في البلايا و المنايا
1 - عن خيران الأسباطي، قال: قدمت علي أبي الحسن علي بن محمد الهادي عليه السلام المدينة، فقال لي: ما خبر الواثق عندك؟ قلت: جعلت فداك، خلفته في عافية، أنا من أقرب الناس عهدا به، عهدي به منذ عشرة أيام. قال: فقال لي: ان أهل المدينة يقولون: انه مات. فقلت: أنا أقرب الناس به عهدا. قال: قال لي: ان الناس يقولون: انه مات. فلما قال لي: ان الناس يقولون، علمت أنه يعني نفسه.
ثم قال لي: ما فعل جعفر؟ قلت: تركته أسوأ الناس حالا في السجن. قال: فقال: أما انه صاحب الأمر، ما فعل ابن الزيات؟ قلت: الناس معه و الأمر أمره، فقال: أما انه شؤم عليه. قال: ثم سكت، و قال لي: لا بد أن تجري مقادير الله و أحكامه. يا خيران، مات الواثق، و قد قعد المتوكل جعفر، و قد قتل ابن الزيات. قلت: متي جعلت فداك؟ قال: بعد خروجك بستة أيام. [1] .
[ صفحه 155]
2 - و عن سعيد بن سهل البصري الملقب بالملاح، قال: حدث لبعض أولاد الخلفاء وليمة، فدعانا مع أبي الحسن عليه السلام، فدخلنا فلما رأوه أنصتوا اجلالا له، و جعل شاب في المجلس لا يوقره، و جعل يلعب و يضحك، فأقبل عليه و قال: «يا هذا، أتضحك مل ء فمك و تذهل عن ذكر الله تعالي، و أنت بعد ثلاثة أيام من أهل القبور؟!» فقلنا: هذا دليل حتي ننتظر ما يكون.
قال: فأمسك الفتي و كف عما هو فيه، و طعمنا و خرجنا، فلما كان بعد يوم اعتل الفتي و مات في اليوم الثالث من أول النهار، و دفن في آخره. [2] .
3 - و عنه، قال: اجتمعنا أيضا في وليمة لبعض أهل سر من رأي، و أبوالحسن عليه السلام معنا، فجعل رجل يلعب و يمزح، و لا يري له اجلالا، فأقبل علي جعفر و قال: «انه لا يأكل من هذا الطعام، و سوف يرد عليه من خبر أهله ما ينغص عيشه»، فقدمت المائدة، فقال: ليس بعد هذا خبر، و قد بطل قوله، فوالله لقد غسل الرجل يده، و أهوي الي الطعام، فاذا غلامه قد دخل من باب البيت يبكي، و قال له: الحق أمك، فقد وقعت من فوق البيت و هي الي الموت أقرب.
فقال جعفر: قلت: و الله لا وقفت بعد هذا، و قطعت عليه أنه الامام. [3] .
4 - و عن أبي يعقوب، قال: رأيت محمد بن الفرج قبل موته بالعسكر في
[ صفحه 156]
عشية من العشايا، و قد استقبل أباالحسن عليه السلام، فنظر اليه نظرا شافيا، فاعتل محمد ابن الفرج من الغد، فدخلت عليه عائدا بعد أيام من علته، فحدثني أن أباالحسن عليه السلام قد أنفذ اليه بثوب، و أرانيه مدرجا تحت رأسه، قال: فكفن فيه والله. [4] .
5 - قال علي بن محمد النوفلي: و كتب علي بن الخصيب الي محمد بن الفرج بالخروج الي العسكر، فكتب الي أبي الحسن عليه السلام يشاوره، فكتب اليه أبوالحسن عليه السلام: اخرج فان فيه فرجك ان شاء الله. فخرج فلم يلبث الا يسيرا حتي مات. [5] .
