بازگشت

نبوغه المبكر


تميز الامام الهادي عليه السلام و منذ طفولته المبكرة بنبوغ مذهل و ذاء حاد، و هو في ذلك لا يختلف عن باقي أسلافه الكرام الأئمة المعصومين من آل البيت عليهم السلام،



[ صفحه 39]



ولكنه تميز لأنه اسند اليه منصب الامامة بعد شهادة أبيه عليهم السلام و هو في سن الثامنة من عمره الشريف، و هذا من أوضح الكرامات و المعجزات التي اختص بها الأئمة من عترة المصطفي عليهم السلام، و لا تفسير لهذه الظاهرة الا القول بما تذهب اليه الشيعة من أن الله تعالي قد أمد أئمة أهل البيت عليهم السلام بالعلم و الحكمة و آتاهم من الفضل ما لم يؤت أحدا من العالمين من غير فرق بين الصغير و الكبير منهم.

و قد ذكر الرواة بوادر كثيرة من ذكائه، كان منها أن المعتصم بعدما اغتال الامام الجواد عليه السلام عهد الي عمر بن الفرج أن يشخص الي يثرب ليختار معلما لأبي الحسن الهادي البالغ من العمر آنذاك نحو ثمان سنين علي أكثر تقدير و قيل: ست سنين و أشهرا، و قد عهد اليه أن يكون المعلم معروفا بالنصب و الانحراف عن أهل البيت عليهم السلام، ليغذيه ببغضهم.

روي المسعودي باسناده عن الحميري، عن محمد بن سعيد مولي لولد جعفر ابن محمد، قال: قدم عمر بن الفرج الرخجي المدينة حاجا بعد مضي أبي جعفر الجواد عليه السلام، فأحضر جماعة من أهل المدينة و المخالفين المعادين لأهل بيت رسول الله صلي الله عليه و آله، فقال لهم: ابغوا لي رجلا من أهل الأدب و القرآن و العلم، لا يوالي أهل هذا البيت، لأضمه الي هذا الغلام و اوكله بتعليمه، و أتقدم اليه بأن يمنع منه الرافضة الذين يقصدونه.

فأسموا له رجلا من أهل الأدب يكني أباعبدالله، و يعرف بالجنيدي، و كان متقدما عند أهل المدينة في الأدب و الفهم، ظاهر الغضب و العداوة.

فأحضره عمر بن الفرج و أسني له الجاري من مال السلطان، و تقدم اليه بما أراد، و عرفه أن السلطان أمره باختيار مثله و توكيله بهذا الغلام.

قال: فكان الجنيدي يلزم أباالحسن عليه السلام في القصر بصريا، فاذا كان الليل



[ صفحه 40]



أغلق الباب و أقفله، و أخذ المفاتيح اليه، فمكث علي هذا مدة، و انقطعت الشيعة عند و عن الاستماع منه و القراءة عليه، ثم اني لقيته في يوم جمعة، فسلمت عليه، و قلت له: ما حال هذا الغلام الهاشمي الذي تؤدبه؟

فقال منكرا علي: تقول الغلام، و لا تقول الشيخ الهاشمي! انشدك الله هل تعليم بالمدينة أعلم مني؟ قلت: لا.

قال: فاني والله أذكر له الحزب من الأدب، أظن أني قد بالغت فيه، فيملي علي بما فيه أستفيده منه، و يظن الناس أني اعلمه و أنا و الله أتعلم منه.

قال: فتجاوزت عن كلامه هذا كأني ما سمعته منه.

ثم لقيته بعد ذلك، فسلمت عليه، و سأته عن خبره و حاله، ثم قلت: ما حال الفتي الهاشمي؟

فقال لي: دع هذا القول عنك، هذا و الله خير أهل الأرض، و أفضل من خلق الله تعالي، و انه لربما هم بالدخول فأقول له: تنظر حتي تقرأ عشرك. فيقول لي: أي السور تحب أن أقرأها؟ و أنا أذكر له من السور الطوال ما لم يبلغ اليه، فيهذها بقراءة لم أسمع أصح منها من أحد قط، بأطيب من مزامير داود النبي التي بها من قراءته يضرب المثل.

قال: ثم قال: هذا مات أبوه بالعراق، و هو صغير بالمدينة، و نشأ بين هذه الجواري السود، فمن أين علم هذا؟

قال: ثم ما مرت به الأيام و الليالي حتي لقيته فوجدته قد قال بامامته و عرف الحق و قال به، و في سبع سنين من امامته عليه السلام مات المعتصم في سنة 227 ه و لأبي الحسن عليه السلام أربع عشرة سنة. [1] .



[ صفحه 41]



و هذا الحديث و غيره يدل علي العلم الحضوري و النور الجلي و السر الخفي الذي حباه رب العالمين للأئمة الهداة من عترة المصطفي عليه السلام.

روي الصفار بالاسناد عن علي بن محمد النوفلي، قال: سمعت أباالحسن العسكري عليه السلام يقول: اسم الله الأعظم ثلاثة و سبعون حرفا، و انما كان عند آصف حرف واحد، فتكلم به فانخرقت له الأرض فيما بينه و بين سبأ، فتناول عرش بلقيس حتي صيره الي سليمان، ثم انبسطت له الأرض في أقل من طرفة عين؛ و عندنا منه اثنان و سبعون حرفا، و حرف واحد عندالله تعالي مستأثر به في علم الغيب. [2] .


پاورقي

[1] اثبات الوصية: 222.

[2] بحارالأنوار 3 / 26: 27.