بازگشت

الامام الهادي والمعتصم العباسي


بعد اغتيال الإمام الجواد (عليه السلام) من قبل المعتصم عهد المعتصم إلي عمر بن الفرج أن يشخص بنفسه إلي المدينة ليختار معلماً لأبي الحسن الهادي(عليه السلام) البالغ من العمر آنذاك ست سنين وأشهراً، وقد عهد إليه ان يكون المعلم معروفاً بالنصب والانحراف عن أهل البيت (عليهم السلام) ليغذيه ببغضهم.



[ صفحه 81]



ولما انتهي عمر إلي يثرب التقي بالوالي وعرّفه بمهمته فأرشده الوالي وغيره إلي الجنيدي الذي كان شديد البغض للعلويين، فأرسل خلفه وعرّفه بالأمر فاستجاب له بعد أن عيّن له راتباً شهرياً، وعهد إليه أن يمنع الشيعة من زيارته والاتصال به.

بادر الجنيدي الي ما كان اُمر به من مهمّة تعليم الإمام(عليه السلام) إلاّ انه قد ذهل لما كان يراه من حدَّة ذكائه، والتقي محمد بن جعفر بالجنيدي فقال له:«ما حال هذا الصبي الذي تؤدبه؟» فأنكر الجنيدي ذلك وراح يقول:

«أتقول: هذا الصبي؟!! ولا تقول هذا الشيخ؟ انشدك بالله هل تعرف بالمدينة من هو أعرف مني بالأدب والعلم؟».

قال: لا.

فقال الجنيدي: «إني والله لأذكر الحرف في الأدب، وأظن أني قد بالغت، ثم إنّه يملي أبواباً استفيده منه، فيظن الناس اني اُعلمه، وأنا والله أتعلّم منه».

وانطوت الأيام فالتقي محمد بن جعفر مرة أخري بالجنيدي، فقال له: ما حال هذا الصبي؟

فأنكر عليه الجنيدي ذلك وقال: «دع عنك هذا القول، والله تعالي لهو خير أهل الأرض، وأفضل من برأه الله تعالي، وإنه لربما همَّ بدخول الحجرة فأقول له: حتي تقرأ سورة، فيقول: أيّ سورة تريد أن أقرأها؟ فاذكر له السور الطوال ما لم يبلغ إليها فيسرع بقراءتها بما لم أسمع أصح منها، وكان يقرأها بصوت أطيب من مزامير داود، انّه حافظ القرآن من أوله إلي آخره، ويعلم تأويله وتنزيله.



[ صفحه 82]



وأضاف الجنيدي قائلاً: هذا الصبي صغير نشأ بالمدينة بين الجدران السود فمن أين عَلِم هذا العلم الكبير؟ يا سبحان الله!!

ثم نزع عن نفسه النصب لأهل البيت (عليهم السلام) ودان بالولاء لهم واعتقد بالامامة» [1] .

لقد كان لأدب الإمام الهادي (عليه السلام) وحسن تعامله مع معلمه «الناصبي» أثر كبير في تحوله الاعتقادي وايمانه بزعامة أهل البيت (عليهم السلام).

ثمّ إنّ الجنيدي نفسه صرّح لغيره أنه تعلم من الإمام(عليه السلام) ولم يأخذ الإمام(عليه السلام) العلم منه، وتلك خاصة للإمام وآبائه (عليهم السلام)، فإنّ الإمام الرضا(عليه السلام) لما سُئل عن الخلف بعده أشار إلي الإمام الجواد(عليه السلام) وهو صغير ربّما في عمر كعمر الإمام الهادي(عليه السلام)، واحتج الرضا (عليه السلام) بقوله تعالي: (وآتيناه الحكم صبياً)فالصغر والكبر ليس مورداً للإشكال فإن الله سبحانه جعل الامامة امتداداً للنبوة لتقتدي الناس بحملة الرسالة فهم القيّمون عليها والمجسّدون لها تجسيداً كاملاً ليتيسّر للناس تطبيق أحكام الله تعالي بالاقتداء بالائمة(عليهم السلام).

وتعكس لنا هذه الرواية الاهتمام المبكر من قبل المعتصم بالامام الهادي(عليه السلام) من أجل تطويق تحركه وعزله عن شيعته ومريديه كما يتّضح ذلك من أمره بأن يمنع اتصال الشيعة به. يُضاف الي ذلك أن المبادرة لتعليم الإمام في سنّ مبكّرة لا يبعد أن يكون للتعتيم علي علم الإمام وهو في هذا العمر كما حدث لأبيه الجواد(عليه السلام) حين تحدّي كبار العلماء ولم يعهد منه أنه كان قد تعلّم عند أحد.



[ صفحه 83]



فهذا الإسراع يعدّ محاولة للحيلولة دون بزوغ اسم الإمام الهادي(عليه السلام) وسطوع فضله عند الخاص والعام، لأنّ ما سوف يصدر منه يمكن أن يُنسب الي معلّمه ومربّيه.

غير أن الإمام(عليه السلام) بخلقه وهدوئه استطاع أنّ يفوّت الفرصة علي الخليفة وبلاطه ويُظهر للناس علمه وإمامته التي عيّنها الله له.


پاورقي

[1] مآثر الكبراء في تاريخ سامراء: 3 / 91 ـ 95.