6 - و عن أبي يعقوب، قال: رأيت أباالحسن عليه السلام مع أحمد بن الخصيب يتسايران، و قد قصر أبوالحسن عليه السلام عنه، فقال له ابن الخصيب: سر جعلت فداك، فقال أبوالحسن: أنت المقدم، فما لبثنا الا أربعة أيام حتي وضع الدهق [6] علي ساق ابن الخصيب و قتل. [7] .
7 - و روي محمد بن عياض، عن هارون، عن رجل كان رضيع أبي جعفر
[ صفحه 157]
الثاني عليه السلام، قال: بينا أبوالحسن عليه السلام جالس مع مؤدب له - يعني أبازكريا - و أبوجعفر عندنا ببغداد، و أبوالحسن يقرأ في لوح علي مؤدبه، اذا بكي بكاء شديدا، فسأله المؤدب: مم بكاؤك يا سيدي؟ فلم يجبه، فقال له: ائذن لي بالدخول. فأذن له، فدخل فارتفع الصياح من داره بالبكاء، ثم خرج الينا فسألوه عن السبب في بكائه، فقال: ان أباجعفر أبي عليه السلام توفي الساعة.
قال: قلنا له: فما علمك؟
قال: دخلني من اجلال الله عزوجل شي ء لم أكن أعرفه قبل ذلك، فعلمت أن أبي قد مضي.
قال: فعرفنا ذلك الوقت باليوم و الشهر الي أن ورد خبره، فاذا هو قد مات في ذلك الوقت بعينه. [8] .
8 - و روي محمد بن جعفر الملقب بسجادة، عن الحسن بن علي الوشاء، قال: حدثتني ام محمد مولاة أبي الحسن الرضا عليه السلام بالخبر، و هي مع الحسن بن موسي، قالت: دنا أبوالحسن علي بن محمد من الباب و قد ذعر حتي جلس في حجر ام أبيها بنت موسي، فقالت له: فديتك، ما لك؟
قال لها: مات أبي، و الله، الساعة. قالت: فكتبنا ذلك اليوم، فجاءت وفاة أبي جعفر عليه السلام في ذلك اليوم الذي أخبر. [9] .
9 - و روي معاوية بن حكيم، عن أبي الفضل الشامي، عن هارون بن
[ صفحه 158]
الفضل، قال: رأيت أباالحسن عليه السلام صاحب العسكر في اليوم الذي توفي فيه أبوه أبوجعفر عليه السلام، يقول: انا لله و انا اليه راجعون، مضي و الله أبوجعفر عليه السلام.
فقلت له: كيف تعلم و هو ببغداد و أنت هاهنا بالمدينة!
فقال: لأنه تداخلني ذلة و استكانة لله عزوجل، لم أكن أعرفها. [10] .
10 - و روي المعلي بن محمد، عن أحمد بن محمد بن عبدالله، عن علي بن محمد النوفلي، قال: قال علي بن محمد عليه السلام لما بدأ المتوكل بعمارة الجعفري [11] في سر من رأي: يا علي، ان هذا الطاغية يبتلي ببناء مدينة لا تتم، و يكون حتفه فيها قبل تمامها، علي يد فرعون من فراعنة الأتراك.
ثم قال: يا علي، ان الله عزوجل اصطفي محمدا صلي الله عليه و آله بالنبوة و البرهان، و اصطفانا بالمحبة و التبيان، و جعل كرامة الصفوة لمن تري، يعني نفسه عليه السلام. [12] .
11 - و روي أن رجلا من أهل المدائن كتب اليه يسأله عما بقي من ملك المتوكل، فكتب عليه السلام: بسم الله الرحمن الرحيم: (قال تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه في سنبله الا قليلا مما تأكلون - ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث
[ صفحه 159]
الناس و فيه يعصرون) [13] فقتل في أول الخامس عشر. [14] .
12 - روي أبوالقاسم البغدادي، عن زرافة حاجب المتوكل، قال: أراد المتوكل أن يمشي علي بن محمد بن الرضا عليه السلام يوم السلام، فقال له وزيره: ان في هذا شناعة عليك و سوء قالة، فلا تفعل، قال: لا بد من هذا.
