بازگشت

زواج الإمام الجواد


واستمراراً لتوطيد علاقة المأمون بأهل البيت (عليهم السلام) كان تزويجه لابنته ـ اُم الفضل ـ من الإمام الجواد (عليه السلام)، ولما بلغ بني العباس ذلك اجتمعوا فاحتجوا، لتخوفهم من أن يخرج السلطان عنهم وأن ينتزع منهم ـ بحسب زعمهم ـ لباس ألبسهم الله ذلك، فقالوا للمأمون: ننشدك الله يا أمير المؤمنين أن تقيم علي هذا الأمر الذي قد عزمت عليه من تزويج ابن الرضا، فإنّا نخاف أن تخرج به عنّا أمراً قد ملّكناه الله وتنزع منّا عزاً قد ألبسناه الله، وقد عرفت ما بيننا وبين هؤلاء القوم قديماً وحديثاً، وما كان عليه الخلفاء قبلك من تبعيدهم والتصغير بهم، وقد كنا في وهلة من عملك مع الرضا ما عملت حتي كفانا الله المهم من ذلك، فالله الله ان تردنا إلي غمٍّ قد انحسر عنّا واصرف رأيك عن ابن الرضا واعدل إلي من تراه من اهل بيتك يصلح لذلك دون غيره.

فقال لهم المأمون: اما ما بينكم وبين آل أبي طالب فأنتم السبب فيه ولو أنصفتم القوم لكانوا اولي بكم... واما أبو جعفر محمد بن علي (عليه السلام) فقد اخترته لتبريزه علي كافة اهل الفضل في العلم والفضل مع صغر سنه والاعجوبة فيه بذلك وأنا أرجو أن يظهر للناس ما عرفته منه [1] .

فخرجوا من عنده وأجمعوا رأيهم علي مساءلة يحيي بن أكثم وهو يومئذ قاضي الزمان، علي أن يسأله مسألة لا يعرف الجواب عنها ووعدوه بأموال نفيسة علي ذلك.

واتفقوا مع المأمون علي يوم تتم فيه المساءلة، حيث يحضر معهم يحيي بن أكثم. ثم كان بعد ذلك أن جلس الإمام الجواد (عليه السلام) يستمع إلي أسئلة



[ صفحه 54]



يحيي بن أكثم والذي بهت حين سأل الإمام حول محرم قتل صيداً فما كان من الإمام (عليه السلام) إلاّ ان فرّع عليه سؤاله فلم يحر جواباً وطلب من الإمام(عليه السلام) أن يوضح ذلك والمأمون جالس يستمع إلي كل ذلك ثم نظر إلي أهل بيته وقال لهم: أعرفتم الآن ما كنتم تنكرونه؟ ثم أقبل علي أبي جعفر(عليه السلام) وطلب منه أن يخطب ابنته فخطبها واحتفل المأمون بذلك.

ثم ان المأمون بعد اجراء العقد وإتمام الخطبة عاد فطلب من الإمام الجواد(عليه السلام) أن يكمل جواب ما طرحه مشكلاً به علي ابن أكثم، فأتم الإمام (عليه السلام) الجواب، فالتفت المأمون إلي من حضره من أهل بيته فقال لهم، هل فيكم احد يجيب عن هذه المسألة بمثل هذا الجواب؟ ويعرف القول فيما تقدم من السؤال؟

قالوا: لا والله، ان أمير المؤمنين أعلم بما رأي.

فقال ـ المأمون ـ لهم: ويحكم ان أهل البيت خصوا من بين الخلق بما ترون من الفضل، وإن صغر السن فيهم لا يمنعهم من الكمال ومن ثم ذكر لهم ان الرسول (صلي الله عليه وآله) افتتح الدعوة بدعاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وهو ابن عشر سنين وقبل منه الاسلام. [2] .

ولا بد من الاشارة إلي ان هذا الاهتمام المبالغ فيه من قبل المأمون تجاه الإمام الجواد(عليه السلام) كان قد سلك مثله مع أبيه الإمام الرضا(عليه السلام) حتي تم له ان دس له السم وقتله، فكان المأمون يتحرك إزاء الإمام(عليه السلام) بهدف إبعاد الإمام (عليه السلام) عن خاصته وعامة الناس، حيث اشخصه من المدينة إلي بغداد ليكون قريباً منه وتحت رقابته وعيونه، فيعرف الداخل عليه والخارج منه ظناً من المأمون أ نّه سوف يتمكن بذلك من تحجيم دور الإمام (عليه السلام)



[ صفحه 55]



وابعاده عن التأثير فضلاً عن اكتساب الشرعية لحكمه من خلال وجود الإمام(عليه السلام) إلي جنبه، ووفقاً لذلك كان موقف المأمون تجاه العباسيين الذين كانوا لا يرون في الإمام (عليه السلام) إلاّ صبياً لم يتفقه في الدين ولا يعرف الحلال والحرام.

وهكذا قضي الإمام الجواد(عليه السلام) خمس عشرة سنة خلال حكم المأمون حيث مات المأمون سنة (218 هـ).


پاورقي

[1] الارشاد: 2 / 282 وعنه في اعلام الوري: 2 / 101 بلا اسناد، وفي كشف الغمة: 3 / 144 بالاسناد.

[2] الارشاد: 2 / 281 ـ 287 وعنه في اعلام الوري: 2 / 101 ـ 105، وفي كشف الغمة: 3 / 143 ـ 147.