بازگشت

المامة عابرة بمزايا العترة الطاهرة


ان أول آية خارقة من آيات أهل بيت النبي صلوات الله عليه و عليهم، أنهم سبقهم تاريخهم و كتب قبل ولادتهم. فقد حدث به النبي صلي الله عليه و آله و سلم أصحابه قبل حدوثه، و أطلعهم علي ما يجري عليهم واحدا بعد واحد سلفا، و نقل اليهم ما خطه قلم القدرة في اللوح المحفوظ عنهم، و ما قضي به الباري ء عز و علا عليهم، فتحدث الناس بأوصياء النبي صلي الله عليه و آله و سلم، و بعددهم، و أسمائهم، و صفاتهم، و بما يصيب عليا، و الحسن، و الحسين... حتي الامام الثاني عشر عجل الله تعالي فرجه... ثم وصف علمهم و فضلهم، و بين صفاتهم و لم يترك خافيا من أمورهم، كيلا يضل الناس عنهم و لا يحيدوا عن الدين و عما كلفهم به رب العالمين... فصار تاريخ أهل البيت عليهم السلام يدور علي كل لسان قبل أن يولد أكثرهم، و قبل أن يولد آخرهم بمئتين و خمس و خمسين سنة... ثم تناقله الرواة، و تحدثت به الركبان، و صار معلوما لدي القاصي والداني، جاريا علي لسان المؤالف و المخالف... كما أنه كتب - يومئذ - مجمل تاريخ بعض الصحابة، اذ ذكر النبي صلي الله عليه و آله و سلم نصر بعضهم لأهل بيته، و ظلم البعض الآخر لهم، و قيام سلاطين جبارين... و أعطي من أعلام الغيب ما مدح به قوما و ذم آخرين، و كشف لأمته عن كثير مما يجري بعد لحوقه صلي الله عليه و آله و سلم بالرفيق الأعلي.



[ صفحه 15]



و التاريخ الذي كتبه الله عزوجل لا يمحي، اذ لا مبدل لكلماته سبحانه... و الحديث الشريف الذي نقله رسوله صلي الله عليه و آله و سلم عن الوحي لا يطمس، و لا يعفو أثره مهما زور المزورون، لأن الحق ينادي علي نفسه و ينفض عن وجهه الركام و الغبار مهما تطاولت الأزمنة و الأدهار... فأنت اذا استقصيت ما كتبه السلف الصالح عن أئمة أهل البيت عليهم السلام، و استنطقت بطون الكتب، وجدت الخطوط تتكامل بين يديك شيئا فشيئا، و وصلت الي تكوين صورة مشرقة واضحة المعالم تدل عليهم أصدق دلالة، و لا تنطبق علي غيرهم بوجه من الوجوه لأنهم خلقوا معلمين مفهمين، يعرفون كل لغة و يتكلمون بكل لسان معرفة لدنية موهوبة لهم من ربهم كما وهب لنا ولهم النظر و السمع و الحس دون أن يعلمنا أهلنا كيف نري أو كيف نسمع أو كيف نحس...

فمن عطايا الله سبحانه لسفرائه في أرضه أنهم يزقون العلم زقا، فيولدون علماء، حلماء حكماء، ذوي أدب رباني موهوب - غير مكسوب - فلا يعيون بجواب و لا ينطقون الا بالصواب... تكاد أجوبتهم تدع السامع مشدوها من العجب لبلاغة منطقهم و صدق حكمهم، من دون فرق بين كبيرهم و صغيرهم، لأنهم يصدرون عن معين واحد، و يتمتعون بنفس الكفاءة خلقا من عند ربهم و تمييزا لهم عمن سواهم... و كمثل علي بعض أحوالهم نورد لك ما رواه عبد العظيم الحسني، عن علي بن محمد - امامنا الهادي - عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه الرضا، علي بن موسي عليهم السلام، حيث قال:

«خرج أبوحنيفة من عند الصادق عليه السلام، فاستقبله موسي بن جعفر عليه السلام - و هو دون السابعة من عمره -، فقال له أبوحنيفة: يا غلام، ممن المعصية؟.



[ صفحه 16]



قال عليه السلام: لا تخلو من ثلاث:

اما أن يكون من الله عزوجل!. و ليست من الله. فلا ينبغي للكريم أن يعذب عبده بما لا يكتسبه.

و اما أن يكون من الله عزوجل و من العبد... و ليس كذلك. فلا ينبغي للشريك القوي أن يظلم الشريك الضعيف.

و اما أن يكون من العبد... و هي منه. فان عاقبه الله فبذنبه، و ان عفا عنه فبكرمه وجوده» [1] .

فزن جواب هذا الغلام بميزان العقل و العدل - و لا تنس أنه يخاطب فقيها كبيرا من فقهاء ذلك العصر يري أن العبد محمول علي ارتكاب المعصية مجبور عليها لأنه مقضي عليه من الله تعالي بها - فزن ذلك تعلم أي فقه يحمل هذا الغلام العظيم، و أية حكمة تجري علي لسانه حين يضع الأحكام الحقيقية في مواضعها بعد أن يفلسفها فلسفة عقلية بليغة، و تعلم - أيضا - أن الله سبحانه يطلع سفراءه المنتجبين علي كل كبيرة و صغيرة في الأرض، و لا يحجب عنه شيئا ليكونوا علي بينة مما يجري حولهم، كما هو شأن السفير الذي لا تخفي عنه دولته أمرا من أمورها. فقد روي علي بن حمزة عن امامنا الهادي عليه السلام ما يلي:

«سمعته يقول: ما من ملك يهبطه الله في أمر، ما يهبطه الا بدأ بالامام فعرض عليه. و ان مختلف الملائكة من عند الله تبارك و تعالي الي صاحب هذا الأمر [2] «- أي الي الامام الحجة علي الناس -.

