بازگشت

مراحل الحركة الرسالية للائمة الراشدين


وإذا رجعنا إلي تاريخ أهل البيت(عليهم السلام) والظروف التي كانت قد أحاطت بهم ولاحظنا سيرتهم ومواقفهم العامة والخاصة استطعنا أن نصنّف ظروفهم ومواقفهم إلي مراحل وعصور ثلاثة يتميز بعضها عن بعض بالرغم من اشتراكهم في كثير من الظروف والمواقف ولكن الأدوار تتنوع باعتبار مجموعة الظواهر العامّة التي تشكل خطّاً فاصلاً ومميّزاً لكل عصر.

فالمرحلة الاُولي من حياة الأئمّة(عليهم السلام) وهي (مرحلة تفادي صدمة



[ صفحه 76]



الانحراف) بعد وفاة رسول الله(صلي الله عليه وآله) تجسّدت في سلوك ومواقف الأئمّة الأربعة: علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين(عليهم السلام) فقاموا بالتحصينات اللازمة لصيانة العناصر الأساسية للرسالة وإن لم يستطيعوا القضاء علي القيادة المنحرفة. لكنهم استطاعوا كشف زيفها والمحافظة علي الرسالة الإسلامية نفسها. وبالطبع إنهم لم يهملوا الاُمّة أو الدولة الإسلامية بشكل عام من رعايتهم واهتماماتهم فيما يرتبط بالكيان الاسلامي والاُمّة المسلمة فضلاً عن سعيهم البليغ في بناء وتكوين الكتلة الصالحة المؤمنة بقيادتهم.

وتبدأ المرحلة الثانية بالشطر الثاني من حياة الإمام السجاد السياسية حتي الإمام الكاظم(عليه السلام) وتتميز بأمرين أساسيين:

الأوّل منهما: يرتبط بالخلافة المزيّفة، فقد تصدي هؤلاء الأئمّة لتعريتها عن التحصينات التي بدأ الخلفاء يحصّنون بها أنفسهم من خلال دعم وتأييد طبقة من المحدّثين والعلماء (وهم وعّاظ السلاطين) لهؤلاء الخلفاء وتقديم صنوف التأييد والولاء لهم من أجل إسباغ الصبغة الشرعية علي زعامتهم بعد أن استطاع الأئمّة في المرحلة الاولي أن يكشفوا زيف خط الخلافة ويشعروا الاُمّة بمضاعفات الانحراف الذي حصل في مركز القيادة بعد الرسول الأعظم(صلي الله عليه وآله).

والثاني منهما: يرتبط ببناء الجماعة الصالحة والذي اُرسيت دعائمه في المرحلة الاولي، فقد تصدي الأئمّة المعصومون في هذه المرحلة إلي تحديد الاطار التفصيلي وإيضاح معالم الخط الرسالي الذي اؤتمن الأئمّة الأطهار(عليهم السلام) عليه، والذي تمثّل في تبيين ونشر معالم النظرية الإسلامية وتربية عدة أجيال من العلماء علي أساس الثقافة الإسلامية التي استوعبها الأئمة الأطهار في قبال الخط الثقافي الذي استحدثه وعّاظ السلاطين.



[ صفحه 77]



هذا فضلاً عن تصديهم لدفع الشبهات وكشف زيف الفرق التي استحدثت من قبل خط الخلافة أو غيره.

والأئمّة في هذه المرحلة لم يتوانوا عن زعزعة الزعامات والقيادات المنحرفة من خلال دعم بعض الخطوط المعارِضة للسلطة ولاسيما بعض الخطوط الثورية منها والتي كانت تتصدي لمواجهة من تربَّع علي كرسيّ خلافة الرسول(صلي الله عليه وآله) بعد ثورة الإمام الحسين(عليه السلام).

وأما المرحلة الثالثة من حياة الأئمّة من أهل البيت(عليهم السلام) فهي تبدأ بشطر من حياة الإمام الكاظم(عليه السلام) وتنتهي بالإمام المهدي(عليه السلام) فإنهم بعد وضع التحصينات اللازمة للجماعة الصالحة ورسم المعالم والخطوط التفصيلية لها عقائدياً واخلاقياً وسياسيّاً في المرحلة الثانية قد بدا للخلفاء أن قيادة أهل البيت(عليهم السلام) أصبحت بمستوي تسلّم زمام الحكم والعودة بالمجتمع الإسلامي إلي حظيرة الإسلام الحقيقي، مما خلّف ردود فعل للخلفاء تجاه الأئمّة(عليهم السلام)، وكانت مواقف الأئمّة تجاه الخلفاء تختلف تبعاً لنوع موقف الخليفة تجاههم وتجاه قضيتهم.

وأما فيما يرتبط بالجماعة الصالحة التي أوضحوا لها معالم خطها فقد عمل الأئمّة(عليهم السلام) علي دفعها نحو الثبات والاستقرار والانتشار من جهة لتحصينها من الانهيار، واعطائها درجة من الاكتفاء الذاتي من جهة اُخري.

وكان يقدّر الأئمّة أنهم بعد المواجهة المستمرة للخلفاء سوف لا يُسمح لهم بالمكث بين ظهرانيهم وسوف لن يتركهم الخلفاء أحراراً بعد أن تبين زيفهم ودَجلهم واتضحت لهم المكانة الشعبية للأئمّة المعصومين الذين كانوا يمثّلون الزعامة الشرعية والواقعية للاُمّة الإسلامية.

ومن هنا تجلّت ظاهرة تربية الفقهاء بشكل واسع ثم ارجاع الناس اليهم



[ صفحه 78]



وتدريبهم علي مراجعتهم للعلماء السائرين علي خط أهل البيت(عليهم السلام) في كل قضاياهم وشؤونهم العامة تمهيداً للغيبة التي لا يعلم مداها إلاّ الله سبحانه والتي أخبر الرسول(صلي الله عليه وآله) عن تحققها وأملت الظروف عليهم الانصياع اليها.

وبهذا استطاع الأئمّة(عليهم السلام) ـ ضمن تخطيط بعيد المدي ـ أن يقفوا بوجه التسلسل الطبيعي لمضاعفات انحراف القيادة الإسلامية والتي كانت تنتهي بتنازل الاُمّة عن الإسلام الصحيح وبالتالي ضمور الشريعة وانهيار الرسالة الالهية بشكل كامل.