بازگشت

الي جنة المأوي


و عاني الامام الزكي أبوالحسن علي الهادي عليه السلام صنوفا مرهقة من المحن و الخطوب من طغاة بني العباس، فقد جهدوا علي ظلمه و الاعتداء عليه، و كان المتوكل من اكثرهم حقدا و ظلما له، فقد نقله من يثرب الي سامراء و فرض عليه الاقامة الجبرية فيها، و احاط داره بقوي مكثفة من المباحث و الأمن، و اخذت تحصي عليه انفاسه، و منع العلماء و الرواة و الفقهاء من الانتهال من نمير علومه، و نقل فتاواه و آرائه، و بذلك فقد جني علي العلم جناية لا تعدلها جناية، كما فرض عليه الحصار الاقتصادي فقد منع من ايصال الحقوق الشرعية التي كانت ترد عليه من القطر و خارجه، و تركه في ضائقة مالية خانقة، و كان يعهد الي شرطته و جلاوزته بتفتيش داره بين حين و آخر لعله يجد فيها من السلاح او الكتب التي تناهض الحكم العباسي ليستحل بذلك اراقة دمه الا انه لم يجد فيها أي شي ء، و كان في بعض الاحيان يأمر بحمل الامام عليه السلام اليه بالحالة التي هو فيها، و قد حمل اليه مرة، و كان الطاغية ثملا و بين يديه كاسات الخمور و قنانيه، و قد احاطت به جوقات المغنيين و المغنيات، فوقف الامام معه بصلابة و شدة و أخذ يعظه، و يذكره الدار الآخرة، و ينعي عليه ما هو فيه من اللهو و الفسق و الفجور، و لما رأي الطاغية اصرار الامام علي الابتعاد عنه، و رفضه للاتصال به و ملازمته لطاعة الله و عبادته امر باعتقاله و ايداعه في سجونه، و يقول الرواة انه سمعه شخص في السجن و هو يقول: أنا أكرم علي الله من ناقة صالح



[ صفحه 346]



و تلا قوله تعالي:(تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب) و لم تمض الأيام الثلاثة حتي هلك الطاغية قتله ولده المنتصر [1] .

و لم تنقض محنة الامام و بلواه بعد هلاك عدوه الطاغية المتوكل، فقد ظل الحكم العباسي يراقبه، و يبغي له الغوائل، و يكيد له في وضح النهار و غلس الليل، لقد نقم العباسيون علي الامام لأنه موضع تقدير الأمة و تقديسها و انها تكن له من الاحترام و التقدير و التعظيم ما لا تكنه لهم، و ان هناك شطرا كبيرا من هذه الأمة تذهب الي امامته، و انه احق و اولي بمركز الخلافة الاسلامية من بني العباس الذين غرقوا في الملذات و الشهوات و ساسوا الناس سياسة بني امية المبنية علي البطش و الجبروت و الكبرياء.

و علي أي حال فانا نعرض - بايجاز - الي الفصول الأخيرة من حياة الامام عليه السلام.


پاورقي

[1] أعلام الوري (ص 363).