بازگشت

دعاء الامام علي المتوكل


و التجأ الامام أبوالحسن الهادي عليه السلام الي الله تعالي، و انقطع اليه، و قد دعاه بهذا الدعاء الشريف الذي عرف (بدعاء المظلوم علي الظالم) و هو من الكنوز المشرقة عند أهل البيت عليهم السلام و هذا نصه:

«اللهم: اني و فلانا - يعني المتوكل - عبدان من عبيدك، نواصينا بيدك، تعلم مستقرنا و مستودعنا، و تعلم منقلبنا و مثوانا، سرنا و علانيتنا، و تطلع علي نياتنا، و تحيط بضمائرنا، علمك بما نبديه كعلمك بما نخفيه، و معرفتك بما نبطنه كمعرفتك بما نظهره، و لا ينطوي عنك شي ء من أمورنا، و لا يستتر دونك حال من أحوالنا، و لا لنا منك معقل يحصننا، و لا حرز يحرزنا، و لا هارب يفوتك منا، و لا يمتنع الظالم منك بسلطانه، و لا يجاهدك عنه جنوده، و لا يغالبك مغالب بمنعته، و لا يعازك متعزز بكثرة، أنت مدركه أينما سلك، و قادر عليه، أين لجأ، فعاذ المظلوم ببابك، و توكل المقهور منا عليك، و رجوعه اليك، و يستغيث بك اذا خذله المغيث، و يستصرخك اذا قعد عنه النصير، و يلوذ بك اذا أنته الأفنية، و يطرق بابك اذا غلقت دونه الأبواب المرتجة، و يصل اليك اذا احتجبت عنه الملوك الغافلة، تعلم به قبل أن يشكوه اليك، و تعرف ما يصلحه قبل أن يدعوك له، فلك الحمد سميعا بصيرا لطيفا قديرا...».

لقد تحدث الامام عليه السلام في هذه القطعة من دعائه عن علم الله تعالي، و انه لا يخفي عليه شي ء من السموات و الأرض، و انه مطلع علي خفايا الأمور و بواطنها و أسرار الأشياء و دقائقها، كما تحدث عن قدرة الله تعالي، و ان كل شي ء خاضع لقدرته، فلا يمتنع عليه الظالم بسلطانه و جنوده و اتباعه، فانه قادر عليه، و لا يفوته ظلم ظالم، و ان مصير المظلوم اليه تعالي فلا ملجأ له غيره، فبه يلوذ، و به يستجير.



[ صفحه 268]



و يستمر الامام في دعائه قائلا:

«اللهم: انه قد كان في سابق علمك و محكم قضائك، و جاري قدرك و ماضي حكمك و نافذ مشيئتك في خلقك أجمعين سعيدهم و شقيهم و برهم و فاجرهم ان جعلت لفلان - يعني المتوكل - علي قدرة فظلمني بها و بغي علي لمكانها، و تعزز علي بسلطانه الذي خولته اياه، و تجبر علي بعلو حاله، الذي جعلته له، و غره املاؤك له، و اطغاه حلمك عنه فقصدني بمكروه عجزت عن الصب رعليه، و تعمدني بشر ضعفت عن احتماله و لم أقدر علي الانتصار منه لضعفي و الانتصاف منه لذلي، فوكلته اليك، و توكلت في أمره عليك، و توعدته بعقوبتك، و حذرته سطوتك، و خوفته نقمتك، فظن أن حلمك عنه من ضعف و حسب ان امهالك له من عجز و لم تنهه واحدة عن أخري، و لا انزجر عن ثانية بأولي، ولكنه تمادي في غيه و تتابع في ظلمه و لج في عدوانه، و استشري في طغيانه جرأة عليك يا سيدي، و تعرضا لسخطك الذي لا ترده عن الظالمين و قلة اكتراث ببأسك الذي لا تحسبه عن الباغين، فها أنا يا سيدي مستضعف في يديه مستضام تحت سلطانه، مستذل بعنانه، مغلوب، مبغي علي، مغضوب وجل، خائف، مروع، مقهور، قد قل صبري، و ضاقت حيلتي و انغلقت علي المذاهب الا اليك، و انسدت علي الجهات الا جهتك، و التبست علي أموري في دفع مكروهه عني، و اثبتت علي الآراء في ازالة ظلمه، و خذلني من استنصرته من عبادك، و اسلمني من تعلقت به من خلقك... و استشرت نصيحتي فأشارت الي بالرغبة اليك، و استرشدت دليلي فلم يدلني الا عليك، فرجعت اليك يا مولاي صاغرا راغما مستكينا عالما أنه لا فرج لي الا عندك، و لا خلاص لي الا بك، انجز وعدك في نصرتي، و اجابة دعائي فانك قلت: و قولك الحق: الذي لا يرد و لا يبدل (و من عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغي عليه لينصرنه الله) [1] و قلت: جل



[ صفحه 269]



جلالك و تقدست أسماؤك (ادعوني أستجب لكم) [2] و أنا فاعل ما أمرتني به لا منا عليك، و كيف أمن به و أنت عليه دللتني، فصل علي محمد و آله محمد فاستجب لي كما وعدتني يا من لا يخلف الميعاد،.

