بازگشت

دعوة الامام الي سامراء


كان الخلفاء الظالمون يشعرون بالخوف من نفوذ الأئمة عليهم السلام في المجتمع و اهتمام و حب الناس لهم، و من البديهي



[ صفحه 13]



عندئذ ان لا يكفوا أيديهم عن الأئمة الكرام و ان لا يتركوهم لحالهم، و بالنسبة للمتوكل فانه علاوة علي هذا الخوف المستبد بجميع المتقدمين عليه كان يشعر بحقد مرير و عداوة مضاعفة لأهل بيت أميرالمؤمنين علي عليه السلام مما كان يدفعه للمزيد من التشدد و التضييق عليهم، و من هنا فقد عقد العزم علي نقل الامام الهادي عليه السلام من المدينة الي مكان قريب منه حتي يراقبه عن كتب.

و هكذا أبعد المتوكل الامام في عام (234) هجريه من المدينه الي سامراء بصورة محترمة، و أسكنه في بيت مجاور لمعسكره، و أقام الامام في هذا البيت حتي آخر عمره الشريف، اي الي سنة (254) هجرية، و قد احتفظ بالامام دائما تحت مراقبته الشديدة، و سار علي منهجه هذا الخلفاء الذين جاءوا من بعده، فكل واحد منهم كان يراقب الامام بصورة شديدة حتي استشهاده عليه السلام [1] .

و كان سبب شخوص ابي الحسن عليه السلام من المدينة الي سر من رأي ان عبدالله بن محمد كان يتولي الحرب و الصلاة في مدينة الرسول (صلي الله عليه و اله و سلم) فسعي بأبي الحسن الي المتوكل، و كان يقصده بالأذي، و بلغ اباالحسن (عليه السلام) سعايته به فكتب الي المتوكل يذكر تحامل عبدالله بن محمد عليه و كذبه فيما سعي به، فتقدم المتوكل باجابته عن كتابه و دعائه فيه الي حضور



[ صفحه 14]



العسكر علي جميل من الفعل و القول فخرجت نسخة الكتاب و هي:

«بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد، فان اميرالمؤمنين! عارف بقدرك راع لقرابتك موجب لحقك، مؤثر من الأمور فيك و في اهل بيتك ما يصلح الله به حالك و حالهم و يثبت به عزك و عزهم و يدخل الأمن عليك و عليهم يبتغي بذلك رضا ربه و اداء ما فرض عليه فيك و فيهم.

فقد رأي اميرالمؤمنين صرف عبدالله بن محمد عما كان يتولي من الحرب و الصلاة بمدينة الرسول، اذ كان علي ما ذكرت من جهالته بحقك و استخفافه بقدرك، و عند ما قرفك به و نسبك اليه من الأمر الذي قد علم اميرالمؤمنين براءتك منه و صدق نيتك في برك و قولك و أنك لم تؤهل نفسك لما قرفت بطلبه، و قد ولي أميرالمؤمنين ما كان يلي من ذلك محمد بن الفضل و أمره باكرامك و تبجيلك و الانتهاء الي امرك و رأيك، و التقرب الي الله والي أميرالمؤمنين بذلك، و اميرالمؤمنين مشتاق اليك، يحب احداث العهد بك و النظر الي وجهك.

فان نشطت لزيارته و المقام قبله ما احببت، شخصت و من اخترت من اهل بيتك و مواليك و حشمك علي مهلة و طمأنينة ترحل اذا شئت و تنزل اذا شئت و تسير كيف شئت، فان احببت ان يكون يحيي بن هرثمة مولي اميرالمؤمنين! و من معه من الجند يرحلون برحيلك، يسيرون بمسيرك، فالامر في ذلك اليك و قد تقدمنا اليه بطاعتك.



[ صفحه 15]



فاستخر الله حتي توافي اميرالمؤمنين! فما احد من اخوته و ولده و اهل بيته و خاصته الطف منه منزلة و لا احمد له اثرة و لا هو لهم أنظر و عليهم اشفق و بهم أبر واليهم اسكن منه اليك و السلام عليك و رحمة الله و بركاته» [2] .

