بازگشت

الامام في سامراء


إنّ حجب المتوكل للإمام الهادي(عليه السلام) لدي وروده والأمر بإنزاله في خان الصعاليك لو لاحظناه مع ما جاء في رسالة المتوكل للإمام الهادي(عليه السلام) يحمل بين طيّاته صورة واضحة من نظرة المتوكل الي الإمام(عليه السلام). فهو لا يأبي من تحقير الإمام وإذلاله كلما سنحت له الفرصة. ولكنه كان يحاول التعتيم علي ما يدور في قرارة نفسه ولهذا أمر بعد ذلك بإفراد دار له فانتقل



[ صفحه 101]



العلم بأن المتوكل هو الذي كان قد استدعي الإمام(عليه السلام) وكان يعلم بقدومه عليه، ولابد أن يكون قد استعد لذلك.

وعلي أية حال فالذي يبدو من سير الأحداث أن المتوكل حاول بكل جهده ليكسب ودّ الإمام ويورّطه فيما يشتهي من القبائح التي كان يرتكبها المتوكل.

وحاول المتوكل غير مرّة إفحام الإمام(عليه السلام) بالرغم من أنه كان يضطر الي الالتجاء إليه حين كان يعجز علماء البلاط أو وعّاظ السلاطين عن تقديم الأجوبة الشافية في الموارد الحرجة.

وإليك جملة من هذه الموارد:

1 ـ إنّ نصرانياً كان قد فجر بامرأة مسلمة فأراد المتوكل أن يقيم عليه الحد فأسلم. فقال ابن الأكثم: قد هدم ايمانه شركه وفعله. وقال بعضهم يضرب ثلاثة حدود. وقال آخرون غير ذلك، فأمر المتوكل بأن يكتب الي الإمام الهادي(عليه السلام) وسؤاله عن ذلك فلما قرأ الكتاب، كتب: يضرب حتي يموت.

فأنكر ابن الأكثم وسائر فقهاء العسكر وطالبوا الإمام بالحجة من الكتاب والسنة فكتب(عليه السلام): بسم الله الرحمن الرحيم: (فلمّا رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنّا به مشركين - فلم يك ينفعهم ايمانهم لمّا رأوا بأسنا سنّت الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون). فأمر المتوكل فضرب حتي مات [1] .

2 ـ وحين نذر المتوكل أن يتصدّق بمال كثير واختلف الفقهاء في تحديد المال الكثير، أشار عليه أحد ندمائه بالسؤال من الإمام(عليه السلام) قائلاً: ألا تبعث الي هذا الأسود فتسأله عنه؟ فقال له المتوكل: من تعني؟ ويحك! فقال له: ابن



[ صفحه 102]



الرضا. فقال له: وهو يحسن من هذا شيئاً؟ فقال: إن أخرجك من هذا فلي عليك كذا وكذا وإلاّ فاضربني مائة قرعة. فبعث من يسأل له ذلك من الإمام فأجاب الإمام بأن الكثير ثمانون. فلما سُئل عن دليل ذلك أجاب قائلاً: (ولقد نصركم الله في مواطن كثيرة) فعددناها فكانت ثمانين [2] .

إنّ هذا التنكّر من المتوكّل للإمام(عليه السلام) أو هذا التعجب من أنه قادر علي الإجابة وقد عرفنا موارد منها ليشير الي مدي حقد المتوكل وتعمّده في تسقيط الإمام(عليه السلام) أمام الآخرين. ولكنه لم يفلح حتي أنه كان يبادر للتعتيم الإعلامي علي فضائل الإمام(عليه السلام) ومناقبه، كما نري ذلك بعد ردّه علي اسئلة ابن الأكثم حيث قال ابن الأكثم للمتوكل: ما نحب أن تسأل هذا الرجل عن شيء بعد مسائلي هذه وانّه لا يرد عليه شيء بعدها إلاّ دونها وفي ظهور علمه تقوية للرافضة [3] .

3 ـ ومن جملة القضايا التي حاول إحراج الإمام فيها قضية زينب الكذّابة حيث أمر الإمام(عليه السلام) بالنزول الي بركة السباع.