فعن محمد بن يعقوب باسناده عن الحسن بن راشد، قال:



[ صفحه 17]



«سمعت أباعبدالله عليه السلام يقول: ان الله تبارك و تعالي اذا أحب أن يخلق الامام أمر ملكا فأخذ شربة من ماء تحت العرش فيسقيها أباه، فمن ذلك يخلق الامام؛ فيمكث أربعين يوما و ليلة في بطن أمه لا يسمع الصوت، ثم يسمع بعد ذلك الكلام. فاذا ولد بعث الله ذلك الملك فيكتب بين عينيه: و تمت كلمة ربك صدقا و عدلا، لا مبدل لكلماته و هو السميع العليم. فاذا مضي الامام الذي كان قبله، رفع لهذا منار من نور ينظر فيه الي أعمال الخلائق. فبهذا يحتج الله علي خلقه» [3] .

فمن المعروف أن الموفد من الدولة الي دولة أخري بهمة ما، يراجع - أول ما يراجع - سفير دولته، و يدخل - بادي ء بدء - علي المنتدب من حكومته، ليطلعه علي ما جاء بشأنه و ما انتدب اليه من عمل. فالأجدر بحكومة السماء - ذات النظام الازلي الدقيق - أن تكون علي مستوي أرفع من جميع الأنظمة الأرضية من حيث الدقة في التخطيط و التنفيذ... و لا عجب - اذا - أن يمر كل أمر سماوي عبر سفير السماء ليعرف جميع ما يدور في مملكة الله الكبري، و ليطلع علي ما يحدث فيها و يستجد من قضاء ربه تعالي و قدره، و علي ما يلج في الأرض و ما يخرج منها، و ما ينزل من السماء و ما يعرج اليها... و ليعلم كل شي ء في وقته، فيكون حينئذ السفير المنتدب من لدن الحضرة القدسية بحق و حقيقة.

و ان الذين يمارون في هذه الأمور يغالطون عقولهم، و يسيئون فهمها اذا أنكروا النظام الالهي و هم يرون الترتيبات الأرضية التي صنعوها بأيديهم. بل انهم حين ينكرونها يخالفون المنطق السليم، و يزجون أنفسهم في مدار انكار قدرة الله تعالي علي تسيير شؤون كونه العظيم و ادارة ملكه



[ صفحه 18]



الواسع، و يسيرون في ركاب المنكرين لكل أوامر الله سبحانه من الذين كفروا (و قالوا ان هي الا حياتنا الدنيا و ما نحن بمبعوثين (29)) [4] أي أنهم يلحدون بالسماء و بأوامرها برمتها و يقفون من صف المعاندين...

فلا بد من تمرير أمر الله عز اسمه علي عبده المنتجب أولا و بالذات لأنه اختاره من بين خلقه لامامة خلقه. و لذا قال الامام الصادق عليه السلام: «نحن السبب بينكم و بين الله». [5] و هذا معني كونهم السبب بيننا و بين ربنا عزوجل.

فنلفت النظر الي أن الجهل بشأن أئمة أهل البيت عليهم السلام، لا يشكل عذرا للجاهل بحالهم و بحقهم، و لا هو حجة مقبولة بين يدي الله تعالي يوم الدين!. كما أن معرفتهم السطحية التقليدية لا تكون باب خلاص في قسطاس العمل المقبول عنده سبحانه... فوجب أن نعرفهم بما هم فيه، و بما كانوا عليه، و بما انتدبهم الله عز اسمه اليه من حماية دينه و رقابة عباده، لنرجع الي معدن العلم و الحكمة في سائر أمور ديننا و دنيانا، و لنستقي من منابع تتفجر معرفتها من سرادق عرش الرحمان، فنصدر في تصرفاتنا و أعمالنا عن مشرعين ربانيين اصطفاهم خالقهم عزوجل و جعلهم حججا علي خلقه و هداة لهم الي سواء السبيل اجتباء لهم منه سبحانه و آدم بين الطين و الماء!. فان نفس عليهم أحد بما أعطاهم الله سبحانه من فضله، و بخل عليهم بكيفية خلقه لهم علي هذه الشاكلة، فليطفي ء نور الشمس اذا استطاع، أو فليأت بها من الغرب اذا قدر، أو فليطأطي ء رأسه صاغرا لمشيئة الله عزوجل و لا «يتفرعن» و ينصب نفسه شريكا لله عز و علا في خلقه...



[ صفحه 19]



قال الحكم بن عيينة: «لقي رجل الحسين بن علي بالثعلبية و هو يريد كربلاء، فدخل عليه.

فقال له الحسين عليه السلام: من أي البلاد أنت؟

قال: من أهل الكوفة.

قال يا أخا أهل الكوفة، أما و الله لو لقيتك بالمدينة لأريتك أثر جبرائيل من دارنا، و نزوله علي جدي بالوحي. يا أخا أهل الكوفة، مستقي العلم من عندنا. أفعلموا و جهلنا؟!. هذا ما لا يكون» [6] .

و أكرم بهذه القولة الكريمة من سيد الشهداء عليه السلام، فهي قولة لا يجرؤ عليها الا هو أو من كان من أهل بيته امام حق مكرس من عند ربه!. و ان تواقح و قالها غيرهم، كذبه الله و ملائكته و سائر خلقه. و هي كلمة لو وعاها المسلم لرأي فيها رسالة منه سلام الله عليه لكافة المسلمين، تضارع قولة حسامه يوم الطف حيث ضرب الباطل بسيف الحق فأبقي علي كلمة لا اله الا الله... الي يوم القيامة!. فليتأمل بعين عقله و صافي فكره (و لتنظر نفس ما قدمت لغد) [7] .

