بازگشت

مفتح هذا الكتاب


سير أهل بيت النبي صلوات الله و سلامه عليه و عليهم، سير حافلة بكرائم الأقوال و جلائل الأعمال، طافحة بشذا الرسالة و روح النبوة، لا تري فيها الا نماذج أئمة الحق و العدل، و لا تقع عند استقرائها الا علي صور مشرقة لخلفاء الله تبارك و تعالي الذين جعلهم في أرضه تراجمة وحيه، الناطقين عن أمره، الممثلين ظله بين عباده... تحسب الصامت منهم متجلببا بهيبة الرسول، و تجد المتكلم يصدر عن ربه فيما يقول... تعلوه - أبدا - هالة و قار و جلال تجعله مهابا قد ضرب علي المجرة قبابه، و وصل بحبل الله أسبابه... فلا تذكر فضيلة الا و له محضها و خلاصتها، و لا تستعصي حجة الا و علي لسانه حججها و أدلتها... فهو أحري الناس بكل مكرمة لما منحه الله تعالي من خصائص تفرد بها، كسماحة النفس، و الخلق العظيم، و الرسوخ في العلم و الفضل و الحلم، و التمرس بالقرآن و السنة، و كالصدق في القول و الوعد و العهد و غير ذلك من مزايا الكمال التي لا تجتمع في غيره من البشر... و كالايمان العميق الذي يبلغ به مرتبة الأنبياء... و لا شي ء كالايمان لا يحتاج الي برهان بعد أن تؤكده أقوال حامله و أفعاله...

فسير حياتهم عليهم السلام مأدبة غنية تحيا بها القلوب، و تتقوي العقيدة، و يترسخ الايمان، و يكمل العمل و يتقبل، و ترتضي الحياة علي ما فيها من



[ صفحه 10]



أثقال الخطوات الشاقة نحو النعيم المقيم الذي لا ينال يوم الدين الا بتوليهم...

و لم يكن الأئمة عليهم السلام طالبي حكم دنيوي... و لا هم موعودون به فضعفوا عن طلبه و قعدوا عنه، و لا كانوا في مركز ضعف حينما كان سلاطين الزمان يشخصونهم الي عواصم ملكهم، و يضعونهم تحت الرقابة لابعادهم عن قواعد أعمالهم و مفاتح تحركاتهم، و للوقوف بوجه دعوتهم التي تزلزل عروش الظلم، و تظهر زيف الحكم، و تفضح باطل ما كان عليه الحاكمون بل كانو أقوياء مرهوبين، يحسب لقوتهم ألف حساب!.

فلم يولد واحد منهم عليهم السلام، الا انتشر خبر ولادته كلمح البصر، و ذاع صيته بين البدو و الحضر، و ارتاعت لدي سماع اسمه قلوب السلطان و أعوانه، و هابت ذكره أركان الدولة و سائر لحسة قصاعها من الكذبة و سرقة المال... لأنهم - جميعا - علي موعد مع ذلك الأسم الكريم المرعب الذي يعرف بحسبه و نسبه و اصطفائه للأمر و حيا من عندالله، بلغه رسوله الكريم الذي لا ينطق عن الهوي، و بشر به آباؤه واحدا بعد واحد، فصار علي كل شفة و لسان.

نعم، كانوا يرضون بالشخوص الي عواصم خلفاء الزمان «مستضعفين» ليعلنوا و ليبشروا و ينذروا هناك... حيث تتزاحم الأقدام و يزدحم الجبابرة ممن يأكلون التراث أكلا لما و يحبون المال و شهوات النفوس حبا جما!. و لذا كانو مهاجمين من جميع الدائرين في فلك طواغيت الحكم، مراقبين و محاسبين علي مفتريات خصوصهم... صابرين علي ذلك برضي و اطمئنان، لأنهم كانوا يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر في مركز ثقل الدهماء، و بصفتهم شهداء الله تعالي علي الخلق...



[ صفحه 11]



فمن خداع الحواس أن نظن في الأئمة عليهم السلام ضعفا لمجرد النظرة الطائشة لاذعانهم «لأوامر» الحاكم الظالم الذي كان يعتقلهم بجانبه مرة، و يسجنهم مرة، و يطلق سراحهم مرة أخري... فهم مأمورون بالصبر علي هذه الأمور ليتسني لهم القيام بعملهم الذي هو امتداد للرسالة السماوية، و تتيسر اذاعة كلمة العدل عند الحاكم الظالم، و الوقوف في وجه ضلال الأمير، و المشير، و الوزير، و فقيه السوء... و ليكونوا علي اتصال مع كافة من يرودون حول عرش السلطان من ذباب موظفيه و عملائه، و لو ذاقوا الشذا من الحكم تارة و الأذي طورا... لأنهم حجج الله علي عباده، و أمناؤه علي دعوته، و سفراؤه في أرضه... و لو لا ذلك لكانوا كالصقور، و لرأيت كل واحد منهم كالأسد الهصور، تحميهم حصانة الحاكم السماوي الذي لا يرهب الحاكم الأرضي!.

