بازگشت

التحصين التربوي


بالرغم من كل الظروف التي فرضت علي الإمام الهادي(عليه السلام) لعزله عن شيعته ومحبّيه فإنّا نجد الإمام(عليه السلام) يمارس مسؤولياته التربوية بكل ما يتسني له من الوسائل التي تكون أبلغ في التأثير، فهو تارة يدعو لبعض شيعته ويتوجّه الي الله ليقضي حوائجهم، واُخري يلبّي حاجاتهم المادية فيسعفهم بمقدار من المال. وثالثة يباشرهم بالكلام الصريح حول المزالق التي تنتظرهم.

فهذا أخوه موسي الذي نصب له المتوكل مصيدة ليوقعه فيما هو غير لائق به ويفضحه ويفضح أخاه الإمام الهادي(عليه السلام) يتصدّي الإمام بنفسه ليواجهه قبل أن يلتقي بالمتوكل ويحاول أن يبصّره بحقيقة ما ينتظره من مخاوف وأخطار معنوية [1] .

وفي أكثر من مورد يبادر الإمام(عليه السلام) لتقديم تجربة حسيّة يعيش من خلالها اتباعه معني التوجه الي الله واللجأ إليه في المهمّات ثم يبصّرهم بعد ذلك أهمية هذا المبدأ.

فعن أبي محمد الفحّام بالإسناد عن أبي الحسن محمد بن أحمد قال: حدثني عمّ أبي قال: قصدت الإمام يوماً فقلت انّ المتوكّل قطع رزقي وما اتّهم في ذلك إلاّ علمه بملازمتي لك، فينبغي أن تتفضل عليّ بمسألته فقال: تكفي إن شاء الله فلما كان في الليل طرقني رسل المتوكل رسولاً يتلو رسولاً، فجئت اليه فوجدته في فراشه فقال: يا أبا موسي تشغل شغلي عنك وتنسينا نفسك أي شيء لك عندي؟

فقلت: الصّلة الفلانية، وذكرت أشياء فأمر لي بها وبضعفها، فقلت للفتح وافي عليّ بن محمد الي هيهنا وكتب رقعة؟ قال: لا، قال: فدخلت علي الإمام فقال لي: يا أبا موسي هذا وجه الرضّا، قلت: يا سيّدي ولكن قالوا انّك ما مضيت



[ صفحه 183]



اليه ولا سألت قال: إنّ الله تعالي علم منّا انّا لا نلجأ في المهمّات إلاّ إليه ولا نتوكّل في الملمّات إلاّ عليه وعوّدنا إذا سألناه الإجابة ونخاف أن نعدل فيعدل.

وعن علي بن جعفر قال: عرضت مؤامرتي علي المتوكل فأقبل عليّ عبيدالله ابن يحيي فقال: لا تتعبن نفسك، فانّ عمر بن أبي الفرج أخبرني أنه رافضي فانه وكيل علي بن محمد، فأرسل عبيدالله إليّ فعرفني أنه قد حلف ألا يخرجني من الحبس إلاّ بعد موتي بثلاثة أيام.

قال فكتب الي أبي الحسن: ان نفسي قد ضاقت وقد خفت الزيغ، فوقّع إلي: اما إذا بلغ الأمر منك ما قلت فينا، فسأقصد الله تبارك وتعالي فيك. فما انقضت أيام الجمعة حتي خرجت من الحبس [2] .

ويمكن تلخيص المنهج العام للتربية وبناء الذات عند الإمام الهادي(عليه السلام) بما يلي:

1 ـ التوجيه التربوي من خلال الأحاديث التربوية التي تقدّم للإنسان أهم المفاهيم التربوية [3] .

2 ـ التأكيد علي طاعة الله تعالي.

3 ـ التأكيد علي أهمية التوجه الي الله في الحوائج وعدم طلب الحوائج من غيره [4] .

4 ـ أهمية الدعاء والالتزام به في بلورة روح التوحيد والتوكّل علي الله.

5 ـ الدعاء للمؤمنين.

6 ـ السعي في قضاء حوائجهم.

7 ـ الربط العاطفي بالقدوة الصالحة المتمثلة في أهل البيت(عليهم السلام) من خلال زياراتهم ودراسة سيرتهم.



[ صفحه 184]



وأما دعاؤه للمؤمنين وسعيه في قضاء حوائجهم فيشهد له ما يلي:

1 ـ ما مرّ من أن الإمام(عليه السلام) أجاب علي كتاب عمر بن أبي الفرج إليه بأنّ نفسي قد ضاقت وقد خفت الزيغ فوقّع الإمام(عليه السلام) إليه: أما إذا بلغ الأمر منك ما قلت فينا فسأقصد الله تبارك وتعالي فيك. فما انقضت أيام حتي خرج من الحبس [5] .

2 ـ روي المجلسي عن الخرائج: روي عن محمد بن الفرج أنه قال: إن أبا الحسن كتب إليّ: أجمع أمرك، وخذ حذرك، قال: فأنا في جمع أمري لست أدري ماالذي أراد فيما كتب به إليّ حتي ورد عليّ رسول حملني من مصر مقيّداً مصفّداً بالحديد، وضرب علي كلّ ما أملك.

فمكث في السجن ثماني سنين ثم ورد عليّ كتاب من أبي الحسن(عليه السلام) وأنا في السجن «لا تنزل في ناحية الجانب الغربيّ» فقرأت الكتاب فقلت في نفسي: يكتب إلي أبو الحسن (عليه السلام) بهذا وأنا في الحبس إنّ هذا لعجيب! فما مكث إلاّ أياماً يسيرة حتي اُفرج عني، وحلّت قيودي وخلّي سبيلي.

ولما رجع الي العراق لم يقف ببغداد لما أمره أبو الحسن(عليه السلام) وخرج الي سرّ من رأي.

قال: فكتبت إليه بعد خروجي أسأله أن يسأل الله ليردّ عليّ ضياعي فكتب إليّ سوف يردّ عليك، وما يضرّك أن لا تردّ عليك.

قال علي بن محمد النوفلي: فلما شخص محمد بن الفرج الي العسكر كتب له بردّ ضياعه، فلم يصل الكتاب إليه حتي مات [6] .

وقضاء حوائج المؤمنين بالإضافة الي دوره التربوي يعدّ خطوة من خطوات التحصين الاقتصادي لهم، حيث يشكّل عاملاً من عوامل استقلالهم وعدم اضطرارهم للخضوع الي كثير ممّا يستذلّ به الحكّام رعيّتهم.



[ صفحه 185]




پاورقي

[1] راجع الكافي: 1 / 502.

[2] راجع مسند الإمام الهادي(عليه السلام): 112 و 121.

[3] راجع تراثه التربوي والأخلاقي في الفصل الأخير من الباب الرابع.

[4] راجع تحف العقول: 361، وكشف الغمة: 3 / 176.

[5] مسند الإمام الهادي(عليه السلام): 121.

[6] بحار الأنوار: 50 / 140.