بازگشت

المتوكل يدعوا ابن السكيت لامتحان الامام


و طلب المتوكل من العالم الكبير يعقوب بن اسحاق المشهور بابن السكيت أن يسأل الامام الهادي عن مسألة معقدة غامضة لعله لا يهتدي لحلها فيتخذ من ذلك وسيلة للتشهير بالامام و الحط من شأنه، و مضي ابن السكيت فأعد للامام مسألة لامتحانه و عقد في البلاط العباسي مؤتمر علمي ضم كبار العلماء و الفقهاء و المتكلمين، و كان علي رأسهم المتوكل، و تقدم ابن السكيت بمسألته الي الامام قائلا:

«لم بعث الله موسي بالعصا، و اليد البيضاء، و بعث عيسي بابراء الأكمه، و الأبرص و احياء الموتي، و بعث محمدا بالقرآن و السيف؟؟...».

و انبري الامام فأجابه عن الحكمة في ذلك قائلا:

«بعث الله موسي بالعصا، و اليد البيضاء في زمان الغالب علي أهله السحر، فأتاهم من ذلك ما قهر سحرهم، و بهرهم، و أثبت الحجة عليهم، و بعث عيسي بابراء الأكمه و الأبرص و احياء الموتي باذن الله في زمان الغالب علي أهله الطب فأتاهم من ذلك ما قهرهم و بهرهم، و بعث محمدا بالقرآن و السيف في زمان الغالب علي أهله السيف و الشعر، فأتاهم من القرآن الزاهر، و السيف القاهر ما بهر به شعرهم، و قهر سيفهم، و أثبت الحجة عليهم...».

لقد أيد الله تعالي أنبياءه و رسله بالآيات البينات، و أمدهم بالمعجزات الباهرات التي يعجز البشر عن الاتيان بمثلها، و التي كانت ملائمة لروح العصر الذي بعثوا فيه فقد أمد رسوله موسي بالمعجزة الكبري أمده بالعصا التي تحولت الي أفعي هائلة أخذت تلقف حبالهم و عصيهم التي حولوها الي



[ صفحه 243]



أفاعي، و لم يستطع السحرة في ذلك العصر الذي بلغوا فيه الذرورة أن يبطلوا ذلك أو يأتوا بمثله أو ببعضه، و كذلك أمده تعالي باليد البيضاء التي كانت كالشمس في نورها و بهائها، و قد عجز السحرة عن الاتيان بمثل ذلك و كانت هذه المعجزة دليله علي صدق موسي.

و كذلك أمد تعالي نبيه عيسي بن مريم بابراء الأكمه و الأبرص، و احياء الأموات في وقت كان الطب قد بلغ القمة في التقدم و التطور الا انه قد عجز عن الاتيان بمثل هذه العلميات المذهلة للفكر، و قد أيده تعالي بذلك ليكون آية علي صدقه.

و قد بعث تعالي نبيه العظيم محمدا خاتم النبيين فأيده بالقرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه، و الذي كان المعجزة الكبري في بلاغته و فصاحته و روعة أسلوبه، و عذوبة بيانه، في وقت كان العرب قد بلغوا الأشواط الأخيرة في الفصاحة و البلاغة، و قد عجزوا عن مجاراة القرآن الكريم و الاتيان بمثله أو ببعضه، و قد اعترف فصحاؤهم و بلغاؤهم بذلك، فكان القرآن آية علي صحة نبوة الرسول محمد صلي الله عليه و آله.

و أيد تعالي نبيه بالسيف القاهر، و هو سيف الامام أميرالمؤمنينن عليه السلام الذي حصد به رؤوس المشركين و الملحدين، و قد جبن شجعان العرب عن مقاومته و قالوا ان الفرار من الحرب عار الا من سيف علي عليه السلام فقد كان كالصاعقة، فأباد به جموع الشرك، و فرق كلمة الأحزاب، و نصر به الاسلام، و أعز به الدين، و رفع به كيان المسلمين.

و انبري ابن السكيت بعد هذا الجواب الحاسم الذي أدلي به الامام عليه السلام فقال له:

«فما الحجة الآن؟...».

قال عليه السلام:«العقل يعرف به الكاذب علي الله فيكذب».



[ صفحه 244]



ان العقل هو الحاكم، هذه الميادين، و هو الذي يشخص الصادق من الكاذب، و حكمه هو فصل الخطاب.

و بان العجز علي ابن السكيت، فانبري يحيي بن أكثم فأخذ يندد به قائلا:

«ما لابن السكيت و مناظرته؟!! انما هو صاحب نحو و شعر و لغة...».