بازگشت

من آثاره و فلسفته و أفكاره


ليس فوق قول أئمة أهل البيت عليهم السلام قول لأحد - بلاغة و صدقا و حكمة - اذا استثنينا قول الله تبارك و تعالي، و قول رسوله صلي الله عليه و آله و سلم، لأنهم من أفصح من نطق بالضاد، و من أبرز من تكلم بالصدق، و من أصدق من جاهر بالحق... فما في حكمهم منفذ لاعتراض معترض، الا أن يرد الانسان علي الله سبحانه و علي رسوله - و العياذ بالله -، لأن قولهم منزل من المنزل ما حادوا فيه حرفا عن القرآن الكريم، و لا عدوا فيه لفظة عن السنة النبوية الشريفة، لأنهم عدل القرآن و حملة السنة؛ بل القرآن هو القرآن الصامت، و هم - هم - القرآن الناطق و السنة المبينة.

و نحن نتحدي ذوي الأفهام، و أرباب العلم و الفضل، أن يطعنوا في قول قالوه، أو حكم أصدروه، أو بيان فصلوه، أو حكمة نطقوا بها، أو أن يجدوا في جميع ذلك معارضة لما نزل من عندالله عزوعلا، أو اختلافا عما جاء به رسوله محمد صلي الله عليه و آله و سلم، في جميع ما أحلوه و سائر ما حرموه... و قد أجاد من قال في كلام جدهم أميرالمؤمنين عليه السلام: انه دون كلام الخالق، و فوق كلام المخلوق!.

و لا مامنا أبي الحسن، علي بن محمد، الهادي عليه السلام، كلام في



[ صفحه 280]



التوحيد، و التشبيه، و صفات الله الثبوتية، و في الخلق و الايجاد، و التكليف، و الجبر و التفويض و غير ذلك من الحكم البليغة... نضع بين أيدي قرائنا الكرام ما وقع منه في يدنا ليروا بلاغة القول و صدقه و دقته و حقيقته:

قال الفتح بن يزيد: «سألته عن أدني المعرفة؟.

فقال: الاقرار بأنه لا اله غيره، و لا شبيه و لا نظير، و أنه قديم، مثبت، موجود غير فقيد، و أنه ليس كمثله شي ء» [1] .

و قال حمزة بن محمد: «كتبت الي أبي الحسن عليه السلام أسأله عن الجسم و الصورة؟.

فكتب: سبحان من ليس كمثله شي ء، لا جسم و لا صورة» [2] .

و قال محمد بن الفرج الرخجي: «كتبت الي أبي الحسن عليه السلام عما قال هشام بن الحكم في الجسم، و هشام بن سالم في الصورة؟.

فكتب: دع عنك حيرة الحيران، و استعذ بالله من الشيطان، ليس القول ما قال الهشامان» [3] .

و هذان الهشامان كانا من أجل أصحاب الامامين الصادق و الكاظم عليهماالسلام. و ما نسب اليهما من التجسيم مكذوب عليهما فيه، و قد رميا بهذه الفرية للحط من منزلتهما. و قد دافع السيد المرتضي - قدس الله سره - عنهما و برأ ساحتهما من هذه التهمة و ذلك الدس الرخيص، في كتابه



[ صفحه 281]



«الشافي» و من شاء فليراجع حججه الدامغة و بيانه القاطع.

و قال الصقر بن دلف: «سألت أباالحسن، علي بن محمد بن علي بن موسي - بن الرضا - عليهم السلام، عن التوحيد، و قلت له: أقول بقول هشام بن الحكم؟.

فغضب ثم قال: مالكم و لقول هشام؟، انه ليس منا من زعم أن الله عزوجل جسم؛ و نحن منه براء في الدنيا و الآخرة!.

يابن دلف: ان الجسم محدث، و الله محدثه و مجسمه. و أنا أذكر الدليل علي حدوث الأجسام في باب الدليل علي حدوث العالم من هذا الكتاب، ان شاء الله»

[4] .

و في هذا الكتاب المختصر نكتة خفية في غاية الدقة و العمق. فمن المسلم به المتسالم عليه أن العالم محدث، و لا نزاع في ذلك البتة. و علي هذا الأساس لفت عليه السلام نظر صاحبه الي حدوث الأجسام من خلال حدوث العالم بدون أن يخوض معه في حديث طويل. فالله سبحانه و تعالي قد أفاض الوجود عن محض ارادته بعد أن كان في كتم العدم، و كذلك أفاض وجود الأجسام و جميع الكائنات؛ فهو ليس بجسم، بل هو مجسم الأجسام كلها؛ و هو مصورهان و محدثها.

و قد ثبت عنه و عن أبيه سلام الله عليهما أنهما قالا: «من قال بالجسم فلا تعطوه من الزكاة و لا تصلوا وراء» [5] ذلك أنه يكون من المشبهة الذين أضلهم الشيطان فتصوروا له جسما و صورة... تعالي الله عن أن يتصور في الأوهام أو أن يتخيل في العقول...



[ صفحه 282]



و قال محمد بن عيسي:

«كتبت الي أبي الحسن، علي بن محمد عليه السلام: أن الله في موضع دون موضع علي العرش استوي؟. و أنه ينزل في كل ليلة في النصف الأخير من الليل الي السماء الدنيا. و روي أنه ينزل في عشية «عرفة» ثم يرجع الي موضعه!. فقال بعض مواليك في ذلك: اذا كان في موضع دون موضع، فقد يلاقيه الهواء و يتكنف عليه. و الهواء جسم رقيق يتكنف علي كل شي ء بقدره. فكيف يتكنف عليه جل ثناؤه علي هذا المثال؟!.

فوقع عليه السلام: علم ذلك عنده، و هو المقدر له بما هو أحسن تقديرا. و اعلم أنه اذا كان في السماء الدنيا فهو كما هو علي العرش، و الأشياء كلها له سواء: علما، و قدرة، و ملكا، و احاطة» [6] .

و قد علق عليه في «الكافي». قائلا: «أي علم كيفية نزوله عنده سبحانه، و ليس عليكم معرفة ذلك. ثم أشار اشارة خفية الي أن المراد بنزوله و تقديره، نزول رحمته و انزالها بتقديره بقوله: «و هو المقدر له بما هو أحسن تقديرا» ثم أفاد أن ما عليكم علمه أنه لا يجري عليه أحكام الأجسام و المتحيزات من المجاورة و القرب المكاني، و التمكن في الأمكنة، بل حضوره سبحانه حضور و شهود علمي، و احاطة بالعلم و القدرة و الملك بقوله عليه السلام: «و اعلم أنه اذا كان في السماء الدنيا، فهو كما هو العرش، و الأشياء كلها له سواء: علما، و قدرة، و ملكا، و احاطة». و هو تعليق أيضا جيد متين في غاية الجودة.

و قال أحمد بن اسحاق:



[ صفحه 283]



«كتبت الي أبي الحسن، علي بن محمد العسكري أسأله عن الرؤية - أي امكان رؤية الله عزوجل عن ذلك - و ما فيه الخلق؟.

فكتب: لا تجوز الرؤية ما لم يكن بين الرائي و المرئي هواء ينفذه البصر. فمتي انقطع الهواء، و عدم الضياء، لم تصح الرؤية. و في جواب اتصال الضياءين: الرائي و المرئي، وجوب الاشتباه. و الله تعالي منزه عن الاشتباه فثبت أنه لا يجوز عليه سبحانه الرؤية بالأبصار، لأن الأسباب لابد من اتصالها بالمسببات» [7] .

و ورد عنه عليه السلام، بلفظ: «... لا يجوز الرؤية ما لم يكن بين الرائي و المرئي هواء ينفذه البصر. فاذا انقطع الهواء و عدم الضياء بين الرائي و المرئي لم تصح الرؤية و كان في ذلك الاشتباه، لأن الرائي متي ساوي المرئي في السبب الموجب بينهما في الرؤية، وجب الاشتباه و كان في ذلك التشبيه، لأن الأسباب لابد من اتصالها بالمسببات» [8] .

فمن لقنك الفيزياء و علم الطبيعة يا سيدي و قد كنت بين الجواري السود في طفولتك، و رهن الرقابة و القيود في يفاعك، و حبيس السجون و السدود منذ مطلع فتوتك و شبابك؟!. من علمك هذا و أنت في مرصد من العيون المتفتحة عليك و الأنياب المكشرة التي لو أتيح لها لنهشت لحمك عرقت عظمك منذ بزوغ نجمك حتي تدرجك نحو الكهولة؟!.

قد علمك ذلك ملهم العلوم كلها لجدك أميرالمؤمنين، باب مدينة علم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و لجدك الامام الصادق و لسائر أبائك من قبله و من بعده عليهم الصلاة و السلام... فأنتم ذرية أولها كآخرها، و صغيرها



[ صفحه 284]



ككبيرها، يدور العلم علي ألسنتكم كما يدور الخاتم في الخضر، و تتدفق الحكمة من ألسنتكم و الرحمة من قلوبكم كما يتدفق الماء الزلال من النبع الثرار!. و لقد كان الأحري بمن نازعوكم حقكم و أزاحوكم عن مراتبكم، أن يستفيدوا من علمكم و حكمتكم بعد أن ألقيتم دنياهم في نحورهم و عكفتم علي نشر الدين و اعلاء أوامر الديان.

فسبحان من علمكم علم ما كان و علم ما بقي، و وهبكم الفضل كله، و الرحمة كلها فعملتم علي انقاذ الناس من ظلمات الجهل و الضلال، و دللتوهم أن الخالق تبارك و تعالي قد احتجب عن خلقه، و عز عن أن يتصور في الأوهام، أو أن يتخيل في القلوب و البصائر، فضلا عن أن يري بالأبصار!. قد تنزه عن التجسيم، و سما عن الرؤية بالعيون، و لم يكن محدودا بحد، و لا مشبها لند، بل هو الحي القيوم الذي (لا تدركه الأبصار و هو يدرك الأبصار و هو اللطيف الخبير (103)!) [9] و انه لو أدركه بصر لنزل عن مرتبة الألوهية، و لزالت عنه هالة الربوبية، و لشبهناه و وصفناه... و لصار - اذا - محدودا يفوت علمه ما كان خارج حدوده و مكان وجوده... تعالي الله عن ذلك علوا كبيرا.

و سئل عليه السلام عن التوحيد فقيل له: لم يزل الله وحده لا شي ء معه، ثم خلق الأشياء بديعا، و اختار لنفسه الأسماء، و لم تزل الأسماء و الحروف له معه قديمة؟.

فكتب: لم يزل الله موجودا. ثم كون ما أراد. لا راد لقضائه، و لا معقب لحكمه... تاهت أوهام المتوهمين، و تقصر طرف الطارفين،



[ صفحه 285]



و تلاشت أوصاف الواصفين، و اضمحلت أقاويل المبطلين عن الدرك لعجيب شأنه، أو الوقوع بالبلوغ علي علو مكانه. فهو بالموضع الذي لا يتناهي، و بالمكان الذي لم يقع عليه عيون باشارة و لا عبارة... هيهات، هيهات» [10] .

فهو سبحانه موجود قبل القبل اذ لم يكن قبله شي ء. ثم يبقي الي ما بعد البعد حيا سرمديا، دائما أبديا، و كل ما سواه محدث، و هو تعالي قديم أوجد بقدرته ما أراد من الكائنات.

و قال ابراهيم بن محمد الهمداني:

«كتبت الي الرجل - أي الي أبي الحسن الثالث عليه السلام -: ان من قبلنا من مواليك قد اختلفوا في التوحيد: فمنهم من يقول: جسم!. و منهم من يقول: صورة!.

فكتب عليه السلام بخطه: سبحان من لا يحد، و لا يوصف!. ليس كمثله شي ء، و هو السميع العليم. - أو قال: البصير -» [11] .

