بازگشت

الحالة السياسية العامة


مارس الإمام الهادي(عليه السلام) مهامّه القيادية في حكم المعتصم سنة (220هـ) واستشهد في حكم المعتزّ سنة (254 هـ) وخلال هذه السنوات الأربعة والثلاثين قد عاصر ستة من ملوك بني العباس الذين لم يتمتّعوا بلذة الحكم والخلافة كما تمتّع آباؤهم حيث تراوحت فترة خلافة كل منهم بين ستة أشهر وخمسة الي ثمان سنوات سوي المتوكل الذي دام حكمه خمسة عشر عاماً.

ويعتبر عهد المتوكل العباسي بدء العصر العباسي الثاني وهو عصر نفوذ الأتراك (232 ـ 334 هـ) واعتبره البعض بدء عصر انحلال الدولة العباسية، الذي انتهي بسقوطها علي أيدي التتار سنة (656 هـ).

وكان لسياسة المتوكل وأسلافه الاثر البالغ في انفصال بعض أمصار الدولة واستقلالها عن السلطة المركزية بالتدريج، حيث نشأت دويلات صغيرة وكيانات متنافسة فيما بينها، كالسامانية والبويهية والحمدانية والغزنوية والسلجوقية بعد هذا العصر [1] .

وكما كان لهذه الدويلات تأثير في تقدم الحضارة الإسلامية باعتبار



[ صفحه 120]



انفتاح بعض الاُمراء علي العلم والعلماء لكنّها أضعفت كيان الدولة العباسية سياسيّاً لأنها قد ساهمت في ايجاد شرخ في وحدة الدولة الإسلامية الكبري.

وقد يعزي هذا الانفصال وتشكيل هذه الدويلات ـ اضافة إلي الاضطهاد وتعسف سلاطين الدولة العباسية ـ إلي استخدام الأتراك في مناصب الدولة الحساسة، واعتمادهم كقوة رادعة ضد معارضي الدولة العبّاسية إذ أصبح الجيش يتكون منهم قيادة وأفراداً، بينما اُبعد العرب وسواهم عن تلك المناصب مما أثار حفيظة العرب ضد السلوك السياسي للدولة العبّاسية وبالتالي أدي إلي الانفصال عنها.

وكان المعتصم أوّل الخلفاء العباسيين الذين استعانوا بالاتراك وأسندوا إليهم مناصب الدولة وأقطعوهم الولايات الإسلامية [2] .

وقد انتهج المتوكل سياسة العنف تجاه العلويين وشيعة أهل البيت(عليهم السلام) فضلاً عن أهل البيت(عليهم السلام) أنفسهم وتجلّي ذلك بوضوح في أمره بهدم قبر الإمام الحسين بن علي (عليه السلام) وما حوله من الدور بل أمر بحرثه وبذره وسقي موضع القبر ومنع الناس من زيارته وتوعّد بالسجن علي من زاره [3] .

وقد أثار المتوكل بهذه السياسة حفيظة المسلمين بشكل عام، وأهل بغداد بشكل خاصّ وقد ردوا علي الإهانات التي ألحقها بالعلويين فسبّوه في المساجد والطرقات [4] .

وفي زمن المتوكل أصابت مدن العراق مجاعة شديدة وهلك كثير من الناس، وانتهز الروم فرصة ضعف الدولة فاستأنفوا غاراتهم علي أراضيها فأغاروا علي دمياط وفتكوا بأهلها وأحرقوا دورهم، ثم غزوا فيليفيا جنوبي



[ صفحه 121]



آسيا الصغري وهزموا أهلها هزيمة منكرة [5] .

وفي عام (235 هـ) عهد المتوكل إلي أولاده الثلاثة المنتصر والمعتز والمؤيد، بيد أنه رأي أن يقدّم المعتز علي اخويه لمحبته أم المعتز (قبيحة) ولكن المنتصر غضب لذلك فدبّر مع أخواله الأتراك مؤامرة لاغتيال أبيه، وحاول بعض الأتراك في دمشق اغتيال المتوكل غير أنّ محاولتهم تلك باءت بالفشل بفضل ما عمله بغا الكبير والفتح بن خاقان [6] .

ولم ينج المتوكل من الاغتيال فقد قتل فيما بعد، بعد اتفاق بغا الصغير وباغر التركي للتخلص منه وتنصيب ابنه المنتصر عام (247 هـ).