و عن حسان بن سدير أن أباجعفر الباقر عليه السلام قال:

«ان الله علما عاما و علما خاصا. فأما الخاص فالذي لم يطلع عليه ملك مقرب و لا نبي مرسل. و أما علمه العام الذي اطلعت عليه الملائكة المقربون و الأنبياء المرسلون، قد رفع ذلك كله الينا» [8] .



[ صفحه 20]



و روي بمعناه - و قريب منه - عن أكثر الأئمة عليهم السلام.

و حدث سماعة أن أباعبدالله عليه السلام قال:

«ان الله علما علمه ملائكته و أنبياءه و رسله فنحن نعلمه، و لم يطلع عليه أحد من خلق الله» [9] .

فدع علم الساعة الذي هو لله عز و علا، تجد عندهم علم ما كان و ما يكون الي يوم القيامة، منحة من الكريم الوهاب الذي اختارهم كفاء وظيفتهم الالهية.

و قد روي جابر أن عبدالله عليه السلام قال:

«لما نزلت هذه الآية: «يوم ندعوا كل أناس بامامهم) [10] قال المسلمون: يا رسول الله، ألست أمام الناس كلهم أجمعين؟!.

فقال رسول الله صلي الله عليه وآله و سلم: الي الناس أجمعين، ولكن سيكون بعدي أئمة علي الناس من الله، من أهل بيتي، يقومون في الناس فيكذبون و يظلمهم أئمة الكفر و الضلال و أشياعهم. ألا و من والاهم و اتبعهم و صدقهم فهو مني، و معي، و سيلقاني. ألا و من ظلمهم، و أعان علي ظلمهم، و كذبهم، فليس مني، و لا معي، و أنا منه بري ء» [11] .

و من تبرأ منه رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، فسيحشر يوم القيامة مع أئمة الكفر و النفاق (و ما له في الأخرة من خلاق (200)) [12] .

و قد قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: «أنا، أهل البيت، أهل بيت الرحمة،



[ صفحه 21]



و شجرة النبوة، و موضع الرسالة، و مختلف الملائكة، و معدن العلم» [13] .

و روي مثله عن الامام زين العابدين عليه السلام مبتدأ بقوله: «ما تنقم الناس منا...؟» [14] و كذلك روي عن ابنه الباقر و حفيده الصادق، فابن حفيده الكاظم عليهم السلام جميعا بلفظه [15] .

و (انه لقول رسول كريم (19)) [16] علي الله سبحانه!. و لا يجوز لمؤمن بدعوته أن يتخذه ظهريا اذ لم يقله من عند نفسه و لا نطق به الا عن وحي نزل من ربه فيه و في أهل بيته الذين - للأسف - لا قوا من ظلم المسلمين ما لا يعلمه الا الله تعالي!.

فبأي آلائهم يا رب - كانوا هكذا مجفوين من قبل المسلمين؟!. أليسوا- هم - ذرية رسول الاسلام التي لازمت الحق و بقيت مع دعوة الرسول في أحلك ظروفها؟!. يتخايل لي أن سبب جفوة الناس لهم كانت بدافع حب الدنيا و التهرب من مسؤولية القيام بأوامر الله تعالي و نواهيه قياما حقا... الي جانب حسدهم علي المرتبة التي رتبهم الله سبحانه فيها.

و حقيقة ماذا ينقم الناس منهم حتي فارقوهم و نسوا وصية جدهم التي نزلت من عندالله تبارك و تعالي القائل له: يا محمد (قل لآ أسئلكم عليه أجرا الا المودة في القربي)؟!. [17] فهل أخذوا عليهم حكما بدلوه فلم يوادوهم، أم حدا عطلوه فقلوهم، أم فرية اجترحوها فنابذوهم و انتبذوا منهم، و فارقوهم؟!.



[ صفحه 22]



لم ينج أحد من الصحابة و التابعين - أنصارا و مهاجرين - من مهمز أو ملمز - الا من عصم الله - سواهم، و لا عفت الألسن عن ذكر أحد بالسوء الا اذا دار عليها ذكرهم، لأنهم مبرأون من كل عيب و منزهون عن أبي ريب، لم يجاوزوا الكتاب و لا حادوا عن السنة، بل كانوا عدلهما كليهما... قد أذهب الله تعالي عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا بنص القرآن الكريم...

قال علي بن عبدالله: «سأل الامام الصادق رجل عن قوله: (فمن اتبع هداي فلا يضل و لا يشقي (123)) [18] .

قال: من قال بالأئمة، و تبع أمرهم، و لم يجز طاعتهم» [19] .

أما من رد هذا القول، فهو حر في أن يختار لنفسه و يتحمل وزر رده (و أما من ءامن و عمل صالحا فله جزآء الحسني و سنقول له من أمرنا يسرا (88)...) [20] و الايمان لا يتم الا بموادتهم لأنهم حملة القرآن و تراجمته، و حفظة سنة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و نقلتها، لم يفتهم حكم الهي يتناول أي شأن من الشؤون، و لا خفي عليهم شي ء من أمور الناس، و لا كانت تغيب عنهم خاطرة تمر في نفوس جلسائهم، فان أمور الناس، و لا كانت تغيب عنهم خاطرة تمر في نفوس جلسائهم، فان عدة من أصحاب الامام الصادق عليه السلام - فيهم عبدالأعلي، و عبيد بن عبدالله بن بشر الخثعمي، و عبدالله بن بشر، سمعوه يقول:

«اني لأعلم ما في السماوات، و أعلم ما في الأرض، و أعلم ما في الجنة، و أعلم ما في النار، و أعلم ما كان و ما يكون!.