و اني لأعلم يا سيدي ان لك يوما تنتقم فيه من الظالم للمظلوم، و أتيقن أن لك وقتا تأخذ فيه من الغاصب للمغصوب لأنك لا يسبقك معاند، و لا يخرج عن قبضتك منابذ و لا تخاف فوت فائت، ولكن جزعي وهلعي لا يبلغان بي الصبر علي أناتك، و انتظار حلمك، فقدرتك علي يا سيدي و مولاي فوق كل قدرة، و سلطانك غالب علي كل سلطان، و معاد كل أحد اليك و ان أمهلته، و رجوع كل ظالم اليك و ان انظرته، و قد ضرني حلمك من فلان - يعني المتوكل - و طول أناتك له، و امهالك اياه، و كاد القنوط يستولي علي لولا الثقة بك، و اليقين بوعدك فان كان في قضائك النافذ، و قدرتك الماضية ان ينيب أو يتوب عن ظلمي أو يكف مكروهه عني، و ينتقل عن عظيم ما ركب مني... اللهم فصل علي محمد و آل محمد و أوقع ذلك في قلبه الساعة، الساعة قبل ازالة نعمتك التي أنعمت بها علي، و تكديره معروفك الذي صنعته عندي، و ان كان في علمك به غير ذلك من مقام علي ظلمي فأسألك يا ناصر المظلوم المبغي عليه اجابة دعوتي فصل علي محمد و آل محمد، و خذه من مأمنه أخذ عزيز مقتدر و افجأه في غفلة مفاجأة مليك منتصر، و اسلبه نعمته و سلطانه، و افضض عنه جموعه و اعوانه، و مزق ملكه كل ممزق، و فرق انصاره كل مفرق، و اعره من نعمتك التي لا يقابلها بالشكر، و انزع عنه سربال عزك الذي لم يجازه بالاحسان، و اقصمه يا قاصم الجبابرة و اهلكه يا مهلك القرون الخالية، و أبره يا مبير الأمم الظالمة، واخذله يا خاذل الفئات الباغية، وابر عمره، وابتز ملكه، وعف اثره، واقطع خبره، واطف ناره، واظلم نهاره، و كور شمسه وازهق شمسه، واشم شدته،



[ صفحه 270]



وجب سنامه، و ارغم انفه، و عجل حتفه، و لا تدع له جنبة الا هتكتها، و لا دعامة الا قضمتها، و لا كلمة مجتمعة الا فرقتها، و لا قائمة علو الا وضعتها، و لا ركنا الا وهنته و لا سببا الا قطعته، و أرنا أنصاره و جنده و احباءه و أرحامه أباديد بعد الالفة، و شتي بعد اجتماع الكلمة، و مقنعي الروؤس بعد الظهور علي الأمة، واشف بزوال أمره القلوب المنقلبة الوجلة، و الأفئدة اللهفة، و الأمة المتحيرة، [3] و البرية الضائعة، وازل ببواره الحدود المعطلة، و الأحكام المهملة، و السنن الداثرة، و المعالم المغبرة، و الآيات المحرفة، و المدارس المهجورة، و المحاريب المجفوة، و المساجد المهدومة، و أرح به الأقدام المغبة، و اشبع به الخماص الساغبة، واردد به اللهوات اللاغبة، و الأكباد الظامية واشبع به الخماص الساغبة، واردد به اللهوات اللاغبة، و الأكباد الظامية، و اطرقه بليلة لا اخت لها، و ساعة لا شفاء منها، و نكبة لا انتعاش معها، و بعثرة لا اقالة منها، و أبح حريمه، و نغص نعيمه، واره بطشتك الكبري، و نقمتك المثلي، و قدرتك التي هي فوق كل قدرة، و سلطانه الذي هو أعز من سلطاته، واغلبه لي بقوتك القوية، و محالك الشديد، و امنعني بمنعتك التي كل خلق فيها ذليل، و ابتله بفقر لا تجبره، و بسوء لا تستره، و كله الي نفسه فيما يريد انك فعال لما تريد، و ابرأه من حولك و قوتك، و احوجه الي حوله و قوته، و اذل مكره بمكرك، و ادفع مشيئته بمشيئتك، واسقم جسده، و أيتم ولده، وانقص أجله، و خيب أمله، و أزل دولته، وأطل عولته، واجعل شغله في بدنه، و لا تفكه من حزنه، و صير كيده في ضلال و أمره الي زوال، و نعمته الي انتقال، وجده في سفال، و سلطانه في اضمحلال و عاقبته الي شر مآل، و أمته بغيظه اذا أمته، و أبقه لحزنه ان أبقيته، و قني شره و همزه و لمزه و سطوته و عداوته، و المحه لمحة تدمر بها عليه فانك أشد بأسا و أشد تنكيلا، و الحمدلله رب العالمين».

و هذا الدعاء الشريف من كنوز آل محمد صلي الله عليه و آله يلجأون



[ صفحه 271]



الي الدعاء به اذا صب عليهم الظالمون جام غضبهم، و يستجيب الله دعاءهم، و ينزل نقمته علي أعدائهم.

و يلمس في هذا الدعاء مدي ما عاناه الامام من الخطوب و الكوارث في عهد هذا الطاغية السفاك فانه لم يألوا جهدا في ظلم العلويين وشيعتهم، و سنتحدث عن ذلك في غضون هذا الكتاب.


پاورقي

[1] سورة الحج: آية 60.

[2] سورة غافر: آية 40.

[3] المصباح للكفعمي و غيره.