بازگشت

هدم قبر الحسين


من المآسي الرهيبة التي مني بها المسلمون في ذلك العصر اقدام المتوكل الطاغية علي هدم قبر الامام الحسين عليه السلام الذي هو رمز الكرامة الانسانية، و رمز لجميع فضائل الدنيا، و رمز لكل ما يعتز به الانسان من القيم العليا.

لقد كان المتوكل يتحرق غيظا لما يسمعه من ازدحام الناس و تهافتهم علي زيارة قبر ريحانة رسول الله صلي الله عليه و آله و سيد شباب أهل الجنة الامام الحسين عليه السلام، في حين ان قبور آبائه و قبور اخوانهم الامويين قد صارت في مزبلة من مزابل الأرض في امكنة فقراء موحشة مظلمة و هي مأوي للوحوش الضارية، و هي ببؤسها تحكي ظلمهم و جورهم، و بطشهم بالمسلمين.

اما السبب المباشر لاقدامه علي هدم القبر الشريف هو ان بعض المغنيات كانت تبعث اليه بجواريها قبل أن يتقلد الخلافة ليغنين له اذا شرب الخمر، فلما ولي الخلافة بعث اليها لتسعفه بمغنية فأخبر انها غائبة، و كانت قد مضت الي زيارة قبر الامام الحسين عليه السلام، و انتهي اليها الخبر و هي في كربلا فاسرعت الرجوع الي بغداد و بعثت اليه باحدي جواريها التي كان بألفها، فقال لها: اين كنتم؟ قالت: ان مولاتي قد خرجت الي الحج، و اخرجتنا معها، و كان ذلك في شهر شعبان، فبهر المتوكل و قال:

«الي اين حججتم في شعبان؟».



[ صفحه 302]



قالت:

«الي قبر الحسين...».

و فزع الطاغية و انتفخت اوداجه و ورم انفه حينما سمع بالزيارة لقبر الحسين، فاعتقل مولاة الجارية، و صادر جميع أموالها [1] و أوعز الي العمال بهدم القبر الشريف، فامتنع العمال المسلمون من هدم قبر ريحانة نبيهم، و لم يقدموا علي ذلك، و تحرجوا كاعظم ما يكون التحرج، فاوعز الي اليهود و علي رأسهم الديزج فاستجابوا له و الي ذلك يشير ابن الرومي في رائعته:



و لم تقنعوا حتي استثارت قبورهم

كلابكم منها بهيم و ديزج [2] .



و قام اليهود و الارجاس بهدم القبر الشريف، و كان ذلك في سنة (237 ه) [3] كما هدموا كل بناء حول القبر، و كربوا ما حوله من نحو مائتي جريب، و اجري الماء حوله [4] الا انه دار حول القبر، و لم يصل اليه و من ثم سمي الحائر، و قد خرجت من القبر الشريف رائحة من الطيب لم يشم الناس عطرا مثلها [5] انها الشرف و عطر الكرامة الانسانية يقول الجواهري:



شممت ثراك فهب النسيم

نسيم الكرامة من بلقع [6] .



و تشرف اعرابي من بني أسد بزيارة القبر الشريف بعد أن عفي أثره فجعل يأخذ قبضة من التراب، و يشمها لترشده الي القبر الشريف، و حينما انتهي اليه اخذ قبضة من الثري الطاهر فشمها فاذا بها مليئة بالعطور فبكي



[ صفحه 303]



و خاطب الامام قائلا:

«بأبي أنت و أمي، ما أطيبك، و أطيب قبرك، و تربتك!!».

ثم أنشأ:



أرادوا ليخفوا قبره عن وليه

و طيب تراب القبر دل علي القبر [7] .



لقد أراد المتوكل أن يمحو قبر سيدالشهداء و يزيل أثره، ولكن خاب سعيه، و خسرت يداه فان قبر الحسين عليه السلام ظل شامخا علي الدهر، و هو أسمي مكان تقدسه البشرية علي اختلاف اتجاهاتها و عقائدها، و تأوي اليه الملايين من الناس يقول الجواهري في رائعته:



تعاليت من مفزع للحتوف

و بورك قبرك من مفزع



تلوذ الدهور فمن سجد

علي جانبيه و من ركع



يقول العقاد:«فهي اليوم مزار يطيف به المسلمون متفقين و مختلفين، و من حقه أن يطيف به كل انسان، انه عنوان قائم لأقدس ما يشرق به هذا الحي الآدمي من بين سائر الأحياء.

فما أظلت قبة السماء مكانا لشهيد قط هو أشرف من تلك القباب بما حوته من معني الشهادة و ذكري الشهداء...» [8] .


پاورقي

[1] الحدائق الناضرة مخطوط.

[2] مقاتل الطابيين (ص 658).

[3] اخبار الدول (ص 359).

[4] مقاتل الطالبيين (ص 598).

[5] مقاتل الطالبيين (ص 598).

[6] ديوان الجواهري.

[7] شرح شافية أبي فراس 2 / ورقة 144.

[8] أبوالشهداء. للعقاد.