و لا شك في ان الامام (عليه السلام) كان مطلعا علي سوء نية المتوكل و لكنه لم يكن له بد من الرحيل الي سامراء، و ذلك لان امتناعه عن تلبية دعوة المتوكل يغدو وثيقة بيد الساعين يثيرون المتوكل بها و يصبح ذريعة مناسبة له، و الشاهد علي ان الامام (عليه السلام) كان عالما بنية المتوكل و قد اضطر للسفر هو ما كان يقوله (ع) فيما بعد في سامراء:

«أخرجت الي سر من رأي كرها» [3] .

فلما وصل الكتاب الي ابي الحسن (عليه السلام) تجهز للرحيل و خرج معه يحيي بن هرثمة حتي وصل سر من رأي، فلما وصل اليها تقدم المتوكل بان يحجب عنه في يومه، فنزل في خان يقاله له خان الصعاليك (و هو مكان معد للمستجدين و الفقراء) و أقام به يومه، ثم تقدم المتوكل بافراد دار له فانتقل اليها. و احترمه في الظاهر و لكنه في الخفاء حاول تشويه سمعة الامام الا انه لم ينجح في ذلك [4] .



[ صفحه 16]



يقول صالح بن سعيد:

دخلت علي ابي الحسن عليه السلام يوم و روده فقلت له: جعلت فداك في كل الامور ارادوا اطفاء نورك و التقصير بك، حتي انزلوك هذا المكان الأشنع خان الصعاليك. فقال: هاهنا انت يا ابن سعيد؟ ثم أومأ بيده فاذا أنا بروضات أنيقات، و أنهار جاريات، و جنات فيها خيرات عطرات، و ولدان كأنهن اللؤلؤ المكنون، فحار بصري و كثر عجبي فقال عليه السلام لي: حيث كنا فهذا لنا يا ابن سعيد، لسنا في خان الصعاليك [5] .

و قد لقي الامام الهادي عليه السلام اشد العناء و العذاب خلال فترة اقامته في سامراء، و لا سيما من المتوكل حيث كان يتعرض باستمرار للتهديد و الايذاء منه و يواجه الخطر الجسيم و النماذج التي تذكرها لا حقا تدل علي الوضع الخطير. للامام في سامراء و تصلح شاهدا علي مدي تحمله و صبره و مقاومته في مقابل الطواغيت الظالمين. يقول الصقر بن ابي دلف الكرخي:

لما حمل المتوكل سيدنا اباالحسن العسكري عليه السلام جئت اسأل عن خبره، قال: فنظر الي الزرافي - و كان حاجبا للمتوكل - فأمر ان ادخل اليه فأدخلت اليه، فقال: يا صقر ما شأنك؟ فقلت: خير أيها الأستاذ، فقال: اقعد فأخذني ما تقدم و ما تأخر، و قلت: اخطأت في المجي ء.



[ صفحه 17]



قال: فوحي الناس عنه ثم قال لي: ما شأنك و فيم جئت؟

قلت: لخير ما، فقال: لعلك تسأل عن خبر مولاك؟ فقلت له: و من مولاي؟ مولاي اميرالمؤمنين!، فقال: اسكت! مولاك هو الحق فلا تحتشمني فاني علي مذهبك، فقلت: الحمدلله.

قال: أتحب ان تراه؟ قلت: نعم، قال: اجلس حتي يخرج صاحب البريد من عنده. قال: فجلست فلما خرج قال لغلام له: خذ بيد الصقر و أدخله الي الحجرة التي فيها العلوي المحبوس، و خل بينه و بينه، قال: فأدخلني الي الحجرة و أومأ الي بيت فدخلت فاذا هو جالس علي صدر حصير و بحذاه قبر محفور، قال: فسلمت عليه فرد علي ثم أمرني بالجلوس ثم قال لي: يا صقر ما أتي بك؟ قلت: سيدي جئت اتعرف خبرك؟ قال: «ثم نظرت الي القبر فبكيت فنظر الي فقال يا صقر لا عليك لن يصلوا الينا بسوء الآن، فقلت: الحمدلله.

(ثم سألته عن حديث مروي عن النبي (صلي الله عليه و آله و سلم) فأجانبي)، ثم قال عليه السلام: ودع و اخرج فلا آمن عليك [6] .

