بازگشت

المقدمة


الحمدلله رب العالمين، باري ء الخلائق أجمعين، و الصلاة و السلام علي أشرف خلقه، و سيد بريته محمد و آله الطاهرين.

اللهم صل علي ولي أمرك، و حجتك علي خلقك، الامام النقي علم الهدي و منار التقي، و العروة الوثقي، و العاشر من الأئمة النجباء، الامام أبي الحسن محمد بن علي الهادي، صلواتك عليهم أجمعين.

و بعد، فأقول: ان أئمة أهل البيت عليهم السلام سفن النجاة، الذين اصطفاهم الله لدينه، و جعلهم خلفاء في أرضه، و حججا علي بريته، بهم بدأ، و بهم يختم، و بولايتهم تقبل الطاعة المفترضة و المودة الواجبة.

بين يدي دراسة مفصلة، و بحث مستفيض، عن حياة امام من أئمة الهدي، و هو الكوكب العاشر في سماء شمس النبوة، و سليل الرسالة، الامام أبوالحسن علي ابن محمد الهادي، الذي ملأ الدنيا علما و فقها و دراية، فهو قبس من الشعلة الوهاجة لنور الرسالة، و سيرته امتداد لسيرة آبائه الطاهرين، في تبليغ أحكام الدين، و رسالة سيد المرسلين، التي جاء بها من رب العالمين.

لقد عاني امامنا المفدي ما عاني آباؤه الطاهرون من ظلم، و جور، و تعسف



[ صفحه 8]



و سجن، و تحمل الصعاب، كما عاني جده الامام موسي بن جعفر الكاظم عليه السلام من ظلم طاغية زمانه هارون الرشيد.

و الامام الهادي عليه السلام لصنوف العنت و العذاب من قبل طاغية زمانه المتوكل العباسي، من الارهاب السياسي، و الارعاب الفكري، و لم تأخذه في الله لومة لائم، في أداء رسالة جده، و هداية امته، و لم تلن له قناة، و بقي يتحمل الأهوال صامدا صابرا، كالطود الشامخ في مقارعة الحكم الفاسد المنحرف عن خط الاسلام الأصيل، و طواغيت عصره.

هذا ما كان من موقفه السياسي، المفروض عليه من حكام زمانه، في سامراء، و في عهد طاغية عصره الجبار - المتوكل العباسي -.

و أما سيرته الذاتية عليه السلام فهي واضحة كالشمس في رابعة النهار، ينتهل من علومه كل صادي، و يهرع الي ركنه كل ضال، و عندما سنحت له الفرصة في نشر معارفه، ما ادخر وسعا في تعليم الجاهل، و ارشاد الضال، و تكريم العالم، و تشجيع العامل لتعظيم الشعائر، و نشر المعارف علي كل الأصعدة، و في كل البقاع، و هذا غيض من فيض مكارم أخلاقه، التي اخترقت حجب السجون و ظلم المطامير، حتي استشهد مسموما صابرا، و التحق بالرفيق الأعلي صلوات الله عليه.

و لا غرو، فان أئمة أهل البيت عليهم السلام مفتاح كل خير، و منهل كل علم، و مربع كل خلق كريم، و مأوي كل ضال، سيرتهم منبع الفضائل، و روائع أفعالهم قلائد في أعناق الخلائق، فما من عالم سمي بعلمه الا و هو عيال عليهم، و هم أساتذته أيا كان و في أي فرع نبغ، منهم أخذ، و بهم اقتدي.

حتي ان كل عالم فذ، و عبقري لوذعي، برز في علمه وفنه في أي بقعة كان من بقاع العالم، يفتخر بالانتساب الي مدرسة أهل البيت عليهم السلام العالية، و جامعته



[ صفحه 9]



الرشيدة، سواء تتلمذ عليهم مباشرة أو غير ذلك، و يفتخر بالانتساب الي أحد أفذاذ الأئمة الطاهرين من أهل البيت عليهم السلام.

