في عهد المنتصر و من بعده
... و أزال الله تعالي تلك الغمة التي خيمت بثقلها في أجواء الامام عليه السلام، و كشف الغيمة السوداء التي ملأ قتامها آفاقة و آفاق من يدور في فلك الحق، حين قطع المتوكل سيفه العزيز عليه، فمضي واحدا من سلسلة «أمراء المؤمنين» الذين أذلوا المؤمنين و عباد الله الصالحين!.
و تنفس الناس الصعداء، و استروحوا روح هدوء الأعصاب بعد ذي اللحية الصفراء الذي بعثره زند «باغر» التركي أشلاء، و نثره اربا اربا... في ليلة عاش أولها في دار الملك و السلطان، و قضي آخرها وجها لوجه مع سوء عمله، و مصيره البئيس التعيس...
و قعد المنتصر - المتشيع - فأمر بالكف عن آل أبي طالب، و أن لا يمنع أحد من زيارة الحسين عليه السلام في كربلاء بعد أن كان أبوه - المتوكل - قد منعهم من ذلك و هدم القبر الشريف منذ سنة ست و ثلاثين و مئتين، و تهدد من يزوره بالتعذيب و القتل!. و قد روي أبوجعفر الطبري هذه الحادثة في تاريخه قائلا:
«و فيها - سنة 236 ه. أمر المتوكل بهدم قبر الحسين بن علي و هدم ما حوله من المنازل و الدور، و أن يحرث و يبذر، و أن يمنع الناس من اتيانه.
[ صفحه 209]
فذكر أن صاحب الشرطة نادي في الناحية: من وجدناه عند قبره بعد ثلاثة بعثنا به الي المطبق - الحبس - فهرب الناس و امتنعوا من المصير اليه، و حرث ذلك الموضع وزرع ما حواليه» [1] .
أما المسعودي فقال في مروج الذهب:
«و كان آل أبي طالب قبل خلافته - أي المنتصر - في محنة عظيمة و خوف علي دمائهم، قد منعوا من زيارة قبر الحسين و الغري من أرض الكوفة - أي مقام أميرالمؤمنين عليه السلام - و كذلك منع غيرهم من شيعتهم حضور هذه المشاهد؛ و كان الأمر بذلك من المتوكل سنة ست و ثلاثين و مئتين. و فيها أمر المعروف «بالذيريج» بالسير الي قبر الحسين بن علي رضي الله تعالي عنهما و هدمه و محو أرضه و ازالة أثره، و أن يعاقب من وجد به. فبذل الرغائب لمن تقدم علي هدم هذا القبر فكل خشي العقوبة و أحجم، فتناول «الذيريج» مسحاة و هدم أعالي قبر الحسين، فحينئذ أقدم الفعلة فيه... و انهم انتهوا الي الحفرة و موضع اللحد فلم يروا فيه أثر رمة و لا غيرها. و لم تزل الأمور علي ما ذكرنا الي أن استخلف المنتصر فأمن الناس و تقدم بالكف عن آل أبي طالب و ترك البحث عن أخبارهم، و أن لا يمنع أحد من زيارة الحيرة لقبر الحسين رضي الله تعالي عنه، و لا قبر غيره من آل أبي طالب، و أمر برد فدك الي ولد الحسن و الحسين، و أطلق أوقاف آل أبي طالب و ترك التعرض لشيعتهم و دفع الأذي عنهم» [2] .
و قال ابن الأثير في تاريخه الكامل: «و في سنة 236 هجرية أمر المتوكل بهدم قبر الحسين بن علي عليه السلام، و هدم ما حوله من المنازل
[ صفحه 210]
و الدور، و أن يبذر و يسقي موضع قبره، و أن يمنع الناس من اتيانه. فنادي بالناس في تلك الناحية: من وجدناه عند قبره بعد ثلاثة حبسناه في المطبق؛ فهرب الناس و تركوا زيارته و خرب و زرع...
و كان المتوكل شديد البغض لعلي بن أبي طالب عليه السلام و لأهل بيته، و كان يقصد من يبلغه عنه أنه يتولي عليا و أهله بأخذ المال و الدم.
