بازگشت

الكرم


كان (عليه السلام) من أبسط الناس كفاً، وأنداهم يداً، وكان علي غرار آبائه الذين أطعموا الطعام علي حبّه مسكيناً ويتيماً وأسيراً، وكانوا يطعمون الطعام حتي لا يبقي لأهلهم طعام، ويكسونهم حتي لا يبقي لهم كسوة [1] .

وقد روي المؤرّخون بوادر كثيرة من برّ الإمام الهادي (عليه السلام) واحسانه إلي الفقراء وإكرامه البائسين، نقتصر منها علي ما يلي:

1 ـ وفد جماعة من أعلام الشيعة علي الإمام الهادي (عليه السلام) وهم أبو عمرو عثمان بن سعيد، وأحمد بن اسحاق الأشعري، وعلي بن جعفر الحمداني،



[ صفحه 28]



فشكا إليه أحمد بن اسحاق ديناً عليه، فالتفت (عليه السلام) إلي وكيله عمرو، وقال له: ادفع له ثلاثين ألف دينار، والي علي بن جعفر ثلاثين ألف دينار، كما أعطي وكيله مثل هذا المبلغ.

وعلّق ابن شهرآشوب علي هذه المكرمة العلوية بقوله: «فهذه معجزة لا يقدر عليها إلاّ الملوك، وما سمعنا بمثل هذا العطاء» [2] .

2 ـ اشتري اسحاق الجلاب لأبي الحسن الهادي (عليه السلام) غنماً كثيرة يوم التروية، فقسمها في أقاربه [3] .

3 ـ وكان قد خرج من سامراء إلي قرية له، فقصده رجل من الأعراب، فلم يجده في منزله فأخبره أهله بأنه ذهب إلي ضيعة له، فقصده، ولما مثل عنده سأله الإمام عن حاجته، فقال بنبرات خافتة: ياابن رسول الله، أنا رجل من أعراب الكوفة المتمسّكين بولاية جدّك علي بن أبي طالب، وقد ركبني فادح ـ أي دين ـ أثقلني حمله، ولم أرَ من أقصده سواك.

فرقّ الإمام لحاله، وأكبر ما توسل به، وكان (عليه السلام) في ضائقة لا يجد ما يسعفه به، فكتب (عليه السلام) ورقة بخطّه جاء فيها: أن للأعرابي ديناً عليَّ، وعيّن مقداره، وقال له: خذ هذه الورقة، فإذا وصلت إلي سر من رأي، وحضر عندي جماعة فطالبني بالدين الذي في الورقة، وأغلظ عليّ في ترك إيفائك، ولا تخالفني فيما أقول لك. فأخذ الأعرابي الورقة، ولما قفل الإمام إلي سرّ من رأي حضر عنده جماعة كان فيها من عيون السلطة ومباحث الأمن، فجاء الأعرابي فأبرز الورقة، وطالب الإمام بتسديد دينه الذي في الورقة فجعل الإمام(عليه السلام) يعتذر إليه، والاعرابي يغلظ له في القول، ولما تفرّق المجلس بادر رجال الأمن إلي



[ صفحه 29]



المتوكل فأخبروه بالأمر فأمر بحمل ثلاثين ألف درهم إلي الإمام فحملت له، ولما جاء الأعرابي قال له الإمام(عليه السلام):

«خذ هذا المال واقضِ منه دينك، وانفق الباقي علي عيالك وأهلك واعذرنا...».

وأكبر الاعرابي ذلك، وقال للامام: ان ديني يقصر علي ثلث هذا المبلغ. فأبي الإمام(عليه السلام) أن يستردّ منه من الثلاثين شيئاً، فولّي الاعرابي وهو يقول: الله أعلم حيث يجعل رسالته [4] .


پاورقي

[1] صفة الصفوة: 2 / 98.

[2] المناقب: 4 / 409.

[3] مناقب آل أبي طالب: 4 / 443.

[4] الاتحاف بحبّ الاشراف: 176. والفصول المهمة لابن الصباغ: 274. والصواعق المحرقة: 312.