بازگشت

الامام في طريقه الي سامراء


وحاول ابن هرثمة في الطريق إحسان عِشرة الإمام(عليه السلام) وكان يري من الإمام (عليه السلام) الكرامات التي ترشده الي عظمة الإمام ومكانته وحقيقة أمره وتوضح له الجريمة التي يرتكبها في إزعاج الإمام(عليه السلام) والتجسّس عليه.

عن يحيي بن هرثمة قال: رأيت من دلائل أبي الحسن الأعاجيب في طريقنا، منها: انا نزلنا منزلاً لا ماء فيه، فأشفينا دوابنا وجمالنا من العطش علي



[ صفحه 98]



التلف وكان معنا جماعة وقوم قد تبعونا من أهل المدينة، فقال أبو الحسن: كأنّي أعرف علي أميال موضع ماء. فقلنا له: ان نشطت وتفضلت عدلت بنا إليه وكنا معك فعدل بنا عن الطريق.

فسرنا نحو ستة أميال فأشرفنا علي واد كأنه زهو الرياض فيه عيون وأشجار وزروع وليس فيها زراع ولا فلاح ولا أحد من الناس، فنزلنا وشربنا وسقينا دوابّنا واقمنا الي بعد العصر، ثم تزودنا وارتوينا وما معنا من القرب ورحنا راحلين فلم نبعد أن عطشت.

وكان لي مع بعض غلماني كوز فضة يشده في منطقته وقد استسقيته فلجلج لسانه بالكلام ونظرت فإذا هو قد أنسي الكوز في المنزل الذي كنا فيه فرجعت اضرب بالسوط علي فرس لي، جواد سريع واغد السير حتي اشرفت علي الوادي، فرأيته جدباً يابساً قاعاً محلاً لا ماء ولا زرع ولا خضرة ورأيت موضع رحالنا ورؤث دوابنا وبعر الجمال ومناخاتهم والكوز موضوع في موضعه الذي تركه الغلام فأخذته وانصرفت ولم أعرفه شيئاً من الخبر.

فلما قربت من القطر والعسكر وجدته(عليه السلام) ينتظرني فتبسم ولم يقل لي شيئاً ولا قلت له سوي ما سأل من وجود الكوز، فأعلمته أني وجدته.

قال يحيي: وخرج في يوم صائف آخر ونحن في ضحو وشمس حامية تحرق فركب من مضربه وعليه ممطر وذنب دابته معقود وتحته لبد طويل.

فجعل كل من في العسكر وأهل القافلة يضحكون ويقولون هذا الحجازي ليس يعرف الري فسرنا أميالاً حتي ارتفعت سحابة من ناحية القبلة واظلمت واضلتنا بسرعة وأتي من المطر الهاطل كأفواه القرب فكدنا نتلف وغرقنا حتي جري الماء من ثيابنا الي ابداننا وامتلأت خفافنا وكان أسرع وأعجل من أن يمكن أن نحط ونخرج اللبابيد، فصرنا شهرة ومازال(عليه السلام) يتبسم



[ صفحه 99]



تبسماً ظاهراً تعجباً من أمرنا.

قال يحيي: وصارت إليه في بعض المنازل امرأة معها ابن لها أرمد العين ولم تزل تستذل وتقول معكم رجل علوي دلوني عليه حتي يرقي عين ابني هذا. فدللناها عليه، ففتح عين الصبي حتي رأيتها ولم أشكّ انها ذاهبة فوضع يده عليها لحظة يحرك شفتيه ثم نحّاها فإذا عين الغلام مفتوحة صحيحة ما بها علّة [1] .

ومرّ الركب ببغداد ـ في طريقه الي سامراء ـ فقابل ابن هرثمة واليها اسحاق بن ابراهيم الطاهري فأوصاه بالإمام(عليه السلام) خيراً واستوثق من حياته بقوله: يا يحيي إنّ هذا الرجل قد ولده رسول الله(صلي الله عليه وآله)، والمتوكل مَن تعلم، وإن حرّضته علي قتله كان رسول الله(صلي الله عليه وآله) خصمك.

فأجابه يحيي: والله ما وقفت له إلاّ علي كل أمر جميل [2] .

وحين وصل الركب الي سامراء بدأ ابن هرثمة بمقابلة وصيف التركي ـ وهو ممّن كان يشارك في تنصيب الخليفة وعزله ومناقشته في أعماله ـ وممّا قاله وصيف ليحيي: والله لئن سقطت من رأس هذا الرجل ـ ويقصد به الإمام الهادي(عليه السلام) ـ شعرة لا يكون المطالب بها غيري.

قال ابن هرثمة: فعجبت من قولهما وعرّفت المتوكّل ما وقفت عليه من حسن سيرته وسلامة طريقه وورعه وزهادته وأني فتشت داره فلم أجد فيها غير المصاحف وكتب العلم وانّ أهل المدينة خافوا عليه، فأحسن جائزته وأجزل برّه [3] .



[ صفحه 100]



غير أن هذا الإكرام الذي ادّعاه ابن هرثمة يتنافي مع ما أمر به المتوكل من حجب الإمام(عليه السلام) عنه في يوم وروده الي سامراء، ويزيد الأمر إبهاماً وتساؤلاً هو أمره بإنزال الإمام(عليه السلام) في مكان متواضع جدّاً يُدعي بخان الصعاليك [4] .

قال صالح بن سعيد: دخلت علي أبي الحسن(عليه السلام) فقلت له: جعلت فداك في كل الاُمور أرادوا اطفاء نورك والتقصير بك حتي أنزلوك هذا الخان الأشنع، خان الصعاليك [5] .

وليس ببعيد أن تكون الصورة التي نقلها يحيي للمتوكل عن الإمام(عليه السلام) ومدي نفوذ شخصيّته حتي عند الولاة والقوّاد مدعاةً للضغط علي الإمام(عليه السلام) والسعي للتضييق الحقيقي عليه من خلال الحيلولة بينه وبين ارتباطه بقواعده وإن كان ذلك بالتظاهر بالإكرام كما نراه في النص الذي نُقل عن يحيي، ولا يغيب عن مثل يحيي مدي كره المتوكل لآل أبي طالب بشكل عام وللإمام الهادي(عليه السلام) بشكل خاص.


پاورقي

[1] إثبات الوصية: 225.

[2] مروج الذهب: 4 / 85.

[3] مروج الذهب: 4 / 85، وتذكرة الخواص: 359.

[4] الارشاد: 313 ـ 314.

[5] الكافي: 1 / 498.