بازگشت

الخليفة و العشيرة يقعون في الحفيرة


يقول المثل: من حفر بئرا لأخيه، وقع فيها!. و المثل ذو دلالة صادقة لأنه لا يوضع الا بعد آلاف التجارب الصائبة، و لذلك قالوا: ان المثل نبي، لأنه لا ينطق الا بالحق و الصدق.

و امامنا عليه السلام كان يعاشر الحاكمين و سائر الظالمين له بتمام العفوية و الترسل، لأن الله تعالي حين نصبه لهذا الأمر الخطير، قلده بكل ما يجعله علي مستوي اختياره السماوي، و أطلعه علي خفاياهم و خفايا الناس جميعا ليكون جديرا بتمثيل ظله سبحانه علي الأرض، يعلم كثيرا من غيبهم و يطلع علي أعمالهم و لا تفجأه مكائدهم؛ فسار فيهم سيرة جده رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم مع جبابرة قريش و عتاة المشركين في مكة و ما حولها: يصدقهم القول، و يمحضهم النصح، و يبذل قصاري جده في سبيل هدايتهم و انقاذهم من الضلال. ولكنهم كانوا يغشون اذا نصح، و يتكبرون اذا تواضع، و يجافون اذا تقرب، رغم أنه لم ينازعم سلطانا و لا رغب في منصب؛ بل كان كلمان قدم لهم نصحا قابلوه بسوء!.

فقد روي علي بن ابراهيم، عن ابراهيم بن محمد الطاهري أنه قال: «مرض المتوكل من خراج - دمل - فأشرف علي الموت، فلم يجسر أحد أن



[ صفحه 170]



يمسه بحديدة. فنذرت أمه ان عوفي أن تحمل الي أبي الحسن، علي بن محمد عليهماالسلام مالا جليلا من مالها.

و قال الفتح بن خاقان للمتوكل: لو بعثت الي هذا الرجل - يعني أباالحسن عليه السلام - فسألته، فانه ربما كان عنده صفة شي ء يفرج الله تعالي به عنك.

فقال: ابعثوا اليه.

فمضي الرسول... و رجع فقال: خذوا كسب الغنم - أي عصارة دهنه - فديفوه بماء الورد - اخلطوه به - وضعوا علي الخراج، فانه نافع باذن الله...

فجعل من يحضر المتوكل يهزأ من قوله.

فقال لهم الفتح بن خاقان: و ما يضر من تجربة ما قال؟!. فوالله اني لأرجو الصلاح به.

فأحضروا الكسب، و ديف بماء الورد، و وضع علي الخراج، فانفتح و خرج ما كان فيه.

و بشرت أم المتوكل بعافيته، فحملت الي أبي الحسن عليه السلام عشرة آلاف دينار تحت خاتمها.

و استقل - شفي - المتوكل من علته.

فلما كان بعد أيام، سعي البطحائي [1] بأبي الحسن عليه السلام الي المتوكل و قال: عنده أموال و سلاح.

فتقدم المتوكل الي سعيد الحاجب - الذي كان من ألأم حجابه - أن



[ صفحه 171]



يهجم عليه ليلا و يأخذ ما عنده من الأموال و السلاح، و يحمل اليه!.

قال ابراهيم بن محمد: قال لي سعيد الحاجب: صرت الي دار أبي الحسن عليه السلام بالليل و معي سلم، فصعدت منه الي السطح، و نزلت من الدرجة الي بعضها في الظلمة فلم أدر كيف أصل الي الدار.

فناداني أبوالحسن عليه السلام من الدار: يا سعيد، مكانك حتي يأتوك بشمعة.

فلم ألبث أن أتوني بشمعة، فنزلت فوجدت عليه جبة صوف و قلنسوة منها و سجادته علي حصير بين يديه، و هو مقبل علي القبلة.

فقال: دونك البيوت.

فدخلتها و فتشتها، فلم أجد فيها شيئا. و وجدت البدرة - الصرة - مختومة بخاتم أم المتوكل و كيسا مختوما معها.

ففال لي أبو الحسن: دونك المصلي.

فرفعته، فوجدت سيفا في جفن غير ملبوس.

فأخذت ذلك، و صرت اليه. - الي المتوكل -. فلمان نظر الي خاتم أمه علي البدرة بعث اليها.

فخرجت اليه، فسألها عن البدرة؟. قالت: كنت ندرت في علتك ان عوفيت أن أحمل اليه من مالي عشرة آلاف دينار، فحملتها اليه. و هذا خاتمي علي الكيس ما حركه.

و فتح الكيس الآخر فاذا فيه أربعمئة دينار... فأمر أن يضم الي البدرة بدرة أخري، و قال لي: احمل ذلك الي أبي الحسن عليه السلام و اردد عليه السيف و الكيس بما فيه.



[ صفحه 172]



فحملت ذلك، و استحييت منه فقلت له: يا سيدي عز علي دخول دارك بغير اذنك، ولكني مأمور.

فقال لي: (... و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون (227)!) [2] .

فقد أصاب امامنا عليه السلام مع المتوكل، ما أصاب نبي الله (يونس عليه السلام) مع الولد الأعمي الذي رآه مع رفاق له علي شاطي ء البحر لما لفظه الحوت، فانكسر قلبه من أجله لأنه كان يقف فاشلا بين أترابه الذين يلهون و يلعبون؛ فدعا ربه تعالي أن يرد عليه بصره حتي يتمتع بصباوته و فتوته كرفاقه.

فاستجاب الله سبحانه دعاءه، ورد علي الولد بصره... ففرك الولد عينيه، ودلكهما و عركهما... ثم فتحهما دهشا مستغربا مما انفتح عليه بصره من مناظر لا عهد له بها!. ثم استقر نظره علي النبي يونس عليه السلام و هو يقبع تحت شجرة اليقطين التي أنبتها الله تبارك و تعالي لتظلله من حرارة الشمس؛ فقال لرفاقة: تعالوا نراشق هذا الرجل بالحجارة لنري من يصيبه حجره!.

و انهالت الحجارة علي النبي يونس عليه السلام من كل جانب!. فعلم حينئذ أن الله تعالي لا يفعل الا عين الحكمة... و من يعترض علي فعله يصبه ما أصابه... فلم يكف سبحانه بصر ذلك الولد الا ليكف عن الناس شره، و يحفظ عليه أجره...

فقد عالج الامام عليه السلام علة المتوكل التي كادت تودي بحياته، بأسهل



[ صفحه 173]



طريقة، و بأسرع وقت، و كان جزاؤه - بعد أيام نقاهة المتوكل - أن كبس داره و فتش و قبض علي ما عنده من مال!.

فكم هو حسن نكران الجميل... في منطق هذا الخليفة الجليل!. و كم هو سفيه هذا الواشي، و ذاك الخليفة الطاغوت، و ذلك الحاجب الجالوت، حين يقدمون علي مثل هذا العمل الوقح الذي كأن الامام كان علي موعد معهم فيه لعلمه بدخائلهم الخبيثة!. فها هو ذا يقدم الشمعة الي «اللص» الذي تسلق الي السطح و أعاقته الظلمة عن الاهتداء الي جوانب البيت!... و هو ذا يلفت نظره الي السيف تحت المصلي!. ثم هو ذا يبتسم من هذا الخلق المتعوس الذي هو في صورة البشر و فكر الحمقي!!.

فلو كانوا لا يعرفون شأن الامام لعذرناهم... ولكنهم أوسع معرفة به منا... و هم - مع ذلك - يتصرفون معه هذا التصرف الأرعن الذي ان دل فانما يدل علي الخرق و قصر النظر علي الأقل!.

و يا أيها المتوكل علي الأبالسة من حاشيتك: اذا كما لم يقنعك هذا الشفاء عن طريق النذر الكبير الذي الكبير الذي رصدته أمك للامام عليه السلام، و عن طريق استعمال الدواء الذي وصفه لك، و كنت قد غفلت عن فضله و كرامته علي الله، أفلا يقنعك ما حولك من ظواهر قدره و منزلته عند ربه، و كيف فاتك علم ما رواه أبوالفرج ابن الجوزي - باسناده الي ابن الخطيب عن قصة أمك - حيث قال:

«كنت كاتبا للسيدة أم المتوكل. فبينا أنا في الديوان اذ خادم صغير خرج من عندها و معه كيس فيه ألف دينار، فقال: تقول لك السيدة: فرق هذا في المستحقين.

فسموا لي أشخاصا، ففرقت فيهم ثلاثمئة دينار، و الباقي في يدي الي نصف الليل و اذ طرق باب داري رجل من العلويين، و هو جاري، فقال:



[ صفحه 174]



دخل علي هذا الساعة رجل من أقربائي و لم يكن عندي طعام. فأعطيته دينارا، فأخذه مسرورا و انصرف.

فلما وصل الي الباب خرجت زوجتي باكية و هو تقول: أما تستحي؟. يطلب منك العلوي و تعطيه دينارا و قد عرفت فقره!. أعطه الكل... فوقع كلامها في قلبي، فناولته الكيس، فأخذه و انصرف.

ثم ندمت، و خفت من المتوكل لأنه يمقت العلويين... فقالت زوجتي: لاتخف و اتكل علي الله و علي جدهم...

