و رفع يحيي بن أكثم أسئلة الي الامام كان قد كتبها من قبل، و أعدها لامتحانه فأخذها الامام و أمر ابن السكيت أن يكتب اجوبتها و فيما يلي الأسئلة مع الأجوبة بتصرف:

س: - قال الله تعالي في كتابه: (قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد اليك طرفك) [1] ان السائل هو سليمان و المسؤول هو آصف فهو كان سليمان و هو نبي محتاجا الي علم آصف؟.

ج:- انه لم يعجز سليمان عليه السلام عن معرفة ما عرف آصف لكنه صلوات الله عليه أحب أن يعرف أمته من الجن و الانس ان الحجة من بعده، و ذلك من علم سليمان أودعه آصف بأمر الله ففهمه ذلك لئلا يختلف في امامته و ولايته من بعده، و لتأكيد الحجة علي الخلق.

س: - 2- قال تعالي: (و رفع أبويه علي العرش و خروا له سجدا) [2] .

كيف سجد يعقوب و ولده ليوسف و هم أنبياء؟.

ج:- أما سجود يعقوب لولده فان السجود لم يكن ليوسف، و انما



[ صفحه 245]



كان ذلك من يعقوب و ولده طاعة لله تعالي، و تحية ليوسف، كما أن السجود من الملائكة لم يكن لآدم، فسجد يعقوب و ولده و يوسف معهم شكرا لله تعالي باجتماع الشمل ألم تر أنه يقول: في شكره في ذلك الوقت (رب قد آتيتني من الملك) الآية.

س: 3- قال تعالي: (فان كنت في شك مما أنزلنا اليك فاسأل الذين يقرأون الكتاب) [3] فان كان المخاطب النبي صلي الله عليه و آله فقد شك، و ان كان المخاطب غيره فعلي من اذا أنزل الكتاب؟.

ج: - 3- ان المخاطب بذلك رسول الله صلي الله عليه و آله و لم يكن في شك مما أنزل الله اليه ولكن قالت الجهلة: كيف لم يبعث نبيا من الملائكة، و لم لم يفرق بينه و بين الناس في الاستغناء عن المأكل و المشرب و المشي في الأسواق، فأوحي الله الي نبيه، فاسأل الذين يقرأون الكتاب بمحضر من الجهلة هل بعث الله نبيا قبلك الا و هو يأكل الطعام و يمشي في الأسواق، و لك بهم أسوة يا محمد، و انما قال: (فان كنت في شك) و لم يكن شك ولكن للنصفة كما قال تعالي: (قل تعالوا ندع أبناءنا و أبناءكم و نساءنا و نساءكم و أنفسنا و أنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله علي الكاذبين) [4] .

و لو قال: تعالوا فنجعل لعنة الله عليكم لم يكونوا يجيبوا الي المباهلة، و قد علم الله ان نبيه مؤد عنه رسالته، و ما هو من الكاذبين، و كذلك عرف النبي صلي الله عليه و آله بأنه صادق فيما يقول: ولكن حب أن بنصف من نفسه.

س: - 4- قال تعالي: (و لو أن ما في الأرض من شجرة أقلام و البحر



[ صفحه 246]



يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله) [5] ما هذه الأبحر و أين هي؟

ج: - 4- فهو كذلك لو أن أشجار الدنيا أقلام، و البحر مداد يمده سبعة أبحر مدا حتي انفجرت الأرض عيونا كما انفجرت في الطوفان، ما نفدت كلمات الله، و هي: - أي الأبحر - عين الكبريت، و عين اليمن، و عين برهوت، و عين الطبرية، و حمة ما سيدان تدعي لسان، و حمة أفريقية تدعي سيلان و عين باحوران، و نحن الكلمات التي لا تدرك فضائلنا و لا تستقصي.

س: - 5- قال تعالي: (و فيها ما تشتهيه الأنفس و تلذ الأعين) [6] فاشتهت نفس آدم أكل البر فأكل، فكيف عوقب؟!!

ج: - 5- و أما الجنة ففيها من المآكل، و المشرب و الملاهي ما تشتهي الأنفس، و تلذ الأعين، و أباح الله ذلك لآدم، و الشجرة التي نهي الله آدم عنها و زوجته أن يأكلا منها، شجرة الحسد عهدالله اليهما أن لا ينظرا الي من فضله الله عليهما و الي خلائقه بعين الحسد فنسي و لم يجد له عزما.

س: - 6- قال تعالي: (أو يزوجهم ذكرانا و أناثا) [7] معاذ الله أن يكون الجليل العظيم عني ما لبست به علي نفسك تطلب الرخصة لارتكاب المحارم، و من يفعل ذلك يلق آثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة، و يخلد فيه مهانا ان لم يتب.

س: 7 - كيف جاز شهادة المرأة وحدها، و قد قال الله: (و أشهدوا



[ صفحه 247]



ذوي عدل منكم» [8] .

ج: - 7 - أما شهادة المرأة وحدها التي جازت فهي القابلة التي جازت شهادتها مع الرضا فان لم يكن رضا فلا أقل من امرأتين، تقوم المرأتان بدل الرجل للضرورة لأن الرجل لا يمكنه أن يقوم مقامها، فان كانت وحدها قبل قولها مع يمينها.

س: - 8- حكم علي عليه السلام في أمر الخنثي أن ينظر الي مبالها فان كان بولها بول الرجل فهي رجل، و ان كان بول الانثي فهي انثي، فمن ذا ينظر اليها، فان كان الناظر اليها رجلا فعسي أن تكون امرأة، و ان كان الناظر اليها امرأة فعسي أن تكون رجلا، و هذا ما لا يحل، و ما هو ميراثها؟.