[ صفحه 23]



ثم مكث هنيئة فرأي أن ذلك كبر علي من سمعه فقال: علمت من كتاب الله. ان الله يقول: فيه تبيان كل شي ء» [21] .

و هذا مما لم يقله أحد غير الامام الصادق و آبائه و أبنائه عليهم السلام، لأنه لا يتجرأ علي قوله من تكذبه شواهد الامتحان... فانهم - بعد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم - أوتوا العلم - كل العلم - و بأيديهم مواريث الأنبياء من لدن آدم حتي خاتم النبيين صلوات الله عليهم أجمعين.

فاستمع الي ما حدث به ابراهيم بن مهزم الذي قال: «خرجت من عند أبي عبدالله عليه السلام ليلة ممسيا، فأتيت منزلي في المدينة و كانت أمي معي، فوقع بيني و بينها كلام فأغلظت لها... فلما كان من الغد صليت الغداة و أتيت أباعبدالله عليه السلام.

فلما دخلت عليه قال: مالك و لخالدة أغلظت في كلامها البارحة؟. أما علمت أن بطنها منزل قد سكنته، و أن حجرها مهد قد غمزته، و ثديها و عاء قد شربته؟.

قلت: بلي.

قال: فلا تغلظ لها» [22] .

فالأئمة عليهم السلام لا تخفي عليهم أفعال شيعتهم و لا أفعال غيرهم، بل يطلعون علي أعمال الناس و أحوالهم تباعا و يعلمون ما يضمرونه بعلم لدني اختصهم الله تبارك و تعالي به لأنهم أمناؤه و حججه في ملكوته الأعظم،



[ صفحه 24]



و الدولة لا تكتم عن أمينها شيئا من معلوماتها و دساتيرها و أنظمتها... و قد روي أبوبصير أن أبا عبدالله عليه السلام قال له:

يأبا بصير، أنا أهل بيت أوتينا علي المنايا و البلايا و الأنساب - و الله لو أن رجلا منا قام علي جسر ثم عرضت عليه هذه الأمة، لحدثهم بأسمائهم و أنسابهم» [23] .

فلا ينبغي أن نحور و ندور - لئلا نمسك بحبالة الشيطان فيضلنا عن حقيقة أهل بيت نبينا صلوات الله عليه و عليهم - فان الله سبحانه حين وهبهم مننه الجزيلة لم يستشر أحدا منا لنكون شركاء له في العطاء و المنع... و لا تعجب من علمهم العام، و لا بمعرفتهم بما في النفوس، فان المرآة العادية تري الانسان العادي صورته الطبيعية بملامحها الظاهرة و ألوانها و ظلالها الحقيقية، و لا تنقص و لا تزيد في الصورة شيئا، ولكنها لا تكشف عما وراء الصورة الظاهرة، و لا تطلعه علي ما في داخلها و لا تفضح سرا مكتوما، و لا تبين مخبأ في الصدر.

أما المرآة السرية التي منحها الله تعالي للأئمة عليهم السلام - و هي عمود النور أقلا، أو عيونهم التي تخترق الكثافات [24] - فانها تكشف لهم عن ضمائرنا و عما وراء صورنا الظاهرة، و تفضح الأسرار و لا تبقي مكنونا و لا مكتوما و لا خافيا... فهي تفوق أشعة لا يزر و تفوق الكهرباء و الالكترون. لأنها مرآة ترتسم عليها الصورة و سائر ما يعتمل في النفس... و ان جميع تصرفاتهم مع الناس تدل علي ذلك بفضل من الله عليهم لأنهم أمناؤه و أهل طاعته و حاملو دعوته.



[ صفحه 25]



قال سيف التمار: «كنا مع أبي عبدالله عليه السلام، جماعة من الشيعة في الحجر فقال: هل علينا عين؟. - أي هل يراقبنا أحد؟ -.

فالتفتنا يمنة و يسرة فلم نر أحدا، فقلنا: ليس علينا عين.

فقال: و رب الكعبة؛ و رب البيت - ثلاث مرات - لو كنت بين موسي و الخضر لأخبرتهما أني أعلم منهما و لأنبأتهما بما ليس في أيديهما، لأن موسي و الخضر أعطيا علم ما كان و لم يعطيا علم ما هو كائن الي يوم القيامة فورثناه عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم وراثة» [25] .

و يمين الامام الصادق عليه السلام برب الكعبة و رب البيت - ثلاث مرات - لها وزنها في عالم الاعتبار و التقدير!. فانه لا يتجرأ علي مثل قوله هذا أحد، كائنا من كان من العلماء و الفقهاء و أهل الملة، بل ان أحد قاله كذبه جليسه، و فضحه حديثه.

و قال الحسن بن الجهم: «حضرت مجلس المأمون يوما و عنده علي بن موسي الرضا عليه السلام، و قد اجتمع الفقهاء و أهل الكلام من الفرق المختلفة، فسأله بعضهم فقال له: يا ابن رسول الله، بأي شي ء تصح الامامة لمدعيها؟.

قال: بالنص و الدليل.

قال له: دلالة الامام فيم هي؟.

قال: في العلم، و استجابة الدعوة.

قال: فما وجه اخباركم بما يكون؟.

قال: ذلك بعهد معهود الينا من رسول الله صلي الله عليه وآله و سلم.