فبينا نحن في الكلام، اذ يطرق الخدم الباب بأيديهم المشاعل و يقولون: تدعوك السيدة!. فقمت خائفا... فأدخلوني عند ستر السيدة و قالت لي: يا أحمد، جزاك الله خيرا، و جزي زوجتك خيرا!. كنت الساعة نائمة، جاءني النبي صلي الله عليه و آله و سلم و قال لي: جزاك الله خيرا، و جزي الله زوجة الخطيب خيرا!. فما معني هذا؟!.

فأخبرتها ما جري و هي تبكي و تقول: هذه الكسوة و هذه الدنانير للعلوي، و هذه لزوجتك، و هذه لك... و كان ذلك يساوي مئة ألف درهم.

فأخذت المال، و جعلت طريقي علي بيت العلوي فطرقت، فصاح: هات ما معك يا أحمد!. و خرج و هو يبكي...

فسألته عن بكائه فقال: لما دخلت منزلي بالكيس قالت لي زوجتي: قم نصلي و ندعو للسيدة، و لأحمد و زوجته... فصلينا و دعونا لهم. ثم نمت قرأيت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و هو يقول: قد شكرتهم علي ما فعلوا، و الساعة يأتونك بشي ء فاقبله منهم» [3] .



[ صفحه 175]



أفما بلغك يا «خليفة المسلمين» خبر هذه الحادثة من أمك؟!.

يقينا، لا... لأن أمك علي الحق الذي عليه الامام عليه السلام، و هي تعرف كرهك للعلويين و مناصبتك لهم العداء!. و تعلم أنك قد ركبت شيطانا غويا منذ صغرك و نعومة أظفارك، و أنت جبار لا تلج النصيحة الي قلبه!.

بل لو كنت باقيا الي زمن المعتضد من سلاطين أسرتك، لبلغك ما أثبته المسعودي في كتابه «مروج الذهب» [4] من أن «المعتضد بالله» لما ولي الخلافة قرب آل أبي طالب لأنه رأي - في المنام - و هو في حبس أبيه، شيخا جالسا علي دجلة يمد يده الي ماء دجلة فيصير في يده و تجف دجلة!. ثم يرده من يده فتعود دجلة كما كانت.

قال: فسألت عنه، فقيل: هذا علي بن أبي طالب عليه السلام.

فقمت اليه، و سلمت عليه، فقال لي: يا أحمد، ان هذا الأمر صائر اليك - أي الخلافة - فلا تتعرض لولدي و لا تؤذهم!.

فقلت: السمع و الطاعة يا أميرالمؤمنين» [5] .

لم يسمع المتوكل بحادثة أمه، و لا أدرك ما قيل للمعتضد من بعده... و لو سمع لولي مدبرا كأن لم يسمع... اذ توكل علي نفسه الأمارة بالسوء، و ركب حقده علي أهل البيت، و نسي ما قاله نبي الاسلام صلي الله عليه و آله و سلم بشأنهم... و غابت عنه نومته في حفرته و قد قطعته سيوف غلمانه من الأتراك أشلاء اختلطت بأشلاء وزيره المقرب!.

حدث محمد بن موسي بن المتوكل، عن علي بن ابراهيم، عن



[ صفحه 176]



عبدالله بن أحمد الموصلي، عن الصقر بن أبي دلف الكرخي الذي قال:

«لما حمل المتوكل سيدنا أباالحسن العسكري عليه السلام - أي حمله الي السجن - جئت أسأل عن خبره. فنظر الي الزرافي، و كان خادما للمتوكل، فأمر أن أدخل اليه - أي الي زرافة الخادم - فأدخلت اليه فقال: يا صقر ما شأنك؟.

فقلت: خير يا أستاذ.

فقال: اقعد... فأخذني ما تقدم و ما تأخر- يعني صار متفكرا في الأمور السابقة و اللاحقة، و في ذلك ما يشير الي ندمه علي المجي ء لأنه قد يواجه خطرا - و قلت: أخطأت في المجي ء.

فأوجأ الناس عنه - أبعدهم - ثم قال لي: ما شأنك؟. فيم جئت؟.

قلت: لخبر ما.

فقال: لعلك جئت تسأل عن خبر مولاك؟.

فقلت له: و من مولاي؟. مولاي أميرالمؤمنين.

فقال: اسكت!. مولاك هو الحق، فلا تحتشمني فاني علي مذهبك.

فقلت: الحمد الله.

قال: أتحب أن تراه؟.

فقلت: نعم.

قال: اجلس حتي يخرج صاحب البريد من عنده... فجلست فلما خرج قال لغلام له: خذ بيد صقر، و أدخله الي الحجرة التي فيها العلوي المحبوس، و خل بينه و بينه.

فأدخلني الي الحجرة، و أومأ الي بيت، فدخلت فاذا هو عليه السلام جالس



[ صفحه 177]



علي صدر حصير، بحذاه قبر محفور!. فسلمت عليه فرد علي ثم أمرني بالجلوس، ثم قال لي: يا صقر، ما أتي بك؟.

قلت: سيدي جئت أتعرف خبرك... ثم نظرت الي القبر فبكيت.

فنظر الي فقال: يا صقر، لا عليك، لن يصلوا الينا بسوء الآن.

فقلت: الحمد لله... ثم قلت: يا سيدي، حديث روي عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم، لا أعرف معناه.

قال: و ما هو؟.

فقلت: قوله صلي الله عليه و آله و سلم: لا تعادوا الأيام فتعاديكم. ما معناه؟.

فقال: نعم، ان لحديث رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لتأويلا. الأيام نحن ما قامت السماوات و الأرض:

فالبست: اسم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم.

و الأحد: كناية عن أميرالمؤمنين عليه السلام.

و الاثنين: الحسن و الحسين.

و الثلاثاء: علي بن الحسين، و محمد بن علي، و جعفر بن محمد.

و الأربعاء: موسي بن جعفر، و علي بن موسي، و محمد بن علي، و أنا.

و الخميس: ابني الحسن بن علي.

و الجمعة: ابن ابني، و اليه تجتمع عصابة الحق، و هو الذي يملأها قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا.

فهذا معني الأيام؛ فلا تعادوهم في الدنيا، فيعادوكم في الآخرة... ثم قال: ودع و اخرج، فلا آمن عليك» [6] .



[ صفحه 178]



فسبحان الله (الذي علم بالقلم (4) علم الانسان ما لم يعلم (5)) [7] و تنزيها لمن لم يحجب عن حجته شيئا من علمه، الا ما استأثر به لنفسه جل و علا من علم الساعة!.

فامام محبوس... قد صدر الأمر بقتله غداة غد... يجاور قبرا محفورا... في غرفة مظلمة في غياهب السجن... و مع ذلك يجلس للعبادة و التلاوة مطمئنا و يقول لصاحبه: لا بأس علينا الآن بكل جزم لأن ذلك ثابت عنده، و هو مما علمه ربه و عرفه اياه!. ثم هو يقول له: اخرج فلا آمن عليك بعد أن زوده بما يستفيد منه في دنياه و أخراه.

و بالنسبة للأيام حدث الحسن بن مسعود فقال:

«دخلت علي أبي الحسن، محمد بن علي عليهماالسلام و قد نكبت اصبعي - خدشت - و تلقاني راكب و صدم كتفي، و دخلت في زحمة فخرقوا علي بعض ثيابي، فقلت: كفاني الله شرك من يوم، فما أبشمك!. - أي ما أشأمك -.

فقال لي عليه السلام: يا حسن، هذا، و أنت تغشانا؟!. ترمي بذنبك من لا ذنب له؟.

قال الحسن: فأثاب الي عقلي، و تبينت خطأي، فقلت: يا مولاي أستغفر الله.

فقال: يا حسن، ما ذنب الأيام حتي صرتم تتشامون بها اذا جوزيتم بأعمالكم فيها؟.



[ صفحه 179]



قال الحسن: أنا أستغفر الله أبدا، و هي توبتي يا ابن رسول الله.

قال عليه السلام: و الله ما ينفعكم. ولكن الله يعاقبكم بذمها علي ما لا ذم عليها فيه.

أما علمت يا حسن أن الله هو المثيب و المعاقب و المجازي بالأعمال عاجلا و آجلا؟!.

قلت: بلي يا مولاي.

قال عليه السلام: لا تعد، و لا تجعل للأيام شيئا في صنع الله!.

قال الحسن: بلي يا مولاي» [8] .

و ان ابن مسعود لم يذكر للامام عليه السلام شيئا عما أصابه في الطريق. و مع ذلك فان خدش اصبعه، و صدم كتفه، و تخريق ثيابه... و تشاؤمه من النهار - أيضا - لم تخف عليه بل عرفها و كأنه كان حاضرها... و لذلك لامه فور دخوله، عليه، ثم أنبه علي شكواه من ذلك اليوم و هو بطريقه الي التشرف برؤية امامه... ثم أدبه بأدب الاسلام الصحيح.

فمن كشف لامامنا سلام الله عليه عن ذلك كله اذا لم يكونوا الملائكة الذين يعملون بين يديه بأمر ربه جل و عز؟!. و هل نستكثر عليه مثل ذلك و المأمول أن يعمل بين يدي سفير الله تعالي في أرضه آلاف المحدثين و المسددين و المؤيدين؟!.

لا، و كلا... فان بين يدي كل سفير أرضي وسائل استخبارات كثيرة، و من أنواع شتي...



[ صفحه 180]



فكم ذا، و كم ذا كان يحلم المتوكل أن يفتك بامامنا العظيم، و يبطش به!.