فأهل بيت النبي صلي الله عليه و عليهم كانوا كذلك... و الناس يعلمون أن أمرهم من أمر ربهم سبحانه و تعالي... و لذا كانوا مسحودين، و مجفوين...

أما امامنا أبوالحسن، علي الهادي عليه السلام، الذي نحن بصدد عرض شي ء من سيرته الكريمة، فان كتابنا هذا سيكشف للقاري ء عن جوانب من عظمة الله تعالي في عظمة مخلوقه هذا، و سيريه آيات صنع الله سبحانه في آيات وليه الذي حفلت حياته بأسمي معاني الامامة التي هي خدينة النبوة، فكان لدي التقويم في الميزان، يرجح بجميع أهل ذلك الزمان... قد تقلد الامامة و هو في أوائل السنة التاسعة من عمره، فتصدر يومها مجالس الفتوي بين أجلاء العصر و مشايخ الفقهاء، و بهر العقول بعلمه و فضله... ثم حمل أعباءها طيلة ثلاث و ثلاثين سنة في عصر ظلم و غشم و نفاق، أخذ



[ صفحه 12]



منه - و من العلويين جميعا - و من شيعته - خصوصا - بالخناق!. ولكنه استمر علي أدب الله عزوجل، و سيرة رسوله صلي الله عليه و آله و سلم و نهج آبائه صلي الله عليه و آله و سلم، لايمالي ء حاكما، و لا يهادن ظالما؛ بل يقوم بما انتدب اليه في قصر السلطان، و مجالس الحكم، و بين الأمراء، و في كل مكان... يعيش صراحة الدين، و يجانب الباطل بجرأة لا يكون لها نظير الا عند المنتجب من الله تعالي للولاية علي الناس... منسجما مع أمر السماء التي استسفرته لكلمتها، و قائما بقسط الوظيفة التي خلعت عليه سربال ولايتها... مثبتا أنه علي مستوي ذلك الأمر، في ذلك العصر... تماما كالسفير الذي لا يخرج عن خط دولته، و يدل صدقه مع وظيفته علي حفط كرامة الدولة التي سخت عليه بما وضعته بين يديه من امكانيات، ليستطيع تمثيلها حقا و حقيقة.

و أنا - في كتابي هذا - أحب أن يعرف قرائي الأعزاء شيئا عرفته من مزايا هذا الامام العظيم، ليكونوا علي بينة من أمر الله سبحانه و تعالي في من يولي عليهم، فانهم يوم القيامة لموقوفون... و انهم عن أئمتهم في الدين لمسوولون...

و قد قال الامام الصادق عليه السلام: «يجي ء الرجل يوم القيامة و له من الحسنات كالسحاب الركام، أو كالجبال الرواسي. فيقول: يا رب أني لي هذا، و لم أعملها؟!. فيقول: هذا علمك الذي علمته الناس، يعمل به من بعدك... [1] .

فعلينا أن نتعلم... و أن يعلم بعضنا بعضا ما فيه سعادتنا في الدارين (... من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله...) [2] فان المعرفة باب النجاة، و الجهل يؤدي الي البوار و الخسران...



[ صفحه 13]



و قال معاوية بن عمار: «قلت لأبي عبدالله - الصادق عليه السلام -: رجل رواية لحديثكم يبث ذلك الي الناس و يسدده في قلوب شيعتكم، و لعل عابدا من شيعتكم ليست له هذه الرواية، أيهما أفضل؟.

قال: الرواية لحديثنا يبث في الناس و يسدده في قلوب شيعتنا، أفضل من ألف عابد» [3] .

لذا تصديت لهذا الأمر، دون أن أنصب نفسي معلما أو راوية يبث أخبار هذه العترة الطاهرة في الناس، بل كنت جماعا - لهذه الأمور - غير وضاع، متوخيا أن يجد المعلم و الراوية مادة التعليم و الرواية بين أيديهما محضرة مهيأة فيتيسر لهما القيام بواجبهما حين يجدان وسائل العمل مرتبة جاهزة لتثقيف الآخرين، مبتغيا من وراء ذلك انارة زاوية من زوايا حياتنا الدنيا الزائلة، و راجيا بلوغ الغاية المرجوة في حياتنا الأخري الدائمة.

و ما كنت - بالحقيقة - لأختار هذا الموضوع و أبذل جهدي في الكتابة عن أهل البيت عليهم السلام، لو لا أنهم شجرة النبوة المقطوعة من أكثر المسلمين، و حبل الله الممدود من السماء الي الأرض فلا يعبر الا من تمسك به... و لم يتمسك به الا القليلون!. و كتابتي فيهم لا - و لن - تبلغ سوي جزء من آلاف الأجزاء مما كانوا عليه من المنزلة السامية التي لا يبلغ شأوها قلم كاتب و لا فكر ثاقب.



[ صفحه 14]




پاورقي

[1] بصائر الدرجات: ج 2 ص 3.

[2] الروم: 43.

[3] بصائر الدرجات: ج 2 ص 3.