قال: فما وجه اخباركم بما في قلوب الناس؟.



[ صفحه 26]



قال عليه السلام: أما بلغك قول الرسول صلي الله عليه و آله و سلم: اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله؟!.

قال: بلي.

قال: و ما من مؤمن الا و له فراسة، ينظر بنور الله علي قدر ايمانه و مبلغ استبصاره و علمه. و قد جمع الله في الأئمة منا ما فرقه في جميع المؤمنين» [26] .

فانه لو تسني لكائن من كان أن تجتمع فيه فراسة جميع المؤمنين، لنفذ بصره الي ماوراء الآفاق فضلا عما وراء شغاف القلوب، و لشق الصخر و اخترق البحر و علم ما توسوس به النفوس و تعتمل به الضمائر و أتي بالعجب العجاب... و لبطل عجبه من قدرة الأئمة عليهم السلام علي معرفة ما تنعقد عليه القلوب...

هذا، و ان الامام الكاظم عليه السلام قال في حديث رواه عنه في بن يقطين بمناسبة ملك سليمان عليه السلام الذي لا ينبغي لأحد من بعده:

«قد و الله أوتينا ما أوتي سليمان و ما لم يؤت سليمان، و ما لم يؤت أحد من الأنبياء... قال الله عزوجل في قصة سليمان عليه السلام: (هذا عطآؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب (39)(. و قال عزوجل في قصة محمد صلي الله عليه و آله و سلم: (و مآ ءاتاكم الرسول فخذوه و ما نهاكم عنه فانتهوا)» [27] .

فما أعطاه الله تعالي لنبينا محمد صلي الله عليه و آله و سلم أفضل مما أعطاه لسليمان عليه السلام، لأنه سبحانه أعطي سليمان ما أعطي و فوض الأمر اليه في بذله و منعه، ولكنه لم يفوض اليه تعيين أمر... و ذاك بخلاف ما أعطي



[ صفحه 27]



نبينا صلي الله عليه و آله و سلم، فانه فوض اليه الأمر و أمر الناس باتباعه في كل ما يقول. مما يعني اطلاق صلاحية خاتم النبيين بفضل ما اختصه الله سبحانه به من سمو المنزلة، و ما حباه من العلم و الفضل و الحكمة، فجعله له يتعدي الحق و لا يحيد عن الصواب في جميع أقواله الكريمة و أفعاله العظيمة.

فالأئمة الاثنا عشر عليهم السلام أعلام الهدي في الأرض، و العروة الوثقي، و حجج الله علي أهل الدنيا. و هم يعرفون محبهم من مبغضهم و ما انعقد عليه قلب كل واحد من النوايا، بمنحة ربانية أقدرهم الله تعالي بها علي ذلك بعفوية تامة و دون تنجيم و لا حساب و لا ضرب بالرمل. و قد روي جابر أن أباجعفر عليه السلام قال:

«ان الله أخذ ميثاق شيعتنا فينا في صلب آدم، فنعرف بذلك حب المحب و ان أظهر خلاف ذلك بسبيله - أي استعمل التقية و تظاهر بعدم حبهم - و نعرف بغض المبغض و ان أظهر حبنا أهل ابيت» [28] .

فعلمهم - بجملته و تفصيله - هو ميراثهم من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم كما مر؛ و هم لا يقولون برأيهم، و لا يتعدون أصول ما هو عندهم من ميراث النبوة قيد أنملة. و لذلك قال أبوجعفر عليه السلام لجابر أيضا:

«يا جابر، لو كنا نحدثكم برأينا و هوانا لكنا من الهالكين. و لكنا نحدثكم بأحاديث نكنزها عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، كما يكنز هؤلاء ذهبهم و فضتهم» [29] .

و قد بينا في كتابنا «الامام الجواد عليه السلام، أنهم ملهمون، محدثون،



[ صفحه 28]



مفهمون، ينكت في قلوبهم، و ينقر في أسماعهم، و معهم ملك عظيم - أكبر من جبرائيل عليه السلام - يسددهم و يؤيدهم... و توسعنا حول ذلك كثيران و لن نكرر هنا بعد أن برهنا علي كونهم يعرفون جميع الناس، و يتكلمون بكل اللغات، و يعلمون ما ينقص في الأرض و ما يزاد من حق أو باطل، و يفهمون منطق الطير و الأنعام و سائر المخلوقات، و يعرفون الناس بسيماهم فلا تخفي عليهم منهم خافية... ولكنهم ليسوا بأنبياء... فقط.

و لا يجفلنك هذا القول... و لا تعجب مما هم عليه من الكرامة و المقامة العلية و القدرة علي معرفة ما غاب عن الناس، فانهم هكذا خلقوا من لدن ربهم عزوجل، ثم زودهم بامكانات عظيمة كالاسم الأعظم الذي تنفتح به مغالق الأمور و يتيسر به كل عسير، و قد قال علي بن محمد النوفلي: سمعت الامام أباالحسن الهادي عليه السلام يقول:

«اسم الله الأعظم ثلاثة و سبعون حرفا. و انما كان عند آصف منه حرف واحد تكلم به فانخرقت له الأرض فيما بينه و بين سبأ، فتناول عرش بلقيس حتي صيره الي سليمان، ثم انبسطت الأرض في أقل من طرفة عين!. و عندنا منه اثنان و سبعون حرفا، و حرف واحد عند الله جل و عز استأثر به في علم الغيب» [30] .

فدع - اذا - أنهم أنبياء... و قل في علمهم الرباني ما تشاء!.