و كم من حلم داعب خياله، فباء بالفشل... ثم أفاق من حلمه فوجد أنه قد حج علي ظهر الشيطان!.

فقد روي أن أباسعيد، سهل بن زياد، قال:

«حدثنا أبوالعباس، فضل بن أحمد بن اسرائيل - الكاتب في القصر - و نحن بداره بسر من رأي، فجري ذكر أبي الحسن عليه السلام فقال: يا أباسعيد، أحدثك بشي ء حدثني به أبي؟. قال:

كنا مع المنتصر [9] - ابن المتوكل - و كان أبي كاتبه، فدخلنا الدار و اذا المتوكل علي سريره قاعد. فسلم المنتصر [10] و وقف، و وقفت خلفه. و كان عهدي به اذا دخل رحب به و أمره بالقعود، فأطال القيام و جعل يرفع رجلا و يضع أخري، و هو لا يأذن له بالقعود.

و رأيت وجهه - أي وجه المتوكل - يتغير ساعة بعد ساعة، و هو يقبل علي الفتح بن خاقان و يقول: هذا الذي تقول فيه ما تقول؟!.

و يردد عليه القول، و الفتح يسكنه و يقول: هو مكذوب عليه يا أميرالمؤمنين و هو يتلظي و يستشيط و يقول: و الله لأقتلن هذا المرائي الزنديق!. و هو الذي يدعي الكذب، و يطعن في دولتي!.

ثم طلب أربعة من الخزر أجلافا لا يفقهون... فجي ء بهم، و دفع لهم أسيافا فأمرهم أن يرطنوا بألسنتهم اذا دخل أبوالحسن عليه السلام، و قبلوا عليه بأسيافهم فيخبطوه... و هو يقول: و الله لأحرقنه بعد قتله!.



[ صفحه 181]



و أنا منتصب خلف المنتصر من وراء الستر، فما علمت الا بأبي الحسن قد دخل و قد بادر الناس قدامه و قالوا: جاء!!! و التفت فاذا شفتاه تتحركان و هو غير مكترث و لا جازع!.

فلما رآه المتوكل رمي بنفسه عن السرير اليه، و سبقه و انكب عليه يقبل بين عينيه و يديه و سيفه بيده و هو يقول: يا سيدي، يا ابن رسول الله، يا خير خلق الله، يا ابن عمي، يا مولاي يا أباالحسن!.

و أبو الحسن عليه السلام يقول: أعيذك يا أميرالمؤمنين بالله، اعفني من هذا - أي من هذا التبجيل الكاذب -.

فقال - المتوكل -: ما جاء بك يا سيدي في هذا الوقت؟.

قال: جاءني رسولك فقال: المتوكل يدعوك.

قال: كذب ابن الفاعلة، ارجع يا سيدي... يا فتح... يا عبدالله... يا منتصر: شيعوا سيدكم و سيدي.

فلما بصر به الخزر خروا سجدا!.

فلما خرج دعاهم المتوكل، ثم أمر الترجمان أن يخبره بما يقولون؛ ثم قال لهم: لم لم تفعلوا ما أمرتكم به؟.

قالوا: شدة هيبته!. و رأينا حوله أكثر من مئة لم نقدر أن نتأملهم، فمنعنا ذلك مما أمرت به، و امتلأت قلوبنا رعبا!.

فقال المتوكل: يا فتح، هذا صاحبك... و ضحك في وجه الفتح، وضحك الفتح في وجهه، و قال: الحمد لله الذي بيض وجهه و أنار حجته» [11] .



[ صفحه 182]



فاسألوا معي خليفة الزمان عن الذي قلب غصبه العارم و أطفأ نار حقده حين رأي الامام عليه السلام داخلا؟!. لقد كان يتلظي غيظا و حنقا... ثم رمي نفسه عن السرير يتفداه و يحار في التزلف اليه و التقرب منه... ثم تلعثم لسانه حين مخاطبته و كان له النعوت و الألقاب!.

لقد أرسل بطلبه، و جند له أربعة من الخزر الأجلاف، و شحذ الأسياف... و قعد بالمرصاد ينتظر قدومه... ثم ترامي عليه ذليلا، مهانا... أمام... «خير خلق الله...» و علي قدمي «ابن عمه»... ابن رسول الله!!!

يا فتح... يا عبدالله... يا منتصر: أنبئوني بعلم عن هذا الخليفة القلب الحول ان كنتم لنعته تعبرون... و بينوا لي تفسير موقف خسيس من مواقف ابليس أرضي تطاول الي النيل ممن كرمته السماء!.

لا شي ء عندكم قطعا، الا اذا تكلمتم - بالصراحة - عن الهيبة الالهية التي يخلعها الله تبارك و تعالي علي أمنائه من الأنبياء و الأوصياء و الأولياء... و ليس لأحد من المخلوقين قدرة علي نزعها عنهم مهما مكر و كاد... و كفر و ركب العناد!.

و سنري القاري ء بعض آثار هيبة الولاية الربانية في مظهر آخر فيها رواه محمد بن الحسن بن الأشتر، العلوي الذي قال:

«كنت مع أبي علي باب المتوكل و أنا صبي في جمع من الناس، ما بين طالبي الي عباسي و جعفري الي جندي الي غير ذلك وقوف...

و كان اذا جاء أبوالحسن عليه السلام ترجل الناس كلهم حتي يدخل.



[ صفحه 183]



فتحالفوا ألا نترجل لهذا الغلام؛ فقال بعضهم لبعض: لم نترجل لهذا الغلام و ما هو بأشرفنا، و لا بأكبرنا، و لا بأسننا، و لا بأعلمنا؟!. و الله لا ترجلنا له.

فقال لهم أبوهاشم الجعفري: و الله لتترجلن له صاغرين اذا رأيتموه!.

فما هو الا أن أقبل و بصروا به، ترجل الناس كلهم!!! فقال أبوهاشم: أليس زعمتم أنكم لا تترجلون؟!.

فقالوا: و الله ما ملكنا أنفسنا حتي ترجلنا» [12] .

أفمن أهوي بهذه الكتل البشرية علي الأرض صاغرة باخعة، و أنزل هذه الفرسان عن خيولها ذليلة خاضعة، لا يستحق وقفة تأمل منكم يا «أوادم» سامراء و يا مرتادي قصر الامارة؟!!

و لم انخلعت قلوب هذه الغوغاء التي تآمرت مسبقا أن لا تتظاهر باحترام الامام الغلام؟!. و لماذا «لم تملك نفوسها» حتي ترجلت مطأطئة الرؤوس؟!.

اسأل بذلك خبيرا... و اسأل الريح التي شالت الستور بين يدي الامام حين دخل قصر الامارة و المؤامرات و حين خرج منه... فعند تلك الريح، تجد الخبر الصحيح!!!

فهي - دون حيص و بيص - هيبة علوية، محمدية، علوية، ألقي عليها بارئها شيئا من هيبته و عظمته!.



[ صفحه 184]



و لا تنس أن الملائكة المسددين و المؤيدين قد لكموا المتآمرين علي الامام في متونهم فأهووا راجلين يدوسون صلافتهم و عنجهيتهم... و أن قدرة الله الخفية، و كلمته القدسية التي تقول للشي ء: كن، فيكون، هي - أيضا - محت شرفهم المدعي، و مسحت كبرهم المصطنع، و ما احترمت سن الكبير، و لا حماقة الصغير!. فترجلوا - هيبة له سلام الله عليه - راغمي أنوفهم (مقنعي رءوسهم لا يرتد اليهم طرفهم و أفئدتهم هوآء (43))... [13] و قلوبهم خواء!.

قال المسعودي في «مروج الذهب»:

«و كان قد سعي بأبي الحسن، علي بن محمد - أي أفسد عليه - عند التوكل و قيل: ان في منزله سلاحا و كتبا و غيرها من شيعته. فوجه اليه ليلا من الأتراك و غيرهم من هجم عليه في منزله علي غفلة ممن في داره، فوجدوه في بيت وحده مغلق عليه، و عليه مدرعة من شعر، و لا بساط في البيت الا الرمل و الحصي، و علي رأسه ملحفة من الصوف. - و هو يترنم بآيات من القرآن في الوعد و الوعيد -.

فأخذ علي ما وجد عليه، و حمل الي المتوكل في جوف الليل!.

فمثل بين يديه و المتوكل يشرب و في يده كأس!.

فلما رآه هابه و عظمه، و أجلسه الي جنبه. و لم يكن في بيته شي ء مما قيل فيه، و لا حالة يتعلل بها عليه.

فناوله المتوكل الكأس الذي في يده، فقال: و الله ما خامر لحمي و دمي قط، فاعفني منه.



[ صفحه 185]



فأعفاه و قال: أنشدني شعرا أستحسنه.

فقال عليه السلام: اني لقليل الرواية للأشعار.

فقال: لابد أن تنشدني.

فأنشده عليه السلام، و هو جالس عنده:



باتو علي قلل الأجبال تحرسهم

غلب الرجال، فلم تنفعهم القلل



و استنزلوا، بعد عز، عن معاقلهم

و أسكنوا حفرا، يا بئس ما نزلوا!.



ناداهم صارخ من بعد ما قبروا:

أين الأسرة، و التيجان، و الحلل؟



أين الوجوه التي كانت منعمة

من دونها تضرب الأستار و الكلل؟!



فأفصح القبر عنهم حين ساء لهم:

تلك الوجوه عليها الدود يقتتل!!!