و روي مثله عن بشر بن بشار النيسابوري بزيادة: «... سبحان من لا يحد، و لا يوصف، و لا يشبه شي ء، الخ...» [12] .

فقد نفي عن الخالق تعالي الحد - أي التجسيم - و نزهه عن أن يحتويه مكان، أو أن يشغل حيزا، ثم نزهه عن الوصف و التشبيه و التصور.



[ صفحه 286]



و تكلم في علم الله تبارك و تعالي.

فقد قال أيوب بن نوح رحمه الله: «انه كتب الي أبي الحسن عليه السلام يسأله عن الله عزوجل: أكان يعلم الأشياء قبل أن خلق الأشياء و كونها، أو لم يعلم ذلك حتي خلقها و أراد خلقها و تكوينها، فعلم ما خلق عندما خلق، و ما كون عندما كون؟.

فوقع عليه السلام بخطه: لم يزل الله عالما بالأشياء قبل أن يخلق الأشياء، كعلمه بالأشياء بعد ما خلق الأشياء» [13] .

فسبحان من أحاط بكل شي ء علما قبل خلق الشي ء و بعد خلقه، فانه غير محتاج الي علم شي ء كان لا يعلمه، و لا يزيد في علمه ما يحدثه و يكونه لأنه يفيض عن مشيئته حين أحداثه كما كان قدره في سابق علمه به.

و قال جعفر بن محمد بن حمزة.

«كتبت الي الرجل - أبي الحسن عليه السلام - أسأله: ان مواليك اختلفوا في العلم. فقال بعضهم: لم يزل الله عالما قبل فعل الأشياء. و قال بعضهم لا نقول: لم يزل الله عالما لأن معني: يعلم: يفعل، فان أثبتنا العلم فقد أثبتنا في الأزل معه شيئا!. فان رأيت جعلني الله فداك أن تعلمني من ذلك ما أقف عليه و لا أجوزه.

فكتب عليه السلام بخطه: لم يزل الله عالما تبارك و تعالي ذكره...» [14] .

فانه صلوات الله عليه و تحياته و بركاته، مع اختصاره للجواب، بين أنه تعالي لم يزل عالما، ثم نفي أزلية الأشياء باهمال ذكرها، لأنه سبحانه



[ صفحه 287]



واحد أحدي أزلي سرمدي لا يشاركه في ذلك شي ء.

و قال الفتح بن يزيد الجرجاني: «سمعته يقول:

هو اللطيف الخبير السميع البصير، الواحد الأحد الفرد الصمد، لم يلد و لم يولد، و لم يكن له كفوا أحد... لو كان كما يقول المشبهة، لم يعرف الخالق من المخلوق.

و في توحيد الصدوق زاد... و لم يكن له كفوا أحد. منشي ء الأشياء، و مجسم الأجسام، و مصور الصور... لو كان كما يقول المشبهة لم يعرف الخالق من المخلوق و لا المنشي ء من المنشأ. فرق بين من جسمه، و صوره، و أنشأه. اذ كان يشبهه شي ء، و لا يشبه هو شيئا.

قلت: أجل، جعلني الله فداك، لكنت قلت: الأحد الصمد، و قلت: لا يشبهه شي ء، و لا يشبه هو شيئا. و الله واحد، و الانسان واحد. أليس قد تشابهت الوحدانية؟.

قال: يا فتح، أحلت ثبتك الله - أي أتيت بالمحال -. انما التشبيه في المعاني، فأما الأسماء فهي واحدة، و هي دالة علي المسمي - أو: دلالة علي المسمي -. و ذلك أن الانسان و ان قيل: واحد، فانما تخبر أنه جثة واحدة و ليس باثنين. و الانسان نفسه ليس بواحد لأن أعضاءه مختلفة، و ألوانه مختلفة غير واحدة. و من ألوانه مختلفة غير واحد، و هو أجزاء مجزاة ليست بسواء: دمه غير لحمه، و لحمه غير دمه، و عصبه غير عروقه، و شعره غير بشره، و سواده غير بياضه، و كذلك سائر الخلق. فالانسان واحد في الاسم، لا واحد في المعني.

و الله جل جلاله هو واحد في المعني، لا واحد غيره. لا اختلاف فيه،



[ صفحه 288]



و لا تفاوت، و لا زيادة و لا نقصان... فأما الانسان المخلوق المصنوع، المؤلف من أجزاء مختلفة و جواهر شتي، غير أنه بالاجتماع شي ء واحد [15] .

قلت: جعلت فداك، فرجت عني، فرج الله عنك. فقولك: اللطيف الخبير، فسره لي كما فسرت الواحد. فاني أعلم أن لطفه علي خلاف لطف خلقه للفصل - أي للفرق الظاهر بينه و بين خلقه - غير أني أحب أن تشرح ذلك لي.

فقال: يا فتح، انما قلنا اللطيف، للخلق اللطيف، و لعلمه بالشي ء اللطيف. أولا تري - وفقك الله و ثبتك - الي أثر صنعه في النبات اللطيف و غير اللطيف؟. و في الخلق اللطيف من الحيوان الصغار و البعوض و الجرجس - البعوض الصغير - و ما هو أصغر منهما و لا يكاد تستبينه العيون، بل لا يكاد يتبين لصغره الذكر من الأنثي، و الحدث المولود من القديم؟!.

فلما رأينا صغر ذلك في لطفه، و اهتدائه للسفاد - المناكحة - و الهرب من الموت، و الجمع لما يصلحه، و ما في لجح البحار، و ما في لحاء الأشجار، و المفاوز و القفار، و فهم بعضها عن بعض منطقها، و ما يفهم به أولادها عنها، و نقلها الغذاء اليها، ثم تأليف ألوانها حمرة مع صفرة، و بياضا مع حمرة، و ما لا تكاد عيوننا تستبينه بتمام لدمامة خلقها، و لحقارة أجسامها و شدة صغرها، و لا تراه عيوننا،ن و لا تلمسه أيدينا، علمنا أن خالق هذا الخلق لطيف، لطف في خلق ما سميناه بلا علاج، و لا أداة، و لا آلة، و أن صانع كل شي ء فمن شي ء صنع، و الله الخالق الجليل، خلق و صنع لا من شي ء» [16] .



[ صفحه 289]



و ليس بعد هذا البيان بيان أدق منه و ألطف، و لا أشمل منه و لا أكمل... و التعليق عليه يحط من قيمته و قدره مهما بالغ الكاتب في التفكير و التقدير ودقة التعبير...

و عن الفتح بن يزيد الجرجاني أيضا، أنه عليه السلام قال:

ان لله ارادتين و مشيئتين: ارادة حتم، و ارادة عزم.

ينهي و هو يشاء... و يأمر و هو لا يشاء.

أو ما رأيت أنه نهي آدم و زوجته أن يأكلا من الشجرة، و شاء ذلك...

و لو لم يشأ يأكلا لما غلبت مشيئتهما مشيئة الله تعالي.

و أمر ابراهيم أن يذبح اسحاق - اسماعيل علي الأصح - و لم يشأ أن يذبحه، و لو شاء، لما غلبت مشيئة ابراهيم مشيئة الله تعالي» [17] .

و قد علق السيد الطباطبائي علي هذا الكلا بما يلي:

«المشيئة و الارادة انقسام الي الارادة التكوينية الحقيقية، و الارادة التشريعية الاعتبارية. فان ارادة الانسان التي تتعلق بفعل نفسه نسبة حقيقية تكوينية تؤثر في الأعضاء الانبعاث الي الفعل، و يستحيل معها تخلفها عن المطاوعة الا لمانع.

و أما الارادة التي تتعلق منا بفعل الغير، كما اذا أمرنا بشي ء أو نهينا عن شي ء، فانها ارادة بحسب الوضع و الاعتبار لا تتعلق بفعل الغير تكوينيا.

فان ارادة كل شخص اما تتعلق بفعل نفسه من طريق الأعضاء و العضلات، و من هنا كانت ارادة الفعل أو الترك من الغير لا تؤثر في الفعل



[ صفحه 290]



بالايجاد و الاعلام، بل تتوقف علي الارادة التكوينية من الغير بفعل نفسه حتي يوجد أو يترك عن اختيار فاعله، لا عن اختيار آمره و ناهيه.

اذا عرفت ذلك، علمت أن الارادتين يمكن أن تختلفا من غير ملازمة. كما أن المعتاد بفعل قبيح ربما ينهي نفسه عن الفعل بالتلقين، و هو يفعل من جهة الزام ملكته الرذيلة الراسخة. فهو يشاء الفعل بارادة تكوينية، و لا يشاؤه بارادة تشريعية، و لا يقع الا ما تعلقت به الارادة التكوينية... و الارادة التكوينية هي التي يسميها عليه السلام بارادة حتم، و التشريعية هي التي يسميها بارادة عزم.

و ارادته تعالي التكوينية تتعلق بالشي ء من حيث هو موجود؛ و لا موجود الا و له نسبة الايجاد اليه تعالي بوجوده بنحو يليق بساحة قدسه تعالي. و ارادته التشريعية تتعلق بالفعل من حيث انه حسن و صالح غير القبيح الفاسد. فاذا تحقق فعل موجود قبيح، كان منسوبا اليه تعالي من حيث الارادة التكوينية بوجه، و لو لم يرده لم يوجد، و لم يكن منسوبا اليه تعالي من حيث الارادة التشريعية، فان الله لا يأمر بالفحشاء.

فقوله عليه السلام: ان الله نهي آدم (ع) عن الأكل، و شاء ذلك، و أمر ابراهيم (ع) بالذبح و لم يشأه، أراد بالأمر و النهي التشريعيين منهما، و بالمشيئة و عدمها التكوينيين منهما.

و اعلم أن الراوية مشتملة علي كون المأمور بالذبح اسحاق، دون اسماعيل، و هو خلاف ما تضافرت عليه أخبار الشيعة» [18] و هو بيان جيد.

و قال الفتح بن يزيد الجرجاني في حديث طويل: «ضمني و أبا



[ صفحه 291]



الحسن (عليه السلام) الطريق حين منصرفي من مكة الي خراسان، و هو سائر الي العراق، فسمعته و هو يقول:

من اتقي الله يتقي، و من أطاع الله يطاع. - أي من اتقي الله يخافه كل شي ء -.

فتلطفت في الوصول اليه. فسلمت عليه، فرد علي السلام، و أمرني بالجلوس. و أول ما ابتدأني به أن قال:

يا فتح، من أرضي الخالق لم يبال بسخط المخلوق، و من أسخط الخالق فقمن أن يسلط الله عليه سخط المخلوق. - و في نسخة: فأيقن أن يحل به الخالق سخط المخلوق -. و ان الخالق لا يوصف الا بما وصف به نفسه. و أتي يوصف الخالق الذي تعجز الحواس أن تدركه، و الأوهام أن تناله، و الخطرات أن تحده، و الأبصار عن الاحاطة به؟!. جل عما يصفه به الواصفون، و تعالي عما ينعته الناعتون. نأي في قربه - و قرب في نأيه - فهو في نأيه قريب، و في قربه بعيد... كيف الكيف فلا يقال: كيف؟. و أين الأين فلا يقال: أين؟. اذ هو منقطع الكيفية و الأينية - الكينونية و الأينونية - [19] .

هو الواحد الأحد، الفرد الصمد، لم يلد و لم يولد، و لم يكن له كفوا أحد، فجعل جلاله.

أم كيف يوصف بكنهه محمد صلي الله عليه و آله و سلم و قد قرنه الجليل باسمه، و شركه في عطائه، و أوجب لمن أطاعه جزاء طاعته اذ يقول: (و ما نقموا الآ أن أغناهم الله و رسوله من فضله ء...) [20] و قال - يحكي قول من ترك طاعته، و هو



[ صفحه 292]



يعذبه بين أطباق نيرانها و سرابيل قطرانها-: (ياليتنا أطعنا الله و أطعنا الرسولا (66)) [21] .