و كان من جملة ندمائه عبادة المخنث، و كان يشد علي بطنه - تحت ثيابه - مخدة، و يكشف رأسه - و هو أصلع - و يرقص بين يدي المتوكل و المغنون يغنون:
قد أقبل الأصلع البطين
خليفة المسلمين!!!
يحكي بذلك عليا عليه السلام، و المتوكل يشرب و يضحك!.
ففعل ذلك يوما و المنتصر حاضر، فأومأ الي عبادة يتهددة؛ فسكت خوفا منه.
فقال المتوكل - لعبادة -: مالك؟!. و أخبره.
فقال المنتصر: يا أميرالمؤمنين، ان الذي يحكيه هذا الكلب و يضحك منه الناس، هو ابن عمك، و شيخ أهل بيتك، و به فخرك. فكل أنت لحمه و لا تطعم هذا الكلب و أمثاله منه.
فقال المتوكل للمغنين: غنوا جميعا:
غار الفتي لابن عمه
رأس الفتي في حرامه!.
فكان هذا من الأسباب التي استحل بها المنتصر قتل المتوكل - أبيه -.
و قيل ان المتوكل كان يبغض من تقدمه من الخلفاء: المأمون، و المعتصم، و الواثق، في محبة علي و أهل بيته. و انما كان ينادمه و يجالسه جماعة قد اشتهروا بالنصب و البغض لعلي، منهم: علي بن الجهم الشاعر،
[ صفحه 211]
و عمر بن الفرج الرخجي، و أبو السمط، و ابن أترجة، و كانوا يخوفونه من العلويين و يشيرون عليه بابعادهم و الاعراض عنهم و الاساءة اليهم؛ ثم حسنوا له الوقعية في أسلافهم الذين يعتقد الناس علو منزلتهم في الدين. و لم يبرحوا به حتي ظهر منه ما كان، فغطت هذه السيئة علي جميع حسناته» [3] .
و يكفي هذا الخليفة نقصا أن تصل بذاءة لسانه - و هو علي طاولة الشراب و في مجالس لهوه - يكفيه أنه نال من عرض زوجته «أم المنتصر» لما دافع عن كرامة علي بن أبي طالب عليه السلام، اذ قال لابنه «رأس التفي في حرامه» و روي أنه قالها بصراحة «كذا الفتي في حرامه» أي فرجه في فرج أمه.
ثم تكفيه هذه الشهادة من ثلاثة مؤرخين أجلاء ذكروا مخازيه و سوء سلوكه و قبح عقيدته، و فساد ما كان عليه من تصرف!. و تصور - بعدها - مبلغ مناصبته العداوة لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم في وصيه و أخيه و ابن عمه، و في ابن بنته و ابن وصيه و أبي أوصيائه البررة عليهم السلام، لتقف علي ما كان عليه بعض حكام الاسلام الذين تسموا بأمراء المؤمنين!.
و لذا ألقي الخليفة الجديد رجله علي المكبح، و غير وجهة السير لما أعلن رفع الكابوس الثقيل الجاثم علي صدور المؤمنين، فارتاحت النفوس لذلك، و ابتلع الكل ريقهم...
و قد قال ابن الأثير في تاريخه الكامل: «كان المنتصر عظيم الحلم، راجح العقل... كثير الانصاف... و أمر الناس بزيارة علي و الحسين عليهماالسلام، و آمن العلويين و كانوا خائفين أيام أبيه، و أطلق وقوفهم، و أمر برد فدك الي ولد الحسين و الحسن ابني علي بن أبي طالب عليه السلام» [4] .
[ صفحه 212]
و في عصره المعتدل لم تغب عن الأذهان دلائل عظمة امامنا الهادي عليه السلام، التي كانت تظهر لأوليائه و خصومه - بالرغم من أن واضعي التاريخ قد ضنوا بذكر شي ء... و بخلوا بكل شي ء!. - الا أنه رشح الينا من أخباره نزر قليل يعطي صورة معبرة عن «وجوده» وجودا منظورا كامام لا يرضيه الا ما يرضي الله عزوجل، و لا يغضبه الا ما يغضب الله تعالي و رسوله صلي الله عليه و آله و سلم، فلا يهادن باطلا و لو صدر من أخيه و أقرب الناس اليه.