قال أبو هاشم الجعفري: ظهرت في أيام المتوكل امرأة تدّعي أنها زينب بنت فاطمة بنت رسول الله(صلي الله عليه وآله) فقال المتوكّل: أنت امرأة شابة وقد مضي من وقت رسول الله(صلي الله عليه وآله) ما مضي من السنين، فقالت: إنّ رسول الله(صلي الله عليه وآله) مسح عليّ وسأل الله أن يردّ عليّ شبابي في كل أربعين سنة، ولم أظهر للناس الي هذه الغاية فلحقتني الحاجة فصرت اليهم.

فدعا المتوكل مشايخ آل أبي طالب وولد العباس وقريش وعرّفهم حالها فروي جماعة وفاة زينب في سنة كذا، فقال لها: ما تقولين في



[ صفحه 103]



هذه الرواية؟

فقالت: كذب وزور، فإنّ أمري كان مستوراً عن الناس، فلم يعرف لي حياة ولا موت، فقال لهم المتوكل: هل عندكم حجّة علي هذه المرأة غير هذه الرواية؟ فقالوا: لا، فقال: هو بريء من العبّاس إن لا أنزلها عمّا ادّعت إلاّ بحجة.

قالوا: فأحضر ابن الرضا(عليه السلام) فلعلّ عنده شيئاً من الحجة غيرما عندنا. فبعث إليه فحضر فأخبره بخبر المرأة فقال: كذبت فإنّ زينب توفيت في سنة كذا في شهر كذا في يوم كذا، قال: فإنّ هؤلاء قد رووا مثل هذه وقد حلفت أن لا أنزلها إلاّ بحجّة تلزمها.

قال: ولا عليك فههنا حجّة تلزمها وتلزم غيرها، قال: وماهي؟ قال: لحوم بني فاطمة محرّمة علي السباع فأنزلها الي السباع فإن كانت من ولد فاطمة فلا تضرّها، فقال لها: ما تقولين؟ قالت: إنّه يريد قتلي، قال: فههنا جماعة ولد الحسن والحسين(عليهما السلام) فأنزل من شئت منهم، قال: فوالله لقد تغيّرت وجوه الجميع، فقال بعض المبغضين: هو يحيل علي غيره لم لا يكون هو؟

فمال المتوكل الي ذلك رجاء أن يذهب من غير أن يكون له في أمره صنع فقال: يا أبا الحسن لم لا تكون أنت ذلك؟ قال: ذاك إليك قال: فافعل، قال: أفعل. فاُتي بسلّم وفتح عن السباع وكانت ستة من الأسد فنزل أبو الحسن إليها فلما دخل وجلس صارت الاُسود إليه فرمت بأنفسها بين يديه، ومدّت بأيديها، ووضعت رؤوسها بين يديه فجعل يمسح علي رأس كل واحد منها، ثم يشير اليه بيده الي الاعتزال فتعتزل ناحية حتي اعتزلت كلّها وأقامت بازائه.

فقال له الوزير: ماهذا صواباً فبادر بإخراجه من هناك، قبل أن ينتشر



[ صفحه 104]



خبره فقال له: يا أبا الحسن ما أردنا بك سوءاً وإنّما أردنا أن نكون علي يقين ممّا قلت فاُحبّ أن تصعد، فقام وصار الي السلّم وهي حوله تتمسّح بثيابه.

فلمّا وضع رجله علي أوّل درجة التفت إليها وأشار بيده أن ترجع، فرجعت وصعد فقال: كلّ من زعم أنّه من ولد فاطمة فليجلس في ذلك المجلس، فقال لها المتوكّل: انزلي، قالت: الله الله ادّعيتُ الباطل، وأنا بنت فلان حملني الضرّ علي ما قلت، قال المتوكلّ: ألقوها الي السباع، فاستوهبتها والدته [4] .

إنّ هذه المواقف من الإمام(عليه السلام) لم تكن لتثني المتوكل عما كان يراوده من الضغط علي الإمام(عليه السلام) ومحاولة تسقيطه وعزله عن عامة الناس وخواص أتباعه. وكان رصده للإمام(عليه السلام) لا يشفي غليله فكان يفتش دار الإمام (عليه السلام) بشكل مستمر وكان ذلك واحداً من أساليبه لإهانة الإمام(عليه السلام) أو طريقاً للعثور علي مستمسك يسوّغ له الفتك بالإمام(عليه السلام).


پاورقي

[1] الكافي: 7 / 238.

[2] الكافي: 7 / 463.

[3] المناقب: 2 / 443.

[4] بحار الأنوار: 50 / 149.