أم كيف يوصف بكنهه من قرن الجليل طاعتهم بطاعة رسوله حيث قال: (أطيعوا الله و أطيعوا الرسول و أولي الأمر منكم...) [22] و قال: (و لو ردوه الي الرسول و الي أولي الأمر منهم...) [23] و قال: (ان الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات الي أهلها) [24] و قال: (فسئلوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون (7)) [25] .

يا فتح، كما لا يوصف الجليل جل جلاله، و الرسول، و الخليل، و ولد البتول، فكذلك لا يوصف المؤمن المسلم لأمرنا!. فنبينا أفضل الأنبياء، و خليلنا أفضل الأخلاء، و وصيه أفضل الأوصياء. و اسمها - أي البتول - عليهاالسلام - أفضل الأسماء، و كنيتهما أفضل الكني و أجلاها.

لو لم يجالسنا الا كفوء، لم يجالسنا أحد!. و لو لم يزوجنا الا كفوء، لم يزوجنا أحد!.

أشد الناس تواضعا - يقصد النبي و وصيه صلوات الله عليهما - و أعظمهم حلما، و أنداهم كفا، و أمنعهم كنفا، ورث عنهما أوصياؤهما علمهما؛ فاردد اليهم الأمر و سلم اليهم.

قال فتح: فخرجت... فلما كان من الصباح تلطفت في الوصول اليه، فسلمت عليه، فرد علي السلام، فقلت: يا بن رسول الله، أتأذن لي في مسألة اختلج في صدري أمرها الليلة؟.



[ صفحه 293]



قال: سل، و ان شرحتها فلي، و ان أمسكتها فلي. فصصح نظرك و تثبت في مسألتك، و أصغ الي جوابها سمعك. و لا تسأل مسألة تعنيت، و اعتن بما تعتني به، فان العالم و المتعلم شريكان في الرشد، مأموران بالنصيحة، منهيان عن الغش.

و أما الذي اختلج في صدرك ليلتك، فان شاء العالم - أي الامام - أنبأك:

ان الله لم يظهر علي غيبه أحدا الا من ارتضي من رسول. فكل ما كان عند رسول الله، كان عند العالم. و كل ما اطلع عليه الرسول، فقد اطلع أوصياؤه عليه لئلا تخلو أرضه من حجة يكون معه علم يدل علي صدق مقالته و جواز عدالته.

يا فتح، عسي الشيطان أراد اللبس عليك فأوهمك في بعض ما أودعتك، و شككت في بعض ما أنبأتك، حتي أراد ازالتك عن طريق الله و صراطه المستقيم فقلت: متي أيقنت أنهم كذا، فهم أرباب؟!.

معاذ الله!. انهم مخلوقون، مربوبون، مطيعون لله،داخرون، راغبون... فاذا جاءك الشيطان من قبل ما جاءك فاقمعه بما أنبأتك به.

فقلت: جعلت فداك، فرجت عني، و كشفت ما لبس المعلون علي بشرحك؛ فقد كان أوقع في خلدي أنكم أرباب.

قال: مسجد أبوالحسن و هو يقول في سجوده: راغبا لك يا خالقي، داخرا، خاضعا.

قال: فلم يزل كذلك حتي ذهب ليلي، ثم قال: يا فتح، كدت أن تهلك و تهلك!. و ما ضر عيسي اذا هلك من هلك - ممن قالوا بربوبيته - فاذهب اذا شئت، رحمك الله.



[ صفحه 294]



قال: فخرجت و أنا فرح بما كشف الله عني من اللبس بأنهم هم. وحمدت الله علي ما قدرت عليه... فلما كان في المنزل الآخر دخلت عليه و هو متكي ء و بين يديه حنطة مقلوة - منضجة علي النار - و هو يعبث بها. و قد كان أوقع الشيطان في خلدي أنه لا ينبغي أن يأكلوا و يشربوا اذ كان ذلك آفة، و الامام غير مؤوف - غير ذي آفة -.

فقال: اجلس يا فتح، فان لنا بالرسل أسوة، كانوا يأكلون و يشربون، و يمشون في الأسواق. و كل جسم مغدو بهذا، الا الخالق الرازق فانه جسم الأجسام، و هم لم يجسم و لم يجزأ بتناه، و لم يتزايد و لم يتناقص. مبرأ من ذاته ما ركب في ذات من جسمه. الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد و لم يولد، و لم يكن له كفوا أحد. منشي ء الأشياء، مجسم الأجسام، و هو السميع العليم، اللطيف الخبير، الرؤوف الرحيم، تبارك و تعالي عما يقول الظالمون علوا كبيرا. لو كان كما وصف و لم يعرف الرب من المربوب و لا الخالق من المخلوق، و لا المنشي ء من المنشأ، ولكن فرق بينه و بين من جسمه، و شيأ الأشياء اذ كان لا يشبهه شي ء يري، و لا يشبه شيئا» [26] .

و يلاحظ أنه سلام الله عليه قد أجاب الفتح بن يزيد الجرجاني عما دار في خلده في المرتين بدون أن يسأله، لأنه كان مطلعا علي ما يجول في خاطره من اشكالات بمجرد دخوله عليه، فقد أنبأه الله العليم الخبير العالم بما توسوس به الصدور، و عرفه حالتي الشك عند صاحبه، لتكون حجته قاطعة، و ليكون قوله الصادق مقبولا و ليثبت أنه لم يتكلم من عنده، بل ذكر ما أعلمه به ربه سبحانه و تعالي بواسطة سماوية لا قدرة لنا علي تحديدها



[ صفحه 295]



بالدقة المتناهية. و لذلك فانه عليه السلام، نفي في المرة الأولي ما لبس الشيطان علي صاحبه من أن الأئمة أرباب، و في المنزلة الثانية ظهر لصاحبه جالسا يعبث بالقمح المقلو لا بداعي العبث الذي جل عنه و سما، بل ليبين للفتح بن يزيد أنه يأكل و يشرب و يفتقر الي الغذاء و ما يقيم الأود، في حين أن الرب سبحانه يجل عن ذلك و يتعالي علوا كبيرا.

و قال محمد بن عيسي بن عبيد:

«سألت أباالحسن، علي بن محمد العسكري عليهماالسلام عن قول الله عزوجل: (و الأرض جميعا قبضته يوم القيامة و السماوات مطويات بيمينه)؟. [27] .

فقال: ذلك تعبير الله تعالي لمن شبهه بلخقه. ألا تري أنه قال: (و ما قدروا الله حق قدره) [28] اذ قالوا: ان (و الأرض جميعا فبضته يوم القيامة و السماوات مطويات بيمينه) [29] كما قال عزوجل: (و ما قدروا الله حق قدره اذ قالوا مآ أنزل الله علي بشر من شي ء!) [30] ثم نزة عزوجل نفسه عن القبضة و اليمين فقال - في آخر الآية -: (... سبحانه و تعالي عما يشركون (1)» [31] .

و ورد في مصدر آخر بهذا اللفظ:

«فقال عليه السلام: ذلك تعبير الله تبارك و تعالي لمن شبهه بخلقه، ألا تري



[ صفحه 296]



أنه قال: (و ما قدروا الله حق قدره..)؟ و معناه: (اذ قالوا ما أنزل الله علي بشر من شي ء)... ثم نزه نفسه عن القبضة و اليمين فقال: (سبحانه و تعالي عما يشركون (1))» [32] .

فقد أوضح - سلام الله عليه - أن الله تبارك و تعالي كأنه قال: و ما قدر الله حق قدره من قال: ان الأرض جميعا قبضته يوم القيامة، و السماوات مطويات بيمينه، فان ذلك قول المجسمة، و قد تعالي الله سبحانه عما يشركون به.

و قال عبدالعظيم بن عبدالله الحسني رضوان الله عليه:

سمعت أباالحسن، علي بن محمد العسكري يقول: معني الرجيم، أنه مرجوم باللعن، مطرود من مواضع الخير، لايذكره مؤمن الا لعنه.

و ان في علم الله السابق، أنه اذا خرج القائم عليه السلام، لا يبقي مؤمن في زمانه الا رجمه بالحجارة كما كان قبل ذلك مرجوما باللعن» [33] .

فالشيطان الرجيم معناه - لعنه الله - أنه المطرود من رحمة الله بعد معصيته حين لم يطع أمر ربه بالسجود لآدم عليه السلام. و قد صار منذئذ ملعونا من سائر المؤمنين بقول الله: و هم يرجمونه بالحجارة في مني أيام الحج رامزين بذلك الي طرده و دحره لأنه عدو بني آدم الذي يغريهم بالفساد. و في أيام القائم عجل الله تعالي فرجه يسلم أهل الأرض و يرجمونه جميعا بالحجارة بعد الافاضة من عرفات و المزدلفة، علامة علي ايمانهم، بما جاء من عندالله، و اشارة الي عداوته لهم و الي ابعاده عنهم برميه بالحجارة.



[ صفحه 297]



و قال العباس بن هلال:

سألت أباالحسن، علي بن محمد عليه السلام، عن قول الله عزوجل: (الله نور السماوات و الأرض...)؟. [34] .

فقال عليه السلام: يعني: هادي من في السماوات و من في الأرض» [35] .

نعم، و ما الهدي سوي ذلك النور الذي يقذفه الله سبحانه و تعالي في قلوب عباده لينقذهم من ظلمات الجهل و الكفر، و يهديهم الي الحق والايمان... الذي يعمر القلب و ينير الدرب... و لذلك قال تبارك و تعالي: (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للاسلام - أي التسليم له بالربوبية و الوحدانية - و من يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السمآء...) [36] فهو يشرح صدر من يهديه بنور هداه، و يقي صدر الضال مظلما تائها في الضلالة، لاهثا وراء جهله، ضائقا بأمره، متعبا كالذي يمشي طلوعا نحو السماء...

و في عهد سلام الله عليه - عهد الفتن و الخلافات حول المذاهب و غيرها - كثر الجدل حول خلق القرآن أو قدمه، و خاض الناس في ذلك أي خوض حتي خرجوا عن حد المعقول لشدة ما انحرف بهم الكلام... فحذر امامنا عليه السلام شيعته من النزول الي تلك المعركة التي ضل فيها الجدليون ضلالا كبيرا؛ فلم يشترك الشيعة في ذلك النزاع حول صنع الله عزوجل و حول كلامه الكريم. و قد قال محمد بن عيسي بن عبيد - اليقطيني:



[ صفحه 298]



«كتب علي بن محمد بن علي بن موسي الرضا عليه السلام الي بعض شيعته ببغداد:

بسم الله الرحمن الرحيم: عصمنا الله و اياك من الفتنة، فان يفعل فقد تعظم به نعمة، و الا يفعل فهي الهلكة.

نحن نري أن الجدال في القرآن بدعة اشترك فيها السائل و المجيب، فيتعاطي السائل ما ليس له، و يتكلف المجيب ما ليس عليه؛ و ليس الخالق الا الله عزوجل، و ما سواه مخلوق، و القرآن كلام الله... لا تجعل له اسما من عندك فتكون من الضالين.

جعلنا الله و اياك من (الذين يخشون ربهم بالغيب و همن من الساعة مشفقون (49))... [37] .

فما أبلغ ما جاء في هذا الكتاب الكريم المختصر الذي يجتث تلك البدعة من أصولها، و يقرر رأي الامام عليه السلام بأوضح بيان و أقوي دليل، اذ الله تعالي وحده هو الخالق و ما سواه مخلوق قد فاض عن ارادته سبحانه و مشيئته، و الكلام خارج هذا الاطار لغو و لهو و ضلالة تؤدي بالسائل الي الوقوع في المحذورات حين يتكلم بما هو من شأن الخالق عزوجل، و تؤدي بالمجيب الي التكلم رجما بالغيب اذ يقرر أفعال ربه سبحانه بحسب موازين عقله المطففة... و كلاهما غير مكلفين بما يقومان به سواء أكان حقا أم لغوا.

