بازگشت

الحالة السياسية


كانت تولية العهد إلي اكثر من شخص واحد عاملاً مهمّاً في اختلال الوضع الأمني داخل الدولة الإسلامية نتيجة التنازع والصراع علي السلطة بين ولاة العهد لأن أحدهما كان يري أن يولي العهد ابنه بدلاً عن أخيه الذي سبق أن عهد إليه أبوه بالولاية كما تجلّي ذلك بوضوح في عهد الأمين والمأمون [1] .

وقد كان الأمين شديد البطش لكنه كان عاجز الرأي ضعيف التدبير وتجلّي ضعف تدبيره في الاضطرابات التي نشأت نتيجة صراعه مع المأمون علي السلطة، والتي استمرت من سنة (93 ـ 98 هـ) حيث تمكن أعوان المأمون من قتل محمد الأمين والاستيلاء علي بغداد، ومن ثم تفرّد المأمون في إدارة الحكم وعزل قوّاد وولاة أخيه الأمين، وأبدلهم بأنصاره وأعوانه الذين مكّنوه من الانتصار علي الأمين.

وفي عهد المأمون قد حدثت عدّة ثورات وحركات مسلّحة تمكن منها جيش الدولة، وأعاد الامصار التي حصلت فيها تلك الثورات وانفصلت عن الدولة إلي الخضوع إلي سلطان الخليفة، وكان بعد استقرار الوضع واستتباب السيطرة للمأمون أن قام بغزو بلاد الروم عام (217 هـ) [2] .

ويصور أحد شعراء العصر العباسي الأول ـ من أهل بغداد وهو يعرف بعلي ابن أبي طالب الأعمي ـ الحالة السياسية والاجتماعية في هذه الفترة من زمن الدولة العباسية فيما أنشده بقوله:



[ صفحه 49]



أضاع الخلافة غِشُّ الوزير

وفِسقُ الإمام ورأي المشير



وما ذاك إلاّ طريق الغرور

وشر المسالك طُرقُ الغرور



فعال الخليفة أعجوبة

وأعجب منه فعال الوزير



وأعجب من ذا وذا أننا

نبايع للطفل فينا الصغير



ومن ليس يُحسن مسح أنفه

ولم يخل من متنه حجرُ ظير



وما ذاك، إلاّ بباغ وغاو

يريدان نقض الكتاب المنير



وهذان لولا انقلاب الزمان

أفي العير هذان أم في النفير



ولكنهـــــا فتــــن كالجبا

ل نرتع فيها بصنع الحقير [3] .



ولما قتل الأمين حمل رأسه إلي خراسان إلي المأمون فأمر بنصب الرأس في صحن الدار علي خشبة، وأعطي الجند، وأمر كل من قبض رزقه أن يلعنه، فكان الرجل يقبض ويلعن الرأس، فقبض بعض العجم عطاءه فقيل له: إلعن هذا الرأس فقال: لعن الله هذا ولعن والديه وما ولدا وأدخلهم في كذا وكذا من اُمّهاتهم، فقيل له: لعنت أمير المؤمنين! بحيث يسمع المأمون منه فتبسّم وتغافل، وأمر بحطّ الرأس ورده إلي العراق [4] .

وجابه حكم المأمون تحديات عديدة وخطيرة كادت أن تسقط دولته وأهم الأحداث التي كانت أيام حكومته هي:

1 ـ ثورة ابن طباطبا [5] سنة (199 هـ) بقيادة أبي السرايا.

وهي من أعظم الثورات الشعبية التي حدثت في عصر الإمام الجواد(عليه السلام) وقد رفعت شعار الدعوة إلي الرضي من آل محمد (صلي الله عليه وآله). وكادت



[ صفحه 50]



أن تعصف هذه الثورة بالدولة العباسية إذ استجاب لها الكثير من أبناء الشعب المسلم. واستطاع أبو السرايا بعقله الملهم أن يجلب الكثير من أبناء الإمام موسي بن جعفر (عليه السلام) ويجعلهم قادة في جيشه مما أدّي إلي اندفاع الجماهير بحماس بالغ إلي الانضمام لثورته.

ووجّه إليه المأمون، زهير بن المسيب علي عشرة آلاف مقاتل، ولكن زهيراً انهزم جيشه واستبيح عسكره، وقد قوي شأنهم بعد ذلك وهزموا جيشاً آخر أرسله المأمون إليهم، واستولوا علي (واسط).

ثم التقي بهم جيش آخر بقيادة هرثمة بن أعين، فهرب أبو السرايا إلي القادسية، ودخل هرثمة إلي الكوفة، ثم قتل أبو السرايا، وكان ذلك في سنة (200 هـ) [6] .

2 ـ ولاية العهد للإمام علي بن موسي الرضا (عليه السلام).

وفي سنة احدي ومائتين فرض المأمون علي الإمام علي بن موسي الرضا قبول ولاية العهد وأمر عمّال الدولة برمي السواد ولبس الخضرة فشقّ ذلك علي العباسيين وقامت قيامتهم بإدخاله الرضا (عليه السلام) في الخلافة فخالفوا المأمون وبايعوا عمه المنصور بن المهدي فضعف عن الأمر، وقال بل أنا خليفة المأمون فأهملوه وأقاموا أخاه ابراهيم بن المهدي فبايعوه وجرت لذلك حروب عديدة [7] .

وبعد أن عجز المأمون عن تحقيق اغراضه من فرض ولاية العهد ـ كما يريد ـ علي الإمام الرضا (عليه السلام) قام بدس السمّ إليه واغتياله وذلك في سنة ثلاث



[ صفحه 51]



ومائتين [8] .

3 ـ احداث سنة ست ومائتين: وفي هذه السنة استفحل أمر بابك الخرّمي بجبال آذربيجان وأكثر الغارة والقتل وهزم عسكر المأمون وفعل القبائح [9] .

4 ـ احداث سنة تسع ومائتين: وفي هذه السنة ظهر نصر بن اشعث العقيلي، وكانت بينه وبين عبد الله بن طاهر الخزاعي قائد جيش المأمون حروب كثيرة وطويلة الأمد [10] .

5 ـ غزو بلاد الروم: وفي سنة خمس عشرة ومائتين غزا المأمون بلاد الروم وأقام هناك ثلاثة أشهر وافتتح عدة حصون وبثّ سراياه تغير وتسبي وتحرق ثم قدم دمشق ودخل الي مصر [11] .

وامتدت هذه الحروب اكثر من سنتين، وقد أسّرت الروم قائد جيش المأمون وحاصرت جيش المسلمين عام (217 هـ).


پاورقي

[1] مروج الذهب: 4 / 350 ـ 353.

[2] تاريخ الطبري، تاريخ الامم والملوك، أحداث السنين (199 ـ 217 هـ).

[3] مروج الذهب: 3 / 397.

[4] مروج الذهب: 3 / 414.

[5] هو محمد بن ابراهيم بن اسماعيل بن ابراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب.

[6] تاريخ الذهبي، دول الإسلام: 112 ـ 113.

[7] تاريخ الذهبي، دول الإسلام: 112 ـ 113.

[8] إثبات الوصية: 181 ـ 183.

[9] تاريخ الذهبي، دول الاسلام: 114.

[10] تاريخ الذهبي، دول الإسلام: 115 ـ 117.

[11] تاريخ الذهبي دول الإسلام: 115 ـ 117.