ولكننا لن ننتقل من مرحلة الي مرحلة قبل أن نطلع القاري ء علي تنصيب بعض أولئك الخلفاء. بعد أن عرضنا لكيفية تنصيب المتوكل سابقا. فقد قال ابن الأثير:
«في سنة 346 هجرية قتل المتوكل. و كان هو و الفتح بن خاقان قد عزما علي الفتك بالمنتصر و بوصيف و بغا و بعض قواد الأتراك صباح غد. و كان ابنه المنتصر قد واعد هؤلاء الأتراك علي قتل أبيه المتوكل لأنه يومها كثر عبثه به: فكان مرة يشتمه، و مرة يأمر بصفعه، و مرة يتهدده بالقتل، ثم قال للفتح: برئت من الله و من قرابتي من رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) ان لم تلطمه - يقصد المنتصر - فقام اليه فلطمه مرتين!» [5] ثم كان ما كان مما ذكرناه عن قتلهما و قال:
«و في اليوم التالي اجتمع القواد و الكتاب و الوجوه و الشاكرية و الجند و سائر الناس، فقرأ عليهم أحمد بن الخصيب - الوزير و شاهد التزوير - قرأ كتابا يخبر فيه أن الفتح بن خاقان قتل المتوكل، فقتله المنتصر به، و دعاهم الي المبايعة، فبايعوا!!!» [6] .
[ صفحه 213]
فدماء المسلمين في عرف العباسيين... أجراها الله تعالي ملكا لهم يدفعونه ثمن عروش الظلم... و هي في ميزان الأمراء... أرخص من الماء... و الهواء!.
أما الدهماء من حولهم... فسريعا من ينادون: مات الزعيم... يحيا الزعيم!. و اللعب كله في عين الله عز سلطانه...
قال عبدالله بن طاهر: «خرجت الي سر من رأي لأمر من الأمور أحضرني المتوكل له، فأقمت سنة. ثم ودعت و عزمت الانحدار الي بغداد، فكتبت الي أبي الحسن عليه السلام أستأذنه في ذلك و أودعه.
فكتب: فانك بعد ثلاث يحتاج اليك. و سيحدث أمر ان انحدرت استحسنته.
فخرجت الي الصيد و أنسيت ما أشار الي به أبوالحسن عليه السلام. فعدلت الي المطوة - الي الدابة التي يمتطيها، يركبها - و قد صرت الي مصري - بلدي - و أنا جالس مع خاصتي اذ بمئة فارس يقولون لي: أحب أميرالمؤمنين: المنتصر.
قلت: ما الخبر؟.
قالوا: قتل المتوكل، و جلس المنتصر و استوزر أحمد بن الخصيب، فقمت من فوري راجعا» [7] .
فسبحان من لم يحجب عن حجته أمرا، و لا أسدل دون علمه بالأشياء سترا، ليكون الحجة البالغة علي الخلق أجمعين، و ليكون آية بينة دالة علي
[ صفحه 214]
قدرته في اصطفاء من شاء من العالمين.
و قال المنتصر بن المتوكل - الخليفة بن الخليفة، و كان متشيعا للامام عليه السلام بعلم من أبيه الذي كان من أجل ذلك يكرهه و يزدريه... قال -:
«زرع الدي الآس في بستان و أكثر منه. فلما استوي الآس كله و حسن، أمر الفراشين أن يفرشوا الدكان - أي المقعد المرتفع - في وسط البستان، و أنا قائم علي رأسه.
فرفع رأسه الي و قال: يا رافضي سل ربك الأسود - أي الامام عليه السلام - عن هذا الأصل الأصفر، ما له بين ما بقي من هذا البستان قد اصفر؟!. فانك تزعم أنه يعلم الغيب.
فقلت: يا أميرالمؤمنين، انه ليس يعلم الغيب.
فأصبحت و غدوت اليه عليه السلام من الغد، و أخبرته بالأمر.
فقال: امض أنت واحفر الأصل الأصفر، فان تحته جمجمة نخرة، و اصفراره لبخارها.