و من جملة المسائل الهامة التي ثار الجدل حولها - أيضا - في ذلك العصر، و كثر الأخذ و الرد، مسألة الجبر و التفويض التي أدت الي انقسام المسلمين انقساما كان ذا خطر دخل في صميم العقيدة، اذ نسبت فئة منهم،



[ صفحه 299]



وقوع الذنب من العبد، الي الله - و العياذ بالله من ذلك - محتجة بأن الذنب يقع بعلمه تعالي و تقديره، و باقدار العبد علي ذلك بما خلق له من آلات يباشر الذنب بواسطتها، و بأن العبد لااختيار له في تجنب الذنب لأنه محمول عليه قد كتبه الله تعالي و قضي به عليه!. ثم أنكرت فئة أخري ذلك، و قالت بأن للعبد أن يختار، و هو الذي يرتكب الذنب بتمام ارادته، و بكامل اختياره، و بواسطة الآلات التي منحه الله تعالي اياها لطاعته لا لمعصيته.

و قد تكلم امامنا عليه السلام في هذا الموضوع الهام - كما تكلم آباؤه - وجداه الصادق و الرضا بالخصوص - عليهم السلام جميعا، لئلا يقع شيعته في فخ الكفر و زخرف القول الذي يحاول الاقناع بأنه لا اختيار للعبد في تصرفاته لأنها مكتوبة عليه... و لم يدع شيعته نهب تلك الفوضي التي تجرأ فيها القائلون علي الله عزت قدرته جرأة عظيمة، فمالت بهم الأهواء عن سواء القصد؛ ثم بدأ حديثه معهم بأنه اذا لم يكن للعبد اختيار و لا تدخل فلم اختاروا خليفة الرسول و انصرفوا عن اختيار الله لهم، و عن نص القرآن الصريح، و قول رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم الفصيح؟!. فاما أن يكون العبد مختارا في كل شي ء، و اما أن لا يكون له اختيار في شي ء... ثم تكلم في الجبر و الاختيار كلاما بليغا يقطع كل جدل و نقاش، فكان كأنه يغترف من بحر، أو أنه ينهمر كالقطر!.

و هذا نص رسالته عليه السلام في الرد علي أهل الجبر و التفويض، و اثبات العدل بين المنزلة و المنزلتين:

«من علي بن محمد: سلام عليكم و علي بمن اتبع الهدي، و رحمة الله و بركاته.

فانه ورد علي كتابكم [38] و فهمت ما ذكرتم من اختلافكم في دينكم،



[ صفحه 300]



و خوضكم في القدر، و مقالة من يقول منكم بالجبر، و من يقول بالتفويض، و تفرقكم في ذلك و تقاطعكم و ما ظهر من العداوة بينكم، ثم سألتموني عنه و بيانه لكم، و فهمت ذلك كله.

اعلموا رحمكم الله أنا نظرنا في الآثار و كثرة ما جاءت به الأخبار، فوجدناها عند جميع من ينتحل الاسلام ممن يعقل عن الله عزوجل، لا تخلو من معنيين: اما حق فيتبع، و اما باطل فيجتنب.

و قد أجمعت الأمة قاطبة، لا اختلاف بينهم، أن القرآن حق لا ريب فيه عند جميع أهل الفرق، و في حال اجتماعهم، مقرونا بتصديق الكتاب و تحقيقه، مصيبون مهتدون: و ذلك بقول رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: لا تجتمع أمتي علي ضلالة... و أخبر أن جميع ما اجتمعت عليه الأمة كلها حق. هذا اذا لم يخالف بعضها بعضها.

و القرآن حق لا اختلاف بينهم في تنزيله و تصديقه. فاذا شهد القرآن بتصديق خبر و تحقيقه، و أنكر الخبر طائفة من الأمة، لزمهم الاقرار به ضرورة حين اجتمعت في الأصل علي تصديق الكتاب. فان [هي] جحدت و أنكرت لزمها الخروج من الملة.

فأول خبر يعرف تحقيقة من الكتاب، و تصديقه و التماس شهادته عليه، خبر ورد عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و وجد بموافقة الكتاب و تصديقه بحيث لا تخالفه أقاويلهم، حيث قال: اني مخلف فيكم الثقلين: كتاب الله، و عترتي - أهل بيتي - لن تضلوا ما تمسكتم بهما. و انهما لن يفترقا حتي يردا علي الحوض.



[ صفحه 301]



فلما وجدنا شواهد هذا الحديث في كتاب الله نصا مثل قوله جل و عز: (انما وليكم الله و رسوله و الذي ءامنوا الذين يقيمون الصلواة و يؤتون الزكواة و هم راكعون (55) و من يتول الله و رسوله و الذين ءامنوا فان حزب الله هم الغالبون (56) [39] و روت العامة أخبار لأميرالمؤمنين عليه السلام أنه تصدق بخاتمه و هو راكع، فشكر الله ذلك له و أنزل الآية فيه؛ فوجدنا أن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قد أتي بقوله: من كنت مولاه فعلي مولاه. و بقوله: أنت مني بمنزلة هارون من موسي، الا أنه لا نبي بعدي. و وجدناه يقول: علي يقضي ديني، و ينجز موعدي، و هو خليفتي عليكم من بعدي.

فالجزء الأول الذي استنبطت منه هذه الأخبار، خبر صحيح مجمع عليه لا اختلاف فيه عندهم، و هو أيضا موافق للكتاب.

فلما شهد الكتاب بصدق الخبر، و هذه الشواهد الأخر، لزم علي الأمة الاقرار بها ضرورة، اذ كانت هذه الأخبار شواهدها من القرآن ناطقة، و وافقت القرآن و القرآن وافقها. ثم وردت حقائق الأخبار عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، عن الصادقين عليهم السلام، و نقلها قوم ثقات معروفون، فصار الاقتداء بهذه الأخبار فرضا واجبا علي كل مؤمن و مؤمنة، لا يتعداه الا أهل العناد. و ذلك أن أقاويل آل رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم متصلة بقول الله، و ذلك مثل قوله في محكم كتابه: (ان الذين يؤذون الله و رسوله لعنهم الله في الدنيا و الأخرة و أعد لهم عذابا مهينا (57)!) [40] و وجدنا نظير هذه الآية قول رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: من آذي عليا فقد آذاني، و من آذاني فقد آذي الله، و من آذي الله يوشك أن ينتقم منه!... و كذلك قوله صلي الله عليه و آله و سلم: من أحب عليا فقد أحبني، و من أحبني فقد



[ صفحه 302]



أحب الله؛ و مثل قوله صلي الله عليه و آله و سلم في بني وليعة: لأبعثن اليوم رجلا كنفسي يحب الله و رسوله، و يحبه الله و رسوله؛ قم يا علي فسر اليهم. و قوله صلي الله عليه و آله و سلم يوم خيبر: لأبعثن اليهم غدا رجلا يحب الله و رسوله، و يحبه الله و رسوله، كرارا غير فرار، لا يرجع حتي يفتح الله عليه... فقضي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بالفتح قبل التوجيه، فاستشرف لكلامه أصحاب رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم. فلما كان من الغد دعا عليا عليه السلام فبعثه اليهم، فاصطفاه بهذه المنقبة [41] و سماه كرارا غير فرار، فسماه محبا لله و رسوله، و أخبر أن الله و رسوله يحبانه.

و انما قدمنا هذا الشرح و البيان، دليلا علي ما أردناه، و قوة لما نحن مبينوه من أمر الجبر و التفويض و المنزلة بين المنزلتين. و بالله العون و القوة، و عليه نتوكل في جميع أمورنا.

فانا نبدأ من ذلك بقول الصادق عليه السلام، لا جبر و لا تفويض، ولكن منزلة بين المنزلتين: و هي صحة الخلقة، و تخلية السرب، و المهلة في الوقت، و الزاد مثل الراحلة، و السبب المهيج للفاعل علي فعله.

فهذه خمسة أشياء جمع بها الصادق عليه السلام جوامع الفضل. فاذا نقص العبد منها خلة، كان العمل عنه مطروحا بحسبه. فأخبر الصادق عليه السلام بأصل ما يجب علي الناس من طلب معرفته، و نطق الكتاب بتصديقه، فشهد بذلك محكمات آيات رسوله، لأن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و آله عليهم السلام، لا يعدو شي ء من قوله و أقاويلهم حدود القرآن.

فاذا وردت حقائق الأخبار، و التمست شواهدها من التنزيل، فوجد لها موافقا و عليها دليلا، كان الاقتداء بها فرضا لا يتعداه الا أهل العناد، كما ذكرنا في أول الكتاب.



[ صفحه 303]



و لما التمسنا تحقيق ما قاله الصادق عليه السلام من المنزلة بين المنزلتين، و انكاره الجبر و التفويض، وجدنا الكتاب قد شهد له و صدق مقالته في هذا.

و خبر عنه أيضا موافق لهذا: أن الصادق عليه السلام سئل: هل أجبر الله العباد علي المعاصي؟

فقال الصادق عليه السلام: هو أعدل من ذلك.

فقيل له: فهل فوض اليهم؟

فقال عليه السلام: هو أعز و أقهر لهم من ذلك!

و روي عنه أنه قال: الناس في القدر علي ثلاثة أوجه:

رجل يزعم أن الأمر مفوض اليه، فقد وهن الله في سلطانه، فهو هالك.

و رجل يزعم أن الله جل و عز أجبر العباد علي المعاصي و كلفهم ما لا يطيقون، فقد ظلم الله في حكمه، فهو هالك.

و رجل يزعم أن الله كلف العباد ما يطيقون، و لم يكلفهم ما لا يطيقون. فاذا أحسن حمد الله، و اذا أساء استغفر الله، فهذا مسلم بالغ.

فأخبر عليه السلام أن من تقلد الجبر و التفويض و دان بهما، فهو علي خلاف الحق.

فقد شرحت الجبر الذي من دان به يلزمه الخطأ، و أن الذي يتقلد التفويض يلزمه الباطل، فصارت المنزلة بين المنزلتين بينهما.

- ثم قال عليه السلام: - و أضرب لكل باب من هذه الأبواب مثلا يقرب المعني للطالب و يسهل له البحث عن شرحه، تشهد به محكمات آيات الكتاب، و تحقيق تصديقه عند ذوي الألباب، و بالله التوفيق و العصمة.



[ صفحه 304]



فأما الجبر الذي يلزم من دان ن الخطأ، فهو قول من زعم أن الله جل و عز أجبر العباد علي المعاصي و عاقبهم عليها!. و من قال بهذا القول فقد ظلم الله في حكمه، و كذبه ورد ع ليه قوله (و لا يظلم ربك أحدا (49)) [42] و قوله: (ذلك بما قدمت يداك و ان الله ليس بظلام للعبيد (10)) [43] قوله: (ان الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون (44)) [44] مع آي كثيرة بذكر هذا... فمن زعم أنه مجبر علي المعاصي فقد أحال بذنبه علي الله، و قد ظلمه في عقوبته. و من ظلم الله فقد كذب كتابه، و من كذب كتابه فقد لزمه الكفر باجتماع الأمة.

