بازگشت

عصر الإمام الجواد


عاصر الإمام الجواد (عليه السلام) من خلفاء بني العباس المأمون (198 ـ 218 هـ) والمعتصم (218 ـ 227 هـ)، وكان المأمون يتظاهر بالتودّد للإمام الجواد(عليه السلام) وزوّجه ابنته أم الفضل، ومن قبل قد صاهر المأمون الإمام الرضا(عليه السلام) وولاّه عهده وقرّب العلويين [1] أمّا حكم المعتصم فكان حكماً استبدادياً مقروناً بشيء من العطف وحسن التدبير، وقد وصفه المسعودي [2] بحسن السيرة واستقامة الطريقة.

وقد اعتمد الخلفاء العباسيون الأوائل في إنشاء حكومتهم واستمرارها علي الفرس دون العرب وأسندوا إليهم المناصب المدنيّة والعسكرية، مما أدي إلي سيادة الفرس في مختلف الميادين وضمور دور العرب في الدولة العباسية ومؤسساتها المختلفة، وأثمرت هذه الظاهرة التنافس بين العرب والفرس، حتي جاء المعتصم ـ وكانت أمه تركيّة ـ فاعتمد علي العنصر التركي واتّخذهم حرساً له، وأسند إليهم مناصب الدولة وقلّدهم ولاية الأقاليم البعيدة عن مركز الخلافة وأخرج العرب من ديوان العطاء وأحل محلهم الترك فحقد العرب والفرس عليهم جميعاً.

ولم يقتصر الصراع علي ما كان بين العرب والفرس والترك بل تعدّاه

إلي قيام المنافسة بين العنصر العربي نفسه، فاشتعلت نيران العصبية بين عرب الشمال المضريين، وعرب الجنوب اليمنيين [3] وهذا يوضح لنا شدّة



[ صفحه 46]



الصراع داخل الاُسرة الحاكمة نفسها.

فكان شعب الدولة العباسية في نهاية العصر الأوّل يتكون من:

1 ـ العرب (المضريين واليمنيين).

2 ـ الفرس (الخراسانيين) الذين ساعدوا العباسيين في انشاء حكومتهم.

3 ـ الترك، الذين آلت إليهم إدارة الدولة.

4 ـ أهل الذمة (أهل الكتاب) وهم: اليهود والنصاري.

وكانت الطوائف الدينية منفصلة بعضها عن بعض تمام الانفصال، وكان لا يجوز للمسيحي أن يتهوّد ولا لليهودي أن يتنصّر، واقتصر تغيير الدين علي الدخول في الإسلام، وكان الرقيق يكوّنون طبقة كبيرة من طبقات المجتمع الاسلامي وكانت سمرقند تُعدّ من أكبر أسواق الرقيق، إذ كان أهلها يتخذون ذلك صناعة لهم يعيشون منها.

وكان لاتساع رقعة الدولة العباسية، ووفرة ثرواتها، ورواج تجارتها أثر كبير في خلق نهضة ثقافية لم يشهدها الشرق من قبل حتي لقد غدا الناس جميعاً من الخليفة إلي العامة طلاباً للعلم أو علي الأقلّ أنصاراً للأدب، وكان الناس في عهد هذه الدولة يجوبون ثلاث قارّات سعياً إلي موارد العلم والعرفان ليعودوا إلي بلادهم وهم يحملون أصنافاً من العلم، ثم يصنّفون ما بذلوه من جهد متصل بمصنفات هي أشبه شيء بدوائر المعارف، والّتي كان لها أكبر الفضل في إيصال هذه العلوم إلينا بصورة لم تكن متوقعة من قبل [4] هذا في الشرق الإسلامي.



[ صفحه 47]



وأما في الغرب فقد نافست قرطبة بغداد والبصرة والكوفة ودمشق والفسطاط فأصبحت حاضرة الاندلس حتي جذبت مساجدها الاُوربيين الذين وفدوا لارتشاف العلم من مناهله والتزوّد من الثقافة الإسلامية، ومن ثم ظهرت فيها طائفة من العلماء والشعراء والاُدباء والفلاسفة والمترجمين والفقهاء وغيرهم. ولم يقتصر اهتمام العلماء المسلمين علي العلوم النقلية مثل علم التفسير، والقراءات وعلم الحديث والفقه والكلام، بل شمل اهتمامهم العلوم العقلية، كالفلسفة، والهندسة، وعلم النجوم، والطب، والكيمياء، وغيرها.

وفي العصر العباسي الأول اشتغل الناس بالعلوم الدينية وظهر المتكلّمون وتكلّم الناس في مسألة خلق القرآن، وتدخّل المأمون في ذلك، فأوجد مجالس للمناظرة بين العلماء في حضرته، ولهذا عاب الناس عليه تدخّله في الاُمور الدينية كما عابوا عليه تفضيل علي بن أبي طالب (عليه السلام) علي سائر الخلفاء [5] .

وفي هذا العصر ظهر صنفان من العلماء:

الصنف الأول: هم الذين كان يغلب علي ثقافتهم النقل والاستيعاب ويسمون أهل علم.

والصنف الثاني: هم الذين كان يغلب علي ثقافتهم الابتداع والاستنباط ويسمون أهل عقل [6] .

كما نشطت في هذا العصر أيضاً، في ميدان الفقه مدرستان: مدرسة أهل الحديث في المدينة ومدرسة الرأي في العراق.



[ صفحه 48]




پاورقي

[1] تاريخ الاسلام: 2 / 66 ـ 67 للدكتور حسن إبراهيم حسن.

[2] مروج الذهب: 3 / 476.

[3] تاريخ الاسلام: 395.

[4] تاريخ الاسلام: 2 / 321 ـ 323.

[5] تاريخ الاسلام: 2 / 321 ـ 323.

[6] تاريخ الاسلام: 2 / 324.