوكل في الملمات الا عليه، و عودنا اذا سألناه الاجابة، و نخاف أن نعدل فيعدل بنا...».

و فطن الرجل الي ان الامام قد دعا له بظهر الغيب، و تذكر ما سأله الفتح فقال:

«يا سيدي ان الفتح يلتمس منك الدعاء».

فلم يستجب الامام له و قال:



[ صفحه 60]



«ان الفتح يوالينا بظاهره، و يجانبنا بباطنه، الدعاء انما يدعي له اذا أخلص في طاعة الله، و اعترف برسول الله صلي الله عليه و آله و بحقنا أهل البيت....».

ان دعاء الأئمة الطيبين انما يكون للذوات الطاهرة المؤمنة بالله و رسوله صلي الله عليه و آله و حق أهل البيت، و أما الذين لا يؤمنون بذلك فانهم عليهم السلام لا يدعون لهم، و طلب الرجل من الامام أن يعلمه دعاء ينتفع به فأرشده عليه السلام الي هذا الدعاء:

«يا عدتي عند العدد، و يا رجائي و المعتمد، و يا كهفي و السند، و يا واحد، يا أحد، و يا قل هو الله أحد، أسألك اللهم بحق من خلقتهم و لم تجعل في خلقك مثلهم أن تصلي عليهم... ثم تذكر حاجتك...» [2] .

2- و مما رواه المؤرخون من استجابة دعائه انه كان باصفهان رجل يسمي عبد الرحمن، و قد اعتنق التشيع و قال بامامة الهادي عليه السلام فسئل عن السبب في ذلك فقال: اني كنت رجلا فقيرا، و كنت ذا لسان و جرأة، فخرجت مع جماعة من أهل بلدي متظلمين الي المتوكل، فلما انتهينا الي سر من رأي، قصدنا قصره، و بينما نحن علي بابه اذ صدر الأمر من القصر باحضار علي بن محمد بن الرضا عليه السلام فسألت عنه، فقيل انه رجل علوي، تقول الرافضة: بامامته،و لا يبعد أن يأمر المتوكل بقتله، فقلت في نفسي: لا أبرح من مكاني حتي أنظر اليه، و لم ألبث الا قليلا حتي جاء الامام عليه السلام راكبا فقام الناس اليه اجلالا و اكبارا، فلما رأيته وقع حبه في قلبي فصرت أدعو الله أن يصرف عنه كيد المتوكل و وقع بصر الامام علي فقصدني، و قال:

«قد استجاب الله دعاءك، و طول عمرك، و كثر مالك و ولدك».



[ صفحه 61]



فارتعدت فرائصي لأنه قد علم بدخائل نفسي، و ما انطوت عليه نيتي، و دخلنا علي المتوكل و قضينا حوائجنا ثم سافرت الي اصفهان و قد فتح الله علي وجوها من المال لم أحلم بها فها أنا اليوم أغلق بابي علي ما قيمته ألف ألف درهم سوي مالي الذي في خارج الدار، كما رزقت من الأولاد عشرة، و بلغت من العمر ما ينيف علي السبعين عاما [3] كل ذلك ببركة دعاء الامام عليه السلام.

3- و من أدعية الامام عليه السلام المستجابة ما رواه المؤرخون أن علي ابن جعفر كان من وكلاء الامام عليه السلام فسعي به الي المتوكل فحبسه، و بقي في ظلمات السجون مدة من الزمن، و قد ضاق به الأمر فتكلم مع بعض عملاء السلطة في اطلاق سراحه، و قد ضمن أن يعطيه عوض ذلك ثلاثة آلاف دينار، فأسرع الي عبيدالله و هو من المقربين عند المتوكل، و طلب منه التوسط في شأن علي بن جعفر، فاستجاب له، و عرض الأمر علي المتوكل، فأنكر عليه ذلك و قال له:

«لو شككت فيك لقلت: انك رافضي، هذا وكيل أبي الحسن الهادي و أنا علي قتله عازم...».

وندم عبيدالله علي التوسط في شأنه، و أخبر صاحبه بالأمر، فبادر الي علي بن جعفر و عرفه أن المتوكل عازم علي قتله و لا سبيل الي اطلاق سراحه، فضاق الأمر بعلي بن جعفر، فكتب رسالة الي الامام جاء فيها«يا سيدي الله الله في، فقد خفت أن أرتاب» فوقع الامام علي رسالته «أما اذا بلغ بك الأمر ما أري فسأقصد الله فيك» و اصبح المتوكل محموما دنفا، و ازدادت به الحمي فأمر باطلاق جميع المساجين، و أمر باطلاق سراح علي ابن جعفر بالخصوص، و قال لعبيدالله لم لم تعرض علي اسمه؟ فقال: لا



[ صفحه 62]



أعود الي ذكره أبدا، فأمره بأن يخلي عنه، و أن يلتمس منه أن يجعله في حل مما ارتكبه منه، و أطلق سراحه ثم نزح الي مكة فأقام بها بأمر من الامام [4] .

4- و من أدعيته المستجابة ما رواه المؤرخون ان أحمد بن الخصيب كان من الحاقدين علي الامام عليه السلام فألح علي الامام أن يعطيه داره و يسلمها له بغير حق، فتميز الامام غيظا و قال له:

«لأقعدن من الله مقعدا لا تبقي لك باقية...».

و لم يلبث أحمد الا قليلا حتي أخذه الله أخذ عزيز ذي انتقام فقد هلك [5] .

هذه بعض البوادر التي ذكرها الرواة من استجابة دعاء الامام، و من المؤكد ان استجابة الدعاء ليس من عمل الانسان وصنعه، و انما هو بيد الله تعالي فهو الذي يستجيب دعاء من يشاء من عباده، و مما لا شبهة فيه ان لأئمة أهل البيت عليهم السلام منزلة كريمة عنده تعالي لأنهم أخلصوا له كأعظم ما يكون الاخلاص، و أطاعوه حق طاعته و قد خصهم تعالي باستجابة دعائها كما جعل مراقدهم الكريمة من المواطن التي يستجاب فيها الدعاء.



[ صفحه 65]




پاورقي

[1] اسعاف الراغبين (ص 227).

[2] البحار 13 / 129، الأمالي للصدوق.

[3] بحار الأنوار 132-13.

[4] البحار 13 / 142.

[5] البحار 13 / 132.