قد طالما أكلوا دهرا، و قد شربوا

فأصبحوا اليوم بعد الأكل قد أكلوا



و طالما عمروا دورا لتحصنهم

ففارقوا الدور، و الأهلين، و انتقلوا



و طالما كنزوا الأموال و ادخروا

فخلفوها علي الأعداء، و ارتحلوا



أضحت منازلهم قفرا، معطلة

و ساكنوها الي الأجداث قد رحلوا...



قال: فأشفق كل من حضر علي علي، و ظن أن بادرة تبدر منه اليه.

قال: و الله لقد بكي المتوكل بكاء طويلا حتي بلت دموعه لحيته!. و بكي من حضره، ثم أمر أن يرفع الشراب ثم قال: يا أباالحسن، أعليك دين؟.

قال: نعم، أربعة آلاف دينار.

فأمر بدفعها اليه، ورده الي منزله من ساعته مكرما».

و قد روي الكراكجي هذا الحديث في «كنز الفوائد» و قال: «فضرب المتوكل بالكأس الأرض و تنغص عيشه في ذلك اليوم» [14] .



[ صفحه 186]



فمرحي لخليفة المسلمين الذي يقعد مقعد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم مستعيضا عن نافلة الليل و الصلاة و التهجد و الدعاء في جوف الليل، بكأس الخمر و معاقرة الشراب!.

هذا، و هو «المتوكل علي الله» لقبا!. فكيف اذا تلقب بألقاب النماردة و الفراعنة المتعالين علي الناس؟!.

لقد أرعب ولي الله، و كسب عليه بيته، ثم حمله عن مصلاه - بثياب الليل -... و تجرأ علي ذلك بقلب قاس، ثم تحدي الله بأن أدخله مجلس شرابه... و عرض عليه الكأس!. استهزاء به و بمن اصطفاه لولاية الناس، و استهتارا بالدين و المتدينين!.

و من الواضح الجلي أن هذه الأبيات التي أنشأها الامام عليه السلام في ذلك المجلس الماجن المتعدي علي حدود ما أنزل الله تعالي، كانت للتصريح أقرب منه للتلميح. و قد كانت صفعة في جبين «خليفة المسلمين» الذي يعاقر الخمر و الشراب بوقاحة المتحدي لربه و دينه و نبيه... و نداء صارخا فيه تخويف و ترهيب أوحاهما الامام بصوته الشجي الرقيق الذي استنزل الدموع، و أحرق الضلوع!.

فانه كأنه عليه السلام قد قال مفصحا: يا أيها الخليفة المغرور بدنياه، المتهتك بدينه، الذي يسكن أعالي القصور، و يحيط به الخدم و الحشم، و يقوم علي حفظه الحراس و الجنود: قريبا ما تنزل في حفرة ينضيق عليك فيها قبرك، و يضغط عليك لحدك حتي تلتقي أضلاعك!. و عاجلا ما يوبخك الملكان علي ظلمك لنفسك و لرعيتك... ثم يلقي عليك الزمان بكلكله



[ صفحه 187]



فتسرح في جسمك الديدان فتبشع نضارة و جهك المتنعم بغضارة العيش... ثم يفني جسمك، و ينتخر عظمك... و تبقي أسير عملك، و تبوء باثمك و خطاياك... و يطويك النسيان فلا تذكر الا بما عصيت به ربك في حياتك الدنيا...

فماذا أعددت لذلك العهد الجديد أيها الخليفة السعيد الذي كان له في دنياه - بحسب ما قاله المسعودي في مروج الذهب [15] - أربعة آلاف سرية وطأهن كلهن!. و الذي ليس له في أخراه سوي الشقاء و العذاب اذ لم يكن في بيت النبوة مثل العدد من السراري و الجواري، و لا في بيوت أحد من السلاطين و الطغاة...

و من الأمثلة الدالة علي سوء تصرف المطوقين لقصر الخلافة و ربه - بما فيه من مفاسد و موبقات - ما حكاه ابن أرومة، و رواه عنه أبو سليمان الذي قال:

«خرجت الي سر من رأي أيام المتوكل،ن فدخلت الي سعيد - الحاجب - و قد دفع المتوكل أبا الحسن عليه السلام اليه ليقتله.

فقال - سعيد -: أتحب أن تري الهك؟.

فقلت: سبحان الله، الهي لا تدركه الأبصار!.

فقال: هذا الذي تزعمون أنه امامكم.

قلت: ما أكراه ذلك.

قال: قد أمرت بقتله، و أنا فاعله غدا. و عنده صاحب البريد، فاذا خرج صاحب البريد فادخل عليه.



[ صفحه 188]



و لم ألبث أن خرج، فدخلت الدار التي كان فيها محبوسا، و هو جالس و بحياله قبر يحفر!. فسلمت عليه و بكيت بكاء شديدا.

فقال: ما يبكيك؟

قلت: ما أري.

قال: لا تبك لذلك. أنه لا يتم لهم ذلك.

فسكن ما كان بي، فقال: انه لا يلبث أكثر من يومين حتي يسفك الله دمه و دم صاحبه الذي رأيته.

فو الله ما مضي غير يومين حتي قتل» [16] .

فيا سعيد الحاجب: انك القي الخائب، الذي غيب عن فكره أجله المخروم كما غيب هو عن قلبه فكر ربه بالمرة!. و ظن أنه خالد و لم يعمل حسابا الي أنه سيقتل - هو - بعد يومين مع صاحبه الذي أراد «شيا»... و أراد الله تعالي غيره!. ان دهرك الذي أمنت له غدار... و سيقذف بك و بسيدك من قمة الامارة و الصدارة... الي حفرة من حفر النار... لا تشبه القبر الذي حفرتماه للامام عليه السلام... و انه لأسوأ زاد لأميرك، أن يبوء بهذا الاثم العظيم حين يأمرك بقتل الامام قبل أن ينخرم أجل ذلك الأمير بثمان و أربعين ساعة!!! و انك - يا سعيد - لمن أشقي من علي ظهرها، اذ جرك أميرك الي حتفك، كما جررته أنت و زملاؤك الي حتفه بأظلافكم و بألسنتكم التي لم تعرف ذكر الله!.

و قبل أن نطوي شريط حوادث سعيد الحاجب مع الامام عليه السلام، نعود



[ صفحه 189]



الي بعض ما سبق حادثته هذه من أعلام الغيب التي صرح بها الامام منذرا بقتل المتوكل و أعوانه. فقد قام علي بن محمد النوفلي:

«قال علي بن محمد عليه السلام لما بدا الموسم بالمتوكل بسر من رأي و الحضرية، قال: يا علي، ان هذا الطاغية يبتلي ببناء مدينة لا تتم، و يكون حتفة قبل تمامها علي يد فرعون من فراعنة الأتراك!.

ثم قال: يا علي، ان الله عزوجل اصطفي محمدا صلي الله عليه و آله و سلم بالنبوة و البرهان، و اصطفاه بالمحبة و التبيان، و جعل كرامة الصفوة لمن تري - يعني نفسه عليه السلام» [17] .

فالخليفة منهمك بوضع حجر الأساس للمدينة الحضرية التي ينشئها بين قصره و العسكر في سر من رأي... و النوفلي سمع انذار الامام عليه السلام... و انتظر قتل الخليفة كأمر واقع لا محالة... و أخذت نهاية الخليفة و أعوانه تقترب حين كانت لا تخطر علي البال... و بدت بشائر الخلاص تتري علي لسان امامنا الذي ينطق عن أعلام الغيب التي اختصه الله سبحانه بها... فقد قال - أيضا - علي بن جعفر رحمه الله:

«قلت لأبي الحسن عليه السلام: أينا أشد حبا لصاحبه؟.

قال: أشدكم حبا لصاحبه... - في حديث طويل - ثم قال عليه السلام: يا علي، ان هذا المتوكل يبني بين المدينة بناء لا يتم، و يكون هلاكه قبل تمامه علي يد فرعون من فراعنة الترك» [18] .

فكان ذلك كذلك... و قتل المتوكل بيد قائد من قواد عسكره - هو باغر



[ صفحه 190]



التركي - و بسيف بحث عنه المتوكل - نفسه - ما بين البصرة و اليمن، و اختاره علي بقية سيوف مملكته ليكون قتله به دون غيره كما تري عما قريب.

أما البناء فهو الحضرية - أي مدينة سر من رأي المحاذية لمدينة العسكر - التي شرع باقامتها بين قصره و بين ثكنات جيشه. و قيل: هو بناء الحيري - نسبة الي أبنية ملوك الحيرة - الذي يكون بشكل جبهة الحرب و هيئتها: فله صدر فيه مجلس الملك، و يمنة يكون فيها خواصه مع خزائن الكسوة، و ميسرة فيها كل ما احتيج اليه من شراب و غيره من وسائل اللهو و المغنين؛ و أبواب الأجنحة كلها تطل علي الرواق الذي فيه الملك... و كثيرا ما راود فكر الخليفة هذا البناء الذي يختلف كثيرا عن بيت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و مسجده!.

... ثم نعود الي سعيد الحاجب - الصغير الذي هو غير سعيد المذكور - فيما قاله الحسن بن محمد بن الجمهورالعمي الذي قال:

«سمعت من سعيد الصغير - الحاجب - قال:

دخلت علي سعيد الحاجب فقلت: يا أبا عثمان، قد صرت من أصحابك. - و كان يتشيع -.