قال المسعودي في مروج الذهب:

سعي الي المتوكل بعلي بن محمد الجواد عليهماالسلام ان في منزله كتبا و سلاحا من شيعته من أهل قم، و انه عازم علي الوثوب بالدولة فبعث اليه جماعة من الاتراك، فهجموا داره ليلا فلم يجدوا



[ صفحه 18]



فيها شيئا و وجدوه في بيت مغلق عليه، و عليه مدرعة من صوف، و هو جالس علي الرمل و الحصا و هو متوجه الي الله تعالي يتلوا آيات من القرآن.

فحمل علي حاله تلك الي المتوكل و قالوا له: لم يجد في بيته شيئا و وجدناه يقرأ القرآن مستقبل القبلة، و كان المتوكل جالسا في مجلس الشرب فدخل عليه و الكأس في يد المتوكل، فلما رآه ها به و عظمه و أجلسه الي جانبه و ناوله الكأس التي كانت في يده، فقال: و الله ما يخامر لحمي و دمي قط، فاعفني فأعفاه، فقال: أنشدني شعرا، فقال عليه السلام: اني قليل الرواية للشعر، فقال: لابد، فأنشده عليه السلام و هو جالس عنده:



باتوا علي قلل الأجبال تحرسهم

غلب الرجال فلم تنفعهم القلل



واستنزلوا بعد عز من معاقلهم

و أسكنوا حفرا يا بئس ما نزلوا



ناداهم صارخ من بعد دفنهم

أين الأساور و التيجان و الحلل



اين الوجوه التي كانت منعمة

من دونها تضرب الأستار و الكلل



فأفصح القبر عنهم حين سائلهم

تلك الوجوه عليها الدود تقتتل



قد طال ما أكلوا دهرا و قد شربوا

و أصبحوا اليوم بعد الأكل قد أكلوا



قال: فبكي المتوكل حتي بلت لحيته دموع عينيه، و بكي



[ صفحه 19]



الحاضرون، و دفع الي علي عليه السلام اربعة آلاف دينار، ثم رده الي منزله مكرما [7] .

و مرة اخري هاجموا دارالامام: فقد مرض المتوكل مرضا اشرف منه علي التلف، فوصف له الامام (عليه السلام) دواء لعلاجه، و عوفي بسبب تناوله ذلك الدواء. و بشرت ام المتوكل بعافيته فحملت الي ابي الحسن عليه السلام عشرة آلاف دينار تحت ختمها.

فلما كان بعد أيام سعي البطحائي بأبي الحسن عليه السلام الي المتوكل فقال: عنده سلاح و أموال، فتقدم المتوكل الي سعيد الحاجب ان يهجم ليلا عليه و يأخذ ما يجد عنده من الأموال و السلاح و يحمل اليه.

فقال ابراهيم بن محمد: قال لي سعيد الحاجب: صرت الي دار ابي الحسن عليه السلام بالليل، و معي سلم فصعدت منه الي السطح، و نزلت من الدرجة الي بعضها في الظلمة، فلم ادر كيف اصل الي الدار فناداني ابوالحسن عليه السلام من الدار: يا سعيد مكانك حتي يأتوك بشمعة، فلم ألبث أن آتوني بشمعة فنزلت فوجدت عليه جبة من صوف و قلنسوة منها و سجادته علي حصير بين يديه و هو مقبل علي القبلة فقال لي: دونك بالبيوت.

فدخلتها و فتشتها فلم أجد فيها شيئا، و وجدت البدرة مختومة بخاتم ام المتوكل و كيسا مختوما معها، فقال ابوالحسن عليه السلام:



[ صفحه 20]



دونك المصلي فرفعت فوجدت سيفا في جفن غير ملبوس، فأخذت ذلك و صرت اليه.

فلما نظر الي خاتم امه علي البدرة بعث اليها، فخرجت اليه، فسألها عن البدرة، فأخبرني بعض خدم الخاصة انها قالت له: كنت نذرت في علتك ان عوفيت ان احمل اليه من مالي عشرة آلاف دينار فحملتها اليه و هذا خاتمك علي الكيس ما حركها. و فتح الكيس الآخر و كان فيه اربع مائة دينار، فأمر ان يضم الي البدرة بدرة أخري و قال لي: احمل ذلك الي ابي الحسن واردد عليه السيف و الكيس بما فيه، فحملت ذلك اليه و استحييت منه، و قلت: يا سيدي عز علي بدخول دارك بغير اذنك، و لكني مأمور به، فقال لي:

«و سيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون» [8] .

