بازگشت

الهداية و الارشاد


اهتم الامام الهادي عليه السلام بارشاد الضالين و المنحرفين عن جادة الحق و سعي سعيا حثيثا الي هدايتهم الي سواء السبيل، و كان من بين من أرشدهم الامام



[ صفحه 50]



و هداهم جعفر بن القاسم الهاشمي البصري، الذي كان يقول بالوقف، فالتقي به الامام الهادي عليه السلام في بعض الطرق فقال له: الي كم هذه النومة؟ أما آن لك أن تنتبه منها؟ [1] فأثرت هذه الكلمة في نفسه فرجع الي الحق.

و من مظاهر ارشاد الضالين و المنحرفين الي طريق الله و صراطه المستقيم ما رواه المسعودي باسناده عن الفتح بن يزيد الجرجاني لما ضمه مع الامام عليه السلام الطريق حين قدموا به من المدينة - في حديث - قال: تلطفت في الوصول اليه فسلمت عليه، فرد السلام، فقلت: يابن رسول الله، أتأذن لي في كلمة اختلجت في صدري ليلتي الماضية؟ فقال عليه السلام: سل واصغ الي جوابها سمعك، فان العالم و المتعلم شريكان في الرشد مأموران بالنصيحة، فأما الذي اختلج في صدرك، فان يشاء العالم أنبأك أن الله (لم يظهر علي غيبه أحدا الا من ارتضي من رسول) [2] ، و كل ما عند الرسول فهو عند العالم، و كل ما أطلع الرسول عليه فقد أطلع أوصياءه عليه.

يا فتح، عسي الشيطان أراد اللبس عليك، فأوهمك في بعض ما أوردت عليك، و أشكك في بعض ما أنبأتك حتي أراد ازالتك عن طريق الله و صراطه المستقيم، فقلت: متي أيقنت أنهم هكذا، فهم أرباب؛ معاذ الله انهم مخلوقون مربوبون مطيعون، داخرون راغمون، فاذا جاءك الشيطان بمثل ما جاءك به، فاقمعه بمثل ما نباتك به.

قال فتح: فقلت له: جعلني الله فداك، فرجت عني و كشفت ما لبس الملعون



[ صفحه 51]



علي، فقد كان أوقع في خلدي أنكم أرباب! قال: فسجد عليه السلام فسمعته يقول في سجوده: راغما لك يا خالقي، داخرا خاضعا، ثم قال: يا فتح، كدت أن تهلك، و ما ضر عيسي أن هلك من هلك، اذا شئت رحمك الله.

قال: فخرجت و أنا مسرور بما كشف الله عني من اللبس، فلما كان في المنزل الآخر دخلت عليه، و هو متكي، و بين يديه حنطة مقلوة يعبث بها، و قد كان أوقع الشيطان لعنه الله في خلدي أنه لا ينبغي أن يأكلوا و لا يشربوا.

فقال: اجلس يا فتح، فان لنا بالرسل اسوة، كانوا يأكلون و يشربون و يمشون في الأسواق، و كل جسم متغذي الا خالق الأجسام الواحد الأحد منشئ الأشياء و مجسم الأجسام، و هو السميع العليم، تبارك الله عما يقول الظالمون و علا علوا كبيرا، ثم قال: اذا شئت رحمك الله. [3] .

و كان عليه السلام دقيقا في تتبع أصحابه حريصا علي ارشادهم الي الصواب، قال الحسن بن مسعود: دخلت علي أبي الحسن علي بن محمد عليه السلام الهادي و قد نكبت [4] اصبعي، و تلقاني راكب و صدم كتفي، و دخلت في زحمة فخرقوا علي بعض ثيابي فقلت: كفاني الله شرك من يوم، فما أشأمك.

فقال عليه السلام لي: يا حسن، هذا و أنت تغشانا! ترمي بذنبك من لا ذنب له.

قال الحسن: فأثاب الي عقلي، و تبينت خطأي، فقلت: يا مولاي، أستغفر الله.

فقال: يا حسن، ما ذنب الأيام حتي صرتم تتشأمون بها اذا جوزيتم



[ صفحه 52]



بأعمالكم فيها.

قال الحسن: أنا أستغفر الله أبدا، و هي توبتي يابن رسول الله.

قال عليه السلام: و الله ما ينفعكم، ولكن الله يعاقبكم بذمها علي ما لا ذم عليها فيه، أما علمت يا حسن أن الله هو المثيب و المعاقب و المجازي بالأعمال عاجلا و آجلا؟ قلت: بلي يا مولاي.

قال عليه السلام: لا تعد، و لا تجعل للأيام صنعا في حكم الله. قال الحسن: بلي يا مولاي. [5] .

لقد كان الامام عليه السلام يدعو الي الاصلاح و الارشاد بمكارم أخلاقه و حسن سيرته و تواضعه و احسانه، و قد استطاع ببركة و عظه و ارشاده أن ينقذ جماعة ممن أغرتهم الدنيا فضاعوا في متاهتها، فتركوا ما هم فيه و ساروا الي ساحل الأمان. [6] .

و لقد أسمع الموعظة و الارشاد حتي لألد أعدائه و هو المتوكل العباسي، حين استنشده الشعر، فأنشده عليه السلام:



باتوا علي قلل الأجبال تحرسهم

غلب الرجال فما أغنتهم القلل



القصيدة [7] ، فجعل المتوكل يبكي و يبكي الحاضرين من ندمائه و هو في نشوة السكر و التكبر و الزهو.



[ صفحه 53]




پاورقي

[1] مدينة المعاجز 2459 / 456: 7.

[2] الجن: 26 و 27.

[3] اثبات الوصية: 199.

[4] أي مالت لعلة أصابتها، أو خدشت.

[5] تحف العقول: 482.

[6] راجع بعض الأمثلة علي ذلك في معاجزه عليه السلام، و تصديه لأهل البدع و الغلاة و الواقفة، و قد اهتدي بهديه و قال بامامته زرافة حاجب المتوكل من دار الخلافة، و سيأتي ذلك موقف الحكام من الامام عليه السلام.

[7] ستأتي في مواقف الحكام من الامام عليه السلام.