فقال: هيهات!.

فقلت: بلي و الله.

فقال: و كيف ذلك؟!.

قال: بعثني المتوكل و أمرني أن أكبس علي علي بن محمد بن الرضا، و أنظر ما يفعل... ففعلت فوجدته يصلي، فبقيت قائما حتي فرغ.

فلما انفصل من صلاته أقبل علي و قال: يا سعيد، لا يكف عني جعفر - أي المتوكل - حتي يقطع اربا اربا؟!! اذهب، و اغرب... و أشار بيده



[ صفحه 191]



فخرجت مرعوبا، و دخلني من هيبته ما لا أحسن أن أصفه!. فلما رجعت الي المتوكل سمعت الصيحة و الواعية، فسألت عنه، فقيل: قتل المتوكل!. فرجعت و قلت بها. - أي بامامة الامام عليه السلام - [19] .

فنهاية الخليفة كان أمرها معلوما - و منذ زمن بعيد - عند خاصة الامام سلام الله عليه، اذ روي أن رجلا من أهل المدائن كتب اليه يسأله عما بقي من ملك المتوكل، فكتب اليه - قبل هذا الوقت بخمسة عشر عاما-:

بسم الله الرحمن الرحيم قال: (قال تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه في سنبله الا قليلا مما تأكلون (47) ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن الا قليلا مما تحصنون (48) ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس و فيه يعصرون (49)) [20] .

فالأمر محتوم عند الخالق عزوعلا، معلوم عند خليفته في أرضه الحامل لأمره... اذ قتل المتوكل في مطلع العام الخامس عشر من تاريخ هذا الكتاب الكريم... و من كان يوقت لقتله منذ تلك المدة الطويلة، يعرف خطواته الي الموت واحدة واحدة، و يحصي عليه أنفاسه بقدرة الله تبارك و تعالي.

أما طامة «قصر الامارة و المؤامرات» التي لم يكن لها لامة، فهي محاولة رب «القصر - الماخور - أن يحط من كرامة أهل الكرامة أجمعين أكتعين أبصعين... ليحط من كرامة الامام عليه السلام في ذات الوقت... ذلك أنه دبر مكيدة عظيمة... فانقلبت علي رأسه!. و حفر للامام حفيرة... فلاقي هو حفرته التي هي واحدة من حفر جهنم!.



[ صفحه 192]



و ها نحن نطلع قارئنا الكريم علي القصة مروية بعدة أسانيد وعدة أشكال؛ و هذه أولي الروايات:

«روي أنه لما كان يوم الفطر في السنة التي قتل فيها المتوكل، أمر المتوكل بني هاشم بالترجل و المشي بين يديه، و انما أراد بذلك أن يترجل أبوالحسن عليه السلام!. فترجل بنوهاشم، و ترجل أبوالحسن عليه السلام، و اتكأ علي رجل من مواليه. فأقبل عليه الهاشميون و قالوا: يا سيدنا، ما في هذا العالم أحد يستجاب دعاؤه و يكفينا الله به تعزز هذا؟!. - أي المتوكل-.

قال لهم أبوالحسن عليه السلام: في هذا العالم من قلامة ظفره أكرم علي الله من ناقة ثمود!. لما عقرت الناقة صاح الفصيل الي الله تعالي، فقال الله سبحانه: (تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب (65)) [21] .

فقتل المتوكل يوم الثالث» [22] .

و «روي أن المتوكل قتل في الرابع من شوال - حسب وعد الامام - سنة سبع و أربعين و مئتين؛ أي في سبع و عشرين سنة من امامة أبي الحسن عليه السلام [23] و كان قتله آية من آيات الله العظمي، اذ حدث البحتري - البختري علي الأصح - أنه جري ذكر السيوف عنده، فوصفوا له سيفا نادرا في البصرة. فكتب الي عامله فيها يطلب السيف بأي ثمن كان!. فرد عليه أن السيف بيع الي اليمن.

فكتب الي و اليه هناك أن يشتريه مهما كان ثمنه، و يرسله اليه... فاشتراه له بعشرة آلاف درهم، و بعث به اليه.

فكلف الفتح بن خاقان أن يختار له بطلا من الغلمان يحمله فوق رأسه



[ صفحه 193]



و يحرسه، فاختار له «باغر» التركي الشجاع المعروف. فسلمه اياه، و زاد له في مرتبه، و رفع مرتبته.

و حلف البختري بالله تعالي أن ذلك السيف ما انتضي و لا خرج من غمده الا في الليلة التي ضرب فيها «باغر» التركي المتوكل حين قتله» [24] .

و حكاية تلك المذبحة عجيبة، و من شاء أن يطلع عليها بالتفصيل ليشاهد رهبة ملحمة غريبة خلقت من ساعتها، و قتل فيها المتوكل و وزيره الفتح بن خاقان، فليراجع مروج الذهب للمسعودي في أحداث سنة مئتين و سبع و أربعين.

أما الرواية الثانية فهي التي ذكرها الحسن بن محمد بن جمهور العمي في كتاب «الواحدة» حيث قال:

«كان لي صديق مؤدب لولد «بغا» أو «وصيف» و الشك مني، فقال لي: قال لي الأمير منصرفه من دار الخلافة - أي ساعة خروجه -: حبس أمير المؤمنين هذا الذي يقولون: ابن الرضا اليوم و دفعه الي علي بن كركر - السجان - فسمعته يقول:

أنا أكرم علي الله من ناقة صالح!. (تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب (65)) [25] و ليس يفصح بالآية و لا بالكلام. أي شي ء هذا؟.

قال: قلت أعزك الله، توعد، أنظر ما يكون بعد ثلاثة أيام!.

فلما كان من الغد أطلقه المتوكل و اعتذر اليه.



[ صفحه 194]



فلما كان اليوم الثالث وثب عليه «باغر» و «يغلون» و «أوتامش» و جماعة معهم فقتلوه و أقعدوا المنتصر ولده خليفة» [26] .

فالأمير «التركي»... فهم أن وراء قول الامام لغزا و علامة للاستفهام، ثم نقل دهشته الي مؤدب أولاده مستغربا... فما بال هؤلاء «العرب الأقحاح» لا يفهمون شيئا مما يقوله الامام صلوات الله و سلامه عليه؟!. انهم «لا يريدون» أن يفهموا...

أما «بغا» و «باغر» و «يغلون» و «أوتامش» فهم قواد من عشرات آلاف الأتراك الذين استقدمهم و استخدمهم العباسيون لحماية «امارة للمؤمنين»... و لينكلوا بالمؤمنين!. و لا يعلم الا الله تعالي وحده كم قتلوا من العلويين - و من ذوي الهوي العلوي - و من أهل الدين المهاجرين بالحق... ثم مات كل خليفة منهم قبل أن يروي غليله من دماء العلماء الربانيين - من مختلف المذاهب - و من دماء ذرية النبي صلي الله عليه و آله و سلم بالخصوص!.

ولكنها دارت الأيام... و فتحت العيون: علي انقطاع دابر العباسيينن أخيرا و انقراض نسلهم عن وجه البسيطة، و علي بني علي و فاطمة عليهماالسلام تزدحم بهم الأرض بالطول و العرض!.

و اذا سألت الأمويين عن ذلك أجابوك بالآيتين لاكريمتين: (ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت و فرعها في السمآء (24) تؤتي أكلها كل حين باذن ربها... و مثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار (26)!) [27] فجوابهم موجود في مضمون هاتين الآيتين الشريفتين...



[ صفحه 195]



فما هو جواب بني العباس؟!.

و هل هو سوي قول رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لعمه العباس: «ويل لذريتي من ولدك؟!». فقد سبق في علم الله سبحانه فساد ولده، و افسادهم في الأرض.

أما عشرات الألوف من الأتراك المستقدمين المستخدمين لحماية ملك العباسيين، فقد كان فيهم الأمير و الجندي، و العالم و الجاهل، و المسلم و الملحد، و المرتزق و الطامع... و قد أثبتوا وجودهم و ثبتوا جذورهم في السلطة فحكموا البلاد و أذلوا العباد، وزجوا الخليفة - أخيرا - في زواية قصره و لعبوا به و بامارة المؤمنين، فعزلوا من عزلوا و ولوا من ولوا...

و «بغا» نموذج منهم قال عنه المسعودي:

«كان بغا [28] من الأتراك من غلمان المعتصم يشهد الحروب العظام يباشرها بنفسه فيخرج منها سالما. و لم يكن يلبس علي بدنه شيئا من الحديد، فعذل في ذلك فقال رأيت في نومي النبي صلي الله عليه و آله و سلم، و معه جماعة من أصحابه، فقال:

يا بغا، أحسنت الي رجل من أمتي، فدعا لك بدعوات استجيبت له فيك.

قال: فقلت: يا رسول الله، و من ذلك الرجل؟.

قال: الذي خلصته من السباع.

فقلت: يا رسول الله، صلي الله عليه و آلك، فسل ربك أن يطيل عمري.



[ صفحه 196]



فشال يده نحو السماء و قال: اللهم أطل عمره و أنسي ء في أجله.

فقلت: يا رسول الله، خمس و تسعون سنة.

فقال: خمس و تسعون سنة.

فقال رجل كان بين يديه: و يوقي من الآفات.

فقال النبي صلي الله عليه و آله و سلم: و يوقي من الآفات.

فقلت للرجل: من أنت؟.

