بازگشت

تكريمه للعلماء


وكان الإمام الهادي (عليه السلام) يكرم رجال الفكر والعلم ويحتفي بهم ويقدّمهم علي بقية الناس لأنّهم مصدر النور في الأرض، وكان من بين من كرّمهم أحد علماء الشيعة وفقهائهم، وكان قد بلغه عنه انه حاجج ناصبياً فأفحمه وتغلّب عليه فسرّ الإمام (عليه السلام) بذلك، ووفد العالم علي الإمام فقابله بحفاوة وتكريم، وكان مجلسه مكتظّـاً بالعلويين والعباسيين، فأجلسه الإمام علي دست، وأقبل عليه يحدّثه، ويسأل عن حاله سؤالاً حفياً، وشقّ ذلك علي حضار مجلسه من الهاشميين فالتفتوا إلي الإمام، وقالوا له: كيف تقدّمه علي سادات بني هاشم؟

فقال لهم الإمام: «إيّاكم أن تكونوا من الذين قال الله تعالي فيهم: (ألم تر إلي الذين أُوتوا نصيباً من الكتاب يدعون إلي كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولّي فريق منهم وهم معرضون) [1] أترضون بكتاب الله عزّوجلّ حكماً؟»

فقالوا جميعاً: بلي ياابن رسول الله [2] .

وأخذ الإمام يقيم الدليل علي ما ذهب إليه قائلاً: أليس الله قال: (يا أيّها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسّحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم ـ إلي قوله ـ: والذين أُوتوا العلم درجات) [3] فلم يرض للعالم المؤمن إلاّ أن يرفع علي المؤمن غير العالم، كما لم يرض للمؤمن إلاّ أن يرفع علي من ليس بمؤمن، أخبروني عنه قال تعالي: (يرفع الله



[ صفحه 33]



الذين آمنوا منكم والذين أُوتوا العلم درجات) أو قال: يرفع الله الذين أُوتوا شرف النسب درجات؟! أو ليس قال الله: (...هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون؟...) [4] .

فكيف تنكرون رفعي لهذا لما رفعه الله، إنّ كسر هذا لفلان الناصب بحجج الله التي علمه إياها لأشرف من كل شرف في النسب.

وسكت الحاضرون، فقد ردّ عليهم الإمام ببالغ حجّته، إلاّ ان بعض العبّاسيين انبري قائلاً:

ياابن رسول الله لقد شرّفت هذا علينا، وقصرتنا عمن ليس له نسب كنسبنا، وما زال منذ أول الاسلام يقدم الأفضل في الشرف علي من دونه.

وهذا منطق رخيص فإن الاسلام لا يخضع بموازينه إلاّ للقيم الصحيحة التي لم يعِها هذا العباسي، وقد ردّ عليه الإمام (عليه السلام) قائلاً:

سبحان الله! أليس العبّاس بايع أبا بكر وهو تيمي، والعباس هاشمي، أو ليس عبد الله بن عباس كان يخدم عمر بن الخطاب، وهو هاشمي أبو الخلفاء، وعمر عدوي، وما بال عمر أدخل البعداء من قريش في الشوري، ولم يدخل العباس؟! فإن كان رفعاً لمن ليس بهاشمي علي هاشمي منكراً، فأنكروا علي العباس بيعته لأبي بكر وعلي عبد الله بن عباس بخدمته لعمر، فإن كان ذلك جائزاً فهذا جائز» [5] .


پاورقي

[1] آل عمران (3): 23.

[2] كذا، والصحيح: ألا ترضون.. وإلاّ فالجواب بنعم وليس ببلي.

[3] المجادلة (58): 11.

[4] الزمر (35): 9.

[5] الاحتجاج للطبرسي: 2 / 259.