ج: 8 - أما قول علي: في الخنثي، فهو كما قال، يرث من المبال ينظر قوم اليه عدول يأخذ كل واحد منهم مرآة، و يقوم الخنثي خلفهم عريانة، و ينظرون الي المرآة فيرون الشي ء و يحكمون عليه.

س: - 9- رجل أتي الي قطيع غنم فرأي الراعي ينزو علي شاة منها، فلما بصر بصاحبها خلي سبيلها، فدخلت بين الغنم كيف تذبح؟ و هل يجوز أكلها أم لا؟

ج: - 9- أما الرجل الناظر الي الراعي، و قد نزا علي شاة فان عرفها ذبحها و أحرقها و ان لم يعرفها قسم الغنم نصفين وساهم بينهما [9] فان وقع السهم علي أحد القسمين، فقد نجا النصف الآخر، ثم يفرق النصف الآخر فلا يزال كذلك حتي تبقي شاتان، فيقرع بينهما فأيتها وقع السهم بها ذبحت و نجا سائر الغنم [10] .



[ صفحه 248]



س: -10- صلاة الفجر لم يجهر فيها بالقرآن مع أنها من صلاة النهار و انما يجهر في صلاة الليل؟.

ج: 10- أما صلاة الفجر و الجهر فيها بالقراءة لأن النبي صلي الله عليه و آله كان يغلس بها [11] فقراءتها في الليل.

س: -11- ان عليا قال لابن جرموز بشر قاتل ابن صفية بالنار [12] فلم لم يقتله و هو امام.

ج: -13- أما قول علي: بشر قاتل ابن صفية بالنار، فهو لقول رسول الله صلي الله عليه و آله: و كان ممن خرج يوم النهروان، فلم يقتله أميرالمؤمنين بالبصرة لأنه علم أنه يقتل في فتنة النهروان.

س: -12-أخبرني عن علي لم قتل أهل صفين، و أمر بذلك - أي بقتلهم - مقبلين و مدبرين و أجاز [13] علي الجرحي، و كان حكمه يوم الجمل انه لم يقتل موليا، و لم يجز علي جريح، و لم يأمر بذلك، و قال: من دخل داره فهو آمن، لم فعل ذلك؟ فان كان الحكم الأول صوابا فالثاني خطأ.

ج - 14- أما قولك: ان عليا قاتل أهل صفين مقبلين، و مدبرين، و أجهز علي جريحهم، و انه يوم الجمل لم يتبع موليا، و لم يجهز علي جريحهم، و كل من ألقي سيفه و سلاحه آمنه، فان أهل الجمل قتل امامهم، و لم يكن لهم فئة يرجعون اليها، و انما رجع القوم الي منازلهم غير متحاربين و لا متحالين، و لا متجسسين، و لا متبارزين، فقد رضوا بالكف عنهم و كان الحكم فيه دفع السيف، و الكف عنهم اذا لم يطلبوا عليه أعوانا، و أهل صفين يرجعون الي فئة مستعدة، و امام منتصب يجمع لهم السلاح من



[ صفحه 249]



الرماح و الدروع و السيوف و يستعد لهم، و يسني لهم العطاء، و يهيي ء لهم الأموال، و يعود مريضهم و يجبر كسيرهم، و يداوي جريحهم، و يحمل راجلهم، و يكسو حاسرهم، و يردهم فيرجعون الي محاربتهم، و قتالهم فان الحكم في أهل البصرة الكف عنهم لما ألقوا أسلحتهم اذ لم تكن لهم فئة يرجعون اليها، و الحكم في أهل صفين أن يتبع مدبرهم، و يجهز علي جريحهم فلا يساوي بين الفريقين في الحكم، و لولا أميرالمؤمنين و حكمه في أهل صفين و الجمل لما عرف الحكم في عصاة أهل التوحيد، فمن أبي ذلك عرض علي السيف.

س:-13- أخبرني عن رجل أقر باللواط علي نفسه، أيحد أم يدرأ عنه الحد؟

ج: 13- أما الرجل الذي أقر باللواط فانه أقر بذلك متبرعا من نفسه، و لم تقم عليه بينة، و انما تطوع بالاقرار من نفسه، و اذا كان للامام الذي من الله أن يعاقب عن الله كان له أن يمن عن الله أما سمعت قول الله (هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب) فبدأ بالمن قبل المنع.

قد أنبأناك بجميع ما سألتنا عنه فاعلم... لقد كانت أجوبة الامام عن هذه المسائل الغامضة حافلة بالواقع العلمي، و قد بهر منها يحيي فالتفت الي المتوكل فأسدي له النصيحة قائلا:

«ما نحب أن تسأل هذا الرجل عن شي ء بعد مسائلي، فانه لا يرد عليه شي ء بعدها الا دونها و في ظهور علمه تقوية للرافضة...» [14] .

لقد كان الامام الهادي عليه السلام من عمالقة العلم في الاسلام فقد كان الوارث لعلوم آبائه الذين أضاءوا الحياة الفكرية في الاسلام.



[ صفحه 250]



لقد أملي الامام عليه السلام علي ابن السكيت أجوبة تلك المسائل الدقيقة بمجرد النظر اليها، و قد دلل بذلك علي طاقاته العلمية الهائلة التي هي احدي العناصر البارزة في معالم شخصيته العظيمة.