الاحتفال بالبيعة لأولاده
و أنفق المتوكل من الأموال الطائلة في الاحتفال الذي أقامه بمناسبة البيعة لأولاده: و هم محمد، و لقبه المنتصر، و الزبير و لقبه المعتز، و ابراهيم و لقبه المؤيد، و قد صادفت البيعة في يوم الاثنين غرة الحكم سنة (236 ه)
[ صفحه 308]
و قد دعا الناس دعوة عامة، و أنفق من الأموال ما يبهر العقول، فقد نصب سماطا طوله أربع فراسخ في البستان الذي غرسه بسامراء الذي بني فيه قصره المعروف بالجعفري، و كان طوله سبع فراسخ، و عرضه فرسخ واحد، و قد امتلأ هذا القصر علي سعته بالناس، و قد وضعت تماثيل العنبر، و الكافور و نوافج المسك، بين أيدي الناس في جملة الرياحين و المشمومات، و كانت تنقل من الخزائن بالزبل [1] و الغرائر، ولكل من شرب قدحا تناول منها فشمها، و أدخلها في كمه أو سلمها الي غلامه، و كلما نفذت أعيد بدلها، هكذا من طلوع الشمس الي غروبها، و كان المتوكل جالسا علي سرير من ذهب مرصع بالجوهر فيه ألف من، و ولاة العهود وقوف بين يديه، و عليهم التيجان المرصعة، و الناس علي طبقاتهم بين جالس و قائم، و قد طلعت الشمس علي أواني الذهب التي كانت منتشرة في المجلس، و مناطق الذهب و السيوف و الترس المحلاة بالذهب، و هي مما تخطف الأبصار، و قد انبري ابراهيم بن العباس الصولي أمير الأهواز فأنشد بين السماطين:
أضحت عري الاسلام و هي
منوطة بالنصر و الاعزاز و...
لخليفة من هاشم و ثلاثة
كنفوا الخلافة من ولاة عهود
كنفتهم الآباء و اكتنفت بهم
فسعوا بأكرم أنفس و جدود [2] .
ان هذه الأموال الهائلة التي انفقت في هذه الاحتفالات انما هي للمسلمين، و يجب - في نظر الاسلام - أن تصرف علي مصالحهم و تنمية قدراتهم، و زيادة دخل الفرد منهم ولكن لم يتحقق ذلك في ظل تلك الأنظمة الهزيلة.
[ صفحه 309]
پاورقي
[1] الزبل: جمع مفرده زبيل، و هو القفة، و الوعاء.
[2] الانباء في تاريخ الخلفاء.