و مثل ذلك مثل رجل ملك عبدا مملوكا، لا يملك نفسه و لا يملك عرضا من عرض الدنيا، و يعلم ذلك مولاه منه. فأمره، علي علم منه، بالمصير الي السوق لحاجة يأتيه بها، و لم يملكه ثمن ما يأتيه به من حاجته. و علم المالك أن علي الحاجة رقيبا، لا يطمع أحد في أخذها منه الا بما يرضي به من الثمن. و قد وصف مالك هذا العبد نفسه بالعدل و النصفة و اظهار الحكمة، و نفي الجور. و أوعد عبده ان لم يأته بحاجته أن يعاقبه، علي علم منه بالرقيب الذي علي حاجته أنه سيمنعه، و علم أن المملوك لا يملك ثمنها و لم يملكه ذلك.

فلما صار العبد الي السوق، و جاء ليأخذ حاجته الي بعثه المولي لها، وجد عليها مانعا يمنع منها الا بشراء، و ليس يملك العبد ثمنها!. فانصرف الي مولاه خائبا، بغير قضاء حاجته، فاغتاظ مولاه من ذلك و عاقبه عليه!. أليس يجب في عدله و حكمه أن لا يعاقبه و هو يعلم أن عبده لا يملك عرضا



[ صفحه 305]



من عروض الدنيا و لم يملكه ثمن حاجته؟. فان عاقبه كان ظالما متعديا عليه، مبطلا لما وصف من عدله و حكمته و نصفته!. و ان لم يعاقبه كذب نفسه في وعيده اياه حين أوعده بالكذب و الظلم اللذين ينفيان العدل و الحكمة!. تعالي الله عما يقولون علوا كبيرا.

فمن دان بالجبر، أو ما يدعو الي الجبر، فقد ظلم الله و نسبه الي الجور و العدوان، اذ أوجب علي من أجبر [ه] العقوبة. و من زعم أن الله أجبر العباد، فقد أوجب علي قياس قوله: ان الله يدفع عنهم العقوبة. و من زعم أن الله يدفع عن أهل المعاصي العذاب، فقد كذب الله في وعيده حيث يقول: (بلي من كسب سيئة و أحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون (81) [45] و قوله: (ان الذين يأكلون أموال اليتامي ظلما انما يأكلون في بطونهم نارا و سيصلون سعيرا (10)) [46] ، و قوله: (ان الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب ان الله كان عزيزا) [47] مع آي كثيرة في هذا الفن ممن كذب وعيد الله. و يلزمه في تكذيبه آية من كتاب الله الكفر، و هو ممن قال الله: (أفتؤمنون بعض الكتاب و تكفرون ببعض فما جزآء من يفعل ذالك منكم الا خزي في الحيوة الدنيا و يوم القيامة يردون الي أشد العذاب و ما الله بغافل عما تعملون (85)) [48] .

بل نقول: ان الله جل و عز جازي - يجازي؛ العباد علي أعمالهم، و يعاقبهم علي أفعالهم بالاستطاعة التي ملكهم اياها. فأمرهم و نهاهم بذلك - أي بالاستطاعة و بما يطيقون - و نطق كتابه: (من جآء بالحسنة فله عشر أمثالها



[ صفحه 306]



و من جآء بالسيئة فلا يجزي الا مثلها و هم لا يظلمون (160)) [49] و قال جل ذكره: (يوم تجد كل نفس ما علمت من خير محضرا و ما عملت من سؤء تود لو أن بينها و بينه أمدا بعيدا و يحذركم الله نفسه!) [50] و قال: (اليوم تجزي كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم...) [51] فهذه آيات محكمات تنفي الجبر و من دان به. و مثلها في القرآن كثير، اختصرنا ذلك لئلا يطول الكتاب، و بالله التوفيق.

و أما التفويض الذي أبطله الصادق عليه السلام، و خطأ من دان به و تقلده، فهو قول القائل: ان الله جل ذكره فوض الي العباد اختيار أمره و نهيه و أهملهم!. و في هذا كلام دقيق لمن يذهب الي تحريره و دقته.

و الي هذا ذهبت الأئمة المهديون عترة الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، فانهم قالوا: لو فوض اليهم علي جهة الاهمال، لكان لازما له رضي ما اختاروه و استوجبوا منه الثواب - به الثواب - و لم يكن عليهم فيه العقاب، اذا كان الاهمال واقعا... و تنصرف هذه المقالة علي معنيين:

اما أن يكون العباد تظاهروا عليه فألزموه قبول اختيارهم بآرائهم ضرورة، كره ذلك أم أحب، فقد لزمه الوهن!. أو يكون جل و عز عجز عن تعبدهم بالأمر و النهي علي ارادته، كرهوا أو أحبوا، ففوض أمره - و نهيه - اليهم، و أجراهما علي محبتهم اذ عجز عن تعبدهم بارادته فجعل الاختيار اليهم في الكفر و الايمان!.

و مثل ذلك مثل رجل ملك عبدا ابتاعه ليخدمه و يعرف له فضل ولايته و يقف عند أمره و نهيه، و ادعي مالك العبد أنه قاهر عزيز حكيم، فأمر عبده و نهاه و وعده علي اتباع أمره عظيم الثواب، و أوعده علي معصيته أليم



[ صفحه 307]



العقاب؛ فخالف العبد الرادة مالكه، و لم يقف عند أمره و نهيه، فأي أمر أمره، أو أي نهي نهاه عنه، لم يأته علي ارادة المولي. بل كان العبد يتبع ارادة نفسه و اتباع أمره و نهيه اليه، و رضي منه بكل ما فعله، علي ارادة العبد، لا علي ارادته، ففوض اختيار حوائجه و سمي له الحاجة، فخالف علي مولاه و قصد لارادة نفسه واتبع هواه.

فلما رجع الي مولاه، نظر الي ما أتاه به، فاذا هو علي خلاف ما أمره به!. فقال له: لم أتيتني بخلاف ما أمرتك؟.

فقال العبد: اتكلت علي تفويضك الأمر الي فاتبعت هواي و ارادتي، لأن المفوض اليه غير محظور عليه... فاستحال التفويض.

أو ليس يجب علي هذا السبب أما أن يكون المالك للعبد قادرا يأمر عبده باتباع أمره و نهيه علي ارادته، لا علي ارادة العبد، و يملكه من الطاقة بقدر ما يأمره به و ينهاه عنه، فاذا أمره بأمر و نهاه عن نهي عرفه الثواب و العقاب عليهما: و حذره و رغبه بصفة ثوابه و عقابه ليعرف العبد قدرة مولاه بما ملكه من الطاقة - من الطاعة - لأمره و نهيه و ترغيبه و ترهيبه، فيكون عدله و انصافه شاملا له، و حجته واضحته عليه للاعذار و الانذار؛ فاذا اتبع العبد أمر مولاه جازاه، و اذا لم يزدجر عن نهيه عاقبه... أو يكون عاجزا غير قادر، ففوض اليه أحسن أم أساء، أطاع أم عصي، عاجزا عن عقوبته ورده الي اتباع أمره.

و في اثبات العجز نفي القدرة و التأله، و ابطال الأمر و النهي و الثواب و العقاب، و مخالفة الكتاب اذ يقول: (و لا يرضي لعباده الكفر و ان تشكروا يرضه لكم) [52] ، و قوله عزوجل: (اتقوا الله حق تقاته و لا تموتن الا و أنتم



[ صفحه 308]



مسلمون (102)، [53] قوله: (و ما خلقت الجن و الانس الا ليعبدون (56) مآ أريد منهم من رزق مآ أريد أن يطعمون (57)) [54] ، و قوله: (و اعبدوا الله و لا تشركوا به شيئا) [55] ، و قوله: (أطيعوا الله و رسوله و لا تولوا عنه و أنتم تسمعون (20)) [56] .

فمن دان بالتفويض علي هذا المعني فقد أبطل جميع ما ذكرنا من وعده و وعيده، و أمره و نهيه، و هو من أهل هذه الآية: (أفتؤمنون ببعض الكتاب و تكفرون ببعض فما جزآء من يفعل ذالك منكم الا خزي في الحيوة الدنيا و يوم القيامة يردون الي أشد العذاب و ما الله بغافل عما تعملون (85)) [57] ، تعالي الله عما يدين به أهل التفويض علوا كبيرا.

لكن نقول: ان الله جل و عز خلق الخلق بقدرته، و ملكهم استطاعة تعبدهم بها. فأمرهم و نهاهم بما أراد [58] ، فقبل منهم اتباع أمره و رضي بذلك لهم، و نهاهم عن معصيته و ذم من عصاه و عاقبه عليها. و لله الخيره في الأمر و النهي، يختار ما يريد و يأمر به، و ينهي عما يكره و يعاقب عليه بالاستطاعة التي ملكها عباده لا تباع أمره و اجتناب معاصيه، لأنه ظاهر العدل و النصفة و الحكمة البالغة، بالغ الحجة بالاعذار و الانذار، و اليه الصفوة يصطفي من عباده من يشاء لتبليغ رسالته و احتجاجه علي عباده: اصطفي محمدا صلي الله عليه و آله و سلم و بعثه برسالاته الي خلقه، فقال من قال من كفار قومه حسدا و استكبارا: (لو لا نزل هذا القرءان علي رجل من القريتين عظيم (31)) - [59] يعني بذلك أمية بن أبي



[ صفحه 309]



الصلت، و أبا مسعود الثقفي، فأبطل الله اختيارهم و لم يجز لهم آراءهم حيث يقول: (أهم يقسمون رحمت ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحيوة الدنيا و رفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا و رحمت ربك خير مما يجمعون (32)) [60] و لذلك اختار من الأمور ما أحب، و نهي عما كره، فمن أطاعه أثابه، و من عصاه عاقبه. و لو فوض اختيار أمره الي عباده لأجار لقريش اختيار أمية بن أبي الصلت و أبي مسعود الثقفي اذ كانا عندهم أفضل من محمد صلي الله عليه و آله و سلم.

فلما أدب الله المؤمنين بقوله: (و ما كان لمؤمن و لا مؤمنة اذا قضي الله و رسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) [61] فلم يجز لهم الاختيار بأهوائهم، و لم يقبل منهم الا اتباع أمره و اجتناب نهيه علي يدي من اصطفاه. فمن أطاعه رشد، و من عصاه ضل و غوي و لزمته الحجة بما ملكه من الاستطاعة لا تباع أمره و اجتناب نهيه. فمن أجل ذلك حرمه ثوابه و أنزل به عقابه.

و هذا القول بين القولين ليس بجبر و لا تفويض؛ و بذلك أخبر أميرالمؤمنين صلوات الله عليه عباية بن ربعي الأسدي حين سأله عن الاستطاعة التي بها يقوم و يقعد و يفعل، فقال له أميرالمؤمنين عليه السلام:

سألت عن الاستطاعة، تملكها من دون الله أو مع الله؟.

فسكت عباية؛ فقال له أميرالمؤمنين عليه السلام: قل يا عباية.

قال: و ما أقول؟!.

قال عليه السلام: ان قلت انك تملكها مع الله قتلتك!. و ان قلت تملكها دون الله قتلتك!.



[ صفحه 310]



قال عباية: فما أقول يا أميرالمؤمنين؟!.

قال عليه السلام: تقول انك تملكها بالله الذي يملكها من دونك. فان يملكها اياك كان ذلك من عطائه، و ان يسلبكها كان ذلك من بلائه... هو المالك لما ملكك، و القادر علي ما عليه أقدرك. أما سمعت الناس يسألون الحول و القوة حين يقولون: لا حول و لا قوة الا بالله؟!.

قال عباية: و ما تأويلها يا أميرالمؤمنين؟.

قال عليه السلام: لا حول عن معاصي الله الا بعصمة الله، و لا قوة لنا علي طاعة الله الا بعون الله.

قال: فوثب عباية فقيل يديه و رجليه.

و روي عن أميرالمؤمنين عليه السلام، حين أتاه نجدة يسأله عن معرفة الله، قال: أي أميرالمؤمنين بم عرفت ربك؟.

قال عليه السلام: بالتمييز الذي خولني، و العقل الذي دلني.

قال: أمجبول أنت عليه؟.