و كلامنا فيهم لا يقاس بعطاء الله تعالي القائل: (و ان من شي ء الا عندنا خزآئنه و ما ننزله الا بقدر معلوم (21)) [31] فقد نزل عليهم من خزائن علمه ما شاء بعد أن انتجبهم أصفياء من خلقه، ثم لم يحجب عنهم الا علم



[ صفحه 29]



الساعة - فقط - و علمهم ما دون ذلك جميعا و أقدرهم علي معاجز الأنبياء السابقين كلها، حتي شفاء المرضي، و ابراء الأكمه و الأبرص، و احياء الموتي باذنه سبحانه و تعالي عطاء منه غير مجذوذ ليكونوا ذوي لياقة لخلافته في أرضه و سفارته عن سمائه... فقد قال أبوحمزة الثمالي رضوان الله عليه: «قلت لعلي بن الحسين عليه السلام: الأئمة يحيون الموتي و يبرئون الأكمه و الأبرص، و يمشون علي الماء؟.

قال: ما أعطي الله نبيا شيئا قط، الا و قد أعطاه محمدا صلي الله عليه و آله و سلم، و أعطاه ما لم يكن عندهم.

قلت: و ما كان عند رسول الله -صلي الله عليه و آله و سلم، فقد أعطاه أميرالمؤمنين عليه السلام؟.

قال: نعم، ثم الحسن و الحسين عليهماالسلام من بعد كل امام اماما الي يوم القيامة مع الزيادة التي تحدث في كل سنة، و في كل شهر... ثم قال: اي و الله في كل ساعة!» [32] .

و ليس في هذا الأمر غرابة... فان عظمة السفير من عظمة دولته، و السفارة عن السماء لابد أن تكون علي غير ما يألفه الأرضيون.

قال أحمد بن علي: «دعانا عيسي بن أحمد القمي، لي و لأبي و كان أهوج - أي طويلا في حمق و طيش و تسرع - فقال لنا: أدخلني ابن عمي أحمد بن اسحاق، علي أبي الحسن - عليه السلام - فرأيته. و كلمه بكلام لم أفهمه، ثم قال له:

جعلني الله فداك، هذا ابن عمي عيسي بن أحمد، و به بياض في ذراعه و شي ء قد تكتل كأمثال الجوز.



[ صفحه 30]



قال: فقال لي: تقدم يا عيسي.

فتقدمت، فقال لي: أخرج ذراعك.

فأخرجت ذراعي، فمسح عليه و تكلم بكلام خفي طول فيه، ثم قال: بسم الله الرحمن الرحيم، ثم التفت الي أحمد بن اسحاق قال: يا أحمد بن اسحاق، كان علي بن موسي يقول: بسم الله الرحمن الرحيم أقرب من الاسم الأعظم من بياض العين الي سوادها.

ثم قال: يا عيسي.

قلت: لبيك.

قال: أدخل يدك في كمك، ثم أخرجها.

فأدخلها، ثم أخرجها و ليس في يده قليل و لا كثير» [33] .

أجل، هكذا كان... و لا يكون ذلك كذلك الا باذن الله تبارك و تعالي و علي يد وليه الذي أقدره بمشيئته علي مثل هذه الآية الالهية التي لا سحر فيها و لا شعوذة...

و في عيون المعجزات، عن أبي جعفر بن جرير الطبري، عن عبدالله بن محمد البلوي، عن هاشم بن زيد، قال:

رأيت علي بن محمد، صاحب العسكر - أي امامنا الهادي عليه السلام - و قد أتي بأكمه فأبرأه، و رأيته يهي ء من الطين كهيئة الطير، و ينفخ فيه فيطير!.

فقلت له: لا فرق بينك و بين عيسي عليه السلام؟!!

فقال: أنا منه، و هو مني» [34] .



[ صفحه 31]



نعم، انهما من طينة واحدة... و ما قدرا عليه من ابتداع العجائب غير المألوفة هو من الله تعالي و باذنه... و قد تخرجا من الجامعة الالهية كلاهما اذ قال سبحانه: (ان الله اصطفي ءادم و نوحا و ءال ابراهيم و ءال عمران علي العالمين (33) ذرية بعضها من بعض...) [35] و جعل سبحانه هذه الذرية من البشر، ولكنه جبلها من طينة أعلي من طينة الناس، و رصدها لأمره و دعوته، و أفاض عليها من قدرته ما يمكنها من الاتيان بالآيات الدالة علي شأنها و شاوها الرفيع... و في الخبر القدسي أن الله تعالي قال: يا عبدي أصعني تكن مثلي، تقول للشي ء: كن، فيكون... فأين البشر العاديون عن مثل تلك العبودية الحقة التي تخولهم احتلال مثل هذه المرتبة السامية؟!!

ولكن، لك أن تسأل: هل كان الاما عليه السلام جالسا علي قارية الطريق يتسلي بجبل الطين و جعله طيرا ليصفق له الحاضرون؟. أم وقف وسط حلقة المتفرجين يريهم براعته و مواهب الله تعالي له. ليعترف بفضله المتفرجون؟!!

لا، لا هذا و لا ذاك... و علينا أن نبين لك أن الامام عليه السلام لا يأتي بمثل هذه المعجزة الا بمناسبة يكون قد تحداه فيها كفر كافر و مروق مارق أو تحدي قدرة الله تعالي و أنكر أن يكون قد مكن واحدا من البشر أن يأتي بمثلها، من جهة، و أن هذه الآية لابد أنها طلبت منه هي بذاتها من أحد المعاندين الذين يعترضون علي مشيئة الله سبحانه و يبارزون قدرته من جهة ثانية، و أن الامام لا يستجيب لذلك اذا لم يكن من مبرر له، بحيث يستفيد من صدور هذا العمل المعجز بعض الناس أو كثير من الناس من جهة أخيرة... و سامح الله الراوي الذي لم يذكر تلك المناسبة حين أورد هذه



[ صفحه 32]



الآية التي لم يقم بها الا المسيح عليه السلام من قبل ليصفع الكفر و النفاق و المروق.

