بازگشت

المعرض المذهل


اليكم هذه الصورة من المعرض الذي صنعه فقد وضع فيه الجواهر النفيسة، و الآلات الفاخرة، كما وضع فيه تمثال مصنوع من الذهب لكل حيوان خلقه الله من الوحوش و الطيور و الناس، و قد رصعت بالجواهر النفيسة، و قد وضعت فيها الغالية، كما أمر بصياغة الاصطبال و القماقم من الذهب، و ملأها بالمسك و العنبر، و قد صنعت له قري من الذهب، أنفق علي كل قرية منها خمسائة ألف، و قد وضع فيها تماثيل البقر و الجاموس و الاكره و الغنم و الكلاب و أنواع الزرع، و الفواكه من البطيخ و السفرجل و الرمان و الاترج و النارنج كل ذلك مصنوع من الذهب المرصع بالجوهر.

و قد روي أحمد بن حمدون النديم قال: كنت عند المستعين يوما، و كان عنده علوي ينادمه يقال له: «اترجة» فقلنا له: يا أميرالمؤمنين نشتهي أن نبصر «القلابة» - و هي المعرض - قال: قوموا اصعدوا اليها، فصعدنا فرأينا أمرا هائلا، ما نظن أن الله عزوجل يخلق مثله الا في الجنة، فمددت يدي و أخذت غزالا من عنبر قد عمل من جوهر و عليه سرج و لجام و ركاب في غاية الحسن فوضعته في كمي، ثم خرجنا فلما انتهينا اليه بادرنا قائلا:



[ صفحه 279]



«كيف رأيتما القلابة؟»

فقلت له: رأيت ما هالني، و التفت اليه أترجة فقال: يا سيدي في كمه غزال عنبر قد سرقه من القلابة، فقال له:

يا أترجة كأني أنفذتكم لترون القلابة، و تنصرفون بالحسرة، و انما أنفذتكم لتأخذون ما تستحسنون، و أنت يا أترجة ما أخذت شيئا،.

قال أترجة: لا، قال لا: أخطأت خذ كل ما تريد، ثم قال لي: قم و خذ كل ما تريد، قال: فقمنا، و دخلنا القلابة و ملأنا أكمامنا، و فتحنا أكيستنا و حشوناها بما قدرنا عليه من تلك الجواهر الثمينة، و الآلات النفيسة ثم قلت: يا أترجة متي تجد مثل هذا اليوم؟ و من أين يقع مثل هذا يطلق أيدينا فيما جمعه الخلفاء في الدهور الطويلة.

فقال لي: أي شي ء أعمل، ما بقي معي شي ء آخر أحمل فيه، فقلت له: اخلع سراويلك فخلع سراويله، و خلعت سراويلي، و عقدنا اطرافها و ملأناها و أخذناها و خرجنا نمشي مشي الحبالي، فلما رآنا ضحك، و كان قد دخل عليه جماعة و نحن في القلابة، فلما علموا بنا قالوا له: ما ذنبنا يا اميرالمؤمنين حتي نمنع؟ فقال لهم: و أنتم أيضا قوموا، و قال المطربون:

و نحن يا مولانا؟ فقال: و أنتم أيضا قوموا، فقاموا بين يديه كالمجانين، فانتهبوا القلابة، و هو غارق في الضحك.

قال أحمد بن حمدون: فلما رأيت الأمر علي هذه الصورة خرجت الي باب القصر، و سلمت الذي كان معي الي غلماني وعدت مسرعا فاجتزت علي المستعين كالمجنون أقصد القلابة فصاح بي ويلك الي أين؟ فقلت له: قد نسيت شيئا، و صعدت الي القلابة فمددت يدي الي سطل من ذهب كبير مملوء من المسك فأخذته و أنا أعالج الجهد الجهيد في حمله، و أنا علي تلك الحالة، فقال لي: الي أين؟ قلت: يا سيدي الي الحمام، و خرجت



[ صفحه 280]



و أعطيته الي غلماني، فذهبوا بالجميع الي بيتي [1] .

هذه صورة من مهازل الحكم العباسي الذي استبد بأموال المسلمين، و أنفقها علي الشهوات و الرغبات.


پاورقي

[1] الأنباء في تاريخ الخلفاء مصور.