بازگشت

استجابة دعائه


وقد ذكرت بوادر كثيرة من استجابة دعاء الإمام (عليه السلام) عند الله كان منها:

1 ـ ما رواه المنصوري عن عمّ أبيه، قال: قصدت الإمام عليّاً الهادي، فقلت له: يا سيّدي ان هذا الرجل ـ يعني المتوكّل ـ قد اطرحني، وقطع رزقي، وملّني وما اُتّهم به في ذلك هو علمه بملازمتي بك، وطلب من الإمام التوسّط في شأنه عند المتوكّل، فقال (عليه السلام): تُكفي إن شاء الله، ولما صار الليل طرقته رسل المتوكل فخفّ معهم مسرعاً إليه، فلما انتهي إلي باب القصر رأي الفتح واقفاً علي الباب فاستقبله وجعل يوبّخه علي تأخيره ثم أدخله علي المتوكّل فقابله ببسمات فيّاضة بالبشر قائلاً: يا أبا موسي تنشغل عنّا، وتنسانا؟! أي شيء لك عندي؟

وعرض الرجل حوائجه وصِلاته التي قطعها عنه، فأمر المتوكّل بها وبضعفها له، وخرج الرجل مسروراً.

وانصرف الرجل فتبعه الفتح فأسرع إليه قائلاً:

لست أشكّ أنك التمست منه ـ أي من الإمام ـ الدعاء، فالتمس لي منه الدعاء.

ومضي ميمّماً وجهه نحو الإمام (عليه السلام) فلمّا تشرّف بالمثول بين يديه



[ صفحه 35]



قال(عليه السلام) له: يا أبا موسي هذا وجه الرضا.

فقال الرجل بخضوع: ببركتك يا سيّدي، ولكن قالوا لي: إنّك ما مضيت إليه ولا سألته.

فأجابه الإمام ببسمات قائلاً: ان الله تعالي علم منّا أنّا لا نلجأ في المهمات إلاّ إليه، ولا نتوكّل في الملمّات إلاّ عليه، وعوّدنا إذا سألناه الإجابة، ونخاف أن نعدل فيعدل بنا.

وفطن الرجل إلي ان الإمام قد دعا له بظهر الغيب، وتذكّر ما سأله الفتح فقال: يا سيّدي ان الفتح يلتمس منك الدعاء.

فلم يستجب الإمام له وقال: ان الفتح يوالينا بظاهره، ويجانبنا بباطنه، الدعاء انّما يدعي له إذا أخلص في طاعة الله، واعترف برسول الله(صلي الله عليه وآله) وبحقّنا أهل البيت [1] .

2 ـ روي أن عليّ بن جعفر كان من وكلاء الإمام (عليه السلام) فسعي به إلي المتوكّل فحبسه، وبقي في ظلمات السجون مدّة من الزمن، وقد ضاق به الأمر فتكلّم مع بعض عملاء السلطة في إطلاق سراحه، وقد ضمن أن يعطيه عوض ذلك ثلاثة آلاف دينار، فأسرع إلي عبيد الله وهو من المقرّبين عند المتوكّل، وطلب منه التوسّط في شأن عليّ بن جعفر، فاستجاب له، وعرض الأمر علي المتوكل، فأنكر عليه ذلك وقال له:

لو شككت فيك لقلت: إنّك رافضي، هذا وكيل أبي الحسن الهادي وأنا علي قتله عازم.

وندم عبيد الله علي التوسّط في شأنه، وأخبر صاحبه بالأمر، فبادر إلي عليّ بن جعفر وعرّفه أن المتوكّل عازم علي قتله ولا سبيل إلي إطلاق



[ صفحه 36]



سراحه، فضاق الأمر بعليّ بن جعفر، فكتب رسالة إلي الإمام جاء فيها:

«يا سيّدي الله الله فيَّ، فقد خفت أن أرتاب، فوقّع الإمام علي رسالته: «أمّا إذا بلغ بك الأمر ما أري فسأقصد الله فيك»، وأصبح المتوكّل محموماً دنفاً، وازدادت به الحمّي فأمر باطلاق جميع المساجين، وأمر بإطلاق سراح علي بن جعفر بالخصوص، وقال لعبيدالله: لِمَ لَمْ تعرض عليَّ اسمه؟ فقال:

لا أعود إلي ذكره أبداً، فأمره بأن يخلّي عنه، وأن يلتمس منه أن يجعله في حلّ مما ارتكبه منه، وأطلق سراحه، ثم نزح إلي مكّة فأقام بها بأمر من الإمام» [2] .

هذه بعض البوادر التي ذكرها الرواة من استجابة دعاء الإمام، ومن المؤكّد ان استجابة الدعاء ليس من عمل الانسان وصنعه، وانّما هو بيد الله تعالي فهو الذي يستجيب دعاء من يشاء من عباده، ومما لا شبهة فيه ان لأئمّة أهل البيت(عليهم السلام) منزلة كريمة عنده تعالي لأنّهم أخلصوا له كأعظم ما يكون الاخلاص، وأطاعوه حقّ طاعته وقد خصّهم تعالي باستجابة دعائهم كما جعل مراقدهم الكريمة من المواطن التي يستجاب فيها الدعاء [3] .



[ صفحه 39]




پاورقي

[1] أمالي الطوسي: 285 ح 555 وعنه في بحار الأنوار: 50 / 127 وفي المناقب: 4 / 442.

[2] رجال الكشي: 606 ح 1129 وعنه في بحار الأنوار: 50 / 183.

[3] راجع حياة الإمام علي الهادي: 42 ـ 62.