قال: ففعلت ذلك، فوجدته كما قال عليه السلام.
قال - أبوه المتوكل -: يا بني لا تخبرن أحدا بهذا الأمر، و لن نحدثك بمثله» [8] .
و ليس من العلم الطبيعي أن اصفرار ذلك الآس نتج عن بخار تلك الجمجمة... و لا كل شجرة آس تحتاج الي دفن جمجمة نخرة بجانبها حتي يصر ثمرها اذا استوي و نضج... و لم نعرف تفسيرا سهلا لما قصده
[ صفحه 215]
الامام عليه السلام بهذا اللغز الذي فهمه المتوكل حالا و أمر ابنه المنتصر بأن لا يخبر به أحدا، ثم وعده بألا يعود الي مثل تلك الغلطة معه!.
و أيسر ما نقدره أن تلك الجمجمة شاهد علي جريمة كبري من جرائم المتوكل التي بارز الله تعالي فيها و أهل دينه، قد ارتكبها سرا و أخفاها عن الناس و عن أقرب المقربين اليه لبشاعتها و قبحها، و قد دفن من قتله يومها تحت شجرات الآس، ففضحها الامام عليه السلام، و أطلع المتوكل علي أنه علي علم بها و أنه يعرف كثيرا من الغيب... و يعلم كثيرا من الغيب الذي يرتكبه «خليفة» يدعي الاسلام و يرتكب الفجور و المنكرات و الآثام... فألقم حجرا، و قال لابنه: لن نحدثك بمثله...
قال أحمد بن محمد بن عيسي: «حدثني أبويعقوب، قال: رأيت أبا الحسن عليه السلام مع أحمد بن الخصيب - وزير المنتصر - يتسايران و قد قصر أبوالحسن عليه السلام عنه.
فقال ابن الخصيب: سر جعلت فداك!.
قال أبوالحسن عليه السلام: أنت المقدم- و هذا اخبار له بأنه يموت قبله.
فما لبثنا الا أربعة أيام حتي وضع الوهق علي ساق ابن الخصيب، و قتل» [9] .
- و الوهق حبل في أحد طرفيه أنشوطة يربط بهما و يشد علي رجلي من رمي للقتل أو أريد ضربه.
[ صفحه 216]
قال الراوي: و ألح قبل هذا ابن الخصيب علي أبي الحسن عليه السلام في الدار التي كان قد نزلها، و طالبه بالانتقال منهان و تسليمها اليه. فبعث اليه أبوالحسن عليه السلام: لأقعدن بك من الله مقعدا لا تبقي لك معه باقية!. فأخذه الله في تلك الأيام» [10] .
و ابن الخصيب هذا، وزير للمنتصر كما ذكرناه كان قد استوزره و ندم علي استيزاره لأنه كان طاغية متكبرا «فقد ركب ذات يوم فتظلم له متظلم، فأخرج رجله من الركاب فزج بها صدر المتظلم فقتله!. فتحدث الناس في ذلك، و قال بعض الشعراء:
قل للخليفة: يابن عم محمد
أشكل وزيرك، انه ركال
أشكله عن ركل الرجال، فان ترد
مالا، فعند وزيرك الأموال
و قد كان ابن الخصيب قليل الخير، كثير الشر، شديد الجهل» [11] .
و اشكل وزيرك، أي اربطه برجليه و شدهما الي بعضهما كما تربط الدابة لمنعها من اللبيط... و الركل هو أن يلبط الرجل غيره برجله استهانة به...
فيا ويح راكل ذلك المتظلم برجله ركلا قتله به!... و الويل لوزير متكبر جاهل، كثير الشر... فانه لما دفعه الامام عليه السلام ليقدمه أثناء السير معه، أراه مقعده من النار، منذ اللحظة التي قال له فيها: أنت المقدم!. فقد دعه - منذئذ - الي جهنم التي (عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله مآ أمرهم و يفعلون ما يؤمرون (6)!) [12] حيث لقي ابن الخصيب عندهم منزلا جديبا!.
[ صفحه 217]
و بقي الامام عليه السلام في منزله رغما عن أنفه... و بمرتبته التي رتبه الله تعالي فيها.
