بازگشت

محاصرة الامام و استشهاده


ان كل باحث عند ما يتأمل في حياة الامام الهادي عليه السلام يدرك ان هذا الامام الجليل قد عاش حياته كلها تحت الضغط و الحصار المروع، و من الواضح ان هذا الوضع لم يكن مقصورا علي هذا الزمان و انما كان الأمر علي هذا المنوال طيلة مرحلة بني أمية



[ صفحه 23]



و بني العباس سوي فترات محدودة، فقد كان الخلفاء الغاصبون يدوسون بأقدامهم علي المجتمع و لا يهتمون بمصالحه و يتخذون الناس وسيلة لتحقيق مصالحهم الشخصية و منافعهم الذاتية. و في أثناء تسلط الخلفاء الظالمين كان الرعب و الفزع مسيطرا بحيث لم يجرؤ الناس علي القيام ضد الطغاة، و الانتفاع بقيادة الأئمة المعصومين (عليهم السلام) و ايجاد الحكومة الاسلامية الحقيقية، و من هنا فقد كانت علاقة الأمة بالامام محدودة جدا، و كما مر علينا فان حكومة ذلك أجبرت الامام الهادي عليه السلام علي الرحيل من المدينة الي مركز الخلافة حينذاك، اي سامراء، و جعلته (عليه السلام) تحت الرقابة الشديدة، و مع كل الضغوط المسلطة عليه فان الامام (عليه السلام) تحمل الآلام و المحدوديات المفروضة عليه و لم يستسلم لرغبات الظالمين، و من البديهي ان شخصية الامام القوية و مركزه الاجتماعي الرفيع و نضاله السلبي و عدم تعاونه مع الخلفاء - كل هذه الامور - كانت مرعبة للطواغيت و مرة المذاق، و كان بنوالعباس يعانون من هذا الأمر كثيرا و باستمرار،و بالتالي فقد توصلوا الي الحيلة الوحيدة لمعالجته و هو اطفاء نور الله و قتل ذلك الامام الجليل.

و هكذا فان الامام الهادي عليه السلام - مثل آبائه الكرام - لم يرحل عن الدنيا بواسطة الموت الطبيعي، و انما قد سم في خلافة المعتز العباسي، [1] و في الثالث من شهر رجب سنة (254) هجرية ارتحل



[ صفحه 24]



الي الرقيق الأعلي و دفن في داره الواقعة في سامراء [2] .

و قد حاول المعتز و بطانته اظهار انفسهم بمظهر المحبين و المخلصين للامام فاشتركوا في مراسم الصلاة علي الامام و دفنه ليستغلوا هذا الأمر لأغراضهم الوضيعة و يخدعوا العوام و يغطوا علي جريمتهم النكراء، لكننا نحن الشيعة نعتقد ان جثمان الامام لابد ان يصلي عليه امام معصوم، و لهذا فانه قبل اخراج الجثمان الطاهر للامام فقد قام بالصلاة عليه ابنه الامام الحسن العسكري عليه السلام، [3] ثم بعد ان اخرجت الجنازة أمر المعتز اخاه احمد بن المتوكل باقامة الصلاة علي جثمان الامام (عليه السلام) في شارع «ابي احمد». وهب الناس للمشاركة في تشييع الامام و ازدحمت بهم الشوارع و ارتفع البكاء و النحيب، و بعد انتهاء المراسم أعيدت الجنازة الي بيت الامام (عليه السلام) و دفن فيه جثمانه، [4] سلام الله و صلواته عليه و علي آبائه الطاهرين.


پاورقي

[1] نور الابصار للشبلنجي ص 183- الانوار البهية، ص 150.

[2] الارشاد المفيد ص 314- اعلام الوري، ص 355- الانوار البهية ص 15.

[3] - الأنوار البهية ص 151.

[4] - تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص 503، طبعة بيروت.