و من أجل ذلك خافهم حكام زمانهم في كل عصر و مصر، سواء حكام الأمويين منهم أو العباسيين، فكادوا لهم الغوائل، و تفننوا في أذاهم من تعذيب نفسي و جسدي، مزعزعين بهم في اشخاصهم قهرا الي عواصم حكمهم، في بغداد، أو خراسان، أو سامراء، و زجهم في السجون المظلمة و الطوامير الرهيبة حينا، أو التظاهر بالمودة و الحب و التقرب اليهم حينا، و لم يمتنع الأئمة الطاهرون رغم كل ذلك عن تبليغ رسالة الاسلام، في ارشاد الضال، و توعية الامة، و تعرية الحكام، و تبليغ الرسالة، في اسلوب علمي رصين و دراسة عميقة، تحكي في سلوكها ما جاء به الرسول الأعظم صلي الله عليه و آله في رسالته، رغم شدة الظروف الحرجة التي مارسها حكام الظلم و الجور ضد أئمة أهل البيت عليهم السلام حتي قضوا عليهم مشردين في بقاع الأرض.



مشردون نفوا عن عقر دارهم

كأنهم قد جنوا ما ليس يغتفر



لعلك تجد - عزيزي القارئ - قلة الرواية عنه عليه السلام بالنسبة الي ما رواه آباؤه الطاهرون، و قلة الرواة عنه مباشرة، حيث كان أصحابه يروون عنه بالمكاتبة، و السبب يعود الي ما ذكرنا آنفا، بالاضافة الي قصر عمره الشريف، كما أن أصحابه و رواة الحديث عنه يعبرون عنه بكني عديدة، و ألقاب شتي، خوفا و تقية، منها: أبوالحسن الهادي، و أبوالحسن الثالث، و أبوالحسن الأخير، و أبوالحسن العسكري، و الرجل، و الطيب، و الأخير، و العالم، و الدليل، و الناصح، و النقي، و الفقيه، و الفقيه العسكري، و غيرها، كل تلك الكني و الألقاب، المقصود منها الامام أبوالحسن علي ابن محمد الهادي عليه السلام.

و ختاما، اني ما أدعي الاستقصاء و التوصل الي سبر غور الامام في ترجمته،



[ صفحه 10]



أو التوصل مكارم أخلاقه و صفاته الحميدة، و هل يعطي الشي ء فاقده؟

و هل يمكن للانسان أن يتبحر في عين الشمس في رابعة النهار الا و يرجع خاسئا حسيرا، أمام الشعاع الباهر، و النجم الزاهر و البحر العجاج المتلاطم الأمواج، الذي لا يسبر غوره و لا يدرك ضفافه، لذلك وقفت عاجزا أما عظمة الامام أبي الحسن علي بن الهادي عليه السلام، و ما يحيط من سيرته و سلوكه، و لا يترك الميسور بالمعسور، و اين أترك المجال لمواصلة البحث و التحقيق للكتاب و المحققين الذين يأتون بعدي عسي أن يستطيعوا الغوص في بحار علمه و استخراج اللآلي من مكنونه.

و هذا النزر اليسير جهدي المتواضع، بقدر ادراكي و معرفتي، لا بقدره و عظمته.

و لعلك تجد - عزيزي القارئ - هفوة تعبير، أو زلة قلم، فاني أستميحك عذرا، راجيا اعلامي مواضع الخطأ، و الاشارة اليه لتلافيه في الطبعات التالية ان شاء الله.

و سيلي بعد هذا، المجلد الخامس عشر من سيرة حياة الكوكب الحادي عشر الامام أبي محمد الحسن بن علي العسكري صلوات الله عليهم أجمعين.

و منه أستمد العون و التسديد و التوفيق، فانه أرحم الراحمين.

و آخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين، و الصلاة و السلام علي خير خلقه و أفضل بريته، محمد و آله الطاهرين.

العبد المنيب الراجي عفو ربه

حسين الشاكري

دارالهجرة - قم المقدسة

الفاتح من شهر رجب الفرد سنة 1419 ه



[ صفحه 11]