وكان المنتصر يحسن للعلويين مخالفاً بذلك سياسة أبيه، وتجلّت سياسته في إزالة الخوف عنهم والسماح لهم بزيارة قبر الحسين(عليه السلام).

ولم يدم حكم المنتصر طويلاً فقد تآمر عليه الأتراك وقتلوه عن طريق طبيبه طيفور في سنة (248 هـ) [7] .

وبعد مقتل المنتصر تولي كرسيّ الخلافة المستعين بالله سنة (248 هـ) وأرجع عاصمته الي بغداد غير أن الأتراك لم يأمنوا جانبه، فاتفق باغر التركي مع جماعته علي خلع المستعين ونصب المعتز مكانه [8] .

ووقعت بينهما حرب دامت عدة اشهر انتهت بابعاد المستعين إلي واسط ثم قتله غيلة [9] .

كما أن المعتز لم ينج من أعمال العنف والتعسف التي قام بها قوّاد الدولة العباسية من الأتراك فقتل شرّ قتلة علي أيديهم وذلك سنة (255 هـ).



[ صفحه 122]



وكان اغتيال الإمام الهادي(عليه السلام) في حكم المعتزّ في سنة (254 هـ). [10] .

إنّ ضعف شخصيّة الحكّام هو أحد عوامل التفكك والانهيار الذي أصاب الدولة الإسلامية، وقد رافقه نفوذ زوجاتهم واُمّهاتهم الي جانب سيطرة الأتراك الذين اعتمدوا عليهم للتخلّص من نفوذ الإيرانيين والعرب، كما كان لظلم الاُمراء والوزراء دوره البالغ في زعزعة ثقة الناس

بالحكّام وإثارة الفتن والشغب داخل بلاد المسلمين [11] تمرّداً علي ظلم الظالمين ونهب ثروات المسلمين والاستهتار بالقيم الإسلامية والتبذير في بيت مال المسلمين.

إنّ ضعف شخصيّة الحكّام أدّي الي سقوط هيبتهم عند الولاة ممّا دعاهم الي الاتّجاه نحو الاستقلال بشكل تدريجي لعلمهم بضعف مركز الخلافة وانهماك الحكام بالملاهي والملذّات.

وقد شجّع الحكّام الاُمراء وعمّالهم علي الاهتمام بجمع الأموال وارسالها الي الخليفة ونيل رضاه واتّقاء تساؤلاته عن تصرّفات الاُمراء.

وأدّت هذه الظاهرة الي طغيان المقاييس المادّية واستقرارها في مختلف الشرائح الاجتماعية.

وقد ساعدت الفتوحات ـ التي كانت أشبه بالغزو لإحكام السيطرة علي الأراضي بدل فتح القلوب والعقول ـ علي استحكام المقاييس المادية لأنها كانت تدرّ الأموال والغنائم علي الجيش الفاتح فكانت مصدراً من مصادر الثروة التي يفكّر بها الحكّام والاُمراء.



[ صفحه 123]




پاورقي

[1] تاريخ الاسلام السياسي: 3 / 1 بتصرف.

[2] تاريخ الإسلام السياسي: 3 / 2 ويراجع تاريخ الطبري: 7 حول ازدياد نفوذ الاتراك في عصر المعتصم.

[3] تاريخ الطبري: 11 / 44.

[4] تاريخ الإسلام السياسي: 3 / 5.

[5] تاريخ الإسلام السياسي: 3 / 5.

[6] مروج الذهب: 2 / 390.

[7] تاريخ الطبري: 7 أحداث عام 248 هـ.

[8] مروج الذهب: 2 / 407 ـ 408.

[9] الكامل في التاريخ: 7 / 50 وما بعدها.

[10] تاريخ اليعقوبي: 2 / 503.

[11] لقد توالت حوادث الشغب في بغداد من سنة (249 هـ) وتجدّدت أربع مرات حتي سنة (252 هـ) وبدأت مشاغبات الخوارج من سنة (252 هـ) واستمرت الي سنة (262 هـ). ورافقها ظهور صاحب الزنج سنة (255هـ)، وهذه سوي ما سيأتي من انتفاضات العلويين خلال النصف الأوّل من القرن الثالث الهجري.