و اليك أختها فيما رواه أبوالتحف المصري، يرفع الحديث برجاله الي محمد بن سنان الرامزي أعلي الله مقامه، اذ يقول:

«كان أبوالحسن، علي بن محمد عليهماالسلام حاجا. و لما كان في انصرافه الي المدينة و جد رجلا خراسانيا واقفا علي حمار له ميت يبكي و يقول: علي ماذا أحمل رحلي؟!.

فاجتاز عليه السلام به فقيل له: هذا الرجل الخراساني ممن يتولاكم أهل البيت.

فدنا من الحمار الميت فقال: لم تكن بقرة بني اسرائيل بأكرم علي الله تعالي مني، و قد ضرب ببعضها الميت فعاش. ثم و كزه برجله اليمني و قال: قم باذن الله.

فتحرك الحمار، ثم قال!. و وضع الخراساني رحله عليه و أتي به المدينة.

و كلما مر الامام - عليه السلام؛ أشاروا اليه باصبعهم و قالوا: هذا الذي أحيا حمار الخراساني» [36] .

و في هذه المرة لم يتحد الامام أحد، فما باله يأتي بهذه المعجرة المدهشة...

انه أتي بها ليتحدي - هو هذه المرة - أفواج الحجيج ذي الضجيج الذي لا يسمع الله تعالي له تلبية و لا دعاء ضال عن حجته في أرضه،



[ صفحه 33]



و منصرف مع أهوائه و شهواته... فلفت بها الأنظار... و امتدت اليه الأصابع تشير الي محيي الميت باذن الله تعالي... و حرك بها الأفكار و القلوب ليتفكر من كان يلقي السمع و هو شهيد... و تناقلها الناس فطارت الي كان صقع في أقاصي المعمور..

و قد سبقه الي مثلها جد أبيه، الامام الكاظم عليه السلام، كما في رواية علي بن المغيرة الذي قال:

«مر العبد الصالح بامرأة بمني و هي تبكي و صبيانها حولها يبكون و قد ماتت بقرة لها.

فدنا منها ثم قال لها: ما يبكيك يا أمة الله؟

قالت: يا عبدالله، ان لي صبيانا أيتاما. و كانت لي بقرة، معيشتي و معيشة صبياني كانت منها. فقد ماتت، و بقيت منقطعا بي و بولدي و لا حيلة لنا.

فقال: يا أمة الله، هل لك أن أحييها لك؟!.

قالت: فألهمت أن قلت: نعم يا عبدالله.

قالت: فتنحي ناحية فصلي ركعتين، ثم رفع يديه هنيئة و حرك شفتيه، ثم قام فمر بالبقرة فنخسها نخسا أو ضربها برجله، فاستوت علي الأرض قائمة.

فلما نظرت المرأة الي البقرة قد قامت، صاحت: عيسي بن مريم و رب الكعبة!.

قال: فخالط الناس و صار بينهم. و مضي بينهم صلي الله عليه و علي آبائه الطاهرين» [37] .



[ صفحه 34]



و هذه كتلك، و كسابقتها... و لا نقول أمام هذه الظواهر العجيبة الا ما قاله الله تبارك و تعالي: (كلا نمد هؤلآء و هؤلآء من عطآء ربك و ما كان عطآء ربك محظورا (20)) [38] و لا يغلبك الا من يقول: ان الله أعطاني...

و في ثاقب المناقب روي عن محمد بن حمدان، عن ابراهيم بن بطلون، عن أبيه، قال:

«كنت أحجب للمتوكل فأهدي له خمسون غلاما، و أمرني أن أتسلمهم و أحسن اليهم. فلما تمت سنة كاملة كنت واقفا بين يديه اذ دخل عليه أبو الحسن، علي بن محمد النقي عليه السلام. فأخذ مجلسه، و أمرني أن أخرج الغلمان من بيوتهم، فأخرجتهم.

فلما بصروا بأبي الحسن سجدوا له بأجمعهم، فلم يتمالك المتوكل أن قام يجر ذيله حتي تواري خلف الستر... ثم نهض عليه السلام.

فلما علم المتوكل بذلك خرج فقال: و يلك يا بطلون، ما هذا الذي فعل هؤلاء الغلمان؟!.

فقلت: و الله ما أدري.

قال: سلهم.

فسألتهم عما فعلوه، هذا رجل يأتينا كل سنة فيعرض علينا الدين و يقيم عندنا عشرة أيام، و هو وصي نبي المسلمين.

فأمر بذبحهم من آخرهم!.

فلما صار وقت العتمة صرت الي أبي الحسن عليه السلام، فاذا خادم علي الباب.



[ صفحه 35]



فنظر الي، فقال لما بصر بي: ادخل.

فدخلت، فاذا هو جالس، فقال: يا بطلون، ما صنع القوم؟.

فقلت: يا ابن رسول الله ذبحوا عن آخرهم!.

فقال: كلهم!!!

فقلت: نعم، اي و الله!.

فقال عليه السلام: أتحب أن تراهم؟.

قلت: نعم، يا ابن رسول الله.

فأومأ بيده أن ادخل الستر. فدخلت فاذا أنا بالقوم قعود و بين أيديهم فاكهة يأكلون» [39] .