و ابن الخصيب هذا، قد فعل الأفاعيل قبل موته، و اختلس هو و بقية كتاب القصر أموال المسلمين و اكتنزوها في خزائنهم. «ففي سنة تسع و عشرين و مئتين للهجرة، حبس الواثق الكتاب و ألزمهم أموالا عظيمة، و أخذ من أحمد بن اسرائيل ثمانين ألف دينار بعد أن ضربه، و من سليمان بن وهب، كاتب ايتاخ، أربعمئة ألف دينار، و من الحسن بن وهب أربعة عشر ألف دينار، و من ابراهيم بن رياح و كتابه مئة ألف دينار، و من أحمد بن الخصيب و كتابه ألف ألف دينار - مليون!. - و من نجاح ستين ألف دينار، و من أبي الوزير مئة ألف و أربعين ألف دينار»!. [13] (و الذين يكنزون الذهب و الفصة و لا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم (34) يوم يحمي عليها في نار جهنم فتكوي بها جباههم و جنوبهم و ظهورهم؟..) [14] يا أيها الكاتب المتكبر، و الوزير المتجبر...
«و روي أن الحسن العسكري عليه السلام اتصل بأبي الحسن، علي بن محمد العسكري عليه السلام - أي بأبيه - في هذا العهد - أن رجلا من فقهاء شيعته كلم بعض النصاب فأفحمه بحجته حتي أبان فضيحته. فدخل - أي الرجل الفقيه من شيعته - علي علي بن محمد عليه السلام و في صدر مجلسه دست عظيم منصوب - و سادة عظيمة - و هو جالس خارج الدست و بحضرته خلق من العلويين و بني هاشم؛ فما زال يرفعه حتي أجلسه في ذلك الدست و أقبل عليه فاشتد ذلك علي أولئك الأشراف.
[ صفحه 218]
فأما العلوية فأجلوه عن العتاب.
و أما الهاشميون فقال له شيخهم: يابن رسول الله، هكذا تؤثر عاميا - غير ذي حسب و نسب - علي سادات بني هاشم من الطالبيين و العباسيين؟!.
فقال عليه السلام: اياكم و أن تكونوا من الذين قال الله تعالي فيهم: (ألم تر الي الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون الي كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولي فريق منهم و هم معرضون (23)) [15] أترضون بكتاب الله حكما؟.
قالوا: بلي.
قال: أليس الله يقول: (يأيها الذين ءامنوا اذ قيل لكم تفسحوا من المجالس فافسحوا يفسح الله لكم و اذا قيل انشزوا فانشزوا يرفع الله الذين ءامنوا منكم و الذين أوتوا العلم درجات...) [16] ؟!. فلم يرض للعالم المؤمن الا أن يرفع عن المؤمن من غير العالم، كما لم يرض للمؤمن الا أن يرفع علي من ليس بمؤمن.
أخبروني عنه، قال: (يرفع الله الذين ءامنوا منكم و الذين أوتوا العلم درجات) أو قال: يرفع الذين أوتوا شرف النسب درجات؟!.
أوليس قال الله: (هل يستوي الذين يعلمون و الذين لا يعلمون)؟!! [17] فكيف تنكرون رفعي لهذا لما رفعه الله؟!. ان كسر هذا (الرجل) لفلان الناصب، بحجج الله التي علمه اياها، لأفضل من كل شرف في النسب.
فقال العباسي: يا بن رسول الله، قد أشرفت علينا - أي قدمت علينا في الشرف... هو ذا تقصير بنا عمن ليس له نسب كنسبنا و ما زال منذ أول الاسلام يقدم الأفضل في الشرف علي من دونه فيه.
[ صفحه 219]
فقال عليه السلام: سبحان الله! أليس عباس بايع أبابكر و هو تيمي و العباس هاشمي؟!.
أوليس عبدالله بن عباس كان يخدم عمر بن الخطاب، و هو هاشمي أبوالخلفاء، و عمر عدوي؟!.
و ما بال عمر أدخل البعداء من قريش في الشوري، و لم يدخل العباس؟!.
