بازگشت

ثورة الشهيد يحيي


و ثار الشهيد الخالد يحيي بن عمر بن الحسين بن زيد في وجه الظلم و الجبروت مطالبا بحقوق المظلومين و المضطهدين و المعذبين، و داعيا الي اقامة حكم الله في الأرض، و كان يتحلي بجميع الصفات الكريمة و النزعات الشريفة، فكان فارسا شجاعا بعيدا عن رهق الشباب، و ما يعاب به مثله [1] و قد احبه الناس و اخلصوا له لأنه استفتح أموره بالكف عن الدماء، و التورع عن أخذ شي ء من اموال الناس، و قد اظهر العدل و الانصاف.

اما السبب في ثورته فهو لجفوة لحقته، و محنة نالته أيام المتوكل و غيره من الأتراك [2] و قد تبعه اخلاط من أهل الكوفة فثار بهم أيام المستعين العباسي و قد ندب الي قتاله محمد بن طاهر فزحف اليه في جيش مكثف، و بعد صراع رهيب سقط يحيي قتيلا، و قد انطوت بقتله صفحة من صفحات الجهاد المشرف في الاسلام، و جلس محمد بن طاهر مجلسا عاما للتهنئة بقتل ذرية رسول الله صلي الله عليه و آله فجعل الأوغاد و الأذناب يبدون له الافراح و المسرات و يهنئونه بالنصر و الظفر بقتل ابن رسول الله صلي الله عليه



[ صفحه 299]



و آله و دخل عليه ابوهاشم الجعفري، و قد ضاقت عليه الأرض من لوعة المصاب و الحزن فقال له:«أيها الأمير انك لتهنأ بقتل رجل لو كان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم حيا لعزي به...».

و وجم ابن طاهر و ساد صمت رهيب في المجلس، و خرج ابوهاشم و هو يقول:



يا بني طاهر كلوه و بيا

ان لحم النبي غير مري



ان وترا يكون طالبه الله

لوتر بالفوت غير حري [3] .



و سبقت الاساري من اصحاب يحيي الي بغداد، و قد لحقهم من العسف و سوء الحال ما لا يوصف لفضاعته، و يقول المؤرخون. انهم كانوا يساقون حفاة سوقا عنيفا من تأخر ضربت عنقه، حتي ورد كتاب المستعين بتخلية سبيلهم فاطلق سراحهم [4] .



سلام علي الاسلام فهو مودع

اذا ما مضي آل النبي فودعوا



فقدنا العلا و المجد عند افتقادهم

و اضحت عروش المكرمات تضعضع



و عرض في قصيد لهم الي هجاء بني طاهر قال:



بني طاهر و اللؤم منكم سجية

و للغدر منكم حاسر و مقنع



قواطعكم في الترك غير قواطع

ولكنها في آل احمد تقطع



لكم كل يوم مشرب من دمائهم

و غلتها من شربها ليس تنقع [5] .





[ صفحه 300]



ورثاه الشاعر الكبير علي محمد العلوي الحماني بقوله:



يا بقايا السلف الصالح

و التجر الربيح



نحن للأيام من بين

قتيل و جريح



خاب وجد الأرض كم غيب

من وجه صبيح



آه من يومك ما أوداه

للقلب القريح [6] .



ورثاه شاعر آخر من شعراء ذلك العصر بقوله:



بكت الخيل شجوها بعد يحيي

و بكاه المهند المصقول



و بكاه العراق شرقا و غربا

و بكاه الكتاب و التنزيل



و المصلي و البيت و الركن و الحجر

جميعا لهم عليه عويل



كيف لم تسقط السماء علينا

يوم قالوا أخو الحسين قتيل [7] .



ورثاه الشاعر الكبير علي بن العباس المعروف بابن الروسي بقصيدة عصماء تعد من روائع الشعر العربي، و قد استهلها بقوله:



أمامك فانظر أي نهجيك تنهج

طريقان شتي مستقيم و اعوج



ألا ايهذا الناس طال خريركم

بآل رسول الله فاخشوا أو ارتجوا



أكل أوان للنبي محمد

قتيل زكي بالدماء مضرج



تبيعون فيه الدين شر أئمة

فلله دين الله قد كاد يمرج [8] .



و يستمر ابن الرومي في رائعته - التي تعد من ذخائر الأدب العربي - في التفجع علي قتل يحيي الذي فقدت فيه الأمة الرائد و الزعيم و الثائر، كما يعرض الي ذكر مساوي ء بني العباس التي سودت وجه التاريخ الاسلامي.



[ صفحه 301]



و علي أي حال فقد كان قتل يحيي من الأحداث الجسام في ذلك العصر، فقد انتهكت في قتله حرمة النبي صلي الله عليه و آله في ذريته الذين جعل القرآن العظيم مودتهم و الولاء لهم أجرا للنبي صلي الله عليه و آله علي أتعابه في أداء رسالته.


پاورقي

[1] مقاتل الطالبيين (ص 639).

[2] مروج الذهب 4 / 93.

[3] مروج الذهب 4 / 93.

[4] مقاتل الطالبيين (ص 644).

[5] مروج الذهب 4 / 94.

[6] مروج الذهب 4 / 64.

[7] مروج الذهب 2 / 95.

[8] مقاتل الطالبيين (ص 646).