بازگشت

كبس دار الامام


و سعي بعض اللئام من الذين لا يرجون لله وقارا الي المتوكل فقالوا له: ان عند الامام الهادي عليه السلام كتبا و سلاحا و أموالا، و لا يؤمن من القيام بثورة مسلحة ضد حكومته، ففزع المتوكل و أوجس في نفسه خيفة، و أوعز الي جماعة من شرطته الأتراك بالهجوم علي دار الامام ليلا، و اعتقاله، فهجموا عليه علي حين غفلة منه، فوجدوه في بيت مغلق و عليه مدرعة من شعر و ليس بينه و بين الأرض من بساط الا الرمل و الحصاد [1] ، و هو مستقبل القبلة، و هو يتلو قوله تعالي: (أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا و عملوا الصالحات سواء محياهم و مماتهم ساء ما يحكمون) [2] و حملوه الي المتوكل و هو بتلك الحالة [3] التي تمثل زهد الأنبياء و روحانية المرسلين، و كان المتوكل علي موائد الخمر ثملا سكرانا، فلما بصر بالامام ناوله الطاغية كأسا من الخمر، فزجره الامام و صاح به.

«والله ما خامر لحمي و دمي قط...».



[ صفحه 260]



و قال المتوكل للامام:

«أنشدني شعرا...».

«انني قليل الرواية للشعر...»

و أصر الطاغية علي مرامه قائلا:

«لا بد أن تنشدني...».

و لم يجد الامام بدا من انشاده فأنشده هذه الأبيات الحزينة التي حولت أنس الطاغية الي بكاء و حزن قائلا:



باتوا علي قلل الأجبال تحرسهم

غلب الرجال فما اغنتهم الحيل [4] .



و استنزلوا بعد عز عن مراتبهم [5] .

فأودعوا حفرا يا بئس ما نزلوا



ناداهم صارخ من بعد ما قبروا

أين الأسرة و التيجان و الحلل



أين الوجوه التي كانت منعمة

من دونها تضرب الاستار و الكلل



فافصح القبر عنهم حين ساء لهم

تلك الوجوه عليها الدود يقتتل



قد طال ما أكلوا دهرا و ما شربوا

فأصبحوا بعد طول الأكل قد أكلوا [6] .



[ صفحه 261]



و اهتز المتوكل، و طار السكر من رأسه، فلم يملك اهابه و أخذ يبكي بكاءا شديدا و اشفق من حضر المجلس علي الامام من بطش المتوكل، و ظنوا أن بادرة سوء أو انتقام ستبدو منه تجاه الامام.

و أمر المتوكل برفع كؤوس الخمر عن المجلس، و التفت الي الامام الزكي بخضوع و خشوع قائلا:

«يا أباالحسن عليك دين؟...».

«نعم أربعة آلاف دينار...».

فأمر بدفعها اليه، ورده الي منزله عليه السلام مكرما، و كشفت هذه البادرة عن جهاد الامام عليه السلام و موقفه المشرف تجاه هذا الطاغية فلم يعن به، و لم يحفل بملكه و سلطانه وراح يوعظه و يخوفه من عقاب الله، و قد عرفه عما سيصير اليه من مفارقة هذه الحياة، فلا تدفع المنية عنه جيوشه و لا سلطانه، كما عرفه عما يؤول اليه بدنه الرقيق فانه حينما يواري في التراب يكون طعمة للديدان و الحشرات، و من المؤكد ان المتوكل لم تمر علي سمعه أمثال هذه المواعظ، فقد اترع سمعه بأصوات المغنين و المغنيات، و قد وافته المنية و هو بين العازفين و كؤوس الخمر، و لا عهد له بذكر الله في جميع أدوار حياته.


پاورقي

[1] دائرة معارف القرن العشرين 6 / 437.

[2] سورة الجاثية آية 29.

[3] روضة الاعيان مخطوط.

[4] في مرآة الجنان 2 / 160 «فلم ينفعهم القلل».

[5] في رواية معاقلهم.

[6] جاء في جوهرة الكلام (ص 152) ان هذه الأبيات وجدت مكتوبة علي قصر سيف بن ذي يزن الحميري و قبلها الأبيات التالية:



انظر ماذا تري أيها الرجل

و كن علي حذر من قبل تنتقل



و قدم الزاد من خير تسر به

فكل ساكن دار سوف يرتحل



و انظر الي معشر باتوا علي دعة

فأصبحوا في الثري رهنا بما عملوا



بنوا فلم ينفع البنيان و ادخروا

مالا فلم يغنهم لما انقضي الأجل



نزهة الجليس (راجع الصفحة 2 / 138، مرآة الجنان 2 / 160، تذكرة الخواص ص 361) الاتحاف بحب الأشراف ص 67.