قال: لو كنت مجبولا لما كنت محمودا علي احسان، و لا مذموما علي اساءة، و كان المحسن أولي بالأئمة من المسي ء. فعلمت أن الله قائم باق، و ما دونه حدث حائل زائل. و ليس القديم الباقي، كالحدث الزائل.

قال نجدة: أجدك أصبحت حكيما يا أميرالمؤمنين.

قال: أصبحت مخيرا، فان أتيت السيئة [ب] مكان الحسنة فأنا المعاقب عليها.

و روي عن أميرالمؤمنين عليه السلام أنه قال لرجل بعد انصرافه من الشام، فقال: يا أميرالمؤمنين، أخبرنا بخروجنا الي الشام، بقضاء و قدر؟.



[ صفحه 311]



قال عليه السلام: نعم يا شيخ، ما علوتم تلعة و لا هبطتم و اديا الا بقضاء و قدر من الله.

فقال الشيخ: عند الله أحتسب عنائي يا أميرالمؤمنين؟.

فقال: مه يا شيخ، فان الله قد عظم أجركم في مسيركم و أنتم سائرون، و في مقامكم و أنتم مقيمون، و في انصرافكم و أنتم منصرفون. و لم تكونوا في شي ء من أموركم مكرهين و لا اليه مضطرين!.

لعلك ظننت أنه قضاء حتم و قدر لازم؟!. لو كان ذلك كذلك لبطل الثواب و العقاب، و لسقط الوعد و الوعيد، و لما ألزمت الأشياء أهلها - الأسماء أهلها - علي الحقائق. ذلك مقالة عبدة الأوثان و أولياء الشيطان.

ان الله جل و عز أمر تخييرا، و نهي تحذيرا، و لم يطع مكرها، و لم يعص مغلوبا، و لم يخلق السماوات و الأرض و ما بينهما باطلا، ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار!.

فقام الشيخ فقبل رأس أميرالمؤمنين عليه السلام، و أنشأ يقول:



أنت الامام الذي نرجو بطاعته

يوم النجاة من الرحمان غفرانا



أوضحت من ديننا ما كان ملتبسا

جزاك ربك عنا فيه رضوانا



فليس معذرة في فعل فاحشة

قد كنت راكبها ظلما و عصيانا



فقد دل أميرالمؤمنين عليه السلام علي موافقة الكتاب، و نفي الجبر و التفويض اللذين يلزمان من دان بهما و تقلدهما الباطل و الكفر و تكذيب الكتاب، و نعوذ بالله من الضلالة و الكفر. و لسناندين بجبر و لا تفويض، لكنا نقول بمنزلة بين المنزلتين، و هو الامتحان و الاختبار بالاستطاعة التي ملكنا الله و تعبدنا بها علي ما شهد به الكتاب، و دان به الأئمة الأبرار من آل الرسول صلوات الله عليهم.



[ صفحه 312]



و مثل الاختبار بالاستطاعة، مثل رجل ملك عبدا و ملك مالا كثيرا، أحب أن يختبر عبده علي علم بما يؤول اليه، فملكه من ماله بعض ما أحب و وقفه - وافقه - علي أمور عرفها العبد، فأمره أن يصرف ذلك المال فيها، و نهاه عن أسباب لم يحبها، و تقدم اليه - أمره - أن يجتنبها و لا ينفق من ماله فيها؛ و المال يتصرف في أي الوجهين... فصرف المال - فصرف الآن - أحدهما في اتباع أمر المولي و رضاه، و الآخر صرفه في اتباع نهيه و سخطه. و أسكنه دار اختيار أعلمه أنه غير دائم لم السكني في الدار، و أن له دارا غيرها و هو مخرجه اليها، فيها ثواب و عقاب دائمان. فان أنفذ العبد المال الذي ملكه مولاه في الوجه الذي أمره به جعل له ذلك الثواب الدائم في تلك الدار التي أعلمه أنه مخرجه اليها؛ و ان أنفق المال في الوجه الذي نهاه عن انفاقه فيه، جعل له ذلك العقاب الدائم في دار الخلود. و قد حد المولي في ذلك حدا معروفا و هو المسكن الذي أسكنه في الدار الأولي. فاذا بلغ الحد استبدل المولي بالمال و بالعبد، علي أنه لا يزال مالكا للمال و العبد في الأوقات كلها، الا أنه وعده أن لا يسلبه ذلك المال ما كان في تلك الدار الأولي، الي أن يستتم سكناه فيها؛ فوفي له لأن من صفات المولي العدل و الوفاء و النصفة و الحكمة.

أوليس يجب ان كان العبد ذلك المال في الوجه المأمور به أن يفي له بما وعده من الثواب، و تفضيل عليه بأن استعمله في دار فانية و أثابه علي طاعته فيها نعيما دائما في دار باقية دائمة؟!.

و ان صرف العبد المال الذي ملكه مولاه أيام سكناه تلك الدار الأولي في الوجه المنهي عنه و خالف أمر مولاه، كذلك تجب عليه العقوبة الدائمة التي حذره اياها، غير ظالم لما تقدم اليه و أعلمه و عرفه و أوجب له الوفاء بوعده و وعيده، بذلك يوصف القادر القاهر.

و أما المولي فهو الله جل و عز.



[ صفحه 313]



و أما العبد فهو ابن آدم، المخلوق، و المال قدرة الله الواسعة.

و محنته - أي اختباره - اظهار [ه] الحكمة و القدرة، و الدار الفانية هي الدنيا، و بعض المال الذي ملكه مولاه هو الاستطاعة التي ملك ابن آدم.

و الأمور التي أمر الله بصرف المال اليها الاستطاعة لا تباع الأنبياء، و الاقرار بما أوردوه عن الله جل و عز.

و اجتناب الأسباب التي نهي عنها هي طرق ابليس، و أما وعده فالنعيم الدائم، و هي الجنة، و أما الدار الفانية فهي الدنيا، و أما الدار الأخري فهي الدار الباقية، و هي الآخرة.

و القول بين الجبر و التفويض هو الاختبار و الامتحان و البلوي بالاستطاعة التي ملك العبد.

و شرحها في الخمسة الأمثال التي ذكرها الصادق عليه السلام [62] ، أنها جمعت جوامع الفضل، و أنا مفسرها بشواهد من القرآن و البيان ان شاء الله.

تفسير صحة الخلقة: أما قول الصادق عليه السلام كمال الخلق للانسان، و كمال الحواس، و ثبات العقل، و التمييز، و اطلاق اللسان بالنطق، و ذلك قول الله: (و لقد كرمنا بني ءادم و حملناهم في البر و البحر و رزقناهم من الطيبات و فضلناهم علي كثير ممن خلقنا تفضيلا (70)) [63] فقد أخبر عزوجل عن تفضيله بني آدم علي سائر خلقه من البهائم، و السباع، و دواب البحر، و الطير، و كل ذي حركة تدركه حواس بني آدم بتمييز العقل و النطق. و ذلك قوله: (لقد خلقنان الانسان في أحسن تقويم (4)) [64] و قوله: (يأيها الانسان ما غرك بربك



[ صفحه 314]



الكريم (6) الذي خلقك فسواك فعدلك (7) في أي صورة ما شاء ركبك (8)) [65] و في آيات كثيرة.

فأول نعمة علي الانسان صحة عقله، و تفضيله علي كثير من خلقه بكمال العقل و تميز البيان، و ذلك أن كل ذي حركة علي بسيط الأرض هو قائم بنفسه بحواسه، مستكمل في ذاته. ففضل بني آدم بالنطق الذي ليس في غيره من الخلق المدرك بالحواس. فمن أجل النطق ملك الله ابن آدم غيره من الخلق حتي صار آمرا ناهيا؛ و غيره مسخر له كما قال الله: (كذلك سخرها لكم لتكبروا الله علي ما هداكم) [66] و قال: (و هو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا و تستخرجوا منه حلية تلبسونها و تري) [67] و قال: (و الأنعام خلقها لكم فيها دف ء و منافع و منها تأكلون (5) و لكم فيها جمال حين تريحون و حين تسرحون (6) و تحمل أثقالكم الي بلد تكونوا بالغيه الا بشق الأنفس...) [68] .

فمن أجل ذلك دعا الله الانسان الي اتباع أمره، و الي طاعته، بتفضيله اياه باستواء الخلق، و كمال النطق و المعرفة، بعد أن ملكهم استطاعة ما كان تعبدهم به بقوله: (فاتقوا الله ما استطعتم و اسمعوا و أطيعوا...) [69] و قوله: (لا يكلف الله نفسا الا وسعها) [70] و قوله: (لا يكلف الله نفسا الا مآ ءاتاها) [71] و في آيات كثيرة.

فاذا سلب العبد حاسة من حواسه رفع العمل عنه بحاسته كقوله:



[ صفحه 315]



(ليس علي الأعمي حرج و لا علي الأعرج حرج...) [72] الآية... فقد رفع عن كل من كان بهذه الصفة الجهاد و جميع الأعمال التي لا يقوم بها. و كذلك أوجب علي ذي اليسار الحج و الزكاة لما ملكه من استطاعة ذلك، و لم يوجب علي الفقير الزكاة و الحج [في] قوله: (و لله علي الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا) [73] و قوله في الظهار: (و الذين يظاهرون من نسآئهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة... الي قوله: فمن لم يستطع فاطعام ستين مسكينا...) [74] كل ذلك دليل علي أن الله تبارك و تعالي لم يكلف عباده الا ما ملكهم استطاعته بقوة العمل به، و نهاهم عن مثل ذلك فهذه صحة الخلقة.

و أما قوله: تخلية السرب: فهو الذي ليس عليه رقيب يحظر عليه و يمنعه العمل بما أمره الله به. و ذلك قوله في من استضعف و حظر عليه العمل فلم يجد حيلة و لا يهتدي سبيلا كما قال الله تعالي: (الا المستضعفين من الرجال و النسآء و الولدان لا يستطيعون حيلة و لا يهتدون سبيلا (98) [75] فأخبر أن المستضعف لم يخل سربه و ليس عليه من القول شي ء اذا كان مطمئن القلب بالايمان.

و أما المهلة في الوقت: فهو العمر الذي يمنع الانسان من حد ما تجب عليه المعرفة الي أجل الوقت. و ذلك من وقت تمييزه و بلوغ الحكم الي أن يأتيه أجله. فمن مات علي طلب الحق و لم يدرك كماله، فهو علي خير، و ذلك قوله: (و من يخرج من بيته مهاجرا الي الله و رسوله...) [76] الآية، و ان كان لم يعمل بكمال شرائعه لعلة ما، لم يمهله في الوقت الي استتمام أمره، و قد



[ صفحه 316]



حظر علي البالغ ما لم يحظر علي الطفل اذا لم يبلغ الحلم في قوله: (و قل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن...) [77] الآية، فلم يجعل عليهن حرجا في ابداء الزينة للطفل، و كذلك لا تجري عليه الأحكام.

و أما قوله: الزاد: فمعناه الجدة - أي الغني و القدرة - و البلغة التي يستعين بها العبد علي ما أمره الله به، و ذلك قوله: (ما علي المحسنين من سبيل...) [78] الآية، ألا تري أنه قبل عذر من لم يجد ما ينفق، و ألزم الحجة كل من أمكنته البلغة و الراحلة للحج و الجهاد و أشباه ذلك؟. و كذلك قبل عذر الفقراء، و أوجب لهم حقا في أموال الأغنياء بقوله: (للفقرآء الذين أحصروا في سبيل الله...) [79] الآية، فأمر باعفائهم و لم يكلفهم الاعداد لما لا يستطيعون و لا يملكون.