قال: أنا علي بن أبي طالب.

فاستيقظت من نومي و أنا أقول: علي بن أبي طالب!.

و كان بغا كثير التعطف و البر علي الطالبيين. فقيل له: ما كان ذلك الرجل الذي خلصته من السباع؟.

قال: أتي المعتصم بالله برجل قد رمي ببدعة، فجرت بينهم في الليل مخاطبة في خلوة فقال لي المعتصم: خذ هذا فألقه الي السباع.

فأتيت بالرجل الي السباع لألقيه اليها و أنا مغتاظ عليه، فسمعته يقول: اللهم انك تعلم أني ما كلمت الا فيك، و لا نصرت الا دينك، و لا أتيت الا من توحيدك، و لم أرد غيرك تقربا اليك بطاعتك، و اقامة للحق علي من خالفك. أفتسلمني؟!!

قال بغا: فارتعدت و داخلني رقة، و ملي ء قلبي رعبا، فجذبته عن طرف بركة السباع و قد كدت أن أزج به فيها. و أتيت به الي حجرتي فأخفيته فيها.

و أتيت المعتصم فقال: هيه!.

فقلت: ألقيته.

فقال: فما سمعته يقول؟.



[ صفحه 197]



قلت: أنا أعجمي و كان يتكلم بكلام عربي، ما كانت أعلم ما يقول...

و قد كان الرجل أغلظ للمعتصم في خطابه.

فلما كان في السحر قلت للرجل: قد فتحت الأبواب، و أنا مخرجك مع رجال الحرس. و قد آثرتك علي نفسي و وقيتك بروحي. فاجهد أن لا تظهر في أيام المعتصم.

قال: نعم.

قلت: فما خبرك؟.

قال: هجم رجل من عماله في بلدنا علي ارتكاب المحارم و الفجور و اماتة الحق و نصر الباطل، فسري ذلك في افساد الشريعة و هدم التوحيد، فلم أجد ناصرا عليه. فوثبت عليه في ليلة فقتلته لأن جرمه كان مستحقا في الشريعة أن يفعل به ذلك. فأخذت، فكان ما رأيت» [29] .

لقد ارتعدت فرائص هذا القائد التركي الجبار - و ملي ء قلبه رعبا حين سمع من هذا الرجل ما سمعه من ذكر الله تبارك و تعالي؛ و ترأف به لما عرف ايمانه و غيرته علي الدين، و تحمل مسؤولية انجائه من الحكم الظالم عليه بالقائه طعمة للسباع... فما بال خليفة المسلمين حكم بمن يغار علي حرمة الدين بالاعدام رميا للسباع تمزق لحمه و تنهش عظامه، ثأرا لفاسق من موظفيه الذين ينشرون الفساد في البلاد؟!! و هل نزل مثل هذا الحكم في شريعة من شرائع السماء؟!.

قد فعل ذلك ابقاء علي سلطانه بلا شك. ولكن ما هو الدين الذي كان بعتنقه الخليفة علي المسلمين؟!. و هل كان من شروط الخلافة في الاسلام



[ صفحه 198]



أن يكون «قصر الامارة» مقصف لهو و طرب و قيان و حسان، و وصائف و غلمان... و مركز مؤامرات علي من يحمل في قلبه ذرة من الايمان؟!!

أما الرواية الثالثة فهي ما حكاه أبوالقاسم البغدادي، عن زرافة - خادم المتوكل - الذي قال:

«أراد المتوكل أن يمشي علي بن محمد بن الرضا عليهم السلام يوم السلام - و ذلك للتصغير من شأنه حين يجبره علي المشي بين يديه كعامة الناس -.

فقال له وزيره: ان في هذا شناعة عليك و سوء قالة، فلا تفعل.

قال: لابد من هذا.

قال الوزير - و هو الفتح بن خاقان -: فان لم يكن بد من هذا، فتقدم - أي أصدر أمرا - بأن يمشي القواد و الأشراف كلهم، حتي لا يظن الناس أنك قصدته بهذا دون غيره.

ففعل، و مشي الامام عليه السلام!.

و كان الصيف؛ فوافي الدهليز و قد عرق. فقال - زرافة خادم المتوكل -: فلقيته فأجلسته في الدهليز و مسحت و جهه بمنديل و قلت: ابن عمك لم يقصدك بهذا دون غيرك، فلا تجد عليه في قلبك.

فقال عليه السلام: ايها عنك. - أي عن ذلك -. (تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب (65)) [30] .

قال زرافة: و كان عندي معلم يتشيع، و كنت كثيرا ما أمازحه بالرافضي... فانصرفت الي منزلي وقت العشاء و قلت: تعال يا رافضي حتي



[ صفحه 199]



احدثك بشي ء سمعته اليوم من امامكم.

فقال لي: و ما سمعت؟

فأخبرته بما قال.

فقال: أقول لك، فأقبل نصيحتي.

قلت: هاتها.

قال: ان كان علي بن محمد عليه السلام قال بما قلت، فاحترز و اخزن كل ماتملكه، فان المتوكل يموت أن يقتل بعد ثلاثة أيام.

فغضبت عليه و شتمته و طردته من بين يدي، فخرج... فلما خلوت بنفسي تفكرت و قلت: ما يضرني أن آخذ بالحزم؟. فان كان من شي ء، كنت قد أخذت بالحزم، و ان لم يكن لم يضرني ذلك.

قال: فركبت الي دار المتوكل، فأخرجت كل ما كان لي فيها، و فرقت كل ما كان في داري الي عند أقوام أثق بهم، و لم أترك في داري الا حصيرا أقعد عليه... فلما كانت الليلة الرابعة قتل المتوكل و سلمت أنا و مالي...

و تشيعت عند ذلك، فصرت اليه و لزمت خدمته، و سألته أن يدعو لي، و تواليته حق الولاية» [31] .

فلم يتنبأ الامام سلام الله عليه بموت المتوكل... و لا أوحي اليه ذلك و حيا... ولكنه من صميم علمه الذي علمه الله تبارك و تعالي و جعله يعرف الآجال و يطلع علي الأعمال بيسر كما بينا سابقا في أول الكتاب.

وفقنا الله سبحانه للايمان بسرك يا مولاي و سر آبائك و أجدادك



[ صفحه 200]



و بنيك، لنفوذ مع الفائزين بولايتكم، و ننال مرضاة ربنا عزوجل... فانك لكما قال أبوبديل التميمي فيك:



أنت من هاشم بن عبدمناف بن

قضي، في سرها المختار



في اللباب، و في الأرفع، الأرفع

منهم، و في النضار، النضار [32] .



و أما الرواية الرابعة «ففي رواية سالم أن المتوكل أمر الفتح بن خاقان بسبه - أي بسب الامام و العياذ بالله من ذلك!-. فذكر له الفتح ذلك! - أي ذكره للامام عليه السلام -.

فقال: (فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذالك وعد غير مكذوب (65)) [33] .

و أنهي ذلك الي المتوكل. - أي نقل له الفتح قول الامام - فقال - المتوكل - أنا - أقتله بعد ثلاثة أيام.

فلما كان اليوم الثالث، قتل المتوكل و الفتح!» [34] .

(فأصابهم سيئات ما عملوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزءون (34)) [35] .

و كفي الله الامام شره، اذ جاء تفسير الخليفة لآية الانذار معكوسا، لأنه لم يكن في يوم في الأيام مع القرآن، و لا كان القرآن معه في خلافته الجائزة!.



[ صفحه 201]



و الرواية الخامسة حدث بها أبوروح النسابي، عن أبي الحسن، علي بن محمد عليهماالسلام، أنه دعا علي المتوكل بدعاء المظلوم علي الظالم الذي تراه قريبا... و اذا دعا الامام انقطع الكلام... و لوي الخليفة و وزيره عنقيهما!.

و الرواية السادسة و هي الأخيرة الأخيرة التي نقلت عن زرافة حاجب المتوكل الذي روي الرابعة، و لكنها مع شي ء من التفصيل المفيد الذي يكفي فيه أن يكون قد ذكره دعاء الامام عليه السلام بتمامه. - فقد قال زرافة:

«كان المتوكل يحظي الفتح بن خاقان و يقربه منه دون الناس جميعا، و دون ولده و أهله. و أراد أن يبين موضعه عندهم، فأمر جميع مملكته من الأشراف من أهله و غيرهم، و الوزراء و الأمراء و القواد و سائر العساكر، و وجوه الناس أن يزينوا بأحسن التزيين و يظهروا في أفخر عددهم و ذخائرهم، و يخرجوا مشاة بين يديه، و أن لا يركب الا هو، و الفتح بن خاقان خاصة، بسر من رأي.

و مشي الناس بين أيديهما علي مراتبهم رجالة - عن أقدامهم - و كان يوما قائظا شديد الحر. و أخرجوا في جملة الأشراف أبا الحسن، علي بن محمد عليهماالسلام، و شق عليه ما لقيه من الحر و الزحمة.

قال زرافة: فأقبلت اليه و قلت له: يا سيدي يعز و الله علي ما تقلي من هؤلاء الطغاة و ما قد تكلفت من المشقة!.

أخذته بيده فتوكا علي و قال: يا زرافة، ما ناقة صالح عند الله بأكرم مني - أو قال: بأعظم مني قدرا! -.

و لم أزل أسائله و أستفيد منه و أحدثه الي أن نزل المتوكل من الركوب و أمر الناس بالانصراف، فقدمت اليهم دوابهم فركبوا الي منازلهم.



