بازگشت

تفتيش دار الإمام


لم تحقق وسائل السلطة ـ في التضييق علي الإمام ومراقبته ـ أهدافها في ضبط بعض القضايا التي تؤكد صحة الوشايا بالإمام، فكثيراً ما سعي بعض المتزلفين للخليفة بالإمام (عليه السلام) وأوغروا صدره ضد الإمام (عليه السلام) واخبروا الخليفة كذباً وزوراً بأن لديه السلاح وتجبي إليه الاموال من الأقاليم، إلي غيرها من الأكاذيب التي كانت تدفع بالخليفة إلي ارسال جنده وبعض قواده إلي دار الإمام(عليه السلام) وتفتيشها، ثم استدعاء الإمام (عليه السلام) إلي بلاط المتوكل الذي كان ثملاً علي مائدة شرابه، حتي أنّ المتوكل الثمل بعد أن أعظم الإمام وأجلسه إلي جانبه ناوله الكأس.



[ صفحه 105]



فقال له الإمام (عليه السلام): يا أمير المؤمنين ما خامر لحمي ودمي قط فأعفني فأعفاه.

ثم قال له المتوكل: أنشدني شعراً.

فأجابه الإمام (عليه السلام): اني لقليل الرواية للشعر.

فقال له المتوكل: لا بد من ذلك.

فانشده الإمام(عليه السلام) الأبيات التالية:



باتوا علي قلل الأجبال تحرسهم

غلب الرجال فما أغنتهم القُلَلُ



واستنزلوا من بعد عز من معاقلهم

فاودعوا حفراً يابئس ما نزلوا



ناداهم صارخ من بعد ما قبروا

أين الاسرة والتيجان والحللُ



أين الوجوه التي كانت منعمة

من دونها تضرب الاستار والكلل



فأفصح القبر عنهم حين ساءلهم

تلك الوجوه عليها الدود يقتتلُ



قد طال ما أكلوا دهراً وما شربوا

فأصبحوا بعد طول الأكل قد أُكلوا



فبكي المتوكل، ثم أمر برفع الشراب وقال: يا ابا الحسن أعليك دين؟ قال: نعم أربعة آلاف دينار، فدفعها إليه ورده إلي منزله مكرّماً.

ومرّة اُخري حين مرض المتوكل من خُرّاج خرج به وأشرف منه علي الهلاك، فلم يجسر أحدٌ أن يمسّه بحديدة، فنذرت اُمّه إن عوفي أن تحمل إلي أبي الحسن عليّ بن محمد مالاً جليلاً من مالها وقال له الفتح بن خاقان: لو بعثت الي هذا الرجل فسألته فإنّه لا يخلو أن يكون عنده صفة يفرّج بها عنك.

فبعث إليه ووصف له علّته، فرّد إليه الرّسول بأن يؤخذ كسب الشاة فيداف بماء ورد فيوضع عليه. فلمّا رجع الرّسول فأخبرهم أقبلوا يهزؤون من قوله، فقال له الفتح: هو والله أعلم بما قال، واُحضر الكسبُ وعمل كما قال ووضع عليه فغلبه النوم وسكن، ثم انفتح وخرج منه ما كان فيه وبشّرت اُمه



[ صفحه 106]



بعافيته، فحملت إليه عشرة آلاف دينار تحت خاتمها.

ثم استقلّ من علّته فسعي إليه البطحائي العلوي بأنّ أموالاً تحمل إليه وسلاحاً، فقال لسعيد الحاجب: اهجم عليه باللّيل وخذ ما تجد عنده من الأموال والسلاح واحمله إليّ، قال إبراهيم بن محمّد: فقال لي سعيد الحاجب: صرت الي داره بالليل ومعي سلّم فصعدت السطح، فلمّا نزلت علي بعض الدرج في الظلمة لم أدر كيف أصل الي الدار.

فناداني: يا سعيد مكانك حتي يأتوك بشمعة، فلم ألبث أن أتوني بشمعة فنزلت فوجدته عليه جبّة صوف وقلنسوة منها وسجادة علي حصير بين يديه، فلم أشكّ أنه كان يصلي، فقال لي: دونك البيوت، فدخلتها وفتّشتها فلم أجد فيها شيئاً ووجدت البدرة في بيته مختومة بخاتم اُمّ المتوكل وكيساً مختوماً وقال لي: دونك المصلّي، فرفعته فوجدت سيفاً في جفن غير ملبّس، فأخذت ذلك وصرت إليه.