و أما قوله في السبب المهيج: فهو النية التي هي داعية الانسان الي جميع الأفعال، و حاستها القلب - و حاسته العقل -. فمن فعل فعلا و كان بدين لم يعقد قلبه علي ذلك، لم يقبل الله منه عملا الا بصدق النية، و لذلك أخير عن المنافقين بقوله: (يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم و الله أعلم بما يكتمون (167)) [80] ثم أنزل علي نبيه صلي الله عليه و آله و سلم توبيخا للمؤمنين: (يأيها الذين ءامنوا لم تقولون ما لا تفعلون (2)؟) [81] الآية، فاذا قال الرجل قولا و اعتقد في قوله دعته النية الي تصديق القول باظهار الفعل؛ و اذا لم يعتقد القول لم تتبين حقيقته. و قد أجاز الله صدق النية و ان كان الفعل غير موافق لها لعلة مانع يمنع



[ صفحه 317]



اظهار الفعل في قوله: (الا من أكره و قلبه مطمئن بالايمان) [82] و قوله: (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم) [83] فدل القرآن، و أخبار الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، أن القلب مالك لجميع الحواس، يصحح أفعالها؛ و لايبطل ما يصحح القلب شي ء.

فهذا شرح جميع الخمسة الأمثال التي ذكرها الصادق عليه السلام، أنها تجمع المنزلة بين المنزلتين، و هما الجبر و التفويض. فاذا اجتمع في الانسان كمال هذه الخمسة الأمثال، وجب عليه العمل كملا لما أمر الله عزوجل به رسوله. و اذا نقص العبد منها خلة كان العمل عنها - عنه - مطروحا بحسب ذلك.

فأما شواهد القرآن علي الاختبار و البلوي بالاستطاعة التي تجمع القول بين القولين فكثيرة، و من ذلك قوله: (و لنبلونكم حتي نعلم المجاهدين منكم و الصابرين و نبلوا أخباركم (31)) [84] و قال: (سنستدرجهم من حيث لا يعلمون (182)) [85] ، و قال: (الم (1) أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا ءامنا و هم لا يفتنون (2)؟) [86] ، و قال في الفتن التي معناها الاختبار: (و لقد فتنا سليمان و ألقينا علي كرسيه جسدا ثم أناب (34)...) [87] الآية، و قال في قصة موسي عليه السلام: (فانا قد فتنا قومك من بعدك و أضلهم السامري (85)) [88] ، و قول موسي: (ان هي الا فتنتك...) [89] أي اختبارك. فهذه الايات يقاس بعضها ببغض، و يشهد بعضها لبغض.



[ صفحه 318]



و أما آيات البلوي بمعني الاختبار، قوله: (ليبلوكم في مآ ءاتاكم...) [90] ، و قوله: (ثم صرفكم عنهم ليبتليكم...) [91] و قوله: (انا بلوناهم كما بلونآ أصحاب الجنة...) [92] ، و قوله: (خلق الموت و الحيوة ليبلوكم أيكم أحسن عملا...) [93] ، و قوله: (و اذ ابتلي ابراهيم ربه بكلمات...) [94] ، و قوله: (و لو يشآء الله لا نتصر منهم و لكن ليبلوا بعضكم ببعض...) [95] ، و كل ما في القرآن من بلوي هذه الآيات التي شرح أولها فهي اختبار. و أمثالها في القرآن كثيرة؛ فهي اثبات الاختبار و البلوي.

ان الله جل و عز لم يخلق عبثا، و لا أهملهم سدي، و لا أظهر حكمته لعبا، و بذلك أخبر في قوله: (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا؟!...) [96] .

فان قال قائل: فلم يعلم الله ما يكون من العباد حتي اختبرهم؟!!

قلنا: قد علم ما يكون منهم قبل كونه، و ذلك قوله: (و لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه...) [97] و انما اختبرهم ليعلمهم عدله، و لا يعذبهم الا بحجة بعد الفعل. و قد أخبر بقوله: (و لو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولآ أرسلت الينا رسولا...) [98] ، و قوله: (و ما كنا معذبين حتي نبعث رسولا (15)) [99] .



[ صفحه 319]



و قوله: (رسلا مبشرين و منذرين)... [100] .

فالاختبار من الله بالاستطاعة التي ملكها عبده، و هو القول بين الجبر و التفويض. و بهذا نطق القرآن و جرت الأخبار عن الأئمة من آل الرسول صلي الله عليه و آله و سلم.

فان قالوا: ما الحجة في قول الله: (يهدي من يشآء)، و (يضل من يشآء) [101] و ما أشبهها؟!!

قيل: مجاز هذه الآيات كلها علي معنيين:

أما أحدهما: فاخبار عن قدرته، أي أنه قادر علي هداية من يشاء، و ضلال من يشاء. و اذا أجبرهم بقدرته علي أحدهما لم يجب لهم ثواب و لا عليهم عقاب، علي نحو ما شرحنا في الكتاب.

و المعني الآخر: أن الهداية منه، تعريفه، كقوله: (و أما ثمود فهديناهم - أي عرفناهم - فاستحبوا العمي علي الهدي) [102] فلو أجبرهم علي الهدي لم يقدروا أن يضلوا. و ليس كلما وردت آية مشتبهة كانت الآية حجة علي محكم الآيات اللواتي أمرنا بالأخذ بها؛ من ذلك قوله: (منه ءايات محكمات هن أم الكتاب و أخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغآء الفتنة و ابتغآء تأويله... الآية) [103] ، و قال: (فبشر عباد (17) الذين يستعمون القول فيتبعون



[ صفحه 320]



أحسنه - أي أحكمه و أشرحه - أولئك الذين هداهم الله و أولئك هم أولوا الألباب (18) [104] .

وفقنا الله و اياكم الي القول و العمل لما يحب و يرضي، و جنبنا و اياكم معاصيه بمنه و فضله، و الحمد لله كثيرا كما هو أهله، و صلي الله علي محمد و آله الطيبين، و حسبنا الله و نعم الوكيل» [105] .

و لا يخفي أن التعليق علي هذا البيان الكريم يحط من شأنه، اذ أن أي كلام ترعف به الأقلام، يقصر عن الوصول الي تحليل بلاغة ما يقول هذا الامام عليه السلام و كل امام من آبائه و أبنائه...

و لن نعرض الي ما روي عنه عليه السلام من أحاديث في مختلف المواضيع و أكثر الأحكام الفقهية خوف الاطالة، فانه قد أدي قسطه من نشر أوامر الله تعالي و احقاق الحق، و انكار الباطل، و الوقوف في وجه أهل المروق، و لم يصانع غير وجه ربه الذي كفاه الوجوه كلها، ثم أمسك بقلوب شيعته و وجههم نحو الالتفاف حول علمائهم و مراجعهم الذين تفقهوا في الدين و كانوا أهل علم، و فضل، و تقوي، و ورع، ليبقوا علي الخط المستقيم و يكونوا من الفائزين... و لذلك نكتفي بذكر نزر يسير مما روي عنه عليه السلام في مواضع هامة، كقوله:

لو لا من يبقي بعد غيبة قائمكم عليه السلام من العلماء الداعين اليه، و الدالين عليه، و الذابين عن دينه بحجج الله، و المنقذين لضعفاء عباد الله من شباك ابليس و مردته و من فخاخ النواصب، لما بقي أحد الا ارتد عن دين



[ صفحه 321]



الله!. ولكنهم الذين يمسكون أزمة قلوب ضعفاء الشيعة كما يمسك صاحب السفينة سكانها - أي مقودها الذي يوجه سيرها -. أولئك هم الأفضلون عند الله عزوجل» [106] .

و يتضح من قوله الشريف هذا، أنه قد افتتح عهدا جديدا سيلاقيه شيعته عما قريب و ذلك حين تقع غيبة حفيده الامام الثاني عشر عليه السلام و عجل الله تعالي فرجه - فيلجأ الشيعة الي المراجع من علمائهم الربانيين، ليأخذوا عنهم معالم دينهم فلا يضلون مع من ضل... ثم أخذ يهيئهم لتلك الغيبة و لفترة الحيرة و طول الانتظار، ليكونوا علي بصيرة من الأمر قبل وقوعه، و ليكونوا علي مستوي المعرفة بعقيدتهم، و الدفاع عنها و البرهنة علي صحتها، و في مركز الجدارة لحمل المسؤولية في وجه المنكرين و المكابرين.

و قد نبه - صلوات الله عليه - شيعته الي ما سيفجأهم من عدم رؤية حفيده القائم بالقسط صلوات الله عليه و تحياته و بركاته، لحكمة اقتضاها الله سبحانه و تعالي، و ليهلك من هلك عن بينة، و يحيا من حي عن بينة؛ ثم هيأهم للصبر علي ما يلقونه ممن يناصبهم العداء، ليثبتوا علي الحق. و كان من جملة ما قاله في ذلك عليه السلام:

«ألخلف من بعدي ابني الحسن. فكيف بكم بالخلف بعد الخلف؟!!

قيل: و لم، جعلنا فداك؟!!

قال: لأنكم لا ترون شخصه، و لا يحل لكم ذكر اسمه.

فقيل له: كيف نذكره؟.



[ صفحه 322]



قال: قالوا: الحجة من آل محمد» [107] .

فهو - تحيات الله و رضوانه عليه - يخبر بذلك، و يهي ء الأذهان، و ينذر، و يخطط لمستقبل طويل يعانيه الشيعة بعد غيبة حفيدة المهدي المنتظر عجل الله تعالي فرجه و سهل مخرجه ليقيم العدل في الأرض بعد أن ملئت ظلما و جورا... و قضي بقية فترة شبابه ارشادا لأصحابه، و تطبيعا لهم علي الحياة في ظل امام غائب مستور عن أعين الظلمة المتربصين به لقتله اذا ظفروا به... ثم أسلم ذلك لولده العسركي عليه السلام ليكمل تلك المرحلة من التهيئة و التطبيع.

و قد سئل الامام عليه السلام عن موعد ظهور حفيده المنتظر عليهماالسلام، فقال: «اذا رفع علمكم من بين أظهركم، فتوقعوا الفرج من تحت أقدامكم» [108] و قد رفع العلم من الصدور، و ضاع الناس في القشور، و ضلوا عن اللباب.

و مما روي عنه، عن أبيه، عن جده، عن أميرالمؤمنين عليه السلام، قوله:

«قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: لما أسري بي الي السماء الرابعة نظرت الي قبة من لؤلؤها: أربعة أركان، و أربعة أبواب، كلها من استبرق أخضر؛ قلت: يا جبرائيل ما هذه القبة التي لم أر في السماء الرابعة أحسن منها؟!.

فقال: حبيبي محمد، هذه صورة مدينة يقال لها: قم، يجتمع فيها عباد الله المؤمنون، ينتظرون محمدا و شفاعته للقيامة و الحساب. يجري عليهم الغم و الهم و الأحزان و المكاره.



[ صفحه 323]



قال (الراوي): فسألت علي بن محمد العسكري عليه السلام: متي ينتظرون الفرج؟.

قال: اذا ظهر الماء علي وجه الأرض» [109] .

و ظهور الماء علي وجه الأرض يكون عند فيضان عظيم لنهر دجلة تغرق فيه أزقة الكوفة، و قد أشارت اليه أخبار أخري بالتفصيل ليس هنا محل ذكرها.

فما أقوي ايمان هذا الامام الذي يروي ذلك عن آبائه، عن جده الأكبر أميرالمؤمنين عليهم السلام جميعا، بشأن بلدة نائية عنه، كانت غارقة في المجوسية - يومئذ - الي ما فوق قمة رأسها، و هو يقول - باطمئنان -: يجتمع فيها عباد الله المؤمنون المنتظرون!!!