[ صفحه 202]



و قدمت له بغلة فركبها، و ركبت معه الي داره. فنزل و ودعته و انصرفت الي داري؛ و لولدي مؤدب يتشيع من أهل العلم و الفضل، و كانت لي عادة باحضاره علي الطعام. فحضر عند ذلك و تحرينا الحديث و ما جري من ركوب المتوكل و الفتح و مشي الأشراف و ذوي الأقدار بين أيديهما؛ و ذكرت له ما شاهدته من أبي الحسن، علي بن محمد عليهماالسلام، و ما سمعت من قوله: من ناقة صالح عند الله بأعظم مني قدرا!.

و كان المؤدب يأكل معي، فرفع يده و قال: بالله انك سمعت هذا اللفظ منه؟!.

قلت: و الله اني سمعته يقوله.

فقال لي: ان المتوكل لا يبقي في مملكته أكثر من ثلاثة أيام و يهلك و انظر في أمرك، و أحرز ما تريد أحرازه، و تأهب كي لا يفجأكم هلاك هذا الرجل فتهلك أموالكم بحادثة تحدث أو سبب يجري.

فقلت له: من أين لك هذا؟!.

فقال لي: أما قرأت القرآن في قصة الناقة، و قوله تعالي: (تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك و عد غير مكذوب (65))؟!. [36] و لا يجوز أن يبطل قول الامام.

قال زرافة: فوالله ما جاء اليوم الثالث حتي هجم المنتصر، و معه بغا و وصيف و الأتراك، علي المتوكل فقتلوه و قطعوه و الفتح بن خاقان جميعا قطعا حتي لم يعرف أحدهما من الآخر، و أزال الله نعمته و مملكته!. فلقيت أباالحسن عليه السلام بعد ذلك و عرفته ما جري مع المؤدب و ما قاله.



[ صفحه 203]



فقال: صدق. أنه لما بلغ مني الجهد، رجعت الي كنوز نتوارثها من آبائنا هي أعز من الحصون و السلاح و الجنن؛ و هو دعاء المظلوم علي الظالم، فدعوت به عليه فأهلكه الله.

فقلت: يا سيدي، أن رأيت أن تعلمنيه؛ فعلمنيه» و هو هذا:

اللهم اني و فلان بن فلان عبدان من عبيدك، نواصينا بيدك، تعلم مستقرنا و مستودعنا، و تعلم منقلبنا و مثوانا، و سرنا و علانيتنا، و تطلع علي نياتنا، و تحيط بضمائرنا. علمك بما نبديه كعلمك بما نخفيه، و معرفتك بما نبطنه كمعرفتك بما نظهره، و لا ينطوي عليك شي ء من أمورنا، و لا يستتر دونك حال، و لا لنا منك معقل يحصننا، و لا حرز يحرزنا، و لا هارب يفوتك منا، و لا يمتنع الظالم منك بسلطانه، و لا يجاهدك عنه جنود، و لا يغالبك مغالب بمنعة، و لا يعازك متعزز بكثرة. أنت مدركه أينما مدركه أينما سلك، و قادر عليه أين لجأ، فمعاد المظلوم منا بك، و توكل المقهور منا عليك و رجوعه اليك، و يستغيث اذا خذله المغيث، و يستصرخك اذا قعد عنه النصير، و يلوذ بك اذا نفته الأفنية، و يطرق بابك اذا أغلقت دونه الأبواب المرتجة، و يصل اليك اذا احتجبت عنه الملوك الغافلة، تعلم ما حل به قبل أن يشكوه اليك، و تعرف ما يصلحه قبل أن يدعوك له. فلك الحمد سميعا بصيرا، لطيفا قديرا.

اللهم قد كان في سابق علمك، و محكم قضائك، و جاري قدرك، و ماضي حكمك، و نافذ مشيئتك في خلقك أجمعين، سعيدهم و شقيهم، و برهم و فاجرهم، أن جعلت لفلان بن فلان علي قدرة ظلمني بها، و بغي علي لمكانها، و تعزز علي بسلطانه الذي خولته اياه، و تجبر علي بعلو حاله التي جعلتها له، و غره املأؤك له، و أطغاه حلمك عنه، فقصدني بمكروه عجزت عن الصبر عليه، و تعمدني بشر ضعفت عن احتماله، و لم أقدر علي الانتصار منه لضعفي، و الانتصاف منه لذلي، فوكلته اليك، و توكلت في أمره



[ صفحه 204]



عليك، و توعدته بعقوبتك، و حذرته سطوتك، و خوفته نقمتك، فظن أن حلمك عنه من ضعف، و حسب أن املاءك له من عجز، و لم تنهه واحدة عن أخري، و لا انزجر عن ثانية بأولي. ولكنه تمادي بغيه، و تتابع في ظلمه، و لج في عدوانه، و استشري في طغيانه جرأة عليك يا سيدي، و تعرضا لسخطلك الذي لا ترده عن الظالمين، و قلة اكتراث ببأسك الذي لا تحبسه عن الباغين.

فها أنذا يا سيدي مستضعف في يديه، مستضام تحت سلطانه، مستذل بعنائه، مغلوب مبغي علي، مغضوب، و جل، خائف مروع، مقهور قد قل صبري، و ضاقت حيلتي، و انغلقت علي المذاهب الا اليك، و انسدت علي الجهات الا جهتك، و التبست علي أموري في دفع مكروهه عني، و اشتبهت علي الآراء في ازالة ظلمه، و خذلني من استنصرته من عبادك، و أسلمني من تعلقت به من خلقك طرا، و استشرت نصيحي فأشار الي بالترغبة اليك، و استرشدت دليلي فلم يدلني الا عليك، فرجعت اليك يا مولاي صاغرا راغما مستكينا، عالما أنه لا فرج الا عندك، و لا خلاص الا بك، أنتجز وعدك في نصرتي و اجابة دعائي، فانك قلت و قولك الحق لا يرد و لا يبدل: (و من عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغي عليه لينصرنه الله) و قلت جل جلالك و تقدست أسماءك: (ادعوني أستجب لكم) و أنا فاعل ما أمرتني به لا منا عليك، و كيف أمن به و أنت عليه دللتني؟. فصل علي محمد و آل محمد فاستجب لي كما وعدتني يا من لا يخلف الميعاد.

و اني لأعلم يا سيدي أن لك يوما تنتقم فيه من الظالم للمظلوم، و أتيقن أن لك وقتا تأخذ فيه من الغاصب للمغصوب، لأنك لا يسبقك معاند، و لا يخرج عن قبضتك منابذ، و لا تخاف فوت فائت، ولكن جزعي و هلعي لا يبلغان بي الصبر علي أناتك و انتظار حلمك. فقدرتك علي يا سيدي و مولاي



[ صفحه 205]



فوق كل قدرة، و سلطانك علي كل سلطان، و معاد كل أحد اليك و ان أمهلته، و رجوع كل ظالم اليك و ان أنظرته.

و قد أضرني يا رب حلمك عن فلان بن فلان، و طول أناتك له و امهالك اياه، و كاد القنوط يستولي علي لولا الثقة بك و اليقين بوعدك. فان كان في قضائك النافذ و قدرتك الماضية أن ينيب أو يتوب أو يرجع عن ظلمي، أو يكف مكروهه عني، و ينتقل عن عظيم ما ركب مني، فصل علي محمد و آل محمد و أوقع ذلك في قلبه الساعة الساعة قبل ازالة نعمتك التي أنعمت به علي، و تكديره معروفك الذي صنعته عندي. و ان كان في علمك به غير ذلك من مقام علي ظلمي، فأسألك يا ناصر المظلوم المبغي عليه اجابة دعوتي. فصل علي محمد و آل محمد و خذه من مأمنه أخذ عزيز مقتدر، و افجأه في غفلته مفاجأة مليك منتصر، و اسلبه نعمته و سلطانه، و افضض عنه جموعه و أعوانه، و مزق ملكه كل ممزق، و فرق أنصاره كل مفرق، و أعره من نعمتك التي لم يقابلها بالشكر، و انزع عنه سربال عزك الذي لم يجازه بالاحسان، و اقصمه يا قاصم الجبابرة، و أهلكه يا مهلك القرون، و أبره يا مبير الأمم الظالمة، و اخذله يا خاذل الفئات الباغية، و ابتر عمره،و ابتز مكله، و عف أثره، و اقطع خبره، و أطفي ء ناره، و أظلم نهاره، و كدر شمسه، و أزهق نفسه، و أهشم شدته، وجب سنامه، و أرغم أنفه، و عجل حتفه، و لا تدع له جنة الا هتكتها، و لا دعامة الا قصمتها، و لا كلمة مجتمعة الا فرقتها، و لا قائمة علو الا وضعتها، و لا ركنا الا وهنته، و لا سببا الا قطعته، و أرنا أنصاره و جنده و أحباءه و أرحامه عباديد بعد الألفة، و شتي بعد اجتماع الكلمة، و مقنعي الرؤوس بعد الظهور علي الأمة؛ و اشف بزواله القلوب المنقلبة الوجلة، و الأفئدة اللهفة، و الأمة المتحيرة، و البرية الضائعة. و أدل ببوار ملكه الحدود المعطلة، و الأحكام المهملة، و السنن الدائرة، و المعالم



[ صفحه 206]