و اخيرا فقد انتهت الحكومة الغاشمة للمتوكل، فبتحريض من ابنه «المنتصر» قامت مجموعة من الاتراك المسلحين بقتله و قتل وزيره الفتح بن خاقان بينما كانا منهمكين في شرب الخمر و اللهو [9] .

و بذلك تطهرت الأرض من وجوده المنحط.

و استلم المنتصر في صبيحة تلك الليلة التي قتل فيها المتوكل



[ صفحه 21]



مقاليد الخلافة و أمر بهدم بعض قصور ابيه [10] و لم يؤذ العلويين و انما ظهر الرأفة و العطف عليهم و أجاز زيارة قبر الامام الحسين عليه السلام، و ابدي للزائرين الخير و الاحسان [11] و أصدر امره باعادة «فدك» الي اولاد الامام الحسن و الامام الحسين عليهماالسلام، و رفع الحظر عن الأوقاف العائدة الي آل ابي طالب، [12] و كانت فترة خلافة المنتصر قصيرة فقد امتدت ستة اشهر فحسب، و توفي في عام (248) هجري [13] .

و انتقلت الخلافة من بعده الي ابن عمه «المستعين» و هو حفيد المعتصم، و قد سلك طريقة الخلفاء السابقين، و في اثناء حكمه نهضت مجموعة من العلويين و انتهي بها الأمر الي القتل.

و لم يستطع المستعين الصمود في وجه تمرد الأتراك من جيشه، فأستخرج المتمردون المعتز من السجن و بايعوه. و بذلك ارتفع نجم المعتز و اضطر المستعين ليبدي استعداده للصلح معه و صالحه المعتز بحسب الظاهر و استدعاه الي سامراء و لكنه في وسط الطريق أمر به فقتل [14] .

و قد جرت سيرة المستعين علي اطلاق ايدي بعض المقربين اليه



[ صفحه 22]



و زعماء الأتراك في نهب بيت المال و العبث به حسب ما تقتضيه اهواؤهم، [15] و لكنه كان يسلك مع ائمتنا المعصومين (عليهم السلام) سلوكا مشينا جدا و قاسيا، و بناء علي بعض الروايات فانه قد تعرض للعن من قبل الامام الحسن العسكري عليه السلام و انتهت حياته [16] .

و بعد المستعين استلم الخلافة «المعتز» و هو ابن المتوكل و اخ المنتضر. و كان موقفه من العلويين سيئا جدا. و خلال حكمه تعرضت طائفة من العلويين للقتل أودس اليها السم. و في زمانه أيضا استشهد الامام الهادي عليه السلام.

و اخيرا فقد واجه المعتز تمردا اشترك فيه زعماء الأتراك و آخرون و عزلوه عن الحكم و ضرب و جرح علي ايديهم ثم القوابه في سرداب و اغلقوا عليه بابه حتي هلك في داخله [17] .


پاورقي

[1] الفصول المهمة لابن صباغ المالكي ص 283.

[2] البحار - ج 50، ص 200.

[3] - بحار الانوار - ج 50، ص 129.

[4] - الارشاد للمفيد، ص 314 - 313 - الفصول المهمة لابن صباغ المالكي، ص 281 - 279 - نور الابصار للشبلنجي، ص 182.

[5] الارشاد للمفيد، ص 314 - 313.

[6] بحار الانوار ج 50 ص 194- 195.

[7] البحار ج 50 ص 212 - 211.

[8] احقاق الحق ج 12 ص 453 - 452 - الفصول المهمة لابن صباغ المالكي ص 282 - 281.

[9] تتمة المختصر في اخبار البشر ج 1 ص 342 - 341.

[10] تتمة المنتهي ص 243.

[11] تتمة المختصر في اخبار البشر ج 1 ص 344.

[12] تتمة المنتهي ص 244.

[13] تاريخ اليعقوبي ج 493 - تتمة المختصر في اخبار البشر ج 1 ص 344.

[14] المختصر في اخبار البشر ج 2 ص 44 - 42.

[15] - المختصر في اخبار البشر ج 2 ص 43 - 42- تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 499- تتمة المنتهي ص 246.

[16] بحار الأنوار ج 50 ص 249.

[17] تتمة المنتهي ص 254 - 252- المختصر في اخبار البشر، ج 2 ص 45.