بازگشت

العباسيون والإمام الهادي


تدرّجت سياسة الحكّام العباسيين في مناهضة أهل البيت(عليهم السلام) بعد أن عرفوا موقعهم الديني والاجتماعي المتميّز وأنهم لا يداهنون من أجل الحكم والملك بل إنهم أصحاب مبدأ وعقيدة وقيم، فكانت سياسة السفّاح والمنصور والرشيد تتلخص في الرقابة المشدّدة والتضييق مع فسح المجال للتحرك المحدود ورافقها خلق البدائل العلمية لئلا ينفرد أهل البيت(عليهم السلام) بالمرجعية العلمية والدينية في الساحة الاجتماعية فكان الدعم المباشر من الحكّام لأئمة المذاهب وتبنّي بعضها والدعوة إليها في هذا الطريق.

ولكن كل هذه الأساليب لم تفلح في التعتيم الاعلامي وتوجيه الأنظار عن أهل البيت(عليهم السلام) الي غيرهم فكانت سياسة المأمون هي سياسة الاحتواء التي نفّذها مع الإمام الرضا(عليه السلام).

غير أن المأمون حين أدرك عدم امكان احتواء الإمام(عليه السلام) قضي عليه، لكنه بتزويجه لابنته اُم الفضل من الإمام الجواد(عليه السلام) قد أحكم الرقابة علي



[ صفحه 126]



ولده الإمام الجواد(عليه السلام) بشكل ذكي جداً، ولم يسمح المعتصم للإمام الجواد(عليه السلام) ـ وهو في ريعان شبابه ـ ليبقي في مدينة جدّه بل استدعاه وقضي عليه بالسم لأنه قد أدرك أيضاً عدم امكان احتوائه بل عدم امكان احكام الرقابة عليه من داخل بيته وخارجه.

وهنا جاء دور المتوكل ومن تبعه لسجن الإمام والتضييق عليه بأنحاء شتّي، فتمّ استدعاء الإمام الهادي(عليه السلام) وعُرِّض لأنواع الاحتقار والتسقيط والتضييق ـ كما لاحظنا ـ واُحكمت الرقابة علي كل تصرفاته داخل البيت وخارجه، بنحو قد تجنّبوا فيه إثارة الرأي العام حيث تظاهروا بإكرام الإمام واحترامه واعزازه (عليه السلام)، بينما وصلت الرقابة الي أبعد حدّ. وكانت قضية الإمام المهدي المنتظر(عليه السلام) من الأسباب المهمة التي دعت السلطة لإحكام الرقابة عليه لئلاّ يولد الإمام المهدي(عليه السلام) إن أمكن أو للاطلاع علي وجوده إن كان قد وُلد، ومن ثم القضاء عليه.

وقد بقي الإمام الهادي(عليه السلام) تحت رقابة الحكّام العباسيين مدة طويلة تزيد علي العشرين عاماً [1] ، وهي فترة طويلة جداً إذا ما قسناها مع فترة ولاية العهد للإمام الرضا(عليه السلام) أو فترة بقاء الإمام الجواد(عليه السلام) في بغداد في زمن المعتصم.

وفي هذا مؤشر واضح لتغيير العباسيين سياستهم العامة تجاه أئمة أهل البيت(عليهم السلام).


پاورقي

[1] وقد عرفت أن بعض المصادر صرّحت بأن مدة إقامته(عليه السلام) في سامراء عشر سنوات وأشهر.