المغيرة، و الآيات المحرفة، و المدارس المهجورة، و المحاريب المجفوة، و المساجد المهدومة. و أرح به الأقدام المتعبة، و أشبع الخماص الساغبة، و أرو به اللهوات اللاغبة، و الأكباد الظامئة. و أطرقه بليلة لا أخت لها، و ساعة لا شفاء منها، و بنكبة لا انتعاش معها، و بعثرة لا اقالة منها؛ و أبح حريمه، و نغص نعيمه، و أره بطشتك الكبري، و نقمتك المثلي، و قدرتك التي هي فوق كل قدرة، و سلطانك الذي هو أعز من سلطانه، و أغلبه لي بقوتك القوية و محالك الشديد، و امنعني منه بمنعتك التي كل خلق فيها ذليل، و ابتله بفقر لا تجبره، و بسوء لا تستره، و كله الي نفسه فيما يريد، انك فعال لما تريد؛ و أبرئه من حولك و قوتك، و أحوجه الي حوله وقوته، و أذل مكره بمكرك، و ادفع مشيئته بمشيئتك، و أسقم جسده، و أيتم ولده، و أنقص أجله، و خيب أمله، و أذل دولته، و أطل عولته، و اجعل شغله في بدنه، و لا تفكه من حزنه، و صير كيده في ضلال، و أمره الي زوال، و نعمته الي انتقال، و جده في سفال، و سلطانه في اضمحلال، و عاقبته الي شر مآل؛ و أمته بغيظه اذا أمته، و أبقه لحزنه اذا أبقيته، و قني شره، و همزه، و سطوته، و عدواته، و المحه لمحة تدمر بها عليه، فانك أشد بأسا، و أشد تنكيلا، و الحمد لله رب العالمين» [37] .

... و قد لمحه سبحانه و تعالي لمحة دمر بها عليه... و أطرقه بليلة لا أخت لها، و ساعة لا شفاء منها، و بنكبة لا انتعاش معها، و بعثة لا اقالة منها... و خبط لحمه بلحم وزيره!. فلا المتوكل و لا الفتح و لا خليفة و لا وزير بعد ذلك التدمير الذي استنزلته دعوة الامام المظلوم من قلبه المكلوم!.



[ صفحه 207]



فانه اذا رفع الامام عليه السلام كفيه الي السماء، و تضرع و ألح في السؤال... وجد الله تعالي قريبا مجيبا لا يرد دعوة المضطر اذا دعاه...

و لو تسني لنا أن ننتقل بأفكارنا و احساسنا الي الجور القاتم الذي كان يعيش الامام في زنزانته، لأخذتنا الدهشة من ظالمه الذي لم ير منه سوءا قط، و لا وقف له علي قالة البتة، و لا صادره رهن محاولة، و لا شعر منه بهمسة في سره و لا في علنه... فكيف لا يدعو عليه الامام بعد أن تعمد اذلاله و سيره ماشيا علي قدميه في يوم حار، و هو يركب جوادا مطهما تأخذه الخيلاء و الكبرياء؟. و لم لا يدق باب ربه الذي اجتباه من خلقه، فعمد هذا الطاغية الي ازدراء اصطفاء الله و اختياره؟!! فلو لم يبلغ ظلم هذا الرجل الغاية، لبقي الامام علي صبره المعهود، فان أهل البيت عليهم السلام هم أهل الصبر علي الأذي و الظلم، و أهل المكابدة و المجاهدة في سبيل الابقاء علي الدين و حفظ رسالة جدهم سيد المرسلين صلي الله عليه و آله و سلم.

و يا أيها المتوكل علي غير الله، أخطأت الحكمة و الصواب حين نازعت بجبروتك رب الجبروت و الملكوت!.

و لو قدر لآبائك يطلعوك علي ما صاروا اليه، لرأيت أمرا عظيما و خطرا جسيما... و لواجهك فعل الله بمن يتصدي لأولياء الله و عباده الصالحين!.

و أقول لك توبيخا، و لغيرك تحذيرا، ما قاله أحد الشعراء:



لا تظلمن اذا ما كنت مقتدرا

فالظلم آخره يأتيك بالندم



نامت عيونك، و المظلوم منتبه

يدعو عليك، و عين الله لم تنم!





[ صفحه 208]




پاورقي

[1] البطحائي هو محمد بن القاسمبن الحسن بن زيد بن الحسن بن أميرالمؤمنين عليه السلام. و هو، و أبوه، و جده، كانوا مظاهرين لبني العباس علي سائر أولاد أبي طالب.

[2] الآية الكريمة في الشعراء: 227 و أنظر الارشاد: ص 309 الي ص 311 و كشف الغمة: ج 3 ص 169 - 168 و اعلام الوري: ص 345 - 344 و بحارالأنوار: ج 50 ص 200 - 199 و مناقب آل أبي طالب: ج 4 ص 416 - 415 و الكافي: م 1 ص 500 - 499 و الأنوار البهية: ص 263 و مدينة المعاجز: ص 540 و حلية الأبرار: ج 2 ص 457 - 456.

[3] ينابيع المودة: ج 2 ص 470 - 469.

[4] مروج الذهب: ج 4 ص 182 - 181 و ينابيع المودة: ج 2 ص 474.

[5] ينابيع المودة: ج 2 ص 474 و مروج الذهب: ج 4 ص 182 - 181.

[6] بحارالأنوار: ج 50 ص 195 - 194 و هو مكرر في ص 196 عن أبي سليمان، عن ابن أرومة؛ و كذلك هو في كمال الدين: ج 2 ص 54؛ و هو في معاني الأخبار: ص 124 - 123 و اعلام الوري: ص 411 و مدينة المعاجز: ص 555 و في حلية الأبرار: ج 2 ص 465 روي نصفه الأخير عن ابن أرومة.

[7] العلق: 5 - 4.

[8] تحف العقول: ص 483 - 482.

[9] ورد في الأصل «المعتز» و هو خطأ، لأنه المنتصر.

[10] المصدر السابق.

[11] الأنوار البهية: ص 265 - 264 و كشف الغمة: ج 3 ص 186 - 185 و بحارالأنوار: ج 50 ص 197 - 196 عن مختار الخرائج و الجرائح: ص 513 - 512، و هو في مدينة المعاجز: ص 552 - 551 بتغيير بعض ألفاظه، و هو أيضا في حلية الأبرار: ج 2 ص 466 - 465.

[12] كشف الغمة: ج 3 ص 188 و اعلام الوري: ص 344 - 343 و بحارالأنوار: ج 50 ص 137 و مناقب آل أبي طالب: ج 4 ص 407 و الأنوار البهية: ص 247 و مدينة المعاجز: ص 545.

[13] ابراهيم: 43.

[14] مروج الذهب: ج 4 ص 12 - 11 و هو في تذكرة الخواص: ص 375 - 374 و بحارالأنوار: ج 50 ص 212 - 211 - بلفظ قريب جدا - و الأنوار البهية: ص 268 -267 و ينابيع المودة: ج 2 ص 463 ما عدا الشعر الذي تلاه.

[15] أنظر مروج الذهب: ج 2 ص 40.

[16] كشف الغمة: ج 3 ص 184 و بحارالأنوار: ج 50 ص 156 - 155 و مدينة المعاجز: ص 551 و حلية الأبرار: ج 2 ص 465.

[17] مدينة المعاجز: ص 543 و مروج الذهب: ج 4 ص 4.

[18] بحارالأنوار: ج 50 ص 153 - 152 و مدينة المعاجز: ص 560 و مروج الذهب: ج 4 ص 4 و أنظر حلية الأبرار: ج 2 ص 467 - 466.

[19] مدينة المعاجز: ص 553.

[20] يوسف: 47 و 48 و 49 و أنظر بحار الأنوار: ج 50 ص 186 و مدينة المعاجز: ص 547 و حلية الأبرار: ج 2 ص 467.

[21] هود: 65.

[22] بحارالأنوار: ج 50 ص 210 - 209 و مدينة المعاجز: ص 547.

[23] أنظر مروج الذهب: ج 4 ص 20 - 19 و بحارالانوار: ج 50 ص 210 - 209.

[24] أنظر المصدرين السابقين.

[25] هود: 65.

[26] اعلام الوري: ص 346 و بحارالأنوار: ج 50 ص 189 و ص 204 و مناقب آل أبي طالب: ج 4 ص 407 و مدينة المعاجز: ص 547 - 546.

[27] ابراهيم: 26 - 24.

[28] بغا هو اسم كان يحمله قائد كبير من الأتراك من سلطنة بني العباس. و بغا المذكور هنا هو المشهور ببغا الكبير، و هو الذي قتل المتوكل كما ستري. و بغا الثاني كان يلقب بالشرابي.

[29] بحارالأنوار: ج 50 ص 219 - 218 و مروج الذهب: ج 4 ص 77 - 76.

[30] هود: 65.

[31] بحارالأنوار: ج 50 ص 148 - 147 و الأنوار البهية: ص 269 - 268 و مدينة المعاجز: ص 547 و ص 560 و حلية الأبرار: ج 2 ص 467.

[32] مناقب آل أبي طالب: ج 4 ص 418.

[33] هود: 65.

[34] مناقب آل أبي طالب: ج 4 ص 407 و بحارالأنوار: ج 50 ص 204.

[35] النحل: 34.

[36] هود: 65.

[37] مهج الدعوات: من ص 261 الي 271 و الخبر في بحارالأنوار: ج 50 ص 94.