فلمّا نظر الي خاتم اُمّه علي البدرة بعث إليها فخرجت إليه، فأخبرني بعض خدم الخاصّة أنها قالت له: كنت قد نذرت في علّتك لمّا آيست منك إن عوفيت حملت إليه من مالي عشرة آلاف دينار فحملتها إليه وهذا خاتمي علي الكيس وفتح الكيس الآخر فإذا فيه أربعمائة دينار.

فضمّ الي البدرة بدرة اُخري وأمرني بحمل ذلك إليه فحملته ورددت السيف والكيسين وقلت له: يا سيّدي عزّ عليّ، فقال لي: (سيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون).

غير أنّ الإمام(عليه السلام) لم يأبه لكل أدوات المراقبة والتضييق عليه بل كانت أساليبه أدقّ وكان نفوذه في جهاز السلطة يمكّنه من التحرّك بالشكل الذي يراه مناسباً مع تلك الظروف.



[ صفحه 107]



ومما يعزز ذلك ما رواه الشيخ الطوسي (رضي الله عنه) بإسناده عن محمد بن الفحام، ان الفتح بن خاقان قال: قد ذكر الرجل ـ يعني المتوكل ـ خبر مال يجيء من قم، وقد أمرني أن أرصده لأخبره، فقلت له، فقل لي: من أي طريق يجيء حتي أجيئه؟ فجئت إلي الإمام علي بن محمد(عليهما السلام) فصادفت عنده من احتشمه فتبسم وقال لي: لا يكون إلاّ خيراً يا ابا موسي، لِم لم تعد الرسالة الاولي؟

فقلت: أجللتك يا سيدي. فقال لي: المال يجيء الليلة وليس يصلون إليه فبت عندي.

فلما كان من الليل وقام إلي ورده قطع الركوع بالسلام وقال لي: قد جاء الرجل ومعه المال، وقد منعه الخادم الوصول إليّ فاخرج وخذ ما معه.

فخرجت فاذا معه زنفِيلجه [1] فيها المال: فأخذته ودخلت به إليه، فقال: قل له هات المحنقة التي قالت له القمية انها ذخيرة جدتها، فخرجت له فأعطانيها، فدخلت بها إليه، فقال لي: قل له الجبة التي أبدلتها منها ردّها إليها. فخرجت إليه فقلت له ذلك، فقال: نعم كانت ابنتي استحسنتها فأبدلتها بهذه الجبة وأنا أمضي فأجيء بها.

فقال: اخرج فقل له: ان الله يحفظ ما لنا وعلينا. هاتها من كتفك،

فخرجت الي الرجل فأخرجها من كتفه فغشي عليه، فخرج إليه (عليه السلام)، فقال له: قد كنت شاكاً فتيقنت [2] .

وفي الرواية دلالات كثيرة لكنّ أهمّ ما يلفت النظر فيها هو:

أولاً: إن الإمام كان يعرف شك السلطة وهو آخذ حذره ومستيقظ



[ صفحه 108]



ومتأهّب للأمر; لذا أجاب من سأله عن المال بأنه سيصل ولا سبيل للمتوكل وجلاوزته عليه، وفعلاً وصل المال سالماً.

ثانياً: إن حامل المال إلي الإمام (عليه السلام) كان يُريد ان يختبر الإمام (عليه السلام) أو يبحث عن وسيلة لليقين بإمامته (عليه السلام) لذا نجد الإمام يرشد مستلم المال إلي امور لا يعرفها إلاّ حامله كالجبة التي كان قد أخفاها تحت كتفه وزاد(عليه السلام) الأمر وضوحاً بقوله: أتيقنت؟ مشيراً الي ما كان يكنّه هذا الرجل في نفسه، وما يروم أن يصل إليه وهو معرفة الإمام بهذه الاُمور وقد أيقن واطمأن حينما أخبره رسول الإمام(عليه السلام) بما كان يضمره.

ثالثاً: إن أنصار الإمام(عليه السلام) وأتباعه كان لهم حضور فاعل في البلاط وهم عيون الإمام بدل أن يكونوا عملاء السلطة. وفيما يلي من خبر اعتقال الإمام(عليه السلام) أيضاً شواهد اُخري علي هذه الحقيقة.


پاورقي

[1] معرّب: زنبيلچه: زنبيل صغير.

[2] امالي الشيخ الطوسي: 276 ح 528، والمناقب: 4 / 444.