بازگشت

علي بن الجهم


و وهب المتوكل الثراء العريض الي علي بن الجهم، و ذلك لأنه اوقف نتاجه الأدبي علي مدحه و الثناء عليه، و من عطاياه له انه دخل عليه، و كانت بيد المتوكل درتان فانشده قصيدة في مدحه فدحا له بدرة، و قال له: انها والله خير من مائة الف، و انشده ابيات اخري في مدحه جاء فيها:



بسر من رأي امام عدل

تغرفا من بحره البحار



يرجي و يخشي لكل خطب

كأنه جنة و نار



الملك فيه و في بنيه

ما اختلف الليل و النهار



لم تأت اليمين منه شيئا

الا اتت مثلها اليسار



فدحا له بالدرة الثانية التي هي خير من مائة الف [1] و لم تقتصر عطايا المتوكل علي الشعراء و انما شملت هباته الوفيرة للمغنيين و العابثين قال المسعودي: لا يعلم احد متقدم في جد و لا غزل الا و قد حظي في دولته،



[ صفحه 322]



و وصل له نصيب وافر من المال [2] .

لقد تبددت ثروات الأمة و امكانياتها الاقتصادية علي الترف و السفه، من دون أن ينفق أي شي ء منها علي الصالح العام، و علق شوقي ضيف علي نفقات المتوكل بقوله:

«و علي هذا النحو كانت ملايين الدنانير و الدراهم تنفق بدون حساب، و بدون أي رقابة في حفلات القصر و هي حفلات أمدت القصص في كتاب (الف ليلة و ليلة) بكل ما يقع في الخيال و الوهم من بذخ و ترف لا ضفاف له، و بدلا من أن توجه هذه الملايين الي المرافق الشعب و حاجاته أو الي اعداد الجيوش في حروب الترك و البيزنطيين كانت تبدد هذا التبديد الأحمق، و الشعب يكدح و يشقي، و يسيل عرقه مدرارا، و يتجرع غصص البؤس و الحرمان ليعبث المتوكل و غير المتوكل بامواله، فاذا قصور شماء تبني، و ينفق فيها الملايين تلو الملايين، و اذا هي تستحيل الي مقاصف يدور فيها الكأس و الطاس و تنشر حمول الذهب و الفضة، و يروي ان المتوكل شرب يوما في القصر السالف ذكره المسمي بالبركوار فقال: لندمائه، و لم تكن الأيام أيام ورد و رياحين، ارأيتم ان عملنا احتفالا بالورد أو كما نطقه بالفارسية «شاذ كلاه» فقالوا له: لا يكون الشاذ كلاه الا بالورد، و ليست الأيام أيام ورد، فقال: ادعوا لي عبدالله بن يحيي، و كان احد وزرائه فحضر، فقال له: اضرب لي دراهم في كل درهم حبتان من الفضة فسأله كم المقدار يا اميرالمؤمنين؟ فاجابه خمسة ملايين درهم فأمر عبيدالله بضربها، فضربت، و انبأ المتوكل بضربها فقال له: اصبغ طائفة منها بالحمرة، و طائفة بالصفرة، و طائفة بالسواد و اترك طائفة علي حالها، فصنع عبيدالله ما أمر به، ثم تقدم المتوكل الي خدمه و حواشيه - و كانوا سبعمائة - فأمرهم ان يعد كل منهم قباء



[ صفحه 323]



جديدا و قلنسوة بخلاف لون قباء صاحبه و قلنسوته ففعلوا. ثم تحين يوما فيه ريح، فأمر أن تنصب قبة لها اربعون بابا، فاصطبح فيها و الندماء حوله، و علي الخدم الكسوة الجديدة، و أمر المتوكل بنثر الدراهم كما ينثر الورد طائفة، طائفة، فنثرث تباعا، و كانت الريح تحملها لخفتها فتتطاير في الهواء كما يتطاير الورد. [3] .

و كل هذا من الفراغ و من الترف المفرط، فاذا الخلفاء ينعمون بالحياة الي حد السفه و الهوس، و طبقات من ورائهم قتر عليها في الرزق فهي تعيش في ضنك و ضيق شديد...» [4] .


پاورقي

[1] الأغاني.

[2] تاريخ الخلفاء (ص 349).

[3] الديارات (ص 160).

[4] العصر العباسي الثاني (ص 69-68).