و انه ليقولها فما يصدقه يوم قالها الا من امتحن الله قلبه للايمان... أما الأكثرية الساحقة من سواد الناس فتقول: هذا كلام غير مسؤول... و رجم بالغيب!. فما هو رأينا - اليوم - بهذا القول، بعد أن فسرته لنا الأيام فيما فسرت من أقوال أئمتنا الصادقين صلوات الله و سلامه عليهم؟!!!

الجواب عند من منحه الله تعالي القدرة علي الاذعان للحق... فقط. لأن مدينة قم التي كانت بؤرة مجوسية يومذاك، أصبحت اليوم منارة علم و منار هدي و مركزا للمرجعية الاسلامية الواسعة، و مكان انتظار للفرج القريب ان شاء الله تعالي.



[ صفحه 324]



و من حكمه و أقواله الكريمة عليه السلام:

«من رضي عن نفسه، كثر الساخطون عليه.

راكب الحرون أسير نفسه، و الجاهل أسير لسانه.

الناس في الدنيا بالأموال، و في الآخرة بالأعمال.

المصيبة للصابر واحدة، و للجازع اثنتان.

الهزل - الهزء - فكاهة السفهاء و صناعة الجهال!.

السهر ألذ المنام، و الجوع يزيد في طيب الطعام. - يريد عليه السلام بالسهر الحث علي قيام الليل بالعبادة، و صيام النهار -.

أذكر مصرعك بين أهلك، فلا طبيب يمنعك، و لا حبيب ينفعك.

المقادير تريك ما لا يخطر ببالك.

و قال عليه السلام لرجل، و قد أكثر من افراط الثناء عليه:

أقبل علي شأنك، فان كثرة المطلق يهجم علي الظنة. و اذا حللت من أخيك في محل الثقة فاعدل عن الملق الي حسن النية. - و الملق: التودد و التذلل باللسان دون القلب -.

الحكمة لأنجع في الطباع الفاسدة.

اذا كان زمان العدل فيه أغلب من الجور، فحرام أن تظن بأحد سوءا حتي تعلم ذلك. و اذا كان زمان الجور فيه أغلب من العدل، فليس لأحد أن يظن بأحد خيرا حتي يري ذلك منه» [110] .

و قال سهل بن زياد: «كتب اليه بعض أصحابنا يسأله دعوة جامعة للدنيا و الآخرة، فكتب اليه:



[ صفحه 325]



أكثر من الاستغفار و الحمد، فانك تدرك بذلك الخير كله.

و قال للمتوكل في جواب كلام دار بينهما:

«لا تطلب الصفاء ممن كدرت عليه، و لا الوفاء ممن غدرت به، و لا النصح ممن صرفت سوء ظنك اليه، فانما قلب غيرك كقلبك له.

قال عليه السلام لبعض مواليه: عاتب فلانا و قل له: ان الله اذا أراد بعبد خيرا، اذا عوتب قبل» [111] .

و قال عليه السلام:

ان لله بقاعا يحب أن يدعي فيها فيستجيب لمن دعاه، و الحير - كربلاء - منها.

من اتقي الله يتقي، و من أطاع الله يطاع، و من أطاع الخالق لم يبال سخط المخلوقين، و من أسخط الخالق فلييقن أن يحل به سخط المخلوقين.

من أمن مكر الله و أليم أخذه، تكبر حتي يحل به قضاؤه و نافذ أمره. و من كان علي بينة من ربه هانت عليه مصائب الدنيان و لو قرض و نشر...

الشاكر أسعد بالشكر منه بالنعمة التي أوجبت الشكر، لأن النعم متاع، و الشكر نعم و عقبي.

ان الله جعل الدنيا دار بلوي، و الآخرة دار عقبي؛ و جعل بلوي الدنيا لثواب الآخرة سببا، و ثواب الآخرة من بلوي الدنيا عوضا.



[ صفحه 326]



ان الظالم الحالم يكاد أن يعفي علي ظلمه يحلمه، و ان المحق السفيه يكاد أن يطفي ء نور حقه بسفهه.

من جمع لك وده و رأيه، فاجمع له طاعتك.

من هانت عليه نفسه، فلا تأمن شره.

الدنيا سوق، ربح فيه قوم، و خسر آخرون...

و قال أبوهاشم الجعفري رحمه الله تعالي:

«دخلت علي أبي الحسن، صاحب العسكر، عليه السلام، فجاء صبي من صبيانه فناوله وردة، فقبلها و وضعها علي عينيه، ثم ناولنيها، ثم قال: من تناول وردة أو ريحانة و وضعها علي عينيه، ثم صلي علي محمد و الأئمة صلوات الله عليهم، كتب الله له من الحسنات مثل رمل عالج، و محا عنه من السيئات مثل ذلك» [112] .

و قال عليه السلام: ان أكل البطيخ يورث الجذام.

فقيل له: أليس قد أمن المؤمن اذا أتي عليه أربعون سنة من الجنون و الجذام و البرص؟.

قال عليه السلام: نعم، ولكن اذا خالف المؤمن ما أمر به ممن آمنه، لم يأمن أن تصيبه عقوبة الخلاف!.



[ صفحه 327]




پاورقي

[1] الكافي: م 1 ص 86.

[2] الكافي: م 1 ص 25.

[3] الكافي: م 1 ص 105.

[4] توحيد الصدوق: ص 62.

[5] توحيد الصدوق: ص 20.

[6] الكافي: م 1 ص 126.

[7] الاحتجاج: ج 2 ص 450 - 449.

[8] توحيد الصدوق: ص 66.

[9] الأنعام: 103.

[10] الاحتجاج: ج 2 ص 449.

[11] الكافي: م 1 ص 102 و توحيد الصدوق: ص 59 و ص 60 الي ص 61.

[12] المصدر السابق.

[13] الكافي: م 1 ص 107 و توحيد الصدوق: ص 98.

[14] الكافي: م 1 ص 108 - 107.

[15] و في هاشم الكافي: م 1 ص 119 علق قائلا: فالوحدة في المخلوق، هي الوحدة الشخصية التي تجتمع مع أنواع التكثرات، و ليست الا تألف أجزاء، و اجتماع امور متكثرة. و وحدته سبحانه هي النفي للتجزؤ و الكثرة و التعدد عنه سبحانه مطلقا.

[16] الكافي: م 1 ص 118 الي ص 120 و توحيد الصدوق: ص 136 - 135.

[17] الكافي: م 1 ص 151.

[18] أنظر الكافي: م 1 ص 151 في هامش الصفحة رقم (1).

[19] الي هنا تجده في الكافي: م 1 ص 138 - 137 و في تحف العقول: ص 482 مع اختلاف يسير في اللفظ.

[20] التوبة: 74.

[21] الأحزاب: 66.

[22] النساء: 59.

[23] النساء: 83.

[24] النساء: 58.

[25] الأنبياء: 7.

[26] كشف الغمة: ج 3 من ص 176 الي ص 178 و بحارالأنوار: ج 50 من ص 177 الي ص 180.

[27] الزمر: 67 و نص الآية الكريمة: (و ما قدروا الله حق قدره و الأرض جميعا قبضته يوم القيامة و السماوات مطويات بيمينه سبحانه و تعالي عما يشركون (67)(.

[28] الزمر: 67.

[29] المصدر السابق.

[30] الأنعام: 91.

[31] معاني الأخبار: ص 14.

[32] توحيد الصدوق: ص 112.

[33] معاني الأخبار: ص 139.

[34] النور: 35 و الخبر في الاحتجاج: ج 2 ص 450.

[35] المصدر السابق.

[36] الأنعام: 125.

[37] توحيد الصدوق: ص 174 و الآية في الأنبياء: 49.

[38] هذه الرسالة رواها الطبرسي في الاحتجاج: ج 2 ص 450 مجملة تحت عنوان: رسالته الي أهل الأهواز، حين سألوه عن الجبر و التفويض. و لم نذكر ما رواه هنا لوجوده ضمن ما ذكرناه، و خوف التكرار و الاطالة.

[39] المائدة: 56 - 55.

[40] الأحزاب: 57.

[41] و في بعض النسخ: بهذه الصفة.

[42] الكهف: 49.

[43] الحج: 10.

[44] يونس 44.

[45] البقرة: 81.

[46] النساء: 10.

[47] النساء: 56.

[48] البقرة: 85.

[49] الأنعام: 160.

[50] آل عمران: 30.

[51] المؤمن: 17.

[52] الزمر: 7.

[53] آل عمران: 102.

[54] الذاريات: 57 - 56.

[55] النساء: 36.

[56] الأنفال: 20.

[57] البقرة: 85.

[58] في الاحتجاج: و ملكهم استطاعة ما تعبدهم به من الأمر و النهي.

[59] الزخرف: 31.

[60] الزخرف: 32.

[61] الأحزاب: 36.

[62] أي: صحة الخلقة، و تخلية السرب، و المهلة في الوقت، و الزاد، و السبب المهيج.

[63] الاسراء: 70.

[64] التين: 4.

[65] الانفطار: 8 - 7 - 6.

[66] الحج: 37.

[67] النحل: 14.

[68] النحل: 7 - 5.

[69] التغابن: 16.

[70] البقرة: 286.

[71] الطلاق: 7.

[72] النور: 61 و الفتح: 17.

[73] آل عمران: 97.

[74] المجادلة: 4 - 3.

[75] النساء: 98.

[76] النساء: 100.

[77] النور: 31.

[78] التوبة: 91.

[79] البقرة: 273.

[80] آل عمران: 167.

[81] الصف: 2.

[82] النحل: 106.

[83] البقرة: 225.

[84] محمد: 31.

[85] الأعراف: 182 و القلم: 44.

[86] العنكبوت: 2 - 1.

[87] ص: 34.

[88] طه: 85.

[89] الأعراف: 155.

[90] المائدة: 48 و الأنعام: 165.

[91] آل عمران: 152.

[92] القلم: 17.

[93] الملك: 2.

[94] البقرة: 124.

[95] محمد: 4.

[96] المؤمنون: 115.

[97] الأنعام: 28.

[98] طه: 134.

[99] الاسراء: 15.

[100] النساء: 165.

[101] ابراهيم: 4 (فيضل الله من يشآء و يهدي من يشآء). و النحل:93 (ولكن يضل من يشآء و يهدي من يشاء). و فاطر: 8 (فان الله يضل من يشاء و يهدي من يشآء). و المدثر: 31 (كذلك يضل الله من يشآء و يهدي من يشآء).

[102] فصلت: 17.

[103] آل عمران: 7.

[104] الزمر: 18 - 17.

[105] تحف العقول: من ص 458 الي ص 475 و حلية الأبرار: ج 2 ص 448 الي ص 453 نقلا عن الاحتجاج.

[106] اعلام الوري: ص 410 و بحار الأنوار: 51 - ص 158 و الكافي: م 1 ص 321 بلفظ آخر، و مصادره الباقية مذكورة في كتابنا «يوم الخلاص» و هو كذلك في حلية الأبرار: ج 2 ص 445 و الاحتجاج للطبرسي: ج 2 ص 259.

[107] الكافي: م 1 ص 341 و هو في عدة مصادر أخري.

[108] المصدر السابق.

[109] الاختصاص: ص 103 - 102 و قد رواه الحسن بن محمد بن الحسن القمي المتوفي سنة 378 هجرية، و في «تاريخ قم»: ص 96 [من ترجمته المطبوعة] عن أبي مقاتل شبل الديلمي نقيب الري، عن أبي الحسن علي بن محمد عليهماالسلام. و نقله المجلسي - عن الاختصاص: في بحار الأنوار: ج 14 ص 377 و هو في مصادر كثيرة و نصوص مختلفة ذكرنا بعضها في كتابنا «يوم الخلاص».

[110] الأنوار البهية: ص 258 - 257.

[111] جميع الكلمات القصار، تجدها في تحف العقول: من ص 481 الي ص 483.

[112] عالج: مكان كثير الرمال، و الخبر في حلية الأبرار: ج 2 ص 457.