بازگشت

امتناع رؤية الله


كتب أحمد بن اسحاق الي الامام أبي الحسن الثالث عليه السلام يسأله عن الرؤية - أي رؤية الله تعالي - و ما فيه الناس فأجابه الامام:

«لا يجوز الرؤية ما لم يكن بين الرائي و المرئي هواء ينفذه البصر، فاذا انقطع الهواء، و عدم الضياء بين الرائي، و المرئي لم تصح الرؤية و كان في ذلك الاشتباه لأن الرائي متي ساوي المرئي في السبب الموجب بينهما في الرؤية وجب الاشتباه، و كان في ذلك التشبيه لأن الأسباب لا بد من اتصالها بالمسببات» [1] .

و دلل الامام العظيم علي استحالة الرؤية، و عدم امكانها علميا فان الجهاز البصري انما يري الأشياء بواسطتين: الهواء و الضياء فاذا انعدما، استحالت الرؤية، و لا يمكن لهاتين القوتين أن يبصرا الله تعالي لأنهما من الممكنات المحدودة، فكيف يبصران القوة المدبرة لهذه العوالم، و الأكوان المذهلة، التي من أبسطها هذا الكوكب الذي نعيش عليه بما فيه من العجائب و الغرائب.

ان الجهاز البصري انما يري من يساوي المرئي في خصائصه الامكانية، فاذا انعدمت المساواة بينهما استحال النظر، و قد جهد موسي في أن يري الله تعالي: (قال: رب أرني أنظر اليك، قال: لن تراني و لكن انظر الي الجبل فان استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلي ربه للجبل جعله دكا و خر موسي صعقا، فلما أفاق قال: سبحانك تبت اليك و أنا أول المؤمنين) [2] .

لقد كان موسي يتلقي كلمات الله، و روحه تتشوق، و تتشرف، و تتمني



[ صفحه 100]



فينسي من هو، و ينسي ما هو، و يطلب ما لا يحق لبشر في هذه الأرض و ما لا يطيقه بشر في هذه الأرض يطلب الرؤية الكبري، و هو مدفوع في زحمة الشوق، و دفعة الرجاء، حتي تنبهه الكلمة الحاسمة الجازمة: (قال: لن تراني) ثم يترفق به الخالق العظيم فيعلمه لماذا لن يراه: (و لكن انظر الي الجبل فان استقر مكانه فسوف تراني) و الجبل أمكن و أثبت، و الجبل مع تمكنه و ثباته أقل تأثرا و استجابة من الكيان الآدمي، و مع ذلك فماذا؟ (فلما تجلي ربه للجبل جعله دكا) أي جعله مفتتا منهارا متداعيا، و أدرك موسي رهبة الموقف فخر صعقا، فلما أفاق قال: (سبحانك تبت اليك و أنا أول المؤمنين) [3] .

و انظر كيف خاطب الامام العظيم أبوالحسن الهادي عليه السلام الله تعالي بهذه الكلمات المشرقة التي كشفت عن مدي معرفته الله تعالي حيث يقول:

«الهي تاهت أوهام المتوهمين، و قصر طرف الطارفين، و تلاشت أوصاف الواصفين، و اضمحلت أقاويل المبطلين عن الدرك، لعجيب شأنك أو الوقوع الي علوك، فأنت في المكان الذي لا يتناهي، و لم تقع عليك عيون باشارة، و لا عبارة، هيهات، ثم هيهات يا أولي، يا وحداني، يا فرداني شمخت في العلو بعز الكبر، و ارتفعت من رواء كل غورة و نهاية بجبروت الفخر...» [4] .

لقد ضلت أوهام المتوهمين من ادراك حقيقة الله أو الوصول الي كمال معرفته، و كيف يصل الانسان الذي لم يعرف حقيقة ذاته الي ادراك تلك الحقيقة العظمي التي يعجز البيان و الوصف عن تصوير أي جانب من جوانبها يقول ابن أبي الحديد:



[ صفحه 101]





فيك يا أعجوبة الكون غدا الفكر عليلا

أنت حيرت ذوي اللب و بليت العقولا



كلما أقدم فكري فيك شبرا فر ميلا

ناكصا يخبط في عمياء لا يهدي السبيلا [5] .




پاورقي

[1] أصول الكافي 1 / 97، التوحيد (ص 109).

[2] سورة الأعراف: آية 142.

[3] في ظلال القرآن 9 / 39.

[4] التوحيد (ص 66).

[5] شرح ابن أبي الحديد.