أما كيف كان ذلك؟!. فلن نتفلسف في تحليلة؛ و أقل ما يقال أنهم لم يذبحوا لأن الامام عليه السلام علم ما في نفس المتوكل فدعا الله أن ينجيهم من شره، فقيض سبحانه حاجبا شيعيا متسترا أمر بذبحهم، فخرج بهم ليفعل ما أمر به، ولكنه هربهم تحت جنح الظلام، و أخبر المتوكل أنه ذبحهم جميعا و أخفي جثثهم.

و كل ما في الأمر أن أئمة أهل البيت عليهم السلام هكذا كانوا... و هكذا هم بفضل ربهم عليهم. و ستري آيات و معجزات في مختلف قصول هذا الكتاب أتي بها امامنا عليه السلام - تكشف عن سرهم الآلهي. فلا ينبغي لنا أن نضيع هو أهوائنا المضلة و أن نزنهم بموازين عقولنا المطففة و نركب جناحي النعامة في سبيل تجريدهم من مواهب الله عزوعلا.

و لن أختم كلامي في هذه الالمامة الوجيزة قبل أن أطلع قارئي الكريم



[ صفحه 36]



علي كيفية خلق الأئمة عليهم السلام، ليعلم أنهم منتجبون من لدن خالقهم عزت قدرته، و أنهم بشر من غير طينة البشر... فعن محمد بن مروان، عن أبي عبدالله عليه السلام، قال:

«سمعته يقول: ان الله خلقنا من نور عظمته، ثم صور خلقنا من طينة مخزونة مكنونة من تحت العرش، فأسكن ذلك النور فيه. فكنا نحن خلقا و بشرا نورانيين لم يجعل لأحد في مثل الذي خلقنا منه نصيبا.

و خلق أرواح شيعتنا من طينتنا، و أبدانهم من طينة مخزونة أسفل من تلك الطينة، و لم يجعل لأحد في مثل الذي خلقهم منه نصيبا الا الأنبياء...» [40] .

و عنه عليه السلام أيضا في حديث آخر:

«... ان الله خلقنا من عليين، و خلق أرواحنا من فوق ذلك، و خلق أوراح شيعتنا من عليين، و خلق أجسادهم من دون ذلك. فمن أجل ذلك القرابة بيننا و بينهم، و قلوبهم تحن الينا [41] .

فأنا أعرض حقيقة أمرهم علي الناس؛ و من صعر خده و مشي ثاني عطفه، فلا سبيل لي عليه لأن الخالق تبارك و تعالي ترك لنا سبل الاختيار لأنفسنا.



[ صفحه 37]




پاورقي

[1] توحيد الصدوق: ص 55 و هو في الاحتجاج للطبرسي و في بعض مصادر بحثنا.

[2] الكافي: م 1 ص 394.

[3] حلية الأبرار: ج 2 ص 341.

[4] الأنعام: 29.

[5] مناقب آل أبي طالب: ج 4 ص 400.

[6] بصائر الدرجات: ج 1 ص 5 و روي عن ابنه زين العابدين عليه السلام مثله مع تفصيل أكثر في نفس المصدر و نفس الصفحة.

[7] الحشر: 18.

[8] بصائر الدرجات: ج 2 ص 31.

[9] المصدر السابق: ص 10.

[10] الاسراء: 71.

[11] بصائر الدرجات: ج 2 ص 10.

[12] البقرة: 200.

[13] بصائر الدرجات: ج 1 ص 17 و 18.

[14] المصدر السابق.

[15] المصدر السابق.

[16] التكوير: 19.

[17] الشوري: 23.

[18] طه: 123.

[19] مناقب آل أبي طالب: ج 4 ص 400.

[20] الكهف: 88.

[21] بصائر الدرجات: ج 2 ص 35 و أكثر مصادر بحثنا، و الآية الكريمة في النحل، و لفظها الشريف: (و نزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شي ء) و لم يقرأها الامام عليه السلام بنصها بل ذلكر معناها.

[22] بصائر الدرجات: ج 3 ص 67.

[23] المصدر السابق: نفس الجزء ص 35.

[24] قد فصلنا الكلام حول هذا الموضوع في كتابنا «الامام الجواد» عليه السلام، و من شاء فليراجع الأخبار و التعليق عليها.

[25] بصائر الدرجات: ج 3 ص 35.

[26] عيون أخبار الرضا: ج 2 ص 200.

[27] أنظر بحار الأنوار: ج 14 ص 86 و الآية الأولي في ص: 39 و الثانية في الحشر: 7.

[28] بصائر الدرجات: ج 6 ص 83 وعدة مصادر اسلامية.

[29] المصدر السابق نفس الجزء: ص 86.

[30] كشف الغمة: ج 3 ص 172 و بحار الأنوار: ج 50 ص 176 و الكافي: م 1 ص 230 و مناقب آل أبي طالب: ج 4 ص 406 و مدينة المعاجز: ص 544 و ص 560.

[31] الحجر: 21.

[32] بصائر الدرجات: ج 6 ص 76 و هو موجود في كثير من مصادرنا في هذا الكتاب.

[33] مدينة المعاجز: ص 545.

[34] بحارالأنوار: ج 50 ص 185 و مدينة المعاجز: ص 546.

[35] آل عمران: 34 - 33.

[36] بحارالأنوار: ج 50 ص 185 و مدينة المعاجز: ص 546.

[37] الكافي: م 1 ص 484 و بصائر الدرجات: ج 6 ص 77.

[38] الاسراء: 20.

[39] مدينة المعاجز: ص 552 و حلية الأبرار: ج 2 ص 468.

[40] الكافي: م 1 ص 389.

[41] المصدر السابق.