فان كان رفعنا لم ليس بهاشمي علي هاشمي منكرا، فأنكروا علي عباس بيعته لأبي بكر، و علي عبدالله بن عباس خدمته لعمر بعد بيعته!.
فان كان ذلك جائزا، فهذا جائز.
فكأنما ألقم الهاشمي حجرا» [18] .
فتعالي الله العزيز الوهاب... و سلامه و تحياته و بركاته علي خزان علمه الذين زقوا العلم زقا!. فان من حاول أن يغوص في بحر علمهم غرق... و من عارض حقهم بباطله زهق... و من سلم اليهم و اتبع أمرهم و سمع قولهم - الذي هو قول الله و قول رسوله - لحق بركب الهدي، و نجا من الضلال و اللهث وراء حطام الدنيا، لأنهم حملة رسالة الحق و العدل التي أنزلها الله تبارك و تعالي الي خلقه؛ و هم حماتها و مستودع سر الله و أمناؤه علي دعوته...
هذا، و ان الله تعالي لا يسأل يوم القيامة عن الأنساب، و لا عن العشائر و القبائل اذ قال عز من قائل: (فاذا نفخ في الصور فلآ أنساب بينهم يومئذ و لا يتساءلون (101) فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون (102))!. [19] فنسب المرء
[ صفحه 220]
يوم القيامة يقرره عمله؛ و ان محمدا صلي الله عليه و آله و سلم قال لبضعته الشريفة الغراء فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين: يا فاطمة اعملي فاني لا أغني عنك من الله شيئا؛ و هو صلي الله عليه و آله و سلم شفيع الأمة يوم الحساب، في حين أن عمه أبالهب كافر معاند ضال قد خلد القرآن الكريم ذمه الي الأبد.
و قد قدمنا أن عهد المنتصر كان عهدا فرج الله تعالي فيه عن الشيعة نوعا ما، و مع ذلك فقد بخل المؤرخون بذكر أي شي ء جري عهدئذ علي يد الامام عليه السلام، و ضنوا بوصف أعماله و تحركاته، و خلف من ذلك كتبهم الطافحة بذكر الحوادث و الأحداث... ثم توفي المنتصر سنة 248 للهجرة و بويع المستعين الذي هو أحمد بن محمد بن المعتصم، و دام عهده الي سنة 251 هجرية حيث مات و تولي الأمر من بعده المعتز الذي سم الامام عليه السلام في عهده المشؤوم [20] .
[ صفحه 221]
پاورقي
[1] تاريخ الأمم و الملوك: ج 7 ص 365.
[2] مروج الذهب: ج 4 ص 52 - 51.
[3] الكامل لابن الأثير: ج 5 ص 288 - 287.
[4] الكامل لابن الأثير: ج 5 ص 311 - 310.
[5] الكامل لابن الأثير: ج 5 ص 302 و ص 305.
[6] المصدر السابق.
[7] مدينة المعاجز: ص 553 - 552.
[8] مدينة المعاجز: ص 553 - 552.
[9] الارشاد: ص 312 - 311 و كشف الغمة: ج 3 ص 171 - 170 و اعلام الوري: ص 342 و بحارالأنوار: ج 50 ص 139 نقلا عن مختار الخرائج و الجرائح: ص 238 و هو في مناقب آل أبي طالب: ج 4 ص 407 و الكافي: م 1 ص 501 و مدينة المعاجز: ص 541.
[10] المصدر السابق.
[11] أنظر مروج الذهب: ج 4 ص 48 و ص 51 و ص 52 و الكامل لابن الأثير: ج 5 ص 269 و ص 287.
[12] التحريم: 6.
[13] أنظر مروج الذهب: ج 4 ص 48 و ص 51 و ص 52 و الكامل لابن الأثير: ج 5 ص 269 و 287.
[14] التوبة: 34.
[15] آل عمران: 23.
[16] المجادلة: 11.
[17] الزمر: 9.
[18] الاحتجاج: ج 2 ص 455 و حلية الأبرار: ج 2 ص 455 - 454.
[19] المؤمنون: 102 - 101.
[20] أنظر الكامل لابن الأثير: ج 5 ص 311 و ص 320.