بازگشت

الامام الهادي والمتوكل العباسي


وقد عُرف المتوكل ببغضه لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب ولآل البيت(عليهم السلام) وشيعتهم، ففي سنة (236 هـ) أمر بهدم قبر الإمام الحسين(عليه السلام) وهدم ما حوله من الدور. ومنع الناس من زيارته وأمر بمعاقبة من يتمرّد علي المنع.

قال السيوطي: وكان المتوكّل معروفاً بالتعصّب فتألّم المسلمون من ذلك، وكتب أهل بغداد شتمه علي الحيطان والمساجد وهجاه الشعراء. فمما قيل في ذلك:



بالله إن كانت اُمية قد أتت

قتل ابن بنت نبيّها مظلوما



فلقد أتاه بنو أبيه بمثله

هذا لعمري قبره مهدومـــــا



أسفوا علي أن لا يكونواشاركوا

في قتله فتتبّعوه رميما [1] .



ولم يقف المتوكّل عند حدّ في عدائه ونصبه لأهل البيت(عليهم السلام) وايذاء شيعتهم فقد قتل معلّم أولاده إمام العربية يعقوب ابن السكّيت حين سأله: من أحب إليك؟ هما ـ يعني ولديه المعتز والمؤيد ـ أو الحسن والحسين؟ فقال ابن السكّيت: قنبر ـ يعني مولي علي ـ خير منهما، فأمر الأتراك فداسوا بطنه حتي مات، وقيل أمر بسلّ لسانه فمات، وذلك في سنة (244 هـ) [2] .

وأهم حدث في زمن المتوكّل فيما يخص حياة أهل البيت(عليهم السلام) بحيث يكشف عمّا وصل إليه الرأي العام الإسلامي من التوجه إليهم والاهتمام بهم في الوقت الذي كان العباسيون يفقدون فيه موقعهم في النفوس هو حدث



[ صفحه 92]



إشخاص المتوكّل للإمام علي الهادي(عليه السلام) من مدينة جدّه ووطنه الي سجون سرّ من رأي بعيداً عن حواضر العلم والدين والأدب.

ففي سنة (234 هـ) أي بعد سنتين [3] من سيطرته علي كرسي الخلافة أمر المتوكل يحيي بن هرثمة بالذهاب إلي المدينة والشخوص بالإمام إلي سامراء، وكانت للإمام (عليه السلام) مكانة رفيعة بين أهل المدينة، ولمّا همّ يحيي بإشخاصه اضطربت المدينة وضج اهلها كما ينقل يحيي نفسه، حيث قال: دخلت المدينة فضج أهلها ضجيجاً عظيماً، ما سمع الناس بمثله خوفاً علي علي ـ اي الإمام الهادي (عليه السلام) ـ وقامت الدنيا علي ساق، لأنه كان محسناً إليهم ملازماً المسجد، لم يكن عنده ميل إلي الدنيا فجعلت أسكتهم، وأحلف لهم أني لم أومر فيه بمكروه وأنه لا بأس عليه ثم فتّشت منزله فلم أجد إلاّ مصاحف وأدعية، وكتب علم، فعظم في عيني [4] .

ونستفيد من هذه الرواية اُموراً منها:

1 ـ قوة تأثير الإمام الهادي (عليه السلام) وانشداد الناس إليه وتعلقهم به لكثرة احسانه إليهم، ولأنه يجسّد الرسول والرسالة في هديه وسلوكه.

2 ـ خشية السلطة العباسية من تعاظم أمر الإمام (عليه السلام) ومن سهولة اتصال الجماعة الصالحة به، وإشخاصه إلي سامراء يعتبر إبعاداً له عنهم ومن ثم يمكن وضعه تحت المراقبة الشديدة.

3 ـ تأثر قائد الجيش العباسي ـ يحيي بن هرثمة ـ بالامام (عليه السلام) وتعظيمه له; لكذب الاتهامات حوله بالنسبة لعدّ العدة والسلاح للاطاحة



[ صفحه 93]



بالخليفة العباسي.

4 ـ عزوف الإمام (عليه السلام) عن الدنيا وملازمة المسجد متخذاً من سيرة آبائه نبراساً له، ومن المسجد طريقاً لبث علوم أهل البيت (عليهم السلام) وتصحيح معتقدات الاُمة.

5 ـ عزل الإمام (عليه السلام) عن شيعته ومحبيه، فسامراء مدينة أسسها المعتصم العباسي وكانت تسكنها غالبية تركية (قوّاد وجنود) ولم يكونوا يعبؤون بالدين والقيم قدر اهتمامهم بالسيطرة والسلطة.


پاورقي

[1] تاريخ الخلفاء، السيوطي: 347.

[2] تاريخ الخلفاء: 348.

[3] أن تاريخ الرسالة التي استقدم بها المتوكل الإمام الهادي(عليه السلام) علي ما في جملة من المصادر هو سنة

(244 هـ) وليس (234 هـ)، ويشهد لذلك ما صرّح به الشيخ المفيد(قدس سره) من أن مدّة إقامة الإمام الهادي بسرّ من رأي عشر سنين وأشهراً، وحيث استشهد في سنة (254 هـ) فيظهر من ذلك أن استقدامه كان سنة (244 هـ) أي بعد اثنتي عشرة سنة من حكم المتوكّل، وهو غير بعيد.

[4] تذكرة الخواص، سبط ابن الجوزي: 203.