قال: فان لم يكن بد من هذا فتقدم بأن يمشي القواد و الأشراف كلهم، حتي لا يظن الناس أنك قصدته بهذا دون غيره، ففعل و مشي عليه السلام و كان الصيف، فوافي الدهليز و قد عرق، قال: فأجلسته في الدهليز، و مسحت وجهه بمنديل، و قلت: ابن عمك لم يقصدك بهذا دون غيرك، فلا تجد عليه في قلبك. فقال: ايها عنك (تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب). [15] .
قال زرافة: و كان عندي معلم يتشيع، و كنت كثيرا امازحه بالرافضي، فانصرفت الي منزلي وقت العشاء و قلت: تعال يا رافضي حتي احدثك بشي ء سمعته اليوم من امامكم. قال لي: و ما سمعت؟ فأخبرته بما قال.
قال: فقال: أقول لك فاقبل نصيحتي. قلت: هاتها. قال: ان كان علي بن محمد قال بما قلت، فاحترز و اخزن كل ما تملكه، فان المتوكل يموت أو يقتل بعد ثلاثة أيام، فغضبت عليه و شتمته و طردته من بين يدي فخرج.
فلما خلووت بنفسي تفكرت و قلت: ما يضرني أن آخذ بالحزم، فان كان من هذا شي ء كنت قد أخذت بالحزم، و ان لم يكن لم يضرني ذلك.
[ صفحه 160]
قال: فركبت الي دار المتوكل، فأخرجت كل ما كان لي فيها، و فرقت كل ما كان في داري الي عند أقوام أثق بهم، و لم أترك في داري الا حصيرا أقعد عليه. فلما كانت الليلة الرابعة قتل المتوكل، و سلمت أنا و مالي، و تشيعت عند ذلك، فصرت اليه، و لزمت خدمته، و سألته أن يدعو لي، و تواليته حق الولاية. [16] .
پاورقي
[1] الارشاد 301: 2، الكافي 1 / 416: 1، اعلام الوري: 358، مناقب ابن شهرآشوب 410: 4، الخرائج و الجرائح 13 / 407: 1، الفصول المهمة: 279، بحارالأنوار 48 / 158: 50.
[2] الثاقب في المناقب: 536، المناقب 414: 4، اعلام الوري: 364.
[3] الثاقب في المناقب: 537، المناقب 415: 4، اعلام الوري: 364.
[4] الارشاد 306: 2، الكافي 6 / 419: 1، اعلام الوري: 359، مناقب ابن شهرآشوب 414: 4، الثاقب في المناقب: 537.
[5] الارشاد 305: 2، الكافي 418: 1، اعلام الوري: 359، بحارالأنوار 141: 50.
[6] الدهق: خشبتان تعصر بهما الساق للتعذيب.
[7] الارشاد 306: 2، الكافي 419: 1، اعلام الوري: 359، الخرائج و الجرائح 11 / 681: 2، بحارالأنوار 23 / 139: 50.
[8] دلائل الامامة: 379 / 415، بصائر الدرجات: 2 / 487، اثبات الوصية: 194.
[9] دلائل الامامة: 374 / 413، اثبات الوصية: 194، كشف الغمة 174: 3.
[10] دلائل الامامة: 378 / 415، بصائر الدرجات: 3 / 487 و 5، الكافي 5 / 312: 1، اثبات الوصية: 194، نوادر المعجزات: 8 / 189.
[11] الجعفري: اسم قصر بناه المتوكل قرب سامراء، و استحدث عنده مدينة انتقل اليها، و فيه قتل سنة 247 ه.
[12] دلائل الامامة: 376 / 415، اثبات الوصية: 202.
[13] يوسف: 49 - 47.
[14] بحارالأنوار 186: 50، عن عيون المعجزات.
[15] هود: 65.
[